قرار مجلس الجامعة في شأن الآثار المالية المترتبة على القرار الإداري الصادر بإيفاد أستاذ لحضور مؤتمر دولي - اعتباره من قبيل القرارات التنفيذية التي لا ترتفع إلى مرتبة القرارات الإدارية .
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 547
(46)
جلسة 26 من يناير سنة 1964
برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي رئيس المجلس وعضوية السادة/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف ومحمد تاج الدين يس وعبد الفتاح نصار وأبو الوفا زهدي المستشارين.
القضية رقم 1119 لسنة 6 القضائية
( أ ) بدل سفر - القرار الصادر من مجلس الجامعة بتكليف أحد الأساتذة تمثيل الجامعة في مؤتمر دولي - مقتضاه وجوب قيام الأستاذ بهذا التكليف على نحو مرض - عودة الأستاذ بإرادته المنفردة بعد سفره دون أن يحضر المؤتمر - انتفاء سبب الالتزام الجامعة بتنفيذ أي أثر من الآثار المالية التي تترتب على الوفاء بالمهمة مصدر الالتزام.
(ب) قرار إداري - قرار مجلس الجامعة في شأن الآثار المالية المترتبة على القرار الإداري الصادر بإيفاد أستاذ لحضور مؤتمر دولي - اعتباره من قبيل القرارات التنفيذية التي لا ترتفع إلى مرتبة القرارات الإدارية - أساس ذلك وأثره - جواز سحب التسويات المالية الخاطئة في أي وقت دون التقيد بميعاد.
1 - إن القرار الإداري الصادر من الجهات المختصة في ظل أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 22/ 2/ 1956 الخاص بتنظيم المؤتمرات باختيار المدعي لتمثيل الجامعة في مؤتمر جمعية المحاسبين بمدينة سباتل بواشنطن من 27 إلى 30 من أغسطس سنة 1956، إنما يلقي على المدعي تكليفاً من جانب جهة الإدارة بمهمة رسمية تتصل بأعباء الوظيفة الملقاة على عاتقه بصفته أستاذاً للمحاسبة بكلية التجارة، بحيث يتعين عليه القيام بهذا التكليف على نحو مرض باعتباره ممثلاً للجامعة المصرية في هذا المؤتمر الدولي الذي سيكون أحد أعضائه، فإذا ما تخلف أو قصر في أدائه كان محلاً للمؤاخذة هذا من ناحية، ومن جهة أخرى فإن هذا التكليف يلزم الجامعة في ذات الوقت بأعباء مالية تتحمل بها في حدود القواعد المالية المقررة في هذا الشأن وعلى حد ما صدر به القرار المذكور فيما أشار به مجلس الجامعة من أن ينظر في الوضع المالي على ضوء الميزانية القادمة. وتأسيساً على ذلك فإنه ما دام المدعي قد عاد من أمريكا بإرادته المنفردة دون أن يحضر المؤتمر فإنه يكون قد تخلف عن إنجاز التكليف الذي عهد إليه به مما يستتبع حتماً وبطريق اللزوم انتفاء سبب التزام الجامعة بتنفيذ أي أثر من الآثار المالية التي قد تترتب على الوفاء بالمهمة مصدر الالتزام.
إن ما أصدره مجلس الجامعة في شأن الآثار المالية المترتبة على القرار الإداري الصادر بإيفاد المدعي لحضور مؤتمر المحاسبين هو من قبيل القرارات التنفيذية التي لا ترتفع بحال إلى مرتبة القرارات الإدارية التي تفصح عنها الجهة الإدارية بقصد إنشاء مراكز قانونية جديدة لمن صدرت في شأنهم وهو في واقع الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تكليف بالقيام بعمل ينجم عنه تسوية مالية مترتبة على تنفيذ قرار التكليف الذي أوفد المدعي بموجبه إلى المؤتمر ومن المعلوم أن التسويات المالية التي تقع خاطئة لا تكون بمنأى عن السحب أو الإلغاء في أي وقت ودون التقيد بميعاد معين متى تبين للسلطات الإدارية وجه الخطأ فيها، وبهذه المثابة فإن إفصاح مجلس الجامعة عن استحقاق المدعي أجر السفر المستند إلى تكليفه به، وهو في الحالة المعروضة طبقاً لما سبق بيانه مردود باعتباره دفعاً لغير المستحق، لا يصلح على هذا النحو أن يكون محلاً لقرار إداري. وغاية الأمر فإن ما أسفر عنه قرار مجلس الجامعة المشار إليه يتحدد نطاقه وحجيته في قبول عذر المدعي في التخلف عن حضور المؤتمر وبراءة ساحته من المؤاخذة عن سلوكه في عدم الوفاء بالواجب الذي كلف به وهو بعينه الأمر الذي كان دون غيره في المقام الأول بالنسبة للمدعي حين قدم طلبه بمجرد عودته مباشرة في 13/ 8/ 1956 حيث ورد قاصراً على شرح ظروفه وبواعث تخلفه ولم يضمنه أية إشارة فيما يتعلق بالمطالبة بمصاريف السفر.
إجراءات الطعن
في يوم السبت 26 من مارس سنة 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة التسويات) جلسة 25 من يناير سنة 1960 في الدعوى رقم 69 لسنة 12 القضائية المرفوعة من السيد/ علي توفيق علي ضد السيد وزير التربية والتعليم والسيد مدير جامعة الإسكندرية القاضي "باستحقاق المدعي لأجر السفر من الإسكندرية إلى نيويورك بالدرجة السياحية بالطائرة ذهاباً وإياباً لحضور مؤتمر جمعية المحاسبين الذي كان محدداً لانعقاده يوم 29/ 8/ 1956 بمدينة سباتل بولاية واشنطن ولزيارة بعض الجامعات والهيئات المعنية بشئون المحاسبين بأمريكا وإلزام جامعة الإسكندرية بالمصروفات" وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن الطعن للمدعي في 23/ 11/ 1960 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 11/ 6/ 1961، وأخطرت الحكومة والمدعي في 10/ 5/ 1961 بميعاد هذه الجلسة. ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 11/ 3/ 1962 وبعد أن تداولت الدعوى بالجلسات التالية وسمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحاضر قررت إصدار الحكم بجلسة 24/ 3/ 1963 ثم أعيدت للمرافعة لجلسة 3/ 11/ 1963 لتقوم الحكومة بتنفيذ القرار الخاص بإيداع صورة قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 فبراير سنة 1956 بشأن تنظيم المؤتمرات، واستوفيت أوراق الدعوى حجزت للحكم لجلسة 22 من ديسمبر سنة 1963 ثم أرجئ النطق به لعدم إتمام المداولة إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء قرار وزير التربية والتعليم القاضي بعدم الموافقة على صرف مصاريف سفر المدعي إلى أمريكا لحضور مؤتمر جمعية المحاسبين الذي كان محدداً لانعقاده يوم 29/ 8/ 1956 بمدينة سباتل بولاية واشنطن ووافق عليها مجلس جامعة إسكندرية بجلسته المنعقدة في 18 و19 سبتمبر سنة 1956 الذي اعتمد صرف نفقات المدعي البالغة 3002.800 مجـ وإلزام المدعى عليهما بصرف هذا المبلغ ومصاريف الدعوى ومقابل الأتعاب. وقال في بيان ذلك إن مجلس جامعة الإسكندرية قرر بتاريخ 20/ 2/ 1956 الموافقة على سفر المدعي إلى أمريكا لحضور مؤتمر جمعية المحاسبين الذي كان محدداً لانعقاده يوم 29/ 8/ 1956 بمدينة سباتل بولاية واشنطن ولزيارة بعض الجامعات والهيئات، وقد سافر المدعي في 5 يوليه سنة 1956 ودرس نظم المحاسبة وشئونها في كثير من المعاهد بأمريكا، واضطر إلى العودة في 11/ 8/ 1956 بسبب اضطراب الحالة الدولية دون انتظار انعقاد المؤتمر في 29/ 8/ 1956، وعند عودته طالب بمصاريف السفر فوافق مجلس الجامعة على طلبه بجلستيه المنعقدتين في 18 و19 سبتمبر سنة 1956. وقد أخطر الوزير في 21/ 10/ 1956 بصرف مبلغ 302.800 مجـ أجرة السفر من الإسكندرية إلى نيويورك بالطائرة ذهاباً وإياباً غير أن السيد/ الوزير لم يوافق على الصرف بحجة أن القرار مخالف للقانون وأن الجامعة غير ملزمة بأداء هذا المبلغ. واستطرد المدعي إلى أنه وإن كان لم يحضر المؤتمر بسبب خارج عن إرادته إلا أنه أدى أحد غرضي الرحلة بأن زار بعض الجامعات والهيئات المعنية بشئون المحاسبة بأمريكا، كما أن قرار مجلس الجامعة نافذ دون اعتماد أو موافقة من أية سلطة أخرى وذلك استناداً إلى قانون تنظيم الجامعات رقم 345 لسنة 1956.
وأجابت الجامعة على الدعوى بأن الجامعة دعيت لحضور مؤتمر جمعية المحاسبين بمدينة سباتل بواشنطن من 27 إلى 30/ 8/ 1956 ورشح مجلس الجامعة بجلسة 20/ 2/ 1956 المدعي لحضور المؤتمر، وأخطرت الجامعة وزارة الخارجية في 26/ 2/ 1956 بهذا الترشيح تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 22/ 2/ 1956 بتنظيم المؤتمرات فوافقت الوزارة كما وافق وزير التربية والتعليم. وقد سافر المدعي في 5/ 7/ 1956 وعاد إلى مصر في 11/ 8/ 1956 دون شهود المؤتمر وذلك بحجة احتمال نشوب الحرب عقب تأميم القناة، ومن ثم فإنه لا حق له في المطالبة بأجرة السفر ما دام لم يحضر المؤتمر خاصة وأن مجلس الجامعة وافق على هذه المهمة بالنسبة للمدعي دون أية إشارة إلى تكليفه بالزيارة التي أشار إليها في خطابه الأخير لوزير التربية والتعليم إذ أن الإشارة التي وردت فيه خاصة بزيارة بعض الجامعات والهيئات المعنية بشئون المحاسبة بأمريكا جاءت عابرة لا تستند إلى أساس من الأوراق بل ذكرت سهواً ولا تعتبر ملزمة للجامعة إلا في الحدود التي رسمها قرار مجلس الجامعة الصادر بترشيحه لحضور مؤتمر جمعية المحاسبين المنعقد بمدينة سباتل فقط. ومن ثم فقيام المدعي بالزيارات التي أشار إليها في طلبه تزيد من جانبه بغير تكليف من الجامعة ولذلك فإن دعواه والحالة هذه تكون واجبة الرفض.
وبجلسة 25 من يناير سنة 1960 قضت المحكمة باستحقاق المدعي لأجر السفر من الإسكندرية إلى نيويورك بالدرجة السياحية بالطائرة ذهاباً وإياباً لحضور مؤتمر جمعية المحاسبين الذي كان محدداً لانعقاده يوم 29/ 8/ 1956 بمدينة سباتل بولاية واشنطن ولزيارة بعض الجامعات والهيئات المعنية بشئون المحاسبة بأمريكا وإلزام جامعة الإسكندرية بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أن مهمة المدعي في الخارج كانت لشهود المؤتمر وأن قرار مجلس الجامعة الصادر في 20/ 2/ 1956. نص على ذلك فقط وأضاف أن ينظر في الوضع المالي على ضوء الميزانية، غير أن المدعي يذكر في محضر المناقشة أنه وإن كان قرار مجلس الجامعة المشار إليه قد اقتصر على هذه المهمة إلا أن المناقشات التي دارت بمجلس الكلية ومجلس الجامعة قد ذكر فيها حضوره هذه الزيارات ويؤيد ذلك سفره مبكراً في 5/ 7/ 1956 للقيام بهذه الزيارات بدلاً من القيام بها بعد إنهاء المؤتمر الذي يقع قرب الدخول في الجامعة. وإذ ورد في خطاب مدير الجامعة المؤرخ 22/ 10/ 1956 أن مهمة المدعي حسب قرار مجلس الجامعة الصادر بتاريخ 20/ 2/ 1952 كانت لحضور المؤتمر ولزيارة بعض الجامعات والهيئات المعنية بشئون المحاسبة بأمريكا وأنه قام ببعض الزيارات لجامعات وهيئات ورد ذكرها في هذا الخطاب، فكل ذلك يقطع بأن مهمة المدعي لم تكن مقصورة على شهود المؤتمر فقط كما تذكر الجامعة في دفاعها بل كانت له مهمة أخرى تعتبر كل منهما مكملة للأخرى، ومن ثم فإنه يكون قد قام بجزء من المهمة التي نيط بها في قرار الجامعة - وما دام أن مجلس جامعة الإسكندرية أصدر قراراً في 18 و19 سبتمبر سنة 1956 بالموافقة على صرف مبلغ 302.800 مجـ مصاريف السفر بالدرجة السياحية بالطائرة من الإسكندرية إلى نيويورك ذهاباً وإياباً فإن ذلك القرار وقد صدر في حدود اختصاص مجلس الجامعة الذي نصت عليه المادة 24 فقرة 2 من القانون رقم 345 لسنة 1956 بشأن تنظيم الجامعات يكون قراراً نهائياً واجب النفاذ دون حاجة إلى أن يخضع للحصول على موافقة السيد/ الوزير طالما أن القانون لم يشترط في القرارات الصادرة بمنح مصاريف السفر الخاصة بالتمثيل في المؤتمرات والرحلات تصديق الوزير وبذلك يخرج عن ولاية جهة الإدارة في الإشراف والرقابة العامة على الجامعة وترتيباً على ذلك يكون طلب المدعي صرف هذا المبلغ على أساس سليم من القانون ويتعين الحكم بإلزام الجامعة به.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المادة 54 من القانون 345 لسنة 1956 تقضي بأنه يجوز أن يوفد أعضاء هيئة التدريس في مهمات علمية مؤقتة خارج الجامعة ويكون ذلك بقرار من وزير التربية والتعليم بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية والأقسام المختلفة واستناداً إلى هذا النص وافق وزير التربية والتعليم بتاريخ 2/ 4/ 1956 على ترشيح مجلس جامعة الإسكندرية للمدعي لحضور مؤتمر جمعية المحاسبين بواشنطن الذي كان محدداً له يوم 29/ 8/ 1956 وسافر المدعي إلى أمريكا في 5/ 7/ 1956 ثم عاد إلى مصر في 11/ 8/ 1956 دون أن يشهد المؤتمر بحجة احتمال نشوب الحرب عقب تأميم قناة السويس، ثم تقدم المدعي إلى الجامعة بطلب الموافقة على صرف نفقات سفره لأن عدم حضوره المؤتمر كان لأمر خارج عن إرادته فوافق مجلس الجامعة على طلبه، ولكن هذه الموافقة لا تعتبر نهائية لأن الموافقة على الصرف هي في حقيقتها موافقة على القيام بالمهمة العلمية على النحو الذي تمت به، ولما كانت الموافقة على الإيفاد للمهمة العلمية لا تكون في الأصل إلا بقرار من السيد الوزير فإن أي تعديل في هذه المهمة أو الأمور المتعلقة بها يجب أن يصدر به قرار من الوزير كذلك حتى يسد باب التحايل على تعديل الأسس التي صدرت بها موافقته ولا يغير من هذا الرأي احتجاج المدعي بأنه أدى أحد غرضي الرحلة بأن زار بعض الجامعات والهيئات المعنية بشئون المحاسبة بأمريكا، فلا يجوز أن تحاج الجامعة بذلك لأن القرار الصادر بالموافقة على المهمة العلمية اقتصر فقط على حضور المؤتمر فهو الغرض الأساسي من المهمة وأي نشاط يبذله المدعي دون ذلك يعتبر تزيداً لا تتحمل الجامعة نظير نفقات سفر المدعي. كما أوردت الحكومة في مذكرتها الشارحة للطعن أن المدعي لم ينفذ بإرادته المهمة التي أوفد من أجلها، وإذا كان قد قدم إلى مجلس الجامعة أعذاراً تبرر تخلفه عن شهود المؤتمر فإن تقدير هذه الأعذار لا يستقل بالبت فيه مجلس الجامعة وحده وإنما بحسب مفهوم القواعد التنظيمية التي أوردها قرار مجلس الوزراء الصادر في 22 من فبراير سنة 1956 يتعين أن تشاركه في هذا التقدير الجهات الأخرى المعنية بالقرار المذكور وهي وزارة الخارجية والوزير المختص ولما كان وزير التربية والتعليم بناء على كتاب وزارة الخارجية المؤرخ 7/ 1/ 1957 لم يوافق السلطة التقديرية على ما انتهى إليه مجلس الجامعة من الموافقة على صرف نفقات السفر للمدعي بافتراض حضوره المؤتمر فإنه لذلك لا يكون ثمة قرار إداري نهائي ينبني عليه إلزام الجامعة بأداء مصروفات السفر حسبما صور المدعي الأمر وسانده في ذلك الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه قد استبان للمحكمة مما تنطق به الأوراق أن المهمة التي صدر بها قرار مجلس الجامعة في 2/ 2/ 1956 كانت مقصورة على ترشيح المدعي لحضور المؤتمر جمعية المحاسبين بمدينة سباتل بواشنطن من 27 إلى 30/ 8/ 1956 كما هو ثابت من كتاب مدير جامعة الإسكندرية الموجه لوزير التربية والتعليم المؤرخ 18/ 4/ 1956 والذي صدرت على أساسه موافقة الوزير، وهذه المهمة بذاتها وعلى هذه الصورة ثابتة أيضاً من الخطاب المرسل للمدعي نفسه المؤرخ 3/ 5/ 1956 بإخطاره بموافقة الوزير على قيامه بتلك المهمة المحددة. ومن الطبيعي أن ما يبين موضوع التكليف الصادر للمدعي وبرسم ضوابطه هو القرار الإداري الصادر به دون سواه، وقد انصب القرار المذكور على حضور المدعي مؤتمر جمعية المحاسبين المشار إليه في الموعد المحدد له. ومن ثم فإن ما يذكره المدعي من أن المناقشات التي دارت بمجلس الكلية ومجلس الجامعة أشير فيها إلى تكليفه بزيارة بعض الجامعات والهيئات المعنية بشئون المحاسبة بأمريكا لا يعتد به طالما أنه لا يوجد لها صدى في محاضر الجلسات وبالتالي يكون ما تضمنه كتاب مدير الجامعة مهمة أخرى كتلك التي صدر بها القرار سالف الذكر لا يغير وحده شيئاً من الخطاب الموجه للوزير والمؤرخ 22/ 10/ 1956 في صدد قبول عذر المدعي في التخلف عن حضور هذا المؤتمر وطلب الاتصال بالسلطات المالية المختصة للحصول على موافقتها على صرف أجرة السفر المطالب بها من مسايرة الدعي في إضفاء ذلك الذي انتهى إليه مجلس الجامعة بقراره الأول الخاص بتحديد نوع المهمة أو انصبت عليه موافقة وزارة الخارجية ووزير التربية والتعليم، وعلى هذا الأساس فإن مثل هذا التزايد الحاصل من جانب المدعي والسابق على حلول موعد المهمة الموكولة إليه لا تلتزم به الجامعة ولا بغير من حقيقة تلك المهمة الواضحة المعالم التي نيطت به.
1 - إن القرار الإداري الصادر من الجهات المختصة في ظل أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 22/ 2/ 1956 الخاص بتنظيم المؤتمرات باختبار المدعي لتمثيل الجامعة في مؤتمر جمعية المحاسبين بمدينة سباتل بواشنطن من 27 إلى 30 من أغسطس سنة 1956، إنما يلقي على المدعي تكليفاً من جانب جهة الإدارة بمهمة رسمية تتصل بأعباء الوظيفة الملقاة على عاتقه بصفته أستاذاً للمحاسبة بكلية التجارة، بحيث يتعين عليه القيام بهذا التكليف على نحو مرض باعتباره ممثلاً للجامعة المصرية في هذا المؤتمر الدولي الذي سيكون أحد أعضائه، فإذا ما تخلف أو قصر في أدائه كان محلاً للمؤاخذة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذا التكليف يلزم الجامعة في ذات الوقت بأعباء مالية تتحمل بها في حدود القواعد المالية المقررة في هذا الشأن وعلى حد ما صدر به القرار المذكور فيما أشار به مجلس الجامعة من أن ينظر في الوضع المالي على ضوء الميزانية القادمة. وتأسيساً على ذلك فإنه ما دام المدعي قد عاد من أمريكا بإرادته المنفردة دون أن يحضر المؤتمر فإنه يكون قد تخلف عن إنجاز التكليف الذي عهد إليه به مما يستتبع حتماً وبطريق الزوم انتفاء سبب التزام الجامعة بتنفيذ أي أثر من الآثار المالية التي قد تترتب على الوفاء بالمهمة مصدر الالتزام.
2 - إن ما أصدره مجلس الجامعة في شأن الآثار المالية المترتبة على القرار الإداري الصادر بإيفاد المدعي لحضور مؤتمر المحاسبين هو من قبيل القرارات التنفيذية التي لا ترتفع بحال إلى مرتبة القرارات الإدارية التي تفصح عنها الجهة الإدارية بقصد إنشاء مراكز قانونية جديدة لمن صدرت في شأنهم، وهو في واقع الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تكليف بالقيام بعمل ينجم عنه تسوية مالية مترتبة على تنفيذ قرار التكليف الذي أوفد المدعي بموجبه إلى المؤتمر ومن المعلوم أن التسويات المالية التي تقع خاطئة لا تكون بمنأى عن السحب أو الإلغاء في أي وقت ودون التقيد بميعاد معين متى تبين للسلطات الإدارية بوجه الخطأ فيها. وبهذه المثابة فإن إفصاح مجلس الجامعة عن استحقاق المدعي أجر السفر المستند إلى تكليفه به، وهو في الحالة المعروضة، طبقاً لما سبق بيانه مردود باعتباره دفع لغير المستحق، لا يصلح على هذا النحو أن يكون محلاً لقرار إداري. وغاية الأمر فإن ما استقر عنه قرار مجلس الجامعة المشار إليه يتحدد نطاقه وحجيته في قبول عذر المدعي في التخلف عن حضور المؤتمر وبراءة ساحته من المؤاخذة عن سلوكه في عدم الوفاء بالواجب الذي كلف به وهو بعينه الأمر الذي كان دون غيره في المقام الأول بالنسبة للمدعي حين قدم طلبه بمجرد عودته مباشرة في 13/ 8/ 1956 حيث ورد قاصراً على شرح ظروفه وبواعث تخلفه ولم يضمنه أية أشارة فيما يتعلق بالمطالبة بمصاريف السفر.
ومن حيث إن الواضح من البيانات السابق إيرادها في معرض تحصيل الوقائع أن المدعي سافر لأمريكا في وقت مبكر يشارف على الشهرين قبل موعد انعقاد المؤتمر وأن وزارة الخارجية أفادت بأن الملحق الثقافي بالسفارة المصرية بواشنطن أشار على المدعي بإتمام مهمته وأوضح له ما قد يترتب على عودته إلى مصر دون إتمام المهمة التي حضر من أجلها إلى أمريكا من مشاكل مالية مع جامعته، ومع هذا فإنه سافر دون الرجوع إلى السفارة ولم يكن من المستطاع منعه من ذلك. وإذ كان ذلك كذلك فإنه لا يكون هناك ثمة سند لإمكان النظر في استحقاقه الآثار المالية الناتجة عن تنفيذ القرار الصادر بإيفاده، ومن ثم يكون ما ارتآه وزير التربية بعد الرجوع لوزارة الخارجية من عدم الموافقة على صرف أجر السفر من الإسكندرية إلى نيويورك ذهاباً وإياباً لحضور مؤتمر جمعية المحاسبين وهو غير مستحق للمدعي قد صادف عين الصواب وصدر على أساس صحيح من الواقع والقانون وتكون الجامعة عندما استجابت لذلك وعدلت عن قرارها المشروط بالحصول على موافقة السلطات المالية المختصة على الصرف للأسباب التي استند إليها وزير التربية والتعليم فإن الجامعة تكون قد انتهت إلى تصويب الوضع فيما يتعلق بعدم التزامها بدفع غير المستحق للمدعي.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الحكم المطعون فيه وقد أخذ بغير هذا النظر يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله ويتعين لذلك إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.
ساحة النقاش