موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

عيب إساءة استعمال السلطة - قوامه - أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة بباعث من هوى أو تعد أو انتقام - كون القرار يلقي الغرم كله على فرد معين ويعطي الغنم كله لآخر - ليس دليلاً على إساءة استعمال السلطة .

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 1002

(89)
جلسة 2 من مايو 1964

برئاسة السيد الأستاذ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة: الأساتذة حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضيتان رقما 973، 984 لسنة 8 القضائية

قرار إداري - عيب إساءة استعمال السلطة - قوامه - أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة بباعث من هوى أو تعد أو انتقام - كون القرار يلقي الغرم كله على فرد معين ويعطي الغنم كله لآخر - ليس دليلاً على إساءة استعمال السلطة - أساس ذلك - أن المصلحة العامة والمصلحة الفردية لا تتوازيان في مجال الروابط القانونية التي تنشأ بين الإدارة والأفراد.
أن كون المشروع الذي وافق عليه مجلس المدينة يجعل الغرم كله على عاتق المدعيات والغنم كله للطرف الآخر، ليس في ذلك دليل على قصد إساءة استعمال السلطة، لأن المصلحة العامة والمصلحة الفردية لا تتوازيان في مجال الروابط القانونية التي تنشأ بين الإدارة والأفراد، ولأن عيب إساءة استعمال السلطة إنما يشوب الغاية من القرار ذاتها بأن تكون الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة وأصدرت قرارها بباعث لا يمتد لتلك المصلحة، فعيب إساءة استعمال السلطة هو من العيوب القصدية، قوامه أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة فإذا لم يكن لدى الإدارة هذا القصد بباعث من هوى أو تعد أو انتقام، فلا قيام لعيب إساءة استعمال السلطة، مهما تكن الأضرار التي تصيب المصلحة الفردية من القرار والذي يبدو - بحسب الظاهر من الأوراق - أن المشروع الذي وافق عليه مجلس المدينة، هو الذي أنشأته الإدارة العامة للتخطيط والإسكان - البعيدة الصلة بالملاك أصحاب الشأن جميعاً - في وقت لم يكن قد شجر فيه أي نزاع بين هؤلاء الملاك حول كيفية شق امتداد الشارع، كما يبدو - بحسب الظاهر من القرار المطعون فيه - أن عضو مجلس المدينة، الذي تنعى عليه المدعيات أن له مصلحة خاصة في النزاع تتفق مع مصلحة المتدخلين في الخصومة، لم يشترك في اجتماع المجلس الذي عرض فيه الموضوع الذي صدر فيه القرار المطعون فيه، ويكفي - والمحكمة في صدد طلب وقف التنفيذ - أن يكون ذلك هو الظاهر، كي تقدر عدم الجدية في النعي على مجلس المدينة أنه قصد إساءة استعمال السلطة في إصداره القرار المطعون فيه.


إجراءات الطعن

في أول إبريل سنة 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة بالنيابة عن السادة: رئيس مجلس مدينة أسيوط ومحافظ أسيوط ووزير الشئون البلدية والقروية بصفاتهم تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 6 من فبراير سنة 1962 من محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) في طلب وقف التنفيذ المقدم في الدعوى رقم 8 لسنة 16 القضائية المقامة من: الآنسات نظيمة وحبيبة وفايقة وحكيمة رستم عبده ضد الطاعنين والتي تدخل فيها ورثة الدكتور إبراهيم فهمي منقريوس وهم السيدات والسادة/ رفقه منار شرقي وسامي وكمال وبهاء وشفيق ونادية فهمي متضامنين إلى الطاعنين. وقد قضى الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون وطلب الطاعنون للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً والقضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام المطعون ضدهن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد قيد الطعن تحت رقم 973 لسنة 8 القضائية وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون عليهن في 7 من مايو سنة 1962.
وفي يوم السبت الموافق 7 من إبريل سنة 1962 أودع الأستاذ حسني جورجي المحامي نائباً عن الأستاذ سامي فهمي المحامي عن نفسه وبصفته وكيلاً عن ورثة المرحوم الدكتور إبراهيم فهمي منقريوس تقرير طعن في الحكم المذكور وطلب الطاعنون للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بالنسبة لما قضى به من وقف تنفيذ قرار مجلس مدينة أسيوط الصادر بتاريخ 16 من سبتمبر سنة 1961 والحكم برفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام المطعون ضدهن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد قيد الطعن تحت رقم 984 لسنة 8 القضائية. وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون عليهن في 3 من مايو سنة 1962 وإلى السيد/ وزير الشئون البلدية والقروية في 7 من مايو سنة 1962. وإلى السيدين رئيس مجلس أسيوط ومحافظ أسيوط في 19 من مايو سنة 1962.
وعين لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من يناير سنة 1964 وأبلغ الطرفان في 19 من ديسمبر سنة 1962 بميعاد هذه الجلسة وتداول الطعنان في الجلسات حتى جلسة 29 من فبراير سنة 1964. وفيها قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا وعين لنظرهما أمامها جلسة 21 من مارس سنة 1964. وأبلغ الطرفان في أول مارس سنة 1964 بميعاد هذه الجلسة وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن وأرجات النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع إيضاحات ذوي الشأن، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعنين - تتحصل في أن المدعيات أقمن الدعوى رقم 8 لسنة 16 القضائية ضد السادة/ رئيس مجلس مدينة أسيوط ومحافظ أسيوط ووزير الشئون البلدية والقروية بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 3 من أكتوبر سنة 1961. وقلن بياناً للدعوى إنهن يملكن منزلاً بشارع الخلفاء ببندر أسيوط في الجهة البحرية من مبنى محكمة الاستئناف. له حديقة بحرية ذات أشجار مثمرة يحيط بها سور حديدي بطول أربعة أمتار ونصف على شارع الخلفاء وللدور الأرضي شرفة وسلم على الحديقة يؤدي إلى بوابة المنزل التي تفتح على شارع الخلفاء. ويجاور المنزل من الجهتين البحرية والشرقية قطعة أرض فضاء مملوكة لورثة المرحوم الدكتور إبراهيم فهمي منقريوس يبلغ سطحها حوالي ألفي متر مربع بواجهة حوالي 22 متراً على شارع الخلفاء. وفي سنة 1955 باع ورثة المرحوم إبراهيم فهمي قطعة أرض مساحتها 221 متراً مربعاً في الجهة البحرية لمنزل المدعيات بواجهة 13 متراً على شارع الخلفاء فأقامت إحدى المدعيات دعوى بأحقيتها لأخذ القطعة المذكورة بطريق الشفعة. وهي الدعوى رقم 272 لسنة 1955 كلي أسيوط. وقد قضى لها بأحقيتها وشهر الحكم في 10 من أكتوبر سنة 1957 فأقامت المدعيات سوراً بالطوب الأحمر والأسمنت بارتفاع ثلاثة أمتار حول هذه القطعة برخصة من البلدية تمهيداً لإقامة عمارة سكنية عليها. ثم أراد ورثة المرحوم الدكتور إبراهيم فهمي تقسيم باقي أرضهم وبيعها ولم يتبعوا أحكام قانون تقسيم الأراضي رقم 52 لسنة 1940 الذي يوجب ترك 30% من مساحة الأرض للشوارع بل استعانوا ببعض ذوي النفوذ لشق شارع عرضه عشرة أمتار في ملك المدعيات بحيث يخترق حديقة منزلهن البحرية كلها مما يترتب عليه هدم السور وبوابة المنزل وقلع أشجار الحديقة المثمرة وترك سلم منزلهن في الطريق العام وكذلك أخذ نحو نصف أرضهن المسورة (التي أخذتها بالشفعة) فتصبح باقي أرضهن مفصولة عن منزلهن دون إمكان الانتفاع بهذا الباقي أو إقامة عمارة عليه لضآلة مساحته من جهة ولأن واجهته ستصبح 7.5 متراً فقط. ولما شكت المدعيات انتقل مدير بلدية أسيوط وأجرى المعاينة بنفسه على الطبيعة فتبين فداحة الضرر الذي يصيبهن نتيجة الوضع المقترح لغير ضرورة أو مصلحة عامة. ورأى تحقيقاً للضرر أن يعدل تخطيط الشارع بحيث يعتدل قليلاً إلى الجهة البحرية ليتفادى حديقة منزل المدعيات ويخترق أرضهن المسورة ابتداء من الناحية البحرية لها فيأخذ عشرة أمتار من واجهتها على شارع الخلفاء ويترك لهن ثلاثة أمتار قد يمكن الانتفاع بها بضمها إلى حديقة منزلهن ووافق المدير العام للتخطيط بمصلحة البلدية على هذا الرأي. ولكن ورثة الدكتور إبراهيم فهمي لجئوا إلى الشكوى إلى محافظ أسيوط وعلى الرغم من أن مدير بلدية أسيوط كتب بأن التعديل المقترح يحقق المصلحة العامة وفي نفس الوقت يخفف الضرر الذي يلحق المدعيات دون مقتضى. فقد أصدر مجلس مدينة أسيوط في 16 من سبتمبر سنة 1961 قراراً بالموافقة على امتداد الشارع حسب الوضع السابق. ومضت المدعيات ينعين على القرار المذكور مخالفته لقرار مدير بلدية أسيوط الذي وافق عليه مدير التخطيط بمصلحة البلديات وأن الوضع الذي أخذ به لا يحقق مصلحة عامة بل فيه ضرر محقق بالمصلحة العامة إذ يحمل البلدية تكاليف أكثر بدفع تعويض الحديقة المثمرة وتكاليف السور والبوابة دون أي مقتضى وهو مثل صارخ على سوء استعمال السلطة. لأن علة إصرار ورثة الدكتور إبراهيم فهمي على اختراق الشارع لمنزل المدعيات وحديقته. هي أن وكيلهم قد باع أراضي موكليه بعقود ابتدائية وقبض مبلغ من الثمن وأن تعديل تخطيط الشارع يترتب عليه إتمام الصفقة. ولأن أحد أعضاء مجلس مدينة أسيوط هو المهندس المقاول الذي تولى الإشراف على عملية بناء منزل على أرض مشتراه من ورثة الدكتور إبراهيم دون إجراء تقسيم أو ترك شوارع. وهو صاحب فكرة انحراف الشارع ليمر في ملك المدعيات لأنه لو سار الشارع مستقيماً كما يجب أن يكون لافترق الشارع المنزل الذي بناه. وانتهت المدعيات إلى طلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المذكور فيما تضمنه من إقرار امتداد شارع تقسيم أرض الأستاذ موريس دوس بالوضع المقترح بمعرفة قسم التخطيط والإسكان بحيث يقتطع حديقة منزل المدعيات بعرض 4.5 متراً والجزء القبلي من أرضهن القضاء بعرض 5.5 متراً. وفي الموضوع بإلغاء القرار المشار إليه مع إلزام مجلس مدينة أسيوط المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي جلسة 28 من نوفمبر سنة 1961 أمام محكمة القضاء الإداري حضر الأستاذ شفيق سليمان المحامي عن الأستاذ سامي فهمي المحامي عن نفسه وبصفته وكيلاً عن ورثة المرحوم الدكتور إبراهيم فهمي منقريوس وهم السيدات والسادة/ رفقه منار شوقي وكمال وبهاء وشفيق ونادية فهمي. وطلب قبولهم خصوماً متدخلين منضمين إلى المدعى عليهم في طلباتهم. وأجاب مجلس مدينة أسيوط على الدعوى بأنه إعمالاً للقانون رقم 52 لسنة 1940 بشأن تقسيم الأراضي أجرى الأستاذ موريس دوس تقسيم مساحة كبيرة من الأرض الفضاء المملوكة له بمدينة أسيوط والواقعة على شارع الجمهورية، واعتمد هذا التقسيم بالقرار الوزاري رقم 1546 لسنة 1959. ويتضمن هذا التقسيم شق شارع رقم 2 بعرض عشرة أمتار في وسط هذه الأرض من شارع الجمهورية إلى حدود أرض ورثة المرحوم الدكتور إبراهيم فهمي. وأنه لما كانت المصلحة العامة تقتضي إيصال شارع الجمهورية بشارع الخلفاء وكان تقسيم أرض الأستاذ موريس وما تضمنه من إنشاء الشارع رقم 2 قد هيأ الفرصة لتحقيق هذه الغاية شق شارع يصل الشارع رقم 2 بأرض تقسيم الأستاذ موريس دوس بشارع الخلفاء فقد بادرت إدارة التخطيط والإسكان إلى دراسة هذا الموضوع. وأنه لما كانت الأصول الفنية في هندسة الشوارع تقتضي أن يكون الشارع الفرعي عمودياً على الشارع الرئيسي. فقد راعت إدارة التخطيط والإسكان هذه الأصول في تخطيط الشارع المقترح. فجاء هذا التخطيط محققاً للمصلحة العامة. كما جاء محققاً لمصلحة الخزانة لأنها لن تتحمل تعويضات أية مباني إذ أن الشارع المقترح سيمر في أرض فضاء وجزء من حديقة مهملة بمنزل المدعيات. ولما شكت المدعيات عارض ورثة المرحوم الدكتور إبراهيم فهمي التعديلات المقترحة منهن. لأن الشارع الذي اقترحته سيتخلف عنه أجزاء في أرضهن مشطورة ومثلثة لا يمكن الانتفاع بها. وتقدموا بعدة شكاوى للإدارة العامة للتخطيط والإسكان وللإتحاد القومي. فرأت إدارة التخطيط والإسكان إحالة الموضوع على البلدية لبحثه من جميع نواحيه وحسم شكاوى طرفي النزاع كما أحال الاتحاد الشكوى المقدمة إليه على اللجنة التنفيذية لقسم ثاني أسيوط فقامت ببحث الموضوع ورأت الموافقة على الأخذ بالاقتراح الأول أي بمرور الشارع ماراً بحديقة منزل المدعيات وبجلسة مجلس مدينة أسيوط المنعقدة بتاريخ 16 من سبتمبر سنة 1961 عرض الموضوع وقرر المجلس الموافقة على الاقتراح الأول متفقاً في ذلك مع اللجنة التنفيذية للإتحاد القومي ومع ما سبق أن اقترحته الإدارة العامة للتخطيط والإسكان. ومضى مجلس مدينة أسيوط في إجابته على الدعوى يدلل على أن القرار المذكور برئ من كل عيب بل من كل شبهة أو مظنة للانحراف في السلطة. فذكر أن القرار يحقق المصلحة العامة لأن الشارع يربط بين شارع الخلفاء وشارع الجمهورية بأقصر طريق ويتفق والأصول الهندسية والفنية في شق الشوارع لأنه يقع عمودياً على الشارع الرئيسي. وأنه يحقق صالح الخزانة لأنه يمر في أرض فضاء. أما الأخذ باقتراح المدعيات ففضلاً عما فيه من مخالفة للأصول الفنية والهندسية فإنه يضر كذلك بالخزانة لأن مرور الشارع مائلاً على شارع الخلفاء يجعله أطول من مروره عمودياً. فتكون مساحة الأرض التي ستنزع ملكيتها أكبر. وتكون البلدية مجبرة على نزع ملكية المساحات المشطورة ذات الزوايا التي ستتخلف بأرض الخصوم المتدخلين ولا يمكن الانتفاع بها. إعمالاً لحكم المادة 24 من القانون رقم 577 لسنة 1954 والاقتراح الآخر الذي يجعل امتداد الشارع مستقيماً يضاعف التعويض الذي تتحمله الخزانة لأنه يترتب عليه نزع ملكية منزل حديث البناء. ثم أن القرار يحقق مصلحة ظاهرة للمدعيات. فمن شأنه أن يجعل منزلهن يطل ويفتح على الشارع بعد أن كان محاطاً بسور تليه قطعة أرض فضاء. ويجعل لقطعة الأرض الفضاء واجهة قبلية على الشارع بالإضافة إلى واجهتها الغربية المطلة على شارع الخلفاء. وعقب المتدخلون في الخصومة الدعوى بأن الشارع موضوع النزاع قد ورد بالرسم رقم 232 المعتمد بالقرار الوزاري 1546 لسنة 1959. والقرار المذكور قد نشر بالوقائع المصرية في 5 من نوفمبر سنة 1959. وأنه لذلك يكون حقهن في الطعن قد سقط. وبأن القرار المطعون فيه يحقق المصلحة العامة. فقد اختارت البلدية أقرب نقطتين لشق الشارع في خطوط مستقيمة فردية على ملك كل من المدعيات والمتدخلين وعلى نحو يحقق الذوق السليم ولا يترتب عليه هدم مبان قائمة وبأقل تكلفة ممكنة. وتقدير ما إذا كان شق الشارع على وضعه الذي اعتمد القرار الوزاري مما يحقق مصلحة عامة أولاً يحقق تقدير ذلك لجهة الإدارة دون معقب عليها. وقال المتدخلون أنهم لم يسعوا إلى شق الشارع على صورته هذه بل أنهم قد فوجئوا بقرار إنشائه. وأن المدعيات هن اللاتي لجأن إلى الحيلة بما طلبنه من الالتواء بالشارع بحيث يفتت أرض المتدخلين مما هو ثابت في قضية النيابة الإدارية رقم 1012 لسنة 1960 التي اتهم فيها مدير البلدية وباشمهندسها. وفي جلسة 6 من فبراير سنة 1962 قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار المطعون وأقامت قضاءها على أن الثابت أنه ليس من الناحية التخطيطية ثمة ضرورة لنفاذ الشارع المقترح على وضع معين بالذات. وأن المصلحة العامة هي التي ترجح بين طرفي النزاع وأنه لا يجوز أن يتحمل طرف منهم الغرم كله ليكون الغنم كله للطرف الآخر. وأن الشارع المقترح لو أنه امتد مستقيماً لترتب على ذلك إزالة مبان قائمة على أرض سبق أن باعها المتدخلون. ولو امتد على الوضع المطعون عليه فسوف يترتب عليه هدم سور منزل المدعيات وانقطاع حديقة منزلهن وشطر قطعة أرض مملوكة لهن. وأن المشروع الذي تقدمت به المدعيات ووافق عليه مدير بلدية أسيوط والإدارة العامة للتخطيط والإسكان محقق مصلحة الجميع بتلافي إزالة المباني المقامة للمدعيات أو لغيرهم من الملاك المحليين وأن المصلحة العامة تتحقق أيضاً كلما وازن ولي الأمر بين مصالح الأفراد وساوى بينهم فيما يقع عليهم من غرم وأن مجلس مدينة أسيوط لم يضع في اعتباره كل ذلك وأصدر قراره المطعون لا لشيء إلا مراعاة لمصلحة المتدخلين الخاصة دون أي مبرر من المصلحة العامة فجاء قراره مشوباً بالانحراف الظاهر مع إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن الطعن من الحكومة يقوم على أن الضرورة الفنية تقتضي نفاذ المشروع على الوجه الصادر به القرار المطعون لأنها الطريقة التي تربط شارع الجمهورية بشارع الخلفاء بأقصر طريق وهي تتفق مع الأصول الهندسية الفنية في شق الشوارع التي توجب أن يشق الشارع الفرعي بشكل عمودي على الشارع الرئيسي هذا فضلاً عن أن التنفيذ بهذه الطريقة يحقق صالح الخزانة لمروره في أرض فضاء بحيث لا يقتطع من أرض المطعون عليهن إلا قطعة أرض فضاء مهملة وجزءاً من حديقة منزلهن. وأن التعديل الذي أجراه مدير بلدية أسيوط السابق الذي تتمسك به المطعون عليهن كان أساسه أنه تم بناء على موافقة جميع أطراف النزاع عليه. ثم اتضح كذب هذا الادعاء. كما اتضح أن مدير البلدية هو وباشمهندسها كانا مدفوعين بالرغبة في تحقيق مصلحة خاصة للمطعون عليهن الأمر الذي أدى إلى إحالتهما إلى النيابة الإدارية التي أقامت ضدهما الدعوى التأديبية والتعديل المذكور تعديل جائر لا يحقق المصلحة العامة ولا المصلحة الخاصة للخصوم وهو يحمل الغرم كله على طرف واحد هو ورثة الدكتور إبراهيم فهمي. والمشروع الأصلي الذي صدر به القرار المطعون فيه قد روعيت فيه المصلحة العامة وحدها. وقد أقرته لجنة قامت بالمعاينة حضرها أطراف النزاع وعضوان عن الاتحاد القومي ومهندسان من الإدارة العامة للتخطيط. والحكم المطعون فيه قد تدخل في أخص السلطات التقديرية لجهة الإدارة فقد حل في طريقة تنفيذ مشروع شق شارع ورجح طريقة معينة ارتآها وقدر المقتضيات الفنية للتنفيذ بشكل لا يتفق مع الأصول الفنية وقام قضاؤه على واقعة غير مشروعة في أساسها تبين فيما بعد كذبها.
ومن حيث إن الطعن من المتدخلين في الخصومة يقوم على سقوط الحق في الطعن على القرار الوزاري رقم 1546 لسنة 1959. وعلى أن ظاهر الأوراق يدل دلالة واضحة على كيدية دعوى المدعيات. ودليل ذلك إحالة مدير البلدية وباشمهندسها للمحاكمة التأديبية. وعلى أن شق الشارع على وضعه الحالي لا يمكن أن يقال عنه أنه مما يترتب عليه أضرار لا يمكن تداركها مما يستدعي وقف التنفيذ.
ومن حيث إن اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 1513 لسنة 1960 التي عمل بها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية في 27 من سبتمبر سنة 1960 نصت في المادة 43 منها على أن "تباشر مجالس المدن والمجالس القروية كل في دائرة اختصاصه الشئون العمرانية الآتية:..... (ز) دراسة وإعداد وتجهيز وتنفيذ مشروعات شق الطريق والشوارع العامة وتعديلها وصيانتها...".
ومن حيث إنه يبين من هذا النص أن جهة الإدارة التي ناط بها المشرع سلطة دراسة وإعداد وتجهيز وتنفيذ مشروعات شق الطرق والشوارع العامة وتعديلها وصيانتها هي - في المدينة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الموازنة في خصوصية هذه الدعوى - بين المشروع الذي أنشأته - منذ البداية - الإدارة العامة للتخطيط والإسكان لشق امتداد الشارع رقم 2 بتقسيم أرض الأستاذ موريس دوس ليتلاقى مع شارع الخلفاء مخترقاً حديقة منزل المدعيات، وبين المشروع الذي اقترحته المدعيات لشق هذه الامتداد بحيث ينحرف إلى الجهة البحرية ليتفادى حديقة منزلهن، إن الموازنة بين هذين المشروعين، سواء من الناحية التخطيطية أو من ناحية العبء الذي تتحمله الخزانة العامة أو من ناحية الضرر الذي يصيب الملاك أصحاب الشأن، وترجيح أحد المشروعين على الآخر، كل أولئك من الملاءمات المتروكة لمجلس مدينة أسيوط بما لا معقب عليه في هذا الشأن ما دام خلا تقديره من إساءة استعمال السلطة، ولا يملك القضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح في هذا الصدد، وإلا أحل نفسه محل مجلس المدينة فيما هو متروك لتقديره، ولا حجة فيما أشار إليه الحكم المطعون فيه من أن المشروع الذي اقترحته المدعيات قد وافق عليه مدير بلدية أسيوط والإدارة العامة للتخطيط والإسكان، فإن رأي مدير بلدية أسيوط والإدارة العامة للتخطيط والإسكان ليس قطعياً ولا نهائياً وإنما المرجع في ذلك إلى مجلس المدينة، وقدر رفض المجلس المشروع الذي اقترحته المدعيات وقرر في 16 من سبتمبر سنة 1960 "الموافقة على امتداد الشارع حسب الوضع السابق اقتراحه بمعرفة قسم التخطيط والإسكان حيث إن ذلك من المصلحة العامة ومصلحة المالكين جميعاً في تلك المنطقة وهي أ ب جـ د حسب الرسم وقد انسحب السيد/ ألبير عباس أثناء نظر الموضوع". ولا يبدو - بحسب الظاهر من الأوراق - الجد في النعي على مجلس المدينة بأنه قصد إساءة استعمال السلطة في إصداره القرار المطعون فيه، إذ لو صح ما تدعيه المدعيات وما أشار إليه الحكم المطعون فيه من كون أن المشرع الذي وافق عليه مجلس المدينة يجعل الغرم كله على عاتق المدعيات والغنم كله للطرف الآخر، فليس في ذلك دليل على قصد إساءة استعمال السلطة، لأن المصلحة العامة والمصلحة الفردية لا تتوازيان في مجال الروابط القانونية التي تنشأ بين الإدارة والأفراد، ولأن عيب إساءة استعمال السلطة إنما يشوب الغاية من القرار ذاتها بأن الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة وأصدرت قرارها بباعث لا يمت لتلك المصلحة، فعيب إساءة استعمال السلطة هو من العيوب القصدية، قوامه أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة فإذا لم يكن لدى الإدارة هذا القصد بباعث من هوى أو تعد أو انتقام، فلا قيام لعيب إساءة استعمال السلطة، مهما تكن الأضرار التي تصيب المصلحة الفردية من القرار، والذي يبدو - بحسب الظاهر من الأوراق - أن المشروع الذي وافق عليه مجلس المدينة، هو ذلك الذي أنشأته الإدارة العامة للتخطيط والإسكان - البعيدة الصلة بالملاك أصحاب الشأن جميعاً - في وقت لم يكن قد شجر فيه أي نزاع بين هؤلاء الملاك حول كيفية شق امتداد الشارع، كما يبدو - بحسب الظاهر من القرار المطعون فيه - أن عضو مجلس المدينة، الذي تنعى عليه المدعيات أن لمصلحة خاصة في النزاع تتفق مع مصلحة المتدخلين في الخصومة، لم يشترك في اجتماع المجلس الذي عرض فيه الموضوع، والذي صدر فيه القرار المطعون فيه، ويكفي - والمحكمة في صدد طلب وقف التنفيذ - أن يكون ذلك هو الظاهر، كي تقدر عدم الجد في النعي على مجلس المدينة أنه قصد إساءة استعمال السلطة في إصداره القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم يبين أن طلب وقف التنفيذ لا يقوم على أسباب جدية مما يتعين معه رفضه، وذلك دون المساس بطلب الإلغاء ذاته، الذي يبقى سليماً بما يتفرع عنه من دفوع وما يتعلق به من دلائل موضوعية تؤيده أو تدحضه، حتى يفصل فيه موضوعاً.
ومن حيث إنه إذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبرفض طلب وقف التنفيذ وبإلزام المدعيات المصروفات الخاصة بهذه الطلب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف التنفيذ، وألزمت المدعيات بالمصروفات الخاصة بهذا الطلب.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 23 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,126,447

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »