موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

رفض وزارة الخزانة تقرير معاش إنما يشكل قراراً إدارياً مما يختص القضاء بالنظر في مشروعيته.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 888

(118)
جلسة 28 من يونيه سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد طاهر عبد الحميد وأحمد علي البحراوي ومحمد صلاح الدين السعيد - المستشارين.

القضية رقم 482 لسنة 10 القضائية

( أ ) اختصاص القضاء الإداري "قرار إداري".
رفض وزارة الخزانة تقرير معاش إنما يشكل قراراً إدارياً مما يختص القضاء بالنظر في مشروعيته، أساس ذلك.
(ب) محاماة. "محام شرعي". معاش. القانون رقم 635 لسنة 1955 في شأن المحامين لدى المحاكم الشرعية الملغاة - حق من أبدى الرغبة في اعتزال المهنة في الاحتفاظ بالحق في المعاش المنصوص عليه في القانون رقم 101 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الشرعية - الحق في معاش التقاعد لا ينشأ ولا يتكامل إلا إذا توفرت فيه الشروط التي استلزمها القانون رقم 101 لسنة 1944 المشار إليه - الأحوال الثلاث لاستحقاق المحامي الشرعي معاش التقاعد - عناصر معاش التقاعد التي لا بد من تكاملها لثبوت الحق في اقتضائه - الاستثناء المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 635 لسنة 1955.
1 - إن القرار التنظيمي العام يولد مراكز قانونية عامة أو مجردة، بعكس القرار الفردي الذي ينشئ مركزاً قانونياً خاصاً لفرد معين، وأنه إذا كان من الصحيح أن القرار الفردي هو تطبيق أو تنفيذ للقانون فإنه في الوقت ذاته مصدر لمركز قانوني فردي أو خاص متميز عن المركز القانوني العام المجرد المتولد عن القانون، ومن ثم فلا يمكن القول بأن العمل الإداري الذي يكون تطبيقاً لنص عام مقيد لا ينشئ أو يعدل مركزاً قانونياً لأن كل قرار منشئ لمركز قانوني هو في الوقت ذاته تطبيق لقاعدة قانونية أعلى. وعلى هذا الأساس فإن رفض وزارة الخزانة تقرير معاش للطاعن إنما يشكل قراراً إدارياً بمعناه المتعارف عليه - وهو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة - مما يختص القضاء الإداري بالنظر في مشروعيته.
2 - إن كل ما رتبه المشرع من أثر على إبداء الرغبة في اعتزال المهنة هو الاحتفاظ لصاحبها بالحق في المعاش المنصوص عليه في القانون رقم 101 لسنة 1944 السابق الإشارة إليه وليس من شك في أن الحق في معاش التقاعد لا ينشأ ولا يتكامل إلا إذا توفرت فيه الشروط التي استلزمها القانون المذكور في المادتين 92، 93 منه ووفقاً لهاتين المادتين لا يستحق المحامي الشرعي معاش التقاعد إلا في أحوال ثلاث: الأولى أن يكون قد قضى ثلاثين سنة في ممارسة المهنة وبلغت سنه ستين سنة كاملة، والثانية: أن يكون قد قضى ثلاثين سنة في ممارسة المهنة وبلغت سنه خمساً وخمسين سنة كاملة وفي هذه الحالة يحصل على ثلاثة أرباع المعاش المقرر فقط، والثالثة: أن يكون قد قضى عشرين سنة في ممارسة المهنة وبلغت سنه خمسين سنة وحدث له ما يعجزه عن مزاولة المهنة. وبناءً على ما تقدم فإن المحامي الشرعي الذي يفصح كتابه عن رغبته في المهنة أمام المحاكم الوطنية خلال الأجل المضروب لذلك لا يفقد نتيجة هذا الاعتزال حقه في اقتضاء معاش التقاعد عندما تتكامل عناصره وهي انقضاء نصاب زمني معين، وبلوغ سن معينة، بشرط الاستمرار في أداء ما يعادل قيمة الاشتراك السنوي الذي كان يؤديه حتى بلوغ هذه السن المعينة، فإذا تخلف أي عنصر من هذه العناصر لم يكن ثمة حق يسوغ له الاحتفاظ به. واستثناء من هذا الأصل، فإن من لم تتوفر فيه شروط استحقاق المعاش طبقاً للقانون رقم 101 لسنة 1944 آنف الذكر يحصل على معاش بنسبة مدة مزاولته المهنة منسوبة إلى مدة استحقاق المعاش، ومدتها ثلاثون عاماً، بشرط أن يعتزل العمل فعلاً خلال الأجل المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة السادسة وهو الأجل الذي نص على أن ينتهي في 30 من يونيه سنة 1956.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 416 لسنة 16 القضائية ضد وزارة الخزانة بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 14 من يناير سنة 1962 طلب فيها الحكم: "بإلغاء القرار الصادر من الإدارة العامة للمعاشات بوزارة الخزانة بعدم أحقيته في معاش المحاماة المستحق له بموجب القانون رقم 625 لسنة 1955، وبأحقيته في هذا المعاش تطبيقاً للفقرة الأولى من المادة السادسة بصفة أصلية، وللفقرة الثانية بصفة احتياطية، مع ما يترتب على ذلك من آثار". وقد بسط المدعي أسانيد دعواه وهي توجز في أنه بناءً على حكم المادة السادسة من القانون رقم 625 لسنة 1955 في شأن المحامين لدى المحاكم الشرعية الملغاة أبلغ الجهة المختصة بكتاب موصى عليه في الميعاد المقرر برغبته في اعتزال المحاماة أمام المحاكم الوطنية، وذلك حتى يحتفظ بحقه في المعاش، إلا أن الجهة المذكورة أجابت على هذا الطلب في 21 من نوفمبر سنة 1961 بعدم أحقية الطالب في المعاش بمقولة أن مدة خدمته في المحاماة لا تخوله الحق في الحصول على معاش طبقاً للمادتين 92 و93 من القانون رقم 101 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الشرعية كما أنه يتقاضى معاشاً عن مدة خدمته الحكومية، وتخطر المادة 82 من اللائحة الداخلية لنقابة المحامين الشرعيين الملغاة الجمع بين معاشين وقد تظلم الطالب من هذا القرار في 30 من نوفمبر سنة 1961، غير أنه أبلغ برفض تظلمه في 9 من ديسمبر سنة 1961، فأقام دعواه الراهنة ناعياً على أسباب رفض طلبه استحقاق المعاش مخالفته القانون ذلك أنه بمناسبة إلغاء المحاكم الشرعية ونقابة المحامين الشرعيين، رأى المشرع تيسير اعتزال العمل لمن يرغب في ذلك من المحامين الشرعيين، ولذا لم يتشرط لاستحقاق المعاش أن تتوفر في المحامي طالب الاعتزال، الشروط المنصوص عليها في القانون رقم 101 لسنة 1944، ومن بينها شرط قضاء المدة المقررة للحصول على المعاش، فسواء أكانت مدة العمل بالمحاماة طويلة أم قصيرة فإنه في الحالتين يستحق المحامي معاشاً ما دام قد قدم طلب الاعتزال في الميعاد المقرر، وأضاف المدعي أن القول بعدم جواز الجمع بين المعاش الذي يتقاضاه عن مدة خدمته بالحكومة والمعاش الذي يستحقه عن مدة اشتغاله بالمحاماة فإن هذا القول لا يجد سنداً من أحكام القانونين رقمي 101 لسنة 1944 و625 لسنة 1955.
وقد أجابت الجهة الإدارية عن الدعوى بأن المادة الرابعة من القانون رقم 625 لسنة 1955 تقضي بأن تظل معاشات المحامين الشرعيين وورثتهم خاضعة للقانون رقم 101 لسنة 1944، وهذا القانون لا يخول المدعي الحق في المعاش لأن مدة اشتغاله بالمحاماة لم تبلغ الحد المقرر لاستحقاق المعاش، وأضافت الجهة الإدارية أن المبالغ التي تصرف إلى المحامين الشرعيين وورثتهم ابتداء من سنة 1956 هي من أموال الخزانة العامة، وليست من أموال نقابة المحامين الشرعيين ومن المقرر أن الحكومة لا تصرف معاشين لأي فرد كان، وانتهت من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى. وبجلسة 24 من ديسمبر سنة 1963 قضت محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" "برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات" وأقامت قضاءها على أن الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 625 لسنة 1955 تشترط أن يكون المعاش المقرر وفقاً لأحكامها مستوفياً للشروط المنصوص عليها في القانون رقم 101 لسنة 1944، وإذا لم تتوفر في المدعي الشروط اللازمة لاستحقاق المعاش وفقاً لأحكام القانون المذكور، فإنه لا يستحق معاشاً طبقاً للفقرة الأولى من المادة السادسة المشار إليها، أما بالنسبة إلى الطلب الاحتياطي فإنه وإن كان المدعي قد استوفى شرط المدة المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة السادسة سالفة الذكر، إلا أن أحكام هذه المادة تقرر المعاش لمن يكون قد اعتزل أعمال المحاماة فعلاً والثابت أن المدعي لا يزال يشتغل بالمحاماة بدليل أدائه اشتراكات النقابة حتى سنة 1963 ومن ثم فإنه لا يستحق معاشاً لتخلف الشروط في حالته.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون، ذلك أن الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 625 لسنة 1955 لم تجعل مناط الانتفاع من أحكامها ضرورة توفر شروط استحقاق المعاش طبقاً لأحكام القانون رقم 101 لسنة 1944، وإنما قصد المشرع تعويض المحامين الشرعيين الذين يعتزلون العمل أمام المحاكم الوطنية، وهذا لا يتأتى إلا بتقرير معاش استثنائي لهم، والأخذ بمنطق الحكم المطعون فيه واشتراط ضرورة توفر الشروط المقررة لاستحقاق المعاش طبقاً للقانون رقم 101 لسنة 1944 سالف الذكر، من شأنه أن يجعل الحكم الوارد في الفقرة الأولى من المادة السادسة غير ذي موضوع، إذ يغني عنه حكم المادة الرابعة من القانون ذاته ولا يكون ثمة معنى لتقديم طلب الاعتزال لأن حق المحامي الذي توفرت فيه الشروط المقررة لاستحقاق المعاش ثابت سواء قدم هذا الطلب أم لم يقدمه. هذا بالإضافة إلى أن عجز الفقرة الأولى من المادة السادسة المشار إليها إذ قضى بإلزام المحامي طلب الاعتزال بأداء الاشتراك طوال المدة المبينة به، إنما يفترض أنه لم يبلغ سن التقاعد وفقاً للقانون رقم 101 لسنة 1944، وبالتالي لم تتوافر فيه شروط استحقاق المعاش المقررة بالقانون المذكور، أما بالنسبة إلى الطلب الاحتياطي فإن القانون لم يستلزم ضرورة الاعتزال الفعلي للمحاماة - كشرط لاستحقاق المعاش - بل اكتفى في هذا الخصوص بإبداء الرغبة في الاعتزال، وقد كان المدعي مضطراً للعمل حتى يبت في الطلب المقدم منه في الميعاد المقرر قانوناً لاستحقاق المعاش.
ومن حيث إن مبنى الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر المنازعة الراهنة، وهو الدفع المبدى من إدارة قضايا الحكومة بمذكرتها المؤرخة 23 من يناير سنة 1969 في مرحلة الطعن هو أن رفض الإدارة طلب الطاعن تقرير معاش له وفقاً لحكم المادة السادسة من القانون رقم 625 لسنة 1955 في شأن المحامين لدى المحاكم الشرعية الملغاة، لا يعتبر قراراً إدارياً ما دام الحق في المعاش مستمداً من القانون ولا يقوم على سلطة تقديرية لجهة الإدارة، كما أن موضوع المنازعة لا يتعلق بمعاش مستحق لأحد الموظفين العموميين، ومن ثم فإن هذه المنازعة لا تندرج في عداد المنازعات التي يختص بنظرها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري والمنصوص عليها في المواد الواردة في الفصل الثاني من الباب الأول من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القرار التنظيمي العام يولد مراكز قانونية عامة أو مجردة، بعكس القرار الفردي الذي ينشئ مركزاً قانونياً خاصاً لفرد معين، وأنه إذا كان من الصحيح أن القرار الفردي هو تطبيق أو تنفيذ للقانون فإنه في الوقت ذاته مصدر لمركز قانوني فردي أو خاص متميز عن المركز القانوني العام المجرد المتولد عن القانون، ومن ثم فلا يمكن القول بأن العمل الإداري الذي يكون تطبيقاً لنص عام مقيد لا ينشئ أو يعدل مركزاً قانونياً لأن كل قرار إداري منشئ لمركز قانوني هو في الوقت ذاته تطبيق لقاعدة قانونية أعلى. وعلى هذا الأساس فإن رفض وزارة الخزانة تقرير معاش للطاعن إنما يشكل قراراً إدارياً بمعناه المتعارف عليه - وهو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة - مما يختص القضاء الإداري بالنظر في مشروعيته وعلى هذا يكون الدفع بعدم الاختصاص غير قائم على أساس سليم من القانون حقيقاً بالالتفات عنه.
ومن حيث إنه من ناحية أخرى فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى موضوعاً، فإنه يكون قد قضى ضمناً باختصاص القضاء الإداري بنظرها، وقضاؤه في ذلك نهائي، إذ أن الطعن الراهن مقام من المدعي وحده، ومن ثم فقد حاز في مسألة الاختصاص قوة الأمر المقضي، بحيث تكون العودة إلى إثارة مسألة الاختصاص هذه والفصل فيها من جديد أمراً ممتنعاً قانوناً، وغني عن البيان أن الطعن يحكمه أصل مقرر هو ألا يضار الطاعن بطعنه ولا يفيد منه سواه.
ومن حيث إنه بمطالعة نصوص القانون رقم 625 لسنة 1955 في شأن المحامين لدى المحاكم الشرعية الملغاة ومذكرته الإيضاحية يبين أنه على أثر صدور القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية وإحالة الدعاوى المنظورة أمامها إلى المحاكم الوطنية، رؤى تدبير مستقبل المحامين المقيدين بجدول المحاماة أمام المحاكم الشرعية دون سواها بحسبان أنهم كانوا قد رتبوا عيشهم على ما تدره عليهم ممارسة المهنة أمام هذه المحاكم فحسب، ثم بوغتوا بإلغائها ولذلك فقد صدر القانون رقم 625 لسنة 1955 المشار إليه آنفاً ونصت المادة الأولى منه على أن: "ينقل إلى جدول المحامين أمام المحاكم الوطنية المحامون المقيدون بجدول المحامين الشرعيين وحده لغاية 31 من ديسمبر سنة 1955..." كما نصت المادة الثانية منه على أن للمحامين المنقولين وفق المادة السابقة الحضور في جميع الدعاوى والتحقيقات طبقاً لأحكام القانون رقم 98 لسنة 1955.."، ثم نظمت المادة الرابعة قواعد المعاشات والمرتبات والإعانات الخاصة بأولئك المحامين فقضت بأن يظل المحامون المنقولون وفق المادة الأولى خاضعين فيما يتعلق بالمعاشات والمرتبات والإعانات لأحكام القانون رقم 101 لسنة 1944 دون سواه. وأخيراً أجازت المادة السادسة من القانون ذاته للمشترك في صندوق المعاشات والإعانات من المحامين المشار إليهم في المادة الأولى أن يفصح بطلب مكتوب يقدم لوزارة المالية والاقتصاد حتى يوم 30 من يونيه سنة 1956 عن رغبته في اعتزال المحاماة أمام المحاكم الوطنية فيحتفظ بحقه في المعاش المنصوص عليه في القانون رقم 101 لسنة 1944 بشرط أن يؤدي كل سنة لهذه الوزارة مبلغاً معادلاً للاشتراك السنوي الذي كان يؤديه وفق القانون المذكور وذلك حتى يبلغ سن الستين أو الخامسة والخمسين أو الخمسين حسب الأحوال، ومع ذلك فللمشترك في الصندوق من هؤلاء المحامين - الذي اعتزل المحاماة خلال الأجل المنصوص عليه في الفترة السابقة - الحق في معاش عن عدد السنين التي اشتغلها في المحاماة بنسبة واحد من ثلاثين جزءاً من كل سنة بشرط أن يكون قد زاول بالفعل مهنة المحاماة لدى المحاكم الشرعية مدة خمس سنين على الأقل بما فيها مدة التمرين.
ومن حيث إن مفاد النصوص المتقدمة أن المشرع للاعتبارات التي ارتآها في سبيل معاجلة حالة طائفة المحامين المقيدين أمام المحاكم الشرعية دون سواها إزاء أمر لم يكن لهم فيه يد، قد قضى بنقل قيد جميع المحامين المقيدين بجدول المحامين الشرعيين لغاية يوم 31 من ديسمبر سنة 1955 إلى جدول المحامين الوطنيين وسمح لهم بمزاولة المهنة أمام المحاكم الوطنية على أن يظلوا معاملين فيما يتعلق بمعاشاتهم ومرتباتهم وإعاناتهم طبقاً لأحكام القانون رقم 101 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الشرعية، دون سواه، أما من لا يأنس في نفسه من أفراد هذه الطائفة الرغبة في مزاولة المهنة أمام المحاكم الوطنية فقد رخص له في الإفصاح كتابة عن رغبته في اعتزال المحاماة في ميعاد غايته 30 من يونيه سنة 1956، وفي هذه الحالة يحتفظ بحقه في المعاش المنصوص عليه في القانون رقم 101 لسنة 1944 المشار إليه بشرط أن يؤدي مبلغاً يعادل قيمة الاشتراك السنوي الذي كان يؤديه وفقاً للقانون المذكور حتى يبلغ سن الستين أو الخامسة والخمسين أو الخمسين حسب الأحوال. وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 625 لسنة 1955 سالف الذكر عن الغاية التي استهدفها المشرع من هذه المعاملة الخاصة إذ ورد بها في هذا الخصوص: "رمت المادة السادسة إلى الحد من قيد المحامين أمام المحاكم الشرعية وحدها في جدول المحامين أمام المحاكم الوطنية عند إلغاء تلك المحاكم فبعضهم قد لا يرغب في ممارسة المهنة أمام المحاكم الوطنية ولكنه سيحرص مع ذلك على الانتفاع بحقه في القيد بجدول المحامين أمام تلك المحاكم مخافة فقده للمزايا المترتبة على هذا القيد من حيث المعاش والإعانة، فأجاز لأولئك المحامين خلال ستة الشهور التالية لإلغاء المحاكم الشرعية أن يفصحوا عن رغبتهم في اعتزال المهنة مع احتفاظهم بحقهم في المعاش بشرط أن يثابروا على الوفاء بالاشتراك السنوي الذي كانوا يؤدونه وفق قانون المحاماة أمام المحاكم الشرعية، وبذلك تنشأ طبقة جديدة من المحامين غير المشتغلين لا يشاركون محامي المحاكم الوطنية في ممارسة المهنة....". ومن ثم فإن كل ما رتبه المشرع من أثر على إبداء الرغبة في اعتزال المهنة هو الاحتفاظ لصاحبها بالحق في المعاش المنصوص عليه في القانون رقم 101 لسنة 1944 السابق الإشارة إليه، وليس من شك في أن الحق في معاش التقاعد لا ينشأ ولا يتكامل إلا إذا توفرت فيه الشروط التي استلزمها القانون المذكور في المادتين 92، 93 منه ووفقاً لهاتين المادتين لا يستحق المحامي الشرعي معاش التقاعد إلا في أحوال ثلاث: الأولى أن يكون قد قضى ثلاثين سنة في ممارسة المهنة وبلغت سنه ستين سنة كاملة، والثانية: أن يكون قد قضى ثلاثين سنة في ممارسة المهنة وبلغت سنه خمسة وخمسين سنة كاملة، وفي هذه الحالة يحصل على ثلاثة أرباع المعاش المقرر فقط، والثالثة: أن يكون قد قضى عشرين سنة في ممارسة المهنة وبلغت سنه خمسين سنة وحدث له ما يعجزه عن مزاولة المهنة. وبناءً على ما تقدم فإن المحامي الشرعي الذي يفصح كتابة عن رغبته في اعتزال المهنة أمام المحاكم الوطنية خلال الأجل المضروب لذلك لا يفقد نتيجة هذا الاعتزال حقه في اقتضاء معاش التقاعد عندما تتكامل عناصره، وهي انقضاء نصاب زمني معين، وبلوغ سن معينة، بشرط الاستمرار في أداء ما يعادل قيمة الاشتراك السنوي الذي كان يؤديه حتى بلوغ هذه السن المعينة، فإذا تخلف أي عنصر من هذه العناصر لم يكن ثمة حق يسوغ له الاحتفاظ به. واستثناء من هذا الأصل، فإن من لم تتوفر فيه شروط استحقاق المعاش طبقاً للقانون رقم 101 لسنة 1944 آنف الذكر يحصل على معاش بنسبة مدة مزاولته المهنة منسوبة إلى مدة استحقاق المعاش، ومدتها ثلاثون عاماً، بشرط أن يعتزل العمل فعلاً خلال الأجل المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة السادسة وهو الأجل الذي نص على أن ينتهي في 30 من يونيه سنة 1956.
ومن حيث إنه لا اعتداد بما أثاره الطاعن في هذا الشأن من أن الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 625 لسنة 1955 سالف الذكر لم تشترط مدة معينة لاستحقاق المعاش بل يكفي في نظرها أن يكون المحامي مشتركاً في صندوق المعاشات والإعانات وأن يتقدم بطلب إبداء الرغبة في الاعتزال في الميعاد المقرر قانوناً، ذلك أن المشرع طبقاً للفقرة الأولى المشار إليها لم يعف المحامي الشرعي إلا من شرط الاستمرار في مزاولة المهنة، واستعاض عن ذلك بأن يؤدي المذكور إلى وزارة الخزانة مبلغاً يعادل قيمة الاشتراك السنوي الذي كان يؤديه حتى سن الستين أو الخامسة والخمسين أو الخمسين حسب الأحوال، أي أن المشرع اعتبر أداء قيمة الاشتراك بديلاً عن شرط الاستمرار في مزاولة المهنة تحقيقاً للحكمة التي استهدفها وهي - وفقاً لما سلف بيانه - التيسير على المحامين الشرعيين في اعتزال المهنة حتى لا يزاحموا محامي المحاكم الوطنية. كما لا اعتداد أيضاً بما تمسك به الطاعن من أن الفقرة الثانية من المادة السادسة المشار إليها لم تشترط الاعتزال الفعلي لمهنة المحاماة كأساس لاستحقاق المعاش الاستثنائي الذي قررته، لأن هذا القول مردود بأن نص الفقرة الثانية قد ورد صريحاً مطلقاً على نحو يغاير نص الفقرة الأولى التي اكتفت بمجرد عبارة إبداء الرغبة في الاعتزال.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن قيد في 30 من نوفمبر سنة 1920 محامياً شرعياً وفي 17 من يناير سنة 1924 نقل إلى جدول المحامين غير المشتغلين، واستمر كذلك إلى أن أعيد إلى جدول المحامين المشتغلين في 19 من مايو سنة 1952، وفي 23 من يونيه سنة 1956 قدم طلباً إلى وزارة المالية والاقتصاد برغبته في اعتزال المحاماة أمام المحاكم الوطنية ليحتفظ بحقه في المعاش وهو من مواليد 28 من إبريل 1892، وكانت له مدة خدمة بالمحاكم الشرعية. وقد أحيل إلى المعاش لبلوغه سن الستين في 28 من إبريل سنة 1952، وبلغت مدة اشتغاله بالمحاماة الشرعية سبع سنوات وأحد عشر شهراً وتسعة عشر يوماً حتى 25 من فبراير سنة 1957 (يراجع الملف رقم 527 - 19/ 300 وزارة المالية إدارة المحفوظات) وهذه المدة لا تخوله الحق في معاش طبقاً لأحكام القانون رقم 101 لسنة 1944، وبالتالي لا تسري في شأنه أحكام الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 625 لسنة 1955، وكذلك لا تسري في شأنه أحكام الفقرة الثانية من هذه المادة لأنه استمر يمارس مهنة المحاماة أمام المحاكم الوطنية منذ العمل بأحكام ذلك القانون اعتباراً من أول يناير سنة 1956 حتى الآن حسبما أقر بذلك أمام هذه المحكمة بجلسة 11 من يناير سنة 1969 ومن ثم يكون القرار الصادر من الإدارة العامة للمعاشات بوزارة الخزانة برفض طلبه استحقاق المعاش طبقاً لأحكام القانون رقم 625 لسنة 1955 آنف الذكر قد جاء صحيحاً مطابقاً للقانون.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى برفض الدعوى، قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن فيه غير قائم على أساس سليم من القانون، ويتعين - والحالة هذه - القضاء برفضه، مع إلزام الطاعن بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

"حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن بمصروفاته.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 27 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,167,949

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »