الكنائس الإنجيلية المعترف بها ومن بينها كنائس نهضة القداسة تعتبر من أشخاص القانون العام المنوط بها إدارة مرفق عام من مرافق الدولة مستعينة في ذلك بقسط من اختصاصات السلطة العامة .
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 175
(26)
جلسة 20 من ديسمبر سنة 1980
برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد نور الدين العقاد وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة نبيل أحمد سعيد وعبد المعطي زيتون ومحمد فؤاد شعراوي وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.
الطعن رقم 1190 لسنة 20 القضائية
قرار إداري - قرار المجمع العام لكنائس نهضة القداسة للأقباط الإنجيليين.
اختصاص - حريات - الحرية الشخصية في العقيدة الدينية - حرية ممارسة الشعائر الدينية.
الكنائس الإنجيلية المعترف بها ومن بينها كنائس نهضة القداسة تعتبر من أشخاص القانون العام المنوط بها إدارة مرفق عام من مرافق الدولة مستعينة في ذلك بقسط من اختصاصات السلطة العامة - ليس ما يحول من حيث الأصل دون أن تستوي قرارات المجمع العام لكنائس نهضة القداسة كقرارات إدارية إذا ما استقامت لها مقومات القرار الإداري وأركانه قانوناً - صدور حكم من "لجنة القضاء" المنعقدة بدار نهضة القداسة بأسيوط في إحدى القضايا بفرز أحد الأشخاص من عضوية كنائس نهضة القداسة على مستوى الجمهورية ونشر الحكم بمجلة الكنيسة وقراءته من على المنابر ليكون عبرة لمن تسول له نفسه بأن يسئ إلى الكنيسة مع شمول الحكم بالنفاذ - عرض هذا الحكم على المجمع العام لكنائس نهضة القداسة للأقباط الإنجيليين والتصويت بقبوله ونشره بمجلة بوق القداسة وإعلانه من فوق منابر الكنائس - النعي على قرار المجمع العام ببطلانه - القرار الطعين من شأنه حتماً التأثير في مركز الطاعن وحريته الشخصية في عقيدته الدينية وحرية ممارستها وهي التي حاطها الدستور بسياج من ضمانات اعتباره قراراً إدارياً مستكملاً خصائصه قانوناً - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في طلب إلغائه بما ينهار معه النعي بأن هذا القرار مجرد قرار ديني يخرج عن دائرة هذا الاختصاص.
إجراءات الطعن
في يوم الأحد الموافق 15 من سبتمبر سنة 1974 أودع الدكتور محمد عصفور المحامي نيابة عن السيدين...... و..... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1190 لسنة 20 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 5 من فبراير سنة 1974 في الدعويين المضمومتين رقمي 2886 لسنة 26 القضائية المقامة من السيد....... و2887 لسنة 26 المقامة من السيد....... ضد:
1 - رئيس المجلس الملي العام لطائفة الأقباط الإنجيليين.
2 - رئيس المجمع العام لكنائس نهضة القداسة للأقباط الإنجيليين، والذي قضى بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وإلزام المدعيين بالمصروفات.
وطلب الطاعنان للأسباب المبينة في تقرير الطعن إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء لهما بالطلبات التي أقيمت بها الدعوى وإلزام المطعون ضدهما المصروفات والأتعاب. وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما اللذين مثلا أمام المحكمة على الوجه المبين في الأوراق.
وعقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 21 من يناير سنة 1980، وبجلسة 5 من مايو سنة 1980 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) التي عين لنظره أمامها جلسة 24 من مايو سنة 1980. وبعد تداول الطعن بالجلسات وسماع ما رأت المحكمة سماعه من إيضاحات تقرر بجلسة 15 من نوفمبر سنة 1980 إصدار الحكم بجلسة اليوم، وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 5 من فبراير سنة 1974 وتقدم الطاعنان في 23 من مارس سنة 1974 بطلب إلى لجنة المساعدة القضائية للإعفاء من رسوم الطعن حيث قيد الطلب برقم 81 لسنة 20 القضائية وتقرر جلسة 30 من يوليو سنة 1974 رفضه، وقد أودع الطاعنان عريضة طعنهما بتاريخ 15 من سبتمبر سنة 1974 أي خلال الستين يوماً التالية ومن ثم يكون الطعن مقاماً في الميعاد مستوفياً أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة على ما يبين من الأوراق تحصل في أنه بعريضة مودعة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 26 من يوليو سنة 1972 أقام كل من السيدين....... الدعوى القضائية رقم 2886 لسنة 26 القضائية....... الدعوى رقم 2887 لسنة 26 القضائية ضد:
1 - رئيس المجلس الملي العام لطائفة الأقباط الإنجيليين.
2 - رئيس المجمع العام لكنائس نهضة القداسة للأقباط الإنجيليين بطلب الحكم:
أولاً: وبصفة مؤقتة ومستعجلة بوقف تنفيذ القرار الإداري الصادر بشأن فرزهما من عضوية كنائس نهضة القداسة على مستوى الجمهورية.
ثانياً: تقرير انعدام وإلغاء القرار الإداري الصادر من رئيس المجمع العام لكنائس نهضة القداسة في 24 من يونيو سنة 1972 فيما تضمنه من فرزهما من عضوية كنائس نهضة القداسة وما يترتب على ذلك من آثار قانونية وإلزام المدعى عليهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وذهب المدعيان شرحاً للدعوى إلى أنهما من الأعضاء العلمانيين بكنيسة نهضة القداسة التي يدير شئونها على مستوى الجمهورية مجمع عام يرأسه المدعى عليه الثاني والذي أصدر من جانبه أمراً لجميع الكنائس باستبعاد الأعضاء العلمانيين من عضوية المؤتمر الدوري العام للكنيسة وقصر المؤتمر على ممثلي الكنائس من القساوسة وحدهم وإزاء اعتراضهما على هذا القرار شفاهة وكتابة أمر المدعى عليه الثاني بتشكيل لجنة قضائية أصدرت حكماً بفرزهما من عضوية كنائس الطائفة جميعاً ثم بادر من جانبه إلى اعتماده ونشره بمجلة الكنيسة وقراءته من على منابرها، وهو قرار باطل مشوب بغصب السلطة حري بالإلغاء من قبل القضاء الإداري ذلك أن المجلس الملي العام لطائفة الأقباط الإنجيليين والمجمع العام لكنائس نهضة القداسة من أشخاص القانون العام وأن القرار المطعون فيه محض قرار إداري أفصح فيه مصدره عن إرادته بما له من سلطة ولائية على أعضاء الطائفة وما وسد له من مظاهر السلطان في هذا الشأن.
ومن حيث إن المدعى عليهما دفعاً أصلياً بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى بحسبان أن القرار الطعين محض قرار ديني لا يخضع لرقابة القضاء إدارياً كان أم مدنياً واستمسكا احتياطياً برفض الدعوى، تأسيساً على أن هذا القرار سليم لا تشوبه شائبة صدر وفق إجراءات محاكمة سليمة بعد إقرار المجمع العام تشكيل اللجنة التي حاكمت المدعيين. وأضاف المدعى عليهما أن هذا القرار قرار روحي مقتضاه فرز المدعيين من الانتماء إلى الطائفة لخروجهما عن مبادئها وتقاليدها ونظمها الروحية وأن الآثار المترتبة عليه آثار روحية تتصل بالعلاقة الروحية بالكنيسة ولا تتجاوز حرمان العضو المفصول من فريضة "العشاء الرباني" ففي عقيدة الطائفة الإنجيلية أن المسيحية لا تتضمن إلا فريضتين هما المعمودية للأطفال الصغار والعشاء الرباني، وهذه الفريضة تشترط فيمن يتقدم لممارستها أن يكون في حالة روحية سامية. بيد أن هذا القرار لا يؤدي إلى الإخلال بالحقوق الدنيوية مثل إبرام عقد الزواج إذ لا تتوانى الكنيسة عن عقد قران أي شخص وإن لم تتوافر فيه الصلاحيات الروحية طالما ليست لديه موانع شرعية من الزواج، كما لا يحول هذا القرار دون التردد على الكنيسة للصلاة والتي يستطيع أي من المتشيعين لطائفة أخرى أداءها - والحكم الروحي ليس هدفاً في ذاته وإنما وسيلة لإصلاح حياة المفصول روحياً وحثه على التوبة والحياة السامية الخالية من اللوم، وفي هذا كله يتبدى الطابع الديني للقرار والذي ينأى به عن ولاية المحاكم.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري قررت بجلسة 11 من ديسمبر سنة 1973 ضم الدعويين رقمي 2886 لسنة 26 القضائية و2887 لسنة 26 القضائية إلى بعضهما البعض ليصدر فيهما حكم واحد ثم قضت بجلسة 5 من فبراير سنة 1974 بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وإلزام المدعيين المصروفات، وأقامت حكمها على أن المجلس العمومي للكنيسة الإنجيلية يتمتع بنصيب من السلطة العامة فيما عهد إليه من اختصاصات عامة أساسية فضلاً عن أداء الشعائر الدينية وطقوس أفراد الطائفة وتعميق التربية الدينية بينهم وأن للمجلس أن يحيل اختصاصاته إلى لجان مؤلفة من بين أعضائه وهذه الجهات في مباشرتها لسلطتها وقيامها على اختصاصاتها قد تصدر من القرارات ما يكون له آثار إدارية فيكون شأنه شأن القرارات الإدارية الخاضعة لرقابة المحكمة، ومنها ما يكون أثره مقصوراً على الآثار الدينية بما يمس منطق العقيدة فيخرج عن اختصاص القضاء الإداري - والثابت من دستور الكنيسة الإنجيلية المعتمد في 5/ 4/ 1967 والمقدم بحافظة المدعى عليهما أن عضو الكنيسة يتعين أن يتسم بسمات معينة حددها نظام الطائفة وكلها تتصل بالمعتقدات والسلوك وهي سمات يجب ألا تنفك عن الشخص حتى يتمتع بعضوية الكنيسة والانضمام إليها فإذا تخلفت في حقه كان هذا مبرراً لنظر أمره وإصدار قرار في شأن عضويته، وأن القرار المطعون عليه والصادر من لجنة قضاء المجمع العام لكنائس نهضة القداسة والمعتمد من المجمع العام بإدانة المدعيين وفرزهما فرزاً باتاً من كل كنائس نهضة القداسة قرار يتعلق بالروابط الدينية وليس له من أثر إلا فيما يخص هذه العلاقة ولا يعد بهذه المثابة قراراً إدارياً يحدث مركزاً قانونياً جديداً أو يؤثر في مركز قانوني قديم الأمر الذي تنأى معه الدعوى عن اختصاص القضاء الإداري.
ومن حيث إن الطعن الماثل قوامه أن الحكم الطعين أخطأ فهم الوقائع وخالف حكم القانون وصحيح الأمر في تأويله، ذلك أن الهيئات الدينية التي تقوم على إدارة ورعاية شئون الطوائف المسيحية تعتبر من أشخاص القانون العام بما وسد لها من السلطة العامة مما كانت تمارسه الدولة أساساً، وأن القرار الطعين مؤداه حرمان الطاعنين من حق العبادة وإقامة الشعائر الدينية وكل صفات ومبررات المواطن المسيحي الإنجيلي ومصادرة حق من الحقوق اللصيقة بالشخصية ألا وهو حق الإنسان في العقيدة، فهو قرار يتعدى الحدود الروحية إلى حرية العقيدة وإلى المساس بالروابط القانونية التي تتحدد وفق ديانة الشخص وعقيدته، وهو قرار تأديبي مما تمارسه الكنيسة في شأن أعضاء الطائفة مما يتمخض قراراً إدارياً يثبت الاختصاص بشأنه للقضاء الإداري.
ومن حيث إن المطعون ضدهما عقبا على الطعن بمذكرة حاصلها أن التشيع لطائفة نهضة القداسة والتردد على كنائسها للعبادة شيء آخر غير القبول في عضويتها، ذلك أن التشيع للطائفة والتردد على كنائسها للعبادة حق مكفول لكل فرد دون قيد أو شرط أما العضوية فيتعين أن تتسم بسمات معينة حددها نظام الطائفة تتصل بالحياة الروحية والسلوك والمعتقدات وأن كل متشيع ومتردد على طائفة نهضة القداسة يتمتع بحقه في ممارسة فريضة المعمودية التي تمارسها الكنيسة للأطفال بعد أخذ التعهدات على الوالدين بتربيتهم التربية المسيحية ولم يشترط دستور الكنيسة في عماد الأطفال أن يكون الوالدان من الأعضاء، أما فريضة العشاء الرباني فهي تمارس من الأعضاء الذين لم تصدر ضدهم أحكام كنسية ويتسمون بسمات معينة روحية، لكن الزواج لا يدخل في عرف وعقيدة الكنيسة ضمن الفرائض الملزمة للأعضاء كفريضة العشاء الرباني بل ترحب الكنيسة بتزويج كل المتشعيين والمتمردين. ومقتضى ذلك أن الحكم الصادر بالفصل من العضوية لا يصادر حق المفصول في العقيدة أو الملة أو العبادة ولا يؤثر في مركزه القانوني والاجتماعي أو ينال من حقوقه المدنية أو الشرعية وإنما محض حكم روحي يتصل بالحياة الروحية ولا يجاوز دائرة القرار الديني الذي ينأى عن الاختصاص القضائي للمحاكم. هذا إلى أنه ليس حكماً نهائياً وإنما محض قرار مؤقت يزول عند التوبة على مثل الحال بالنسبة إلى الطاعن الأول الذي قبلت توبته وتنازل من جانبه عن الطعن على ما يبين من إقرار رفعه متضمناً أنه راجع نفسه ورجع إلى كنيسته وقبل المجمع رجوعه.
ومن حيث إن الحاضر عن الطاعن الأول أنكر تنازله عن الطعن مبدياً أن صيغة التنازل محررة بمعرفة المطعون ضده، وأن الطاعن أمي لا يعرف القراءة والكتابة واستمسك من جانبه بهذا الطعن بما يقتضي معه إطراح إقرار التنازل المنسوب إلى الطاعن الأول وعدم الاعتداد به.
ومن حيث إن الثابت من أوراق الدعوى ومستنداتها أنه بتاريخ 24 من يونيو سنة 1972 أصدرت "لجنة القضاء" المنعقدة بدار نهضة القداسة بأسيوط حكماً في القضية رقم (1) سنة 1972 ضد السيدين..... و....... يقضي بفرزهما من عضوية كنائس نهضة القداسة على مستوى الجمهورية ونشر الحكم بمجلة الكنيسة وقراءته من على المنابر ليكون عبرة لمن تسول له نفسه بأن يسئ إلى الكنيسة مع شمول الحكم بالنفاذ، وقد عرض هذا القرار في ذات يوم صدوره على المجمع العام لكنائس نهضة القداسة للأقباط الإنجيليين حيث صوت المجمع بقبوله ونشره بمجلة بوق القداسة وإعلانه من فوق منابر الكنائس وهذا القرار هو المنعى ببطلانه والذي صدر الحكم الطعين بعدم الاختصاص بنظر دعوى إلغائه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق وأن قضت بأنه يبين من استقراء المبادئ التي قام عليها الفرمان العالي الصادر في 18 من فبراير سنة 1856 بتنظيم أمور الطوائف غير الإسلامية في الدولة العلية والأحكام التي نص عليها الأمر العالي الصادر في الأول من مارس سنة 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين وقرار وزير الداخلية الصادر في 29 من يونيو سنة 1916 بالتصديق على اللائحة الداخلية للمجلس الملي الإنجيلي العمومي بمصر، أن ثمة رسالة دينية منوطة بالكنائس الإنجيلية المعترف بها تكمن في رعاية المرافق الدينية لطائفة الإنجيليين الوطنيين، وهي مهمة من اختصاصات الحكومة أصلاً يقع على عاتقها القيام بها لو لم توكل إلى المجلس والكنائس بحسبانها من فروع الخدمات التي تنهض بها السلطة العامة وفي سبيل ذلك خول المجلس والكنائس نصيباً من السلطة العامة اللازمة لمباشرة مهامها، ولا ريب أن الرسالة الدينية المنوطة بالمجلس والكنائس في هذا الصدد والتي تمثل النشاط الأساسي والهام للمرفق الذي تقوم على رعايته والنهوض عليه، ذات أثر بالغ في تعميق التعاليم الدينية وآدابها وأداء الشعائر الدينية وغرس التربية الدينية في نفوس أفراد الطائفة الذين تربطهم بالمجلس والكنائس مضافاً إلى الوشائج الدينية روابط تدخل في نطاق القانون العام تحكمها اللوائح والنظم الصادرة في هذا الشأن - ومقتضى ذلك أن الكنائس الإنجيلية المعترف بها ومن بينها كنائس نهضة القداسة تعتبر من بين أشخاص القانون العام المنوط بها إدارة مرفق عام من مرافق الدولة مستعينة في ذلك بقسط من اختصاصات السلطة العامة، وبهذه المثابة ليس ثمة ما يحول من حيث الأصل دون أن تستوي قرارات المجمع العام لكنائس نهضة القداسة كقرارات إدارية إذا ما استقامت لها مقومات القرار الإداري وأركانه قانوناً.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه صدر بفرز الطاعنين من عضوية كنائس نهضة القداسة والثابت في هذا الشأن من استقراء دستور هذه الكنيسة المقدم من المطعون ضدهما أن الفرز أو القطع هو أقسى الأحكام الكنسية (مادة 162) وبه يحرم المذنب من أية رابطة تربطه بالكنيسة المنظورة، ويكون الحكم بالقطع في الضلالات الإيمانية أو التعديات على الشريعة الإلهية أو العناد وعدم الامتثال للأحكام والقوانين المجمعية أو الكنسية ودستور الكنيسة والذنوب المخلة بالشرف والآداب العامة أو الالتزامات التي توافرت معها وقامت بها شروط العضوية أو التسبب في إحداث الشغب والانقسام بين جماعات الكنيسة أو الذنوب التي تضر بصالح العمل العام والإقرار المسيحي - والثابت أيضاً من هذا الدستور إيمان أصحابه بأنه لا يوجد فريضتان (مادة 25) هما فريضتا المعمودية والعشاء الرباني، وأن المعمودية فريضة لكنيسة العهد الجديد لا ينبغي أن يقوم بممارستها إلا القسيس المرتسم وأن المعمودية ختم للعهد الجديد تمارس للذين يعترفون بإيمانهم اعترافاً موثوقاً به ولأولادهم وإن البالغين غير المعمدين يمكن بعد أن يقبلهم مجلس الكنيسة أن يعمدوا.. (المواد 44 و45 و49) وأن العشاء الرباني فريضة لكنيسة العهد الجديد ينبغي أن يمارس على يد قسيس مرتسم ويتناول من الفريضة المقرون إيمانهم بالمسيح والأعضاء الذين لم تصدر ضدهم أحكام كنيسة (مادة 52) ويجب أن تمارس فريضة العشاء الرباني مراراً كثيرة كل عام (مادة 53) ومقتضى ما تقدم أن الفرز من عضوية الكنيسة هو أقسى الأحكام الكنسية ويوجب حتماً حرمان المذنب من أية رابطة تربطه بالكنيسة والحيلولة دونه وبين ما يؤمن به من فريضتين لا غنى عنهما في عقيدته التي لا تؤمن إلا بهما وهما المعمودية - لمن لم يسبق تعميده - وهي لا تتاح إلا لمن يقبلهم مجلس الكنيسة كما لا تمارس إلا لمن يعترفون بإيمانهم اعترافاً موثوقاً به ولأولادهم، وكذا حرمانه من فريضة العشاء الرباني والذي لا يتناوله من تصدر ضدهم أحكام كنسية - ولا ريب بهذه المثابة أن القرار الطعين من شأنه حتماً التأثير في مركز الطاعنين وحريتهما الشخصية في عقيدتهما الدينية وحرية ممارستها وهي التي حاطها الدستور بسياج من ضماناته إذ نص في المادة 46 على أن تكفل حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية ولا مراء على مقتضى هذا النظر في اعتبار القرار الطعين قراراً إدارياً مستكملاً خصائصه قانوناً ومن ثم يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في طلب إلغائه بما ينهار معه النعي بأن هذا القرار مجرد قرار ديني يخرج عن دائرة هذا الاختصاص وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فقد جانب صحيح حكم القانون بما يتعين معه القضاء بإلغائه وبإعادة الدعوى مجدداً إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مع إلزام المطعون ضدهما مصروفات الطعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بنظر الدعوى، وبإعادتها إليها للفصل فيها وألزمت المطعون ضدهما مصروفات الطعن.
ساحة النقاش