اصدار صحيفة لحزب سياسى لا يعدو ان يكون فى حقيقته استخداما لحق استمده مباشرة من القانون أى حق نشأ رأسا من القانون فى حق الحزب - لا يلزم لنشوئه صدور قرار ادارى خاص بذلك وبفرض صدور مثل هذا القرار فانه لا يعتبر سوى مجرد عمل مادى أو تنفيذى لا يرتب بذاته أى أثر قانونى .
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1981 الى آخر سبتمبر سنة 1982) - صـ 253
(35)
جلسة 16 من يناير سنة 1982
برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد نور الدين العقاد وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عزيز بشاى سيدهم وعبد المعطى على زيتون والدكتور محمد جودت الملط ومحمد أحمد البدرى - المستشارين.
الطعن رقم 591 لسنة 25 القضائية
أحزاب سياسية - حق اصدار الصحف - ترخيص - الترخيص باصدارها - تكييفه - قرار ادارى - عمل مادى أو تنفيذى - اختصاص.
مقتضى نص المادة 15 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية ان لكل حزب سياسى حق اصدار صحيفته المعبرة عن آرائه والداعية الى مبادئه وأهدافه والمصورة لبرامجه فى شئون سياسته وأساليبه ونظرته فى مختلف الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك دون ما حاجة الى اللجوء الى أية جهة أو سلطة للحصول على ترخيص باصدار الصحيفة - اصدار صحيفة لحزب سياسى لا يعدو ان يكون فى حقيقته استخداما لحق استمده مباشرة من القانون أى حق نشأ رأسا من القانون فى حق الحزب - لا يلزم لنشوئه صدور قرار ادارى خاص بذلك وبفرض صدور مثل هذا القرار فانه لا يعتبر سوى مجرد عمل مادى أو تنفيذى لا يرتب بذاته أى أثر قانونى ومن ثم ينأى بطبيعته عن ولاية القضاء الادارى - أساس ذلك - تطبيق: اصدار حزب مصر العربى الاشتراكى جريدته المسماة بجريدة مصر استنادا الى أصل حقه المستمد مباشرة من القانون لا من ترخيص أصدرته جهة ادارية - المنازعة لا تتمخض والحال هكذا عن اختصام لقرار ادارى - عدم قبولها لانتفاء هذا القرار - لا يؤثر ذلك بحال ما على حق الطاعن فى الالتجاء الى جهة القضاء المختصة فى شأن ما عساه يكون قد حاق به أو مسه من جراء قيام الحزب المشار اليه باصدار صحيفته.
اجراءات الطعن
فى يوم السبت الموافق 21 من ابريل سنة 1979، أودع الدكتور ابراهيم فهمى هلال بصفته وكيلا عن السيد/ أنيس كيرلس المنقبادى الحارس القضائى على "جريدة مصر" قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقريرا بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 591 لسنة 25 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بجلسة 20 من فبراير سنة 1979 فى الدعوى رقم 1614 لسنة 31 القضائية المرفوعة من الطاعن ضد:
1- أمين عام الاتحاد الاشتراكى والرئيس الأعلى لمجلس الصحافة.
2- رئيس حزب مصر العربى الاشتراكى.
3- وزير الاعلام، والذى قضى بعدم قبول الدعوى والزام المدعى بالمصروفات.
وطلب الطاعن (بصفته) للأسباب الموضحة فى تقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء قرار أمين عام الاتحاد الاشتراكى العربى الصادر بالترخيص لحزب مصر العربى الاشتراكى باصدار جريدة مصر مع الزام المطعون ضدهم بالمصاريف.
وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير برأيها القانونى طلبت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع الزام الطاعن بالمصروفات.
وبعد اتخاذ الاجراءات القانونية، عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 6 من ابريل سنة 1981، وفيها قررت الدائرة احالته الى المحكمة الادارية العليا "الدائرة الأولى" لنظره أمامها بجلسة 16 من مايو سنة 1981، وبعد تداول نظر الطعن بالجلسات قررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة 2 من يناير سنة 1982 ثم قررت ارجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل، على ما يبين من الأوراق، فى انه بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الادارى بتاريخ 3 من يوليو سنة 1977، أقام السيد/ أنيس كيرلس المنقبادى الدعوى رقم 1614 لسنة 31 القضائية ضد كل من أمين عام الاتحاد الاشتراكى العربى ورئيس حزب مصر العربى الاشتراكى ووزير الاعلام، طالبا الحكم بصفة مستعجلة بوقف صدور جريدة الحزب المذكور المسماة "جريدة مصر" وبالغاء قرار أمين عام الاتحاد الاشتراكى العربى الصادر بالترخيص لحزب مصر العربى الاشتراكى باصدار جريدة مصر. وشرحا لدعواه، قال انه فى يوم 28 من يونية سنة 1973 أصدر حزب مصر العربى الاشتراكى "جريدة مصر" معلنا انها تصدر أسبوعيا بصفة مؤقتة الى أن تتم اجراءات صدورها يوميا - مما دعاه الى الاعتراض على ذلك أمام جهات الاختصاص بكتاب مسجل نظرا لوجود جريدة يومية سياسية يتولى تمثيلها وتحمل اسم "مصر" سبق ان صدر بها ترخيص منذ أكثر من ثمانين عاما، وأنه ولئن كان قد توقف صدورها اعتبارا من أوائل سنة 1966 لأسباب مردها الى الاجراءات المكتبية والتعقيدات الادارية الا انها قائمة قانونا وترخيصا. ومن ثم فاذا جاء أمين عام الاتحاد الاشتراكى العربى والرئيس الأعلى لمجلس الصحافة واصدر ترخيصا لحزب مصر العربى الاشتراكى باصدار جريدة تحمل ذات اسم "مصر" فانه يكون قد خالف القانون ويكون قراراه هذا قد جاء خاطئا حريا بالالغاء.
ومن حيث انه بجلسة 20 من فبراير سنة 1979، أصدرت المحكمة حكمها بعدم قبول الدعوى والزام المدعى بمصروفاتها، وأقامت قضاءها هذا على ان القانون رقم 20 لسنة 1936 بشأن المطبوعات الذى تولى تنظيم الأحكام المتعلقة باصدار الصحف كان يكتفى لاصدار الصحيفة بأن يقدم صاحب الشأن اخطارا كتابيا بذلك الى المحافظة أو المديرية التى يقع فى دائرتها محل الاصدار. وظل الأمر هكذا الى ان صدر المرسوم بقانون رقم 156 لسنة 1960 بتنظيم الصحافة، حيث تطلب لاصدار الصحيفة أمرين:
أولا: تقديم الاخطار المتقدم ذكره.
ثانيا: الحصول على ترخيص من الاتحاد الاشتراكى العربى. بيد انه صدر بعد ذلك قانون تنظيم الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 ناصا على حق كل حزب فى اصدار صحيفة أو أكثر للتعبير عن آرائه دون التقيد بالحصول على ترخيص من الاتحاد الاشتراكى العربى ومن ثم يكون ما قام به حزب مصر العربى الاشتراكى من اصدار "جريدة مصر" هو استعمال لحق استمده مباشرة من القانون، ولم يستند فى مباشرته له الى صدور ترخيص من أية سلطة أو جهة، وبالتالى تكون طلبات المدعى بوقف تنفيذ والغاء القرار الصادر بذلك الترخيص واردة على غير محل ولا تصادف قرارا اداريا مما يدخل فى ولاية القضاء الادارى.
ومن حيث ان الطعن الماثل يقوم على ان حزب مصر كان قد تقدم بطلب الى أمين عام الاتحاد الاشتراكى العربى باصدار جريدة اسمها "مصر" وان الأمين العام أصدر فعلا قراره بالترخيص مما يفيد وجود هذا القرار الصادر من جهة ادارية، ولا يغير من ذلك صدوره من قبيل التزيد أى دون الحاجة اليه ما دام انه قائم فعلا.
ومن حيث انه يتعين بادئ ذى بدء استقصاء التشريعات المتعاقبة التى تولت تنظيم اصدار الصحف اعتبارا من المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1936 بشأن المطبوعات، ثم بيان مدى تأثيرها فى المنازعة الراهنة.
ويلاحظ ان المادة 13 من هذا المرسوم بقانون قد نصت على انه "يجب على كل من أراد أن يصدر جريدة ان يقدم اخطارا كتابيا بذلك الى المحافظة أو المديرية التى يتبعها محل الاصدار. ويشتمل الاخطار على البيانات الآتية:
أولا: اسم ولقلب وجنسية ومحل اقامة صاحب الجريدة والمحرر أو المحررين المسئولين والناشر ان وجد.
ثانيا: اسم الجريدة واللغة التى تنشر بها وطريقة اصدارها وعنوانها.
ثالثا: ..... "وقضت المادة 18 بأن يعتبر الاخطار كأن لم يكن اذا لم تظهر الجريدة فى بحر الثلاثة الأشهر التالية لتاريخ الاخطار أو اذا لم تصدر بانتظام فى خلال ستة أشهر ويكون اثبات عدم انتظام صدورها بقرار من وزير الداخلية يعلن لصاحب الشأن. ومؤدى ذلك ان الأصل فى ظل تطبيق القانون رقم 20 لسنة 1936 المشار اليه، أن المشرع أطلق حرية الأشخاص فى اصدار الصحف ولم يعمد ان يحد من نشاطهم فى هذا الشأن وكل ما شرطه من اجراءات فى هذا الصدد هو مجرد تكليف من يرغب فى اصدار الصحيفة باخطار المحافظة أو المديرية التى يقع فى نطاقها محل اصدار الجريدة على ان يكون هذا الاخطار مستوفيا الشروط القانونية المقررة.
ومن حيث انه صدر بعد ذلك القانون رقم 156 لسنة 1960 بتنظيم الصحافة، ناصا فى مادته الأولى على انه "لا يجوز اصدار الصحف الا بترخيص من الاتحاد القومى.... وعلى أصحاب الصحف التى تصدر وقت العمل بهذا القانون ان يحصلوا على ترخيص من الاتحاد القومى خلال ثلاثين يوما من تاريخ العمل بهذا القانون" ونص فى مادته الثانية على انه "لا يجوز العمل فى الصحافة الا لمن يحصل على ترخيص بذلك من الاتحاد القومي" ويستفاد من ذلك أنه اعتبارا من 24 من مايو سنة 1960 تاريخ العمل بالقانون رقم 156 لسنة 1960 بنشره فى الجريدة الرسمية، لم يشأ المشرع أن يجعل ميلاد الصحيفة من عمل صاحبها بمراعاة الشروط التى فرضها القانون، وانما اشترط لاصدارها الحصول على ترخيص مسبق من الاتحاد الاشتراكى الذى حل محل الاتحاد القومى، وذلك بالاضافة الى الاخطار المنصوص عليه فى المادة 13 من القانون رقم 20 لسنة 1936 المشار اليه.
ومن حيث انه ولئن كانت هذه الضوابط والقيود قد شرعت لتنظيم اصدار الصحف الا ان المشرع غاير نهجه فى هذا الشأن وأتبع أسلوبا آخر فيما يتعلق بنوع معين من الصحف اختصه بأحكام مختلفة، ذلك انه نص فى المادة 15 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية على ان "لكل حزب حق اصدار صحيفة أو أكثر للتعبير عن آرائه وذلك دون التقيد بالحصول على الترخيص المشار اليه فى المادتين. (1)، (2) من القانون رقم 156 لسنة 1960 بشأن تنظيم......" وطبقا لهذا النص يثبت لكل حزب سياسى حق اصدار صحيفته المعبرة عن آرائه والداعية الى مبادئه وأهدافه والمصورة لبرامجه فى شتى سياساته وأساليبه ونظرته فى مختلف الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك دون ما حاجة الى اللجوء الى أية جهة أو سلطة للحصول على ترخيص باصدار الصحيفة.
ومن حيث انه بناء على ذلك فان ما قام به حزب مصر العربى الاشتراكى، وهو حزب سياسى، من اصدار "جريدة مصر" لا يعدو أن يكون فى حقيقته استخداما لحق استمده مباشرة من القانون أى حق نشأ رأسأ من القانون فى حق الحزب، ولم يلزم لنشوئه صدور قرار ادارى خاص بذلك وبفرض صدور مثل هذا القرار فانه لا يعتبر سوى مجرد عمل مادى أو تنفيذى لا يرتب بذاته أى أثر قانونى ومن ثم ينأى بطبيعته عن ولاية القضاء الادارى.
ومن حيث انه متى كان الأمر كذلك، وكان من الثابت ان حزب مصر العربى الاشتراكى قد أصدر جريدته المسماة بجريدة مصر استنادا الى أصل حقه المستمد مباشرة من القانون لا من ترخيص أصدرته جهة ادارية، فان المنازعة الماثلة لا تتمخض والحال هكذا عن اختصام لقرار ادارى بطلب وقف تنفيذه والغائه، مما يتعين القضاء بعدم قبولها لانتفاء هذا القرار، ومن نافلة القول الاشارة الى أن ذلك لا يؤثر بحال ما على حق الطاعن فى الالتجاء الى جهة القضاء المختصة فى شأن ما عساه يكون قد حاق به أو مسه من جراء قيام الحزب المشار اليه باصدار صحيفته.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه قد انتهى الى هذه النتيجة، فانه يكون قد صادف وجه الحق والصواب ويكون الطعن فيه والحالة هذه غير قائم على أساس سليم من القانون، متعينا رفضه والزام الطاعن بالمصاريف.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا والزمت الطاعن المصروفات.
ساحة النقاش