للمحكمة التأديبية اختصاصات أحدهما عقابي والآخر رقابي - الاختصاص العقابي ينصرف إلى توقيع الجزاءات في الدعاوى التأديبية - الاختصاص الرقابي ينصرف إلى مراقبة الجزاءات التي توقعها السلطات الأخرى طبقاً للقانون - يقتصر اختصاص المحكمة التأديبية في الحالتين على الجزاءات الصريحة.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 281
(44)
جلسة 29 من نوفمبر سنة 1986
برئاسة السيد الأستاذ المستشار عادل عبد العزيز بسيوني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة علي فؤاد الخادم والدكتور محمد جودت الملط وصلاح عبد الفتاح سلامة وثروت عبد الله أحمد المستشارين.
الطعن رقم 1381 لسنة 28 القضائية
( أ ) اختصاص - ما يخرج عن اختصاص المحاكم التأديبية - قرارات النقل والندب.
للمحكمة التأديبية اختصاصات أحدهما عقابي والآخر رقابي - الاختصاص العقابي ينصرف إلى توقيع الجزاءات في الدعاوى التأديبية - الاختصاص الرقابي ينصرف إلى مراقبة الجزاءات التي توقعها السلطات الأخرى طبقاً للقانون - يقتصر اختصاص المحكمة التأديبية في الحالتين على الجزاءات الصريحة - أثر ذلك: عدم اختصاص المحاكم التأديبية بأية إجراءات أخرى بحجة تغييبها عقوبات تأديبية مقنعة مثل قرارات النقل والندب - تطبيق [(1)].
(ب) اختصاص - ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - قرار لفت النظر.
المادة (10) من القانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة.
الطعن على قرار لفت النظر لا يدخل في اختصاص المحاكم التأديبية - أساس ذلك: أن لفت النظر ليس من بين الجزاءات الواردة صراحة في القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة - الطعن على هذا القرار يخرج أيضاً من اختصاص المحاكم الإدارية المحدد على سبيل الحصر في المادة (14) من القانون رقم 47 لسنة 1972 - تختص محاكم القضاء الإداري بالطعن في قرار لفت النظر - أساس ذلك: دخول هذا الطعن في مدلول عبارة "سائر المنازعات الإدارية" الواردة بالبند (رابع عشر) من المادة (10) من قانون مجلس الدولة بصرف النظر عن درجة الموظف صاحب الشأن وأوجه النعي على القرار - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 7 من يوليه سنة 1982، أودعت هيئة مفوضي الدولة، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1381 لسنة 28 القضائية عليا، في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالمنصورة بجلسة 16 من مايو سنة 1982 في الطعن رقم 65 لسنة 10 القضائية المقام من السيد/......، المدرس الأول بمدرسة المنصورة الثانوية للبنات، ضد السيد محافظ الدقهلية بصفته الرئيس الأعلى لمديرية التربية والتعليم بالمنصورة، والذي قضى بعدم قبول الطعن وإلزام الطاعن بعشرة جنيهات أتعاب المحاماة.
وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة، للأسباب المبينة في الطعن، الحكم أولاً: بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وثانياً: باختصاص المحكمة التأديبية بالمنصورة بنظر الدعوى، وثالثاً: بعدم القبول شكلاً للطعن في القرار الإداري بلفت نظر المطعون ضده.
وبعد إعلان تقرير الطعن قدمت هيئة مفوضي الدولة، تقريراً مسبباً في الطعن ارتأت فيه الحكم بالطلبات الواردة في تقرير الطعن.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من مايو سنة 1986 وبجلسة 11 من يونيه سنة 1986 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" لنظر بجلسة 11 من أكتوبر سنة 1986 وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة نيابة عن السيد محافظ الدقهلية مذكرة بطلب رفض الطعن، وقررت المحكمة بذات الجلسة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسب ما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 15 من فبراير سنة 1982 رفع السيد/.....، المدرس الأول بمدرسة المنصورة الثانوية للبنات، الطعن رقم 65 لسنة 10 القضائية، أمام المحكمة التأديبية بالمنصورة، ضد السيد محافظ الدقهلية بصفته الرئيس الأعلى لمديرية التربية والتعليم بالمنصورة طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر في 25 من مايو سنة 1981 بلغت نظره إلى عدم إزعاج السلطات بدون وجه حق. وقضت المحكمة التأديبية في جلسة 16 من مايو سنة 1982 بعدم قبول الطعن مع إلزام الطاعن مبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة، لأن لفت النظر لم يرد من بين الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين طبقاً للمادة 80 من القانون رقم 47 لسنة 1978، ولا يعدو في الحقيقة أن يكون مجرد إجراء مصلحي لتحذير الموظف وتوجيهه في عمله دون أن يترتب عليه إحداث في مركزه القانوني، ومن ثم فإنه لا يعد عقوبة تأديبية، وبهذا الوصف لا يدخل طلب إلغائه في ولاية القضاء الإداري.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون أولاً: لأن القرار الصادر بلفت النظر يعد جزاء تأديبياً مقنعاً حسب ظروف وملابسات إصداره فتختص المحكمة التأديبية بنظر طلب إلغائه، وثانياً: لأن الطاعن لم يرفع طعنه أمام المحكمة التأديبية خلال الستين يوماً التالية لتاريخ رفض تظلمه حكماً بمضي الستين يوماً المحددة قانوناً للبت فيه مما يجعل طعنه غير مقبول شكلاً، وثالثاً: لأن الطعن أمام المحكمة التأديبية يعفى من الرسوم القضائية وبالتالي من مقابل أتعاب المحاماة الذي يدخل في مصاريف الدعوى عملاً بالمادة 184 من قانون المرافعات.
ومن حيث إن دستور سنة 1976 نص في المادة 172 على أن مجلس الدولة هيئة مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى. ووفقاً لهذا النص، صدر القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وقضى في المادة 10 بأن تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في مسائل معينة أوردها في أربعة عشر بنداً، من بينها البند (تاسعاً) الخاص بالطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية، والبند (ثاني عشر) الخاص بالطعون في الجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانوناً، والبند (رابع عشر) الخاص بسائر المنازعات الإدارية، ووزع في المواد 13، 14، 15 الاختصاص في نظر هذه المسائل بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية على الترتيب، فنص في المادة 13 على اختصاص محكمة القضاء الإداري بتلك المسائل عدا ما تختص به المحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية، وعدد في المادة 14 اختصاص المحاكم الإدارية على نحو خلا مما جاء في البند (رابع عشر) من المادة العاشرة والخاص بسائر المنازعات الإدارية، كما حدد في المادة 15 اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الدعاوى التأديبية ضد العاملين في الحكومة والقطاع العام وبعض الجهات الخاصة وبنظر الطعون التأديبية المنصوص عليها في البندين (تاسعاً) و(ثالث عشر) من المادة العاشرة. ثم نص في المادة 19 على أن توقع المحاكم التأديبية الجزاءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لشئون من تجرى محاكمتهم وحدد الجزاءات التي توقع على العاملين بهذه الجهات الخاصة. كما حدد في المادة 21 الجزاءات التي توقع على من ترك الخدمة.
ومن حيث إنه يستفاد مما تقدم أن قانون مجلس الدولة قد تعرض سواء بالإحالة إلى قوانين أخرى أو بالنص الصريح للجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها سواء من قبل السلطات الرئاسية أو من قبل المحاكم التأديبية، وعقد للمحكمة التأديبية الاختصاص بتوقيع هذه الجزاءات ابتداء في الدعاوى التأديبية، كما خولها الاختصاص برقابتها انتهاء في الطعون التأديبية، وبذا يقتصر اختصاص المحاكم التأديبية في الحالتين على الجزاءات التأديبية التي حددها القانون على سبيل الحصر، فلا ينبسط اختصاصها الرقابي شأن اختصاصها العقابي إلى ما عدا هذه الجزاءات التأديبية الصريحة بحجة تغيبها العقاب كجزاءات تأديبية مقنعة، مثل القرارات الصادرة بنقل الموظفين أو بندبهم، ومثل القرار الصادر بلفت نظر الموظف لسبب أو لآخر، إذ خلت الإجراءات التأديبية المحددة قانوناً، ومنها تلك التي نص عليها في القانون رقم 47 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين المدنيين في الدولة من لفت النظر كجزاء تأديبي وبالتالي فإن المنازعة في القرار الصادر بلفت نظر الموظف الخاضع لأحكام هذا النظام، لا تدخل في اختصاص المحاكم التأديبية، كما لا تدخل في الاختصاص الوارد على سبيل الحصر للمحاكم الإدارية في المادة 14 من قانون مجلس الدولة، غير أنه لما كانت هذه المنازعة تدخل في مفهوم عبارة (سائر المنازعات الإدارية) الواردة في البند (رابع عشر) من المادة 10 في ذات القانون، فهي بهذه المثابة تكون من المنازعات التي تدخل في الاختصاص الولائي لمجلس الدولة عملاً بالمادة 172 من دستور سنة 1972 والبند (رابع عشر) من المادة 10 في قانون مجلس الدولة، كما تدخل في الاختصاص النوعي لمحكمة القضاء الإداري بصرف النظر عن درجة الموظف عملاً بالمادة 13 التي جعلت اختصاصها شاملاً المسائل المحددة في المادة 10 عدا تلك التي أنيطت بالمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية في المادتين 14، 15 باعتبار أن كلاً منهما قد خلت من الإدارة إلى البند (رابع عشر) الخاص بسائر المنازعات الإدارية ومن ثم فإن المنازعة المتعلقة بالقرار الصادر بلفت نظر الموظف الخاضع لأحكام القانون رقم 47 لسنة 1978، يشملها الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة، وإذ ينحسر عنها الاختصاص لكل من المحاكم التأديبية والمحاكم الإدارية، فإنها تندرج ضمن الاختصاص النوعي لمحكمة القضاء الإداري، بصرف النظر عن درجة الموظف صاحب الشأن وعن أوجه النعي على القرار.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، وإن انتهى في منطوقه إلى عدم قبول الطعن، إلا أنه تطرق في أسبابه إلى اختصاص المحاكم التأديبية ومحكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى وأوغل في هذا الشأن على نحو يفضي إلى القضاء بعدم اختصاص محاكم الدولة بنظر المنازعة التي صدر فيها الحكم مثار الطعن الماثل، وهو نظر وإن كان يستقيم مع عدم اختصاص المحاكم التأديبية بنظر تلك المنازعة إلا أن هذا القضاء يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله عندما انتهى إلى عدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى، وذلك بحسبان أن المنازعة في مشروعية لفت نظر العامل تمثل في الواقع من الأمر منازعة من المنازعات الإدارية التي تختص بنظرها محكمة القضاء الإداري وفقاً لأحكام البند 14 من المادة 10 من قانون مجلس الدولة على نحو ما سبق بيانه، مما كان يتعين معه على المحكمة أن تقضي في تلك المنازعة بعدم اختصاص المحاكم التأديبية بنظرها وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة للاختصاص.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب، فإنه يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة للاختصاص.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة للاختصاص.
[(1)] راجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بالدائرة المشكلة طبقاًَ لنص المادة (54 مكرراً) من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 بجلسة 15/ 12/ 1985 في الطعن رقم 1201 لسنة 28 ق.
ساحة النقاش