تعدد المتهمين بارتكاب مخالفة تأديبية واحدة واختلاف كل منهم عن الآخر من حيث المستوى الوظيفي - توحيد الجهة التي تتولى المحاكمة في هذه الحالة - انعقاد الاختصاص للمحكمة التأديبية التي تختص بمحاكمة أعلاهم درجة.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 1297
(113)
جلسة 16 من مايو سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.
القضية رقم 288 لسنة 5 القضائية
محاكمة تأديبية - تعدد المتهمين بارتكاب مخالفة تأديبية واحدة واختلاف كل منهم عن الآخر من حيث المستوى الوظيفي - توحيد الجهة التي تتولى المحاكمة في هذه الحالة - انعقاد الاختصاص المحكمة التأديبية التي تختص بمحاكمة أعلاهم درجة - عند تعدد المتهمين وكون بعضهم من الخدمة الخارجين عن الهيئة أو من العمال والبعض الآخر من الداخلين في الهيئة تكون محاكمة الجميع أمام المحكمة التي تختص بمحاكمة الموظفين الداخلين في الهيئة.
من الأصول المسلمة في المحاكمات جميعاً، جنائية كانت أو تأديبية، أنه إذا تعدد المحاكمون فلا مندوحة من تجميعهم لدى المحاكمة أمام جهة واحدة، وذلك لحكمة ظاهرة توجبها المصلحة العامة؛ إذ لا يخفى ما في تعدد المحاكمات أمام جهات مختلفة من احتمال التضارب في الأحكام أو الجزاءات وما فيه من تطويل وتكرار وضياع وقت في الإجراءات وغير ذلك مما لا يتفق والصالح العام؛ ومن أجل ذلك كانت نظرة الشارع دائماً متجهة إلى توحيد جهة المحاكمة بالنسبة لهم جميعاً. وآية ذلك - في مجال المحاكمات التأديبية - ما نصت عليه المادة 24 من القانون رقم 117 لسنة 1958، عند تعدد المحاكمين المتهمين بارتكاب مخالفة واحدة أو مخالفات مرتبط بعضها ببعض وكانوا يتبعون في الأصل جهات متعددة في المحاكمة، إذ اتخذت ضابطاً معيناً يقوم على أساسه توحيد جهة المحاكمة، وهو أولاً الجهة أو الوزارة التي وقعت فيها المخالفة أو المخالفات المذكورة، أو بعبارة أخرى مكان ارتكابها، فإن تعذر ذلك تكون المحاكمة أمام المحكمة المختصة بالنسبة للوزارة التي يتبعها العدد الأكبر من الموظفين، أي اتخذت ضابطاً ثابتاً هو أغلبية المحاكمين التابعين بحكم وظيفتهم لجهة واحدة، فإن تساوى العدد عين رئيس مجلس الدولة المحكمة المختصة بقرار منه، كما بينت المادة 25 من القانون المذكور الضابط الذي على أساسه يقوم توحيد جهة المحاكمة التأديبية إذا ما اختلفت الموظفون المقدمون للمحكمة في المستوى الوظيفي؛ فنصت في فقرتها الثانية على أنه "وإذا تعدد الموظفون المقدمون للمحاكمة كانت المحكمة المختصة بمحاكمة أعلاهم درجة هي المختصة بمحاكمتهم جميعاً". وكذلك في مجال المحاكمات الجنائية، فإن الشارع يتجه دائماً إلى توحيد المحاكمة إن تعدد المحاكمون بناء على الضوابط التي يعينها والتي تقوم إما على مكان وقوع الجريمة، أو مرتبة الجهة القضائية في التدرج القضائي كولاية محكمة الجنايات في نظر الجنحة تبعاً لاختصاصها بنظر الجنائية المرتبطة بالجنحة، أو غير ذلك من الضوابط. وكل أولئك قاطع في الدلالة على أن الأصل المسلم به عند تعدد المحاكمين هو وجوب تجميعهم أمام جهة واحدة في المحاكمة؛ للاعتبارات التي تقتضيها المصلحة العامة حسبما سلف إيضاحه. ولذلك فإنه لما كان القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري قد سكت عن تعيين المحكمة أو جهة المحاكمة التأديبية إذا ما تعدد المحاكمون وكان بعضهم من الخارجين عن الهيئة أو من العمال والبعض الآخر من الداخلين في الهيئة، فإنه - بناء على الأصل المتقدم ونزولاً على الحكمة التي يقوم عليها هذا الأصل، وهى حكمة ترتبط بالمصلحة العامة - يجب أن تكون محاكمة الخارجين عن الهيئة والعمال أمام المحكمة التأديبية التي تختص بمحاكمة الموظفين الداخلين في الهيئة؛ قياساً على ما نصت عليه المادة 25 من القانون المذكور في حالة اختلاف المحاكمين في المستوى الوظيفي؛ إذ جعلت الاختصاص للجهة التي تختص بمحاكمة أعلاهم درجة. وليس من شك أن الموظف الداخل في الهيئة بوجه عام هو في التدرج الوظيفي أعلى من الخارج عن الهيئة أو العمال؛ ولذا كانت الضمانات لمحاكمته تأديبياً أقوى وأوفى؛ وبهذه المثابة يتبع المستخدم خارج الهيئة أو العمال تلك المحكمة التأديبية في المحاكمة، ولا يضيره ذلك، بل هي ضمانة يفيد منها تبعاً.
إجراءات الطعن
في 24 من يناير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 288 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والعمل والثقافة والإرشاد القومي بجلسة 15 من ديسمبر سنة 1958 في الدعوى رقم 4 لسنة 1 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد عادل فهمي محمود النشوقاتي ومحمد محمد عليم وأحمد أحمد محمد العشماوي، القاضي: (أولاً) بمجازاة كل من عادل فهمي النشوقاتي والساعي محمد محمد عليم بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه. (ثانياً) بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنسبة لسائق الموتوسيكل أحمد أحمد محمد العشماوي. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة التأديبية بمحاكمة أحمد محمد العشماوي، والقضاء باختصاص المحكمة التأديبية بمحاكمته، مع إحالة القضية إلى المحكمة للفصل في الموضوع". وقد أعلنت النيابة الإدارية في 21 من فبراير سنة 1959، كما أعلن عادل فهمي محمود النشوقاتي في 25 منه، ومحمد محمد عليم في 3 من مارس سنة 1959 وأحمد أحمد محمد العشماوي في 16 منه، وتحدد لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 4 من أبريل سنة 1959، وأبلغ كل من النيابة الإدارية وعادل فهمي محمود النشوقاتي ومحمد محمد عليم وأحمد أحمد محمد العشماوي في 3 من مارس سنة 1959 بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه في 29 من سبتمبر سنة 1954 أرسلت مراقبة الشئون الاجتماعية التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية برسم عادل فهمي محمود النشوقاتي رئيس الوحدة الاجتماعية بسرس الليان إذن صرف بمبلغ 680 م و62 ج قسمة المساعدات بالوحدة عن شهر سبتمبر سنة 1954، كما بعثت له في 3 من أكتوبر سنة 1954 إذن صرف آخر بمبلغ 952 م و776 ج قيمة المعاشات المستحقة عن الشهر المذكور، فقام رئيس الوحدة عادل فهمي النشوقاتي بصرف قيمة لشيكين في 9 من أكتوبر سنة 1954 من مكتب بريد سرس الليان، ثم قام باستبدال مبلغ 400 ج بنقود صغيرة، ووضع هذا المبلغ فوق درج الخزينة الداخلي، ووضع الباقي بالدرج الداخلي بالخزينة الذي كان به مبلغ 320 م و2 ج الباقي من نقود السلفة المستديمة، وأغلق الدرج بالمفتاح واحتفظ به لديه؛ ونظراً لأن سكرتير الوحدة كان غائباً بإجازة مرضية في اليوم المذكور (يوم 9 أكتوبر سنة 1954)، ولأن رئيس الوحدة كان ينوي التغيب عن العمل في اليوم التالي الموافق 10 من أكتوبر سنة 1954 قام عادل فهمي النشوقاتي بتسليم مفتاح الخزينة الخارجي إلى ساعي الوحدة محمد محمد عليم بعد أن أخذ عليه إيصالاً بذلك وباستلامه مبلغ الأربعمائة جنيه الموضوع بأعلى الدرج الداخلي للخزينة، ونبه عليه بتسليم هذا المبلغ لسكرتير الوحدة عند حضوره في صباح اليوم التالي؛ ليقوم بصرفه لمستحقيه، ثم انصرف رئيس الوحدة والساعي وسائق الموتوسيكل بعد أن قاموا بغلق مبنى الوحدة، ثم قام سائق الموتوسيكل بتوصيل رئيس الوحدة إلى بلدة الباجور، حيث استقل رئيس الوحدة القطار إلى القاهر حيث يقيم. وفي صباح يوم 10 من أكتوبر سنة 1954 حضر ساعي الوحدة وفتح المبنى، وعندما حضر سكرتير الوحدة أخبره الساعي بتعليمات رئيس الوحدة، فطلب منه السكرتير فتح الخزانة وإحضار النقود، بيد أنه عند عدِّ النقود تبين أنها 127 جنيهاً، كما تبين أن الدرج الداخلي للخزانة مفتوح وبداخله مبلغ 320 م و2 ج فقط؛ ومن ثم رفض السكرتير تسلم المبلغ، وكلف الساعي بغلق الخزانة والاحتفاظ بمفتاحها لحين عودة رئيس الوحدة من إجازته، وعند حضور رئيس الوحدة في صباح يوم 11 من أكتوبر سنة 1954 أخبره السكرتير بأن الساعي فتح الخزانة أمامه ولم يجد بها إلا 127 ج فقط مضافاً إليه مبلغ 320 م و2 ج - قيمة الباقي من السلفة، فقام رئيس الوحدة بفتح الخزينة وعد ما بها من نقود فاتضح له صحة قول السكرتير، فاتهم الساعي بسرقة المبلغ الناقص وقدره 632 م و712 ج، وما إن وجه رئيس الوحدة للساعي هذا الاتهام حتى غادر الساعي مبنى الوحدة وتوجه إلى النيابة العامة بمنوف حيث أبلغها بالحادث، كما قام رئيس الوحدة مع سائق الموتوسيكل إلى مركز بوليس منوف الذي كان قد أحيل إليه بلاغ الساعي، وبعد أن سأل البوليس كلاً من رئيس الوحدة والساعي وسائق الموتوسيكل أحال الأوراق إلى النيابة، وقد تولت النيابة تحقيق الحادث، وقام رئيس الوحدة بدفع المبلغ المسروق من أموال والدته. وانتهت النيابة في التحقيق إلى: - 1 - قيد الواقعة جناية رقم 2988 لسنة 1955 ضد محمد محمد عليم ساعي الوحدة الاجتماعية بسرس الليان؛ لأنه بوصفه مستخدماً عمومياً استولى بغير وجه حق على مبلغ 632 م و712 ج من الأموال الأميرية. 2 - التقرير بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد المتهم المذكور لعدم كفاية الأدلة. 3 - إرسال الأوراق إلى الجهة الإدارية المختصة لمجازاة رئيس الوحدة لإهماله في المحافظة على أموال الدولة. وفي ذات الوقت قامت مراقبة الشئون الاجتماعية بالمنوفية حين أخطرت بالحادث في 12 من أكتوبر سنة 1954 بتشكيل لجنة لفحص أعمال رئيس الوحدة منذ بدء خدمته بالحكومة في سنة 1951، فتبين لها سلامتها فيما عدا ضياع المبلغ سالف الذكر، كما تبين لها أن رئيس الوحدة استعمل الموتوسيكل المخصص للأعمال الرسمية في مأموريات خاصة، وهى توصيله من مقرر الوحدة بسرس الليان إلى محطة الباجور وبالعكس، فأجرى تحقيق في هذا الخصوص انتهى بإدانة عادل فهمي النشوقاتي رئيس الوحدة وأحمد أحمد محمد العشماوي سائق الموتوسيكل، وتقرر معاقبتهما بالإنذار وتكليفهما بتوريد قيمة البنزين المستهلك؛ وذلك بموجب الأمر الإداري رقم 32 في 21 من ديسمبر سنة 1954. وفي11 من فبراير سنة 1956 قرر المراقب العام لمنطقة منوف مجازاة عادل فهمي النشوقاتي بخصم عشر أيام من راتبه لإهماله الجسيم في المحافظة على عهدته من أموال الدولة، ومعاقبة محمد محمد عليم ساعي الوحدة بخصم خمسة أيام من مرتبه لتسلمه الخزينة ومفتاحها دون معرفة محتوياتها وتحريره إيصالاً بمبلغ 400 ج دون عد هذا المبلغ أو تسلمه. وعند عرض الموضوع على وزير الشئون الاجتماعية قرر في 3 من مارس سنة 1956 إلغاء القرارين السابق الإشارة إليهما وإحالة الأوراق إلى ديوان المحاسبة للتصرف في الموضوع وفقاً لما تقضي به أحكام المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 الخاص بالمخالفات المالية، فقامت المراقبة القضائية بديوان المحاسبة بإجراء تحقيق تكميلي أعادت فيه سؤال عادل فهمي محمود النشوقاتي رئيس الوحدة، وانتهى الأمر بأن أصدر رئيس ديوان المحاسبة قرار اتهام بتاريخ 9 من يوليه سنة 1958 بإقامة الدعوى التأديبية أمام مجلس التأديب العادي لموظفي وزارة الشئون الاجتماعية والعمل ضد كل من: 1 - عادل فهمي محمود النشوقاتي رئيس الوحدة الاجتماعية بسرس الليان سابقاً، والآن محاسب بإدارة الكهرباء والغاز من الدرجة السادسة بالكادر الإداري. 2 - محمد محمد عليم ساعي الوحدة الاجتماعية بسرس الليان سابقاً والآن بوحدة شبرا بلولة من الدرجة الثانية خارج الهيئة. 3 - أحمد أحمد محمد العشماوي - سائق الموتوسيكل بالوحدة الاجتماعية بسرس الليان باليومية؛ الأول: لأنه إبان اشتغاله رئيساً للوحدة الاجتماعية بسرس الليان ارتكب المخالفات المالية. الآتية: 1 - عمد إلى التأخر - دون مبرر - في صرف قيمة المساعدات والمعاشات المستحقة الصرف لأربابها عن شهر سبتمبر سنة 1954؛ ذلك أنه لم يكن قد صرف شيئاً منها حتى 9 من أكتوبر سنة 1954 بالرغم من أنه كان قد استلم في 29 من سبتمبر سنة 1954 إذن الصرف الخاص بقيمة المساعدات البالغ قدرها 680 م و62 ج، كما استلم في 3 من أكتوبر سنة 1954 إذن الصرف الخاص بقيمة المعاشات البالغ قدرها 952 م و776 ج. 2 - أهمل إهمالاً جسيماً في المحافظة على عهدته من الأموال الأميرية؛ إذ سلم مفتاح الخزانة وبداخلها مبلغ كبير إلى ساعي الوحدة بالرغم من أن هذا الساعي غير مسئول وليس لديه ضمان مالي، كما أغفل اتخاذ الإجراءات اللازمة في مثل هذه الأحوال من حيث جرد محتويات الخزانة وتسليمها رسمياً أو تشميعها بالشمع الأحمر وختمها وعمل محضر رسمي بذلك. وقد تسبب بإهماله على الوجه المذكور في ضياع مبلغ كبير قدره 632 م و712 ج من عهدته النقدية. 3 - استعمل الموتوسيكل المخصص لأعمال الوحدة في تنقلاته الخاصة؛ ذلك بأن استخدمه في توصيله من مقر الوحدة إلى محطة سكة حديد الباجور وبالعكس في الأيام 6 و8 و11 و25 و28 من سبتمبر سنة 1954 و2 و3 و6 و9 و10 من أكتوبر سنة 1954؛ مخالفاً بذلك أحكام المادة 577 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات التي تحظر استعمال المركبات الحكومية في أغراض شخصية من أي نوع. الثاني: بوصفه ساعي الوحدة المشار إليها قبل استلام الخزينة ومفتاحها دون أن يكون مختصاً بذلك ودون جرد محتوياتها للتأكد من مقدار المبالغ الموجودة بها، هذا إلى قيامه بتحرير إيصال بمبلغ 400 ج دون أن يستلم هذا المبلغ ويقوم بعده والتأكد من وجوده داخل الخزانة. الثالث: استعمل الموتوسيكل عهدته في مأموريات غير مصلحية؛ وذلك بتوصيل المتهم الأول من مقر الوحدة إلى محطة سكة حديد الباجور وبالعكس في الأيام المشار إليها آنفاً مخالفاً بذلك أحكام المادة 577 من اللائحة المالية السالفة الذكر.. وتضمن قرار الاتهام أن التهم المسندة إلى كل من المتهمين المذكورين تندرج تحت نطاق الفقرتين رابعاً وخامساً من المادة 82 مكرراً من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 73 لسنة 1957، وأن المختص بهذه المحاكمة هو مجلس التأديب العادي لموظفي وزارة الشئون الاجتماعية والعمل؛ عملاً بنصوص المواد 86 و86 مكرراً و86 مكرراً ثانياً و117 من قانون التوظف السالف الذكر. وطلب قرار الاتهام من مجلس التأديب العادي لموظفي وزارة الشئون الاجتماعية والعمل محاكمة المتهمين المشار إليهم تأديبياً ومجازاة كل منهم عن المتهم المسندة إليه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 84 من قانون التوظف الأنف الذكر. وحددت جلسة 6 من أكتوبر سنة 1958 لنظر الدعوى التأديبية أمام مجلس التأديب. ونظراً لصدور القانون رقم 117 لسنة 1958 الخاص بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري أحيلت الدعوى إلى المحكمة التأديبية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والعمل والثقافة والإرشاد القومي، فأصدرت بجلستها المنعقدة في 15 من ديسمبر سنة 1958 حكمها أولاً: بمجازاة كل من عادل فهمي النشوقاتي رئيس الوحدة الاجتماعية ومحمد محمد عليم ساعي الوحدة بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه. ثانياً: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنسبة لسائق الموتوسيكل أحمد أحمد محمد العشماوي. وفصلت المحكمة في أسباب هذا القضاء الأدلة على إدانة كل من رئيس الوحدة والساعي والمبررة لمجازاة كل منهما، وتقدير الجزاء المناسب لما اقترفاه. وقالت المحكمة فيما يختص بأحمد أحمد محمد العشماوي سائق الموتوسيكل إنه لا يعدو أن يكون عاملاً باليومية، وأنه يتعين مناقشة ولاية المحكمة في شأن محاكمته طبقاً للتشريع الذي أحيل في ظله إلى مجلس التأديب بتاريخ 10 من يوليه سنة 1958. وذكرت المحكمة وأنه وإن كانت نصوص القانون رقم 132 لسنة 1952 الخاص بإنشاء مجلس تأديبي للمخالفات المالية لم تفرق بين الموظفين والمستخدمين والعمال في الخضوع لأحكامه، بحيث لو أمكن القول أن ذلك المجلس كان مختصاً بمحاكمة عمال اليومية باعتبارهم من الموظفين العموميين، إلا أن هذا القانون وقد ألغى بمقتضى المادة الثالثة من القانون رقم 73 لسنة 1957، وأضيفت أحكامه إلى القانون رقم 210 لسنة 1951، ثم قصر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة اختصاص مجلس التأديب بالنسبة للمخالفات المالية على الموظفين المعينين على وظائف دائمة، كما هو مبين بالفصل السابع في المواد 84 وما بعدها، والمستخدمين الخارجين عن الهيئة بالتطبيق لنص المادة 117 دون غيرهم، ومنهم العمال الذين يخضعون من حيث نظام تأديبهم والسلطة المختصة بإجراء هذا التأديب لقواعد خاصة صادرة في شأنهم. وتستطرد المحكمة قائلة إنه لما كان العامل المذكور قد أحيل إلى مجلس التأديب العادي بقرار اتهام في 7 من أكتوبر سنة 1958، أي بعد نفاذ القانون رقم 73 لسنة 1957 المشار إليه والذي اعتبر نافذاً من تاريخ نشره في 4 من أبريل سنة 1957؛ وبهذه المثابة يكون مجلس التأديب العادي لوزارة الشئون الاجتماعية غير مختص بمحاكمته، كما أن هذه المحكمة هي الأخرى غير مختصة بمحاكمته بالنظر لما تقضى به المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري، طالما أن اختصاصها معقود بالنسبة للموظفين المعينين على وظائف دائمة دون من عداهم. وانتهت المحكمة في قضائها إلى أنه يتعين الحكم بعدم اختصاصها بنظر الدعوى بالنسبة للسائق المذكور.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المحكمة بسطت ولايتها على ما نسب إلى كل من عادل فهمي محمود النشوقاتي باعتباره موظفاً معيناً على درجة دائمة طبقاً لحكم المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 ومحمد محمد عليم الساعي بالتطبيق لحكم المادة 117 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957، وقبضت المحكمة ولايتها عن محاكمة سائق الموتوسيكل أحمد أحمد العشماوي لأنه من عمال اليومية. ويقول الطعن إن على هذا الشق من قضاء المحكمة ينصب الطعن، ويستطرد الطعن إلى القول بأنه ولئن كان الأصل ألا تختص المحكمة التأديبية إلا بمحاكمة المعينين على درجات دائمة عملاً بقانون إنشائهم والمستخدمين الخارجين عن الهيئة على مقتضى حكم المادة 117 من القانون رقم 210 لسنة 1951؛ إذ هي حلت محل مجلس التأديب المختص بالمخالفات المالية - لئن كان ذلك هو الأصل، فإن المحكمة تختص أيضاً بمحاكمة المستخدمين الخارجين عن الهيئة وعمال اليومية إذا اتهموا مع موظف أو موظفين على درجات دائمة بارتكاب مخالفة واحدة، أو ارتكب هؤلاء جميعاً مخالفات مرتبطة ببعضها عملاً بالمادتين 2 و24 من القانون رقم 117 لسنة 1958، وإذ اشترك أحمد أحمد محمد العشماوي سائق الموتوسيكل مع عادل فهمي محمود النشوقاتي في مخالفة مالية واحدة، فتختص المحكمة بمحاكمة سائق الموتوسيكل ولو أنه من عمال اليومية، والحكم المطعون فيه، إذ أخذ بغير هذا النظر، قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن القانون رقم 73 لسنة 1957 بما تضمنه من أحكام معدلة للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن موظفي الدولة قد أصبح منسوخاً بما استحدثه القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري في حدود الحكام المستحدثة؛ وذلك نزولاً على حكم المادة 49 منه التي تقضى بأن يلغى كل حكم يخالف أحكام القانون المذكور؛ فأصبح لا جدوى، والحالة هذه، من الاستطراد الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه، وجادله الطعن بخصوص أحكام القانون رقم 73 لسنة 1957، ما دام هذا القانون قد نسخ بقانون المحاكمات التأديبية رقم 117 لسنة 1958.
ومن حيث إنه ولئن كان الأصل أن المحاكم التأديبية لا تختص طبقاً للمادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 إلا بمحاكمة الموظفين المعينين على وظائف دائمة عن المخالفات المالية والإدارية، مما يستفاد منه أن الأصل في محاكمة المستخدمين الخارجين عن الهيئة والعمال أنهم يتبعون الجهات والهيئات المختصة بتأديبهم، إلا أن محل ذلك لو أن هؤلاء قدموا وحدهم واستقلالاً لمثل هذه المحاكمة عن جرائم ارتكبوها وحدهم، أما إذا تعدد المحاكمون تأديبياً وكان بعضهم من الداخلين في الهيئة والبعض الآخر من الخارجين عنها أو العمال فإنه يتعين البحث فيما إذا كانت المحاكم التأديبية تختص بمحاكمتهم جميعاً أم لا.
ومن حيث إنه من الأصول المسلمة في المحاكمات جميعاً، جنائية كانت أو تأديبية، وأنه إذا تعدد المحاكمون، فلا مندوحة من تجميعهم لدى المحاكمة أمام جهة واحدة؛ وذلك لحكمة ظاهرة توجبها المصلحة العامة؛ إذ لا يخفى ما في تعدد المحاكمات أمام جهات مختلفة من احتمال التضارب في الأحكام أو الجزاءات، وما فيه من تطويل وتكرار وضياع وقت في الإجراءات وغير ذلك مما لا يتفق والصالح العام؛ ومن أجل ذلك كانت نظرة الشارع دائماً متجهة إلى توحيد جهة المحاكمة بالنسبة لهم جميعاً؛ وآية ذلك، في مجال المحاكمات التأديبية، ما نصت عليه المادة 24 من القانون رقم 117 لسنة 1958 عند تعدد المحاكمين المتهمين بارتكاب مخالفة واحدة أو مخالفات مرتبط بعضها ببعض، وكانوا يتبعون في الأصل جهات متعددة في المحاكمة بحسب الأحوال، إذ اتخذت ضابطاً على أساسه توحيد جهة المحاكمة، وهو أولاً الجهة أو الوزارة التي وقعت فيها المخالفة أو المخالفات المذكورة، أو بعبارة أخرى مكان ارتكابها، فإن تعذر ذلك تكون المحاكمة أمام المحكمة المختصة بالنسبة للوزارة التي يتبعها العدد الأكبر من الموظفين، أي اتخذت ضابطاً ثابتاً هو أغلبية المحاكمين التابعين بحكم وظيفتهم لجهة واحدة، فإن تساوي العدد عين رئيس مجلس الدولة المحكمة المختصة بقرار منه، كما بينت المادة 25 من القانون المذكور الضابط الذي على أساسه يقوم توحيد جهة المحاكمة التأديبية إذا ما اختلفت الموظفون المقدمون للمحكمة في المستوى الوظيفي، فنصت في فقرتها الثانية على أنه "وإذا تعدد الموظفون المقدمون للمحاكمة كانت المحكمة المختصة بمحاكمة أعلاهم درجة هي المختصة بمحاكمتهم جميعاً". وكذلك في مجال المحاكمات الجنائية فإن الشارع يتجه دائماً إلى توحيد المحاكمة إن تعدد المحاكمون بناء على الضوابط التي يعينها والتي تقوم إما على مكان وقوع الجريمة أو مرتبة الجهة القضائية في التدرج القضائي، كولاية محكمة الجنايات في نظر الجنحة تبعاً لاختصاصها بنظر الجنائية المرتبطة بها، أو إلى غير ذلك من الضوابط. وكل أولئك قاطع في الدلالة على أن الأصل المسلم به عند تعدد المحاكمين هو وجوب تجميعهم أمام جهة واحدة في المحاكمة؛ للاعتبارات التي تقتضيها المصلحة العامة، حسبما سلف إيضاحه.
ومن حيث إنه ولئن كان القانون رقم 117 لسنة 1958 سكت عن تعيين المحكمة أو جهة المحاكمة التأديبية، إذا ما تعدد المحاكمون وكان بعضهم من الخارجين عن الهيئة أو من العمال والبعض الآخر من الداخلين في الهيئة، فإنه - بناء على الأصل المتقدم، ونزولاً على الحكمة التي يقوم عليها هذا الأصل وهى حكمة ترتبط بالمصلحة العامة - يجب أن تكون محاكمة الخارجين عن الهيئة والعمال أمام المحكمة التأديبية التي تختص بمحاكمة الموظفين الداخلين في الهيئة، قياساً على ما نصت عليه المادة 25 من القانون المذكور في حالة اختلاف المحاكمين في المستوى الوظيفي؛ إذ جعلت الاختصاص للجهة التي تختص بمحاكمة أعلاهم درجة. وليس من شك أن الموظف الداخل في الهيئة بوجه عام هو في التدرج الوظيفي أعلى من الخارج عن الهيئة أو العمال؛ ولذا كانت الضمانات لمحاكمته تأديبياً أقوى وأوفى؛ وبهذه المثابة يتبع المستخدم خارج الهيئة أو العمال تلك المحكمة التأديبية في المحاكمة، ولا يضيره ذلك، بل هي ضمانة يفيد منها تبعاً.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء باختصاص المحكمة التأديبية بمحاكمة المطعون عليه الثالث، وإعادة الدعوى إليها للفصل فيها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنسبة لأحمد أحمد محمد العشماوي، وباختصاصها بمحاكمته، وبإحالة الدعوى إليها للفصل فيها.
ساحة النقاش