القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية - وزع اختصاص محاكمة الموظفين بين المحاكم التأديبية طبقاً لقدر الموظف وخطره - نصه على أن تكون محاكمة الموظفين من الدرجة الأولى وما فوقها من اختصاص محكمة تأديبية مشكلة تشكيلاً خاصاً.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 480
(65)
جلسة 10 من فبراير سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد صلاح الدين محمد السعيد ومحمد بهجت محمود عتيبة - المستشارين.
القضيتان رقما 1344 و1349 لسنة 13 القضائية
اختصاص. "اختصاص المحاكم التأديبية. توزيع الاختصاص بينها". موظف "تأديب. المحاكمة التأديبية".
القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية - وزع اختصاص محاكمة الموظفين بين المحاكم التأديبية طبقاً لقدر الموظف وخطره - نصه على أن تكون محاكمة الموظفين من الدرجة الأولى وما فوقها من اختصاص محكمة تأديبية مشكلة تشكيلاً خاصاً - صدور القانون رقم 46 لسنة 1964 معدلاً بالقانون رقم 158 لسنة 1964 وقرار رئيس الجمهورية رقم 2264 لسنة 1964 معادلة الدرجة الأولى في الجدول الملحق بالقانون رقم 210 لسنة 1951 بالدرجة الثانية من الجدول الملحق بالقانون رقم 46 لسنة 1964 - ليس من شأن ذلك سلب موظفي الدرجة الأولى الذين أصبحوا في الدرجة الثانية نتيجة التعادل ضمانة المحاكمة أمام هيئة تأديبية بذاتها - أساس ذلك.
إن القانون رقم 117 لسنة 1958 - بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية - قد صدر في أغسطس سنة 1951 وأشير في ديباجته إلى القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - وقد نصت المادة 18 منه على أن "تختص بمحاكمة الموظفين... محاكم تأديبية تشكل على الوجه الآتي:
أولاً: بالنسبة إلى الموظفين من الدرجة الثانية فما دونها تشكل المحكمة من:
مستشار أو مستشار مساعد من مجلس الدولة...... رئيساً.
نائب من مجلس الدولة................
موظف من الدرجة الثانية على الأقل........... عضوين.
ثانياً: بالنسبة إلى الموظفين من الدرجة الأولى فما فوقها تشكل المحكمة من:
وكيل مجلس الدولة............ رئيساً.
مستشار أو مستشار مساعد من مجلس الدولة.........
موظف من الدرجة الأولى على الأقل........... عضوين.
وعلى ذلك فإن القانون المذكور قد وضع معيار اختصاص المحاكم التأديبية وفقاً للقانون رقم 210 لسنة 1951 - الذي كان سارياً حينذاك - فيتعين إعمال هذا المعيار بعد صدور القانون رقم 46 لسنة 1964 - بنظام العاملين المدنيين بالدولة - الذي حلت أحكامه محل الأحكام الواردة بالقانون رقم 210 لسنة 1951 ذلك أنه قد صدر القانون رقم 158 لسنة 1964 - بوضع أحكام وقتية للعاملين المدنيين بالدولة ونص في الفقرة "ثانياً" من المادة الأولى على أن تعادل الدرجات المالية للعاملين المدنيين بالدولة تاريخ نفاذ هذا القانون، وينقل كل منهم إلى الدرجة المعادلة لدرجته المالية وذلك كله وفقاً للقواعد وبالشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية، وتنفيذاً لهذا القانون صدر قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 2264 لسنة 1964 ونص في المادة 2 منه على أن "تعادل الدرجات - دائمة أو مؤقتة - الواردة بالجدول الملحق بالقانون رقم 210 لسنة 1951 وبكادر عمال اليومية بالدرجات الواردة بالجدول الملحق بالقانون رقم 46 لسنة 1964 على الوجه المبين بالجدول الأول المرافق" وقد ورد بهذا الجدول الأخير أن الدرجة الأولى في الجدول الملحق بالقانون رقم 210 لسنة 1951 قد عودلت بالدرجة الثانية في الجدول الملحق بالقانون رقم 46 لسنة 1964 وعلى ذلك فإن الموظف الذي كان بالدرجة الأولى في ظل القانون الأول قد أصبح بالدرجة الثانية في ظل القانون الثاني وبذلك تنحسر المعادلة المالية عن اختلاف في التسمية فحسب إذ أن الموظف لم يفقد أية ميزة من الميزات المقررة للدرجة الأولى بل إن القانون الثاني رقم 46 لسنة 1964 - كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 158 لسنة 1964 آنف الذكر - قد أتى بميزات جديدة لهذه الدرجات بأن رفع أول مربوطها كما رفع آخر المربوط فاتسع المدى بين الحدين وإذن فليس من مؤدى هذه المعادلة المالية أن تسلب موظف الدرجة الأولى ضمانة المحاكمة أمام هيئة تأديبية بذاتها كانت وما زالت مكفولة بموجب قانون تنظيم النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 وهو القانون الذي أفرد محكمة تأديبية معينة تبعاً لقدر الموظف وخطره محدداً طبقاً لنظرة قانون نظام موظفي الدولة السابق.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعنين - في أن النيابة الإدارية قد أقامت الدعوى التأديبية ضد الأطباء: (1) دكتور سعيد الجندي مدير مساعد بالمنطقة الطبية بالوادي الجديد و(2) دكتور محمد عبد الحميد مدير مستشفى الرمد بالخليفة. و(3) دكتور عبد العزيز محمد بركات أخصائي الجراحة بمستشفى كفر الشيخ العام. بأن أودعت أوراقها سكرتارية المحكمة التأديبية لموظفي وزارة الصحة في 20 من سبتمبر سنة 1966 - ونسبت إليهم في تقرير الاتهام أنهم في المدة من 19 من أبريل سنة 1962 إلى 7 من يوليه سنة 1962.
(1) الأول بوصفه رئيساً للجنة القومسيون الطبي المحلي بكفر الشيخ المنعقدة في 19 من أبريل. والثاني والثالث بوصفهما أعضاء اللجنة المذكورة أخلوا بواجب الوظيفة ولم يؤدوا أعمالهم بالدقة المطلوبة وذلك بأن قرروا خطأ، بعد الكشف على الخفير عبد الباسط المستكاوي، أن درجة إبصاره 4/ 60 للعين اليسرى و6/ 60 للعين اليمنى في حين أن قوة إبصاره الحقيقية هي 6/ 6 لكل عين على حدة. كما قرروا خطأ بأن لدى الخفير المذكور سحابة مركزية وحول أنى بالعين اليمنى في حين أنه ليس هناك من الأسباب الفنية ما يبرر ذلك.
(2) الأول، بوصفه رئيساً لهذه اللجنة شطب القرار الصادر بجلسة 27 من مايو سنة 1962 المتضمن لياقة ذلك الخفير طبيباً بعد صدور القرار بأكثر من شهر دون الرجوع إلى العضو الرمدي المختص وغير القرار بجعله غير لائق.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمتهم طبقاً لنصوص الفقرة الأولى من المادة 73 والمادة 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 والمادتين 61، 63 من القانون رقم 46 لسنة 1964. وأرفقت بتقرير الاتهام مذكرة أوضحت فيها وقائع الموضوع.
وبجلسة 27 من يونيه سنة 1967 قضت المحكمة التأديبية لموظفي وزارة الصحة:
أولاً: بإحالة السيدين الدكتور سعيد الجندي، والدكتور محمد عبد الحميد محمد، إلى المعاش.
وثانياً: بوقف السيد الدكتور عبد العزيز محمد بركات ستة أشهر بدون مرتب.
وأقامت قضاءها - بعد أن استعرضت أقوال الأطباء المتهمين والشهود وتقرير الطب الشرعي - على أنه قد ثبت لها انحراف المتهمين عن السلوك المستقيم وعما تقتضيه واجبات وظائفهم لأسباب ما زالت خافية عنها وأنه لما كان ما أتاه المتهمون من الجسامة بحيث يستوجب القسوة في عقابهم فإن المحكمة تنتهي إلى أخذهم بالشدة في مجازاتهم حتى يكون في ذلك عبرة لهم في مستقبل أيامهم وعبرة لغيرهم ممن تسول لهم أنفسهم الانحراف عن سواء السبيل.
وقد طعن السيد الدكتور سعيد الجندي في هذا الحكم بالطعن رقم 1344 لسنة 13 القضائية كما طعن فيه السيد الدكتور عبد العزيز محمد بركات بالطعن رقم 1349 لسنة 13 القضائية وطلب كل منهما في طعنه القضاء بقبوله شكلاً وفي الموضوع: أصلياً - بعدم اختصاص المحكمة التأديبية لموظفي وزارة الصحة بنظر الدعوى التأديبية التي أقيمت ضدهما وأحالتهما بعد ذلك إلى المحكمة التأديبية المنصوص عليها في الفقرة "ثانياً" من المادة 1 من القانون رقم 117 لسنة 1958 للفصل فيها وبصفة احتياطية - الحكم ببراءتهما من المخالفات المنسوبة إليهما ومن قبيل الاحتياط الكلي تعديل الجزاء إلى ما يتلاءم مع المخالفة التي تثبت لدى المحكمة الإدارية العليا مع إلزام النيابة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وبنى الطاعنان طعنيهما على الأوجه التالية:
أولاً: عدم اختصاص المحكمة بالفصل في هذه الدعوى التأديبية وقالا - في بيان ذلك - أن المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 قد وزعت الاختصاص بالفصل في الدعاوى التأديبية بين نوعين من المحاكم: إحداهما - وهي التي يرأسها مستشار أو مستشار مساعد بمجلس الدولة - نصت الفقرة "أولاً" من هذه المادة على أنها تختص بمحاكمة الموظفين من الدرجة الثانية فما دونها والأخرى - وهي التي تشكل برئاسة أحد وكلاء مجلس الدولة - نصت الفقرة "ثانياً" من المادة المذكورة على أنها تختص بمحاكمة الموظفين من الدرجة الأولى فما فوقها كما أوضحت المادة 25 من القانون المذكور أن الاختصاص يتحدد تبعاً لدرجة الموظف وقت إقامة الدعوى التأديبية وإذا تعدد الموظفون المقدمون للمحاكمة كانت المحكمة المختصة بمحاكمة أعلاهم درجة هي المختصة بمحاكمتهم جميعاً ثم قال الطاعنان أنه لما كان المتهم الأول - الدكتور سعيد الجندي - قد رقي للدرجة الأولى في 30 من أبريل سنة 1964 - في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 - وكانت الدعوى التأديبية قد أقيمت في 20 من سبتمبر سنة 1966 ولذلك فإن الدعوى تخضع لاختصاص المحكمة التأديبية التي تحدثت عنها الفقرة "ثانياً" من المادة 18 سالفة الذكر وأنه إذا كانت الدرجة الأولى قد عودلت بالدرجة الثانية في أحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 فإن ذلك لم يقترن بسلب شاغليها شيئاً من الميزات المخولة لهم في القوانين السابقة كالقانون رقم 210 لسنة 1951 والقانون رقم 117 لسنة 1958 وانتهى الطاعنان إلى أن طرح الدعوى على المحكمة التي أصدرت الحكم وقد وقع خاطئاً فيكون الحكم الصادر فيها قد وقع باطلاً لانعدام الولاية التأديبية للمحكمة وأنه يبدو أن ما أوقع المحكمة في هذا الخطأ أن النيابة الإدارية قد أثبتت في تقرير الاتهام المؤرخ في 14 من سبتمبر سنة 1966 قرين اسم المتهم الأول أنه "مدير مساعد بالمنطقة الطبية بالوادي الجديد من الدرجة الثانية (قانون 210 لسنة 1951)" وهذا خطأ لأنه كان قد رقي إلى الدرجة الأولى في 30 من أبريل سنة 1964.
ثانياً: أن الإحالة إلى التحقيق صدرت من الإدارة العامة للقومسيونات الطبية في 21 من فبراير سنة 1963 وهذه الإدارة ليست مختصة بذلك مع أطباء المناطق التي تعمل بالمحافظات وأن المختص هو السيد وكيل الوزارة لشئون المناطق.
ثالثاً: أنه لم يقع من الطاعنين أي إخلال بواجبات وظيفتيهما.
رابعاً: الغلو في الجزاءين الذين أوقعا بالطاعنين لأن الواقعة - كما وصفتها النيابة الإدارية - مجرد إهمال في شئون الوظيفة دون أن يكون مقترناً بسوء النية أو بما يمس النزاهة.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرين بالرأي القانوني انتهت فيهما إلى أنها ترى:
أولاً: رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة التأديبية لموظفي وزارة الصحة بنظر الدعوى التأديبية ضد الطاعنين وباختصاصها بنظرها.
ثانياً: قبول الطعنين شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ومجازاة الطاعنين عن المخالفات الثابتة في حقهما جزاء يحقق الملاءمة والتوازن بين الذنب والجزاء التأديبي مع إلزام كل طاعن ببعض مصروفات طعنه.
واستندت في رفض الدفع بعدم الاختصاص، بعد أن استعرضت نص المادتين 18، 25 من القانون رقم 18 لسنة 1958، على أن الطاعن الأول كان وقت إقامة الدعوى التأديبية - في 20 من سبتمبر سنة 1966 - يشغل وظيفة من الدرجة الثانية وفقاً للقانون رقم 46 لسنة 1964 ومن ثم فإن المحكمة التي أصدرت الحكم تكون هي المختصة قانوناً بمحاكمته إذ يشمل اختصاصها الموظفين من الدرجة الثانية فما دونها ولا محل بعد ذلك للبحث في الدرجة المعادلة للدرجة الثانية التي كان يشغلها الطاعن بالتطبيق لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 ولا يصح التسليم بأن القانون رقم 46 لسنة 1964 قد سلبه ميزة المحاكمة أمام المحكمة التأديبية الخاصة بموظفي الدرجة الأولى فما فوقها لأن علاقة الموظف العام بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح أما عن الموضوع فقد استندت هيئة المفوضين إلى أن الجزاء الذي أوقع بالطاعنين قد شابه غلو لأنه لا يتناسب البتة مع الذنب الإداري الذي اقترفه كل منهما.
قدمت النيابة الإدارية مذكرة انتهت فيها إلى طلب رفض الدفع بعدم الاختصاص ورفض الطعنين مع إلزام رافعيهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة واستندت في طلب رفض الدفع بعدم الاختصاص إلى نفس الأسانيد التي استندت إليها هيئة مفوضي الدولة وأضافت إليها أن المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958، إذ نصت على وجود نوعين من المحاكم التأديبية تختص أعلاهما بمحاكمة موظفي الدرجة الأولى فما فوقهم وتختص الثانية بمحاكمة موظفي الدرجة الثانية فما دونها، لم تربط هذا الاختصاص بدرجات القانون رقم 210 لسنة 1951 بل جاء النص عاماً ومطلقاً ومجرداً من كل قيد ومن ثم فإن توزيع الاختصاص بين هذين النوعين يتحدد بحسب القانون الذي يحدد درجات الموظف وقت تقديمه للمحاكمة أياً كان هذا القانون واستندت بالنسبة إلى طلبها برفض الطعنين على ما استندت إليه المحكمة بحكمها المطعون فيه وأضافت إليه أن الواضح، الذي لا يقبل جدالاً أو شكاً، أن ما وقع من الطاعنين في أبسط صوره هو مثال للخطأ المهني الجسيم بكل ما تعنيه هذه العبارة من معان ومن ثم فإنه لا محل للقول بعدم وجود تناسب بين ما وقع منهما وما أوقع بهما من جزاء.
ثم قدم كل طاعن مذكرة انتهيا فيهما إلى التصميم على طلباتهما الواردة بتقريري الطعنين استناداً إلى ما جاء بهذين التقريرين. وأضاف إليه، بالنسبة إلى طلب الحكم بعدم اختصاص المحكمة، أن المشرع الذي وزع الاختصاصات التأديبية بين المحاكم التأديبية العادية والمحاكم التي تحاكم الموظفين من الدرجة الأولى فما فوقها إنما راعى في هذا التوزيع أن الموظفين من الدرجة الأولى - حسب القانون 210 لسنة 1951 - فما فوقها إنما يشغلون وظائف قيادية يتعين أن يجلس لمحاكمتهم طراز قضائي عال فإذا كانت مسميات الدرجة قد خفضت رقماً واحداً فإن هذا الخفض لا يؤثر على ذات الفكرة التي أوحت بسن القاعدة ولذلك أصبح ومتعيناً تفسير النص في ضوء ما كان عليه الحال وقت سنه أي في سنة 1958 - واعتبار الموظف الذي كان في الدرجة الأولى، في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 قبل أن تقام الدعوى التأديبية، وأصبحت درجته موصوفة بالثانية في ظل القانون رقم 46 لسنة 1964، خاضعاً للولاية التأديبية التي تباشرها المحكمة المشكلة برئاسة أحد وكلاء مجلس الدولة, لا تلك التي يرأسها أحد المستشارين أو المستشارين المساعدين ثم قال الطاعنان أن هذا التفسير هو ما يفهمه الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وما تفهمه النيابة الإدارية وما يجرى عليه العمل حالياً في القضاء التأديبي.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن - وهو الخاص بعدم اختصاص المحكمة المطعون في حكمها بنظر الدعوى التأديبية فإن القانون رقم 117 لسنة 1958 - بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية - قد صدر في أغسطس سنة 1958 وأشير في ديباجته إلى القانون رقم 210 لسنة 1951 - بشأن نظام موظفي الدولة - وقد نصت المادة 18 منه على أن "تختص بمحاكمة الموظفين... محاكم تأديبية تشكل على الوجه الآتي:
أولاً: بالنسبة إلى الموظفين من الدرجة الثانية فما دونها تشكل المحكمة من:
مستشار أو مستشار مساعد من مجلس الدولة...... رئيساً.
نائب من مجلس الدولة.........
موظف من الدرجة الثانية على الأقل.......... عضوين.
ثانياً: بالنسبة إلى الموظفين من الدرجة الأولى فما فوقها تشكل المحكمة من:
وكيل مجلس الدولة........... رئيساً.
مستشار أو مستشار مساعد من مجلس الدولة............
موظف من الدرجة الأولى على الأقل........... عضوين.
وعلى ذلك فإن القانون المذكور قد وضع معيار اختصاص المحاكم التأديبية وفقاً للقانون رقم 210 لسنة 1951 - الذي كان سارياً حينذاك - فيتعين إعمال هذا المعيار بعد صدور القانون رقم 46 لسنة 1964 - بنظام العاملين المدنيين بالدولة - الذي حلت أحكامه محل الأحكام الواردة بالقانون رقم 210 لسنة 1951 ذلك أنه قد صدر القانون رقم 158 لسنة 1964 - بوضع أحكام وقتية للعاملين المدنيين بالدولة ونص في الفقرة "ثانياً" من المادة الأولى على أن "تعادل الدرجات المالية للعاملين المدنيين بالدولة في تاريخ نفاذ هذا القانون، وينقل كل منهم إلى الدرجة المعادلة لدرجته المالية وذلك كله وفقاً للقواعد وبالشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية" وتنفيذاً لهذا القانون صدر قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 2264 لسنة 1954 ونص في المادة 2 منه على أن "تعادل الدرجات - دائمة أو مؤقتة - الواردة بالجدول الملحق بالقانون رقم 210 لسنة 1951 وبكادر عمال اليومية بالدرجات الواردة بالجدول الملحق بالقانون رقم 46 لسنة 1964 على الوجه المبين بالجدول الأول المرافق".. وقد ورد بهذا الجدول الأخير أن الدرجة الأولى في الجدول الملحق بالقانون رقم 210 لسنة 1951 قد عودلت بالدرجة الثانية في الجدول الملحق بالقانون رقم 46 لسنة 1964 وعلى ذلك فإن الموظف الذي كان بالدرجة الأولى في ظل القانون الأول قد أصبح بالدرجة الثانية في ظل القانون الثاني وبذلك تنحصر المعادلة المالية عن اختلاف في التسمية فحسب إذ أن الموظف لم يفقد أية ميزة من الميزات المقررة للدرجة الأولى بل إن القانون الثاني رقم 46 لسنة 1964 - كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 158 لسنة 1964 آنف الذكر - قد أتى بميزات جديدة لهذه الدرجات بأن رفع أول مربوطها كما رفع آخر المربوط فاتسع المدى بين الحدين وإذن فليس من مؤدى هذه المعادلة المالية أن تسلب موظف الدرجة الأولى ضمانة المحاكمة أمام هيئة تأديبية بذاتها كانت وما زالت مكفولة له بموجب قانون تنظيم النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 وهو القانون الذي أفرد محكمة تأديبية معينة تبعاً لقدر الموظف وخطره محدداً طبقاً لنظرة قانون نظام موظفي الدولة السابق.
ومن حيث إنه لا جدال في أن المتهم الأول - الدكتور سعيد الجندي - كان بالدرجة الأولى في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 وقت إحالته للمحاكمة التأديبية في 20 من سبتمبر سنة 1966، إذ أنه كان قد رقي إليها في 30 من أبريل سنة 1964، فتكون المحكمة المختصة بمحاكمته تأديبياً هي المحكمة التأديبية المنصوص عليها بالفقرة "ثانياً" من المادة 18 آنفة الذكر ولا يغير من ذلك أن هذه الدرجة قد عودلت بالجدول الملحق بالقانون رقم 46 لسنة 1964 بالدرجة الثانية لأن هذا القانون لم يقصد أن يسلب شاغل الدرجة من الميزات والضمانات المخولة له بالقانون رقم 210 لسنة 1951، على ما سبق بيانه، ومن هذه الميزات أن تكون محاكمته التأديبية أمام المحكمة التأديبية المنصوص عليها في الفقرة "ثانياً" المنوه عنها.
ومن حيث إن المادة 25 من القانون رقم 117 لسنة 1958 قد قضت بأنه إذا تعدد الموظفون المقدمون للمحاكمة التأديبية كانت المحكمة المختصة بمحاكمة أعلاهم درجة هي المختصة بمحاكمتهم جميعاً. وتأسيساً على ذلك تكون المحكمة المختصة بمحاكمة الطاعنين هي المحكمة المختصة بمحاكمة الطاعن الأول - الدكتور سعيد الجندي - وهي المحكمة التأديبية المنصوص عليها بالفقرة "ثانياً" من المادة 18 دون تلك المنصوص عليها بالفقرة "أولاً" من المادة المذكورة ولما كان الحكم المطعون فيه قد صدر من المحكمة المنصوص عليها بهذه الفقرة الأخيرة فإنه يكون قد صدر من محكمة غير مختصة بمحاكمة الطاعنين ويتعين لذلك القضاء بإلغائه، فيما قضى به من مجازاتهما، وبعدم اختصاص المحكمة المذكورة بنظر الدعوى التأديبية المقامة ضد الطاعنين وباختصاص المحكمة التأديبية المنصوص عليها بالفقرة "ثانياً" من المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 وبإحالة الدعوى التأديبية إليها للفصل فيها مع إلزام النيابة الإدارية بمصروفات الطعنين ولا محل بعد ذلك للبحث في أوجه الطعنين الأخرى.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة التأديبية المنصوص عليها في الفقرة ثانياً من المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958، بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، بنظر الدعوى التأديبية وبإحالتها إليها للفصل فيها وألزمت الحكومة بمصروفات الطعنين.
ساحة النقاش