موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

امتداد اختصاص المحاكم التأديبية الذي يصاحب تحول الشركة الخاصة إلى شركة من شركات القطاع العام لا يمتد إلى الخطايا التي تكون قد وقعت وتمت قبل تاريخ مولد هذا التحول.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1970 إلى منتصف فبراير سنة 1971) - صـ 68

(11)
جلسة 19 من ديسمبر سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف ابراهيم الشناوي رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة محمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأحمد حسن العتيق المستشارين.

القضية رقم 1205 لسنة 12 القضائية

عامل بالقطاع العام - تأديب - اختصاص المحاكم التأديبية.
امتداد اختصاص المحاكم التأديبية الذي يصاحب تحول الشركة الخاصة إلى شركة من شركات القطاع العام لا يمتد إلى الخطايا التي تكون قد وقعت وتمت قبل تاريخ مولد هذا التحول، أساس ذلك.
حيث كانت الشركة أهلية وليست من شركات القطاع العام فإن العلاقة التي ربطت الطاعن بشركته كانت من روابط القانون الخاص حيث يتمخض الوضع عن علاقة عامل برب عمل وحيث يثبت لرب العمل حق الفسخ بسبب الغش أو التدليس عند انشاء رابطة العمل العقدية أو يثبت له حق التأديب عن طريق المحاكمة التأديبية، وبتحول الشركة الخاصة إلى شركة من شركات القطاع العام تقوم رابطة مبتدأة من نوع جديد بين الشركة والعامل في مجال التأديب ولا يكون ثمة مجال لخلافه معها بين الشخص الاعتباري العام الجديد وسلفه ويمتد اختصاص المحاكم التأديبية الذي يصاحب تحول الشركة إلى القطاع العام إلى الخطايا التي تكون قد وقعت وتمت قبل تاريخ مولد هذا التحول.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق -
تتحصل في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 26 لسنة 8 القضائية ضد السيد/ السيد محمد عبد الرحيم العامل "فئة رابعة" بشركة النصر للأجهزة الالكترونية والكهربائية بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة العاملين بوزارة الصناعة (شركات) في 22 من نوفمبر سنة 65 وقد انطوت العريضة على تقرير اتهام محرر في 11 من نوفمبر سنة 1970 تطلب فيه النيابة الإدارية محاكمة السيد/ السيد محمد عبد الرحيم تطبيقا للمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958، والمواد 1، 5، 6، من القانون رقم 19 لسنة 1959 بشأن سريان أحكام النيابة الإدارية على العاملين بالمؤسسات العامة والشركات "لأنه في الفترة من مايو سنة 1946 إلى يونيه سنة 1966 بوصفه أحد العاملين بشركة النصر الأجهزة الالكترونية والكهربائية (فيليبس سابقا) أخل بواجب الأمانة بما كان من شأنه المساس بمالية الشركة بأن ادعى لنفسه صفة كاذبة - هي صفة المهندس فأوهم القائمين على إدارة الشركة أنه حاصل على شهادة بكالوريوس كلية الهندسة في حين أنه حاصل على شهادة البكالوريا، وأفاد من ذلك في عمله ماديا وأدبيا دون حق" الأمر الذي يكون معه قد ارتكب العامل المذكور المخالفات الإدارية والمالية المنصوص عليها بالمادة 76/ 1 من القانون رقم 91 لسنة 1959 الخاص بالعمل "وقد دفع المتهم بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم وجود خطأ تأديبي كما دفع بسقوط الدعوى قبله، وأقام دفعه بألا وجه لإقامة الدعوى على أساس أنه عين بالشركة وقت أن كان على رأسها مدير أجنبي وأن ما أثبته في طلب استخدامه المقدم منه في 5 من يونيه سنة 1946 وهو محرر باللغة الانجليزية في الخانة المخصصة لثقافته عبارة "قسم الهندسة الكهربائية" فلم يقل فيه أنه حاصل على شهادة البكالوريوس كما أنه ثبت من التحريات التي أجرتها الشركة عنه وقت تعيينه أنها كانت على علم تام بجميع ظروفه وبالملابسات التي أحاطت تعيينه كما كانت الشركة تعلم أنه قطع فحسب شوطا كبيرا في الدراسات الهندسية، وإن الشركة ما كانت تهتم وقتئذ عند شغل وظائفها بالمؤهلات الدراسية قدر اهتمامها بالخبرات الفنية والدليل على ذلك قيامها بتعيين الكثير من موظفيها في وظائف فنية وذلك على الرغم من عدم حصولهم على المرهلات الفنية كما مضى المتهم يقول في دفعه أمام المحكمة التأديبية بأنه على فرض أنه أوهم المسئولين بالشركة بأنه يحمل درجة البكالوريوس في الهندسة فإن ذلك يجيز لرب العمل الذي أدخل عليه الغش أن يفسخ عقد العمل دون التزام بسبق اعلان العامل دون مكافأة أو تعويض طبقا لحكم المادة 76/ 1 من قانون العمل، وأن هذا الحق في الفسخ حق شخصي لرب العمل الأجنبي لا ينتقل إلى خلفه بعد أن تم تأميم الشركة. وقد ردت المحكمة التأديبية على هذا الدفع الذي رفضته بأن المتهم يقيمه على أسس موضوعية قوامها نفي الفعل المسند إليه ثم نفي صفة المخالفة عن ذلك الفعل عند التسليم الجدلي بوقوعه وخلصت المحكمة إلى رفض الدفع لأنه ليس في حقيقته دفعا ترتد به الدعوى أو تنتهي به بل هو دفاع موضوعي ترتد به التهمة أو تنتفي به مسئوليته عنها وأن ولاية المحكمة التأديبية لا تقف عند حد التحقق من صحة اسناد الفعل إلى المتهم وثبوته قبله بل تمتد كذلك إلى بحث ما إذا كان هذا الفعل على فرض ثبوته يشكل مخالفة تأديبية أم يتجرد منها وكلا البحثين سواء ما تعلق بثبوت الفعل أو تكييفه موضوعي بطبيعته يرتبط كل منهما بالآخر ويكمله فإن ثبت للمحكمة عدم صحة الفعل أو عدم ثبوته في حق المتهم كان عليها أن تقضي بالبراءة لعدم صحة الفعل أو لعدم ثبوته، وأن ثبت لديها أن الفعل بفرض ثبوته وصحته لا يشكل مخالفة تأديبية كان عليها كذلك أن تقضي بالبراءة لعدم أو لانتفاء المخالفة. وعلى هذا الأساس فإنه بافتراض صحة ما أثاره المتهم من عدم صحة الفعل المسند إليه أو بافتراض صحة انتفاء صفة المخالفة عنه فإن ذلك يكون سنداً موضوعياً للبراءة وسبباً لها ولا ينهض دفعاً بانعدام وجه الحق في إقامة الدعوى. كما أن ما أثاره المتهم في دفعه من أنه بافتراض ثبوت الفعل المنسوب إليه فإن ذلك يكون سبباًَ لقيام حق رب العمل فقط دون خلفه في فسخ العقد وأن سلطته هذه في الفسخ تستغرق سلطته في التأديب فإن وقوع هذا الاستغراق أن يكون رهيناً بأن تكون الشركة قد استعملت سلطتها في فسخ العقد فإن هي لم تستعملها بقيت لها سلطتها الأصلية في التأديب خالصة تمارسها على النحو المقرر في القانون. كما قضت المحكمة التأديبية في حكمها المطعون فيه برفض الدفع بسقوط الدعوى التأديبية وقد أسسه المتهم على المادة 66 من قانون العمل التي تنص على عدم جواز اتهام العامل في مخالفة مضى على كشفها أكثر من خمسة عشر يوماً وعدم جواز توقيع عقوبة عليه بعد تاريخ ثبوت المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً بالنسبة إلى العمال الذين يتقاضون أجورهم شهرياً وبأكثر من خمسة عشر يوماً بالنسبة إلى العمال الآخرين وقد أوضح المتهم أن الشركة قد علمت علماً يقينياً بأنه لا يحمل بكالوريوس الهندسة من واقع كتاب كلية الهندسة بجامعة القاهرة المؤرخ في 20 من مايو سنة 1962 ومع ذلك فإن الشركة لم تتخذ أي إجراء قبله إلا في عام 1965. وقد ذهب الحكم الطعين في أسباب رفضه لهذا الدفع إلى أن القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان أحكام النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة قد عالج بالتنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة لموظفي المؤسسات والهيئات العامة وكذلك الشركات التي تساهم فيها الدولة بنسبة لا تقل عن 25% من رأسمالها، ثم صدر بعد ذلك قانون العمل الموحد رقم 91 لسنة 1959 منظماً كذلك إجراءات التحقيق والتأديب الخاصة بالعمال الذين يحكمهم ذلك القانون وذلك بالإضافة إلى تنظيمه كافة الحقوق والواجبات المتبادلة بين العمال وأرباب الأعمال، ولما كان الأصل أن قانون العمل يسري على كل الشركات سواء تلك التي تساهم فيها الدولة أو التي لا تساهم فيها بنصيب ولهذا فقد بدأ التنازع بين هذين القانونين من حيث أعمال قواعد التحقيق والتأديب التي وردت في كل منهما وفي هذا المقام استبعد الحكم المطعون فيه ما قد يثأر من أن القانون اللاحق منهما ينسخ سابقة وذلك لأنه باستقراء كل منهما وانزاله في مرتبته الصحيحة بالنسبة للآخر يبين أن القانون الأول رقم 19 لسنة 1959 هو قانون خاص سواء بالنسبة إلى الموضوع الذي عالجه وهو التأديب أم بالنسبة إلى الأشخاص الذين ينطبق عليهم وهم موظفو الجهات المشار إليها فيه بينما يظهر القانون اللاحق وهو القانون رقم 91 لسنة 1959 باعتباره القانون العام بالنسبة لموضوعه وبالنسبة للأشخاص الذين يخضعون لحكمه ولما كان من المسلمات أن القانون العام لا يقيد الخاص أو يعدل من أحكامه عن طريق التناسخ حتى ولو صدر لاحقاً عليه وإنما العكس هو الصحيح إذ يقيد الخاص العام متى استويا في المدارج التشريعية وحاصل ذلك هو وجوب القول بأن قانون العمل يسري على العاملين بالشركات على اطلاقها فيما عدا أحكامه المتعلقة بالتأديب فأنها لا تسري إلا على الشركات التي لا تخضع للقانون رقم 19 لسنة 1959 إذ تعتبر هذه الشركات مستثناه من نطاق تطبيق قانون العمل فيما يتعلق بقواعد التأديب الواردة فيه، وإذ كان المتهم يستند في دفعه بسقوط الدعوى التأديبية إلى قاعدة تأديبية وردت في المادة 66 من قانون العمل فإن استناده هذا لا يصادف صواباً لعدم انطباق حكم هذه المادة من القانون عليه. هذا فضلاً عن أن المادة 66 آنفة الذكر إنما تخاطب رب العمل وجاءت قيداً على سلطته ومن ثم لا تسري أحكامها على النيابة الإدارية أو المحاكم التأديبية.
ومن حيث أنه عن التهمة الموجهة إلى المتهم فقد ذكر الحكم المطعون فيه بشأنها أن المتهم كان قد تقدم بشكوى إلى النيابة الإدارية يتظلم فيها من تنحيته عن وظيفة مدير مركز الصيانة للأجهزة الطبية والعلمية التي كان يشغلها واسنادها إلى غيره فأحيلت الشكوى إلى الشركة التي أوضحت رداً عليها بكتابها المؤرخ في 28 من نوفمبر سنة 1964 بان المتهم الحق بخدمة الشركة في وظيفة مهندس تجاري بالقسم التجاري للأشعة وانه قدم إقرارات أودعت ملف خدمته أثبت فيها أنه مهندس متخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة وعلى ذلك أسندت إليه الشركة وظيفة مدير التنمية الصناعية وهي وظيفة صناعية هندسية لا يقوم بمهامها إلا مهندس وظل وضعه على هذه الوظيفة مرتبطاً بوصفه مهندساً وأدى إلى الارتفاع بمرتبه حتى وصل إلى حوالي 2600 جنيهاً سنوياً. وقد بلغ من استهتاره أن قرن اسمه بهذا الوصف عند توقيعه بدفتر التشريفات برئاسة الجمهورية عند زيارة مستر فيليبس للجمهورية سنة 1960 واستمر المتهم مطلقاً هذا اللقب على نفسه حتى بعد تأميم الشركة موهماً المفوض عليها بأنه مهندس حتى صار يوجه إليه الأوامر والمكاتبات بوصفه مهندساً. وأضافت الشركة في ردها أنها اتجهت إلى استيفاء ملفات خدمة موظفيها فتهرب المتهم من الإجابة الصريحة القاطعة بأنه مهندس حتى تسرى الشك إلى نفس المفوض على الشركة بعد أن أصبح رئيساً لمجلس إدارتها فكتب رسمياً إلى كلية الهندسة التي ردت صراحة بأن المتهم لم يتخرج في هذه الكلية. وقد بدأت النيابة الإدارية تحقيق الشكوى بسؤال المهندس أحمد محمد محرم رئيس مجلس إدارة الشركة الذي أجاب بأنه يعمل بالشركة منذ سنة 1941 وقت أن كانت شركة أهلية وأنه ظل بها حتى تأميمها سنة 1961 وأنه منذ تعيين المتهم في الشركة يعلم أنه ليس مهندساً وعندما عين هولندي مديراً للشركة وذلك قبل تأميمها وعلى أنه سيعين المتهم مديراً لقسم التنمية الصناعية فاعترض لدى مدير الشركة بأن هذه الوظيفة هندسية وأن المتهم ليس مهندساً ولكن مدير الشركة أصر على أن المتهم مهندس كما أصر على تعيينه في الوظيفة المذكورة وأصدر بالفعل قراراً بتعيينه فيها سنة 1958 وظل المتهم شاغلاً لها حتى تأميم الشركة وقد لاحظ المهندس أحمد محرم أن المفوض على الشركة بعد تأميمها كان يخاطب المتهم فيما يصدره إليه من أوامر ناسباً إليه لقب مهندس فاتضح للمفوض أن المتهم ليس مهندس ولكن المفوض لم يقتنع بذلك إذ كان المتهم تلميذاً للمفوض بكلية الهندسة ولما صدرت التعليمات باستكمال ملفات العاملين بالشركة وتاركاً المتهم في استكمال ملفه ثار الشك لدى المفوض الذي أصبح رئيساً لمجلس إدارة الشركة ولهذا خاطب الكلية رأساً وذكر المهندس أحمد محرم أن المتهم لم يكن في كافة المكاتبات الصادرة منه طوال مدة خدمته بالشركة يقرن اسمه بلقب مهندس وإن كان قد قدم بيانات عند تعيينه بالشركة ذكر فيها ما يفهم منه أنه درس الهندسة الكهربائية في كلية الهندسة بجامعة القاهرة وأنه بعد ذلك تقدم بإقرارات في سنوات 58، 59، 60 أثبت فيها ما يفهم منه أنه خريج كلية الهندسة وأن آخر مؤهل حصل عليه هو بكالوريوس الهندسة الكهربائية سنة 1945. وقد نفى المتهم عند سؤاله بتلك التحقيقات التهمة وقال بأنه عين بالشركة في عمل تجاري فني سنة 1946 عقب تقديمه طلب استخدام علمت منه الشركة تماماً بأن مؤهله هو شهادة البكالوريا وأنه درس الهندسة الكهربائية بكلية الهندسة بجامعة القاهرة وأن مدير الشركة المسئول وقتئذ كان يعلم أن مشروع البكالوريوس المقدم من المتهم قد نال درجة ممتازة ولكن المتهم لظروف خاصة لم يتمكن من تأدية الامتحان وخلص المتهم إلى أنه عين بالشركة على أساس الخبرة وأن ما ناله من مرتبات وعلاوات وترقيات استندت كلها إلى خبرته وكفايته في عمله ولم يكن للمؤهل شأن فيها. وانتهى الحكم المطعون فيه - بعد استعراضه للإقرارات المقدمة من المتهم إلى الشركة وطلبات تجديد ترخيص العمل المقدمة منه إلى وزارة الداخلية وما أثبته من صفة نسبها لنفسه عند توقيعه في دفتر التشريفات برئاسة الجمهورية سنة 1960 - إلى القول بأن المحكمة تستظهر من واقع ما زخر به ملف الدعوى من أوراق أن المتهم رغم عدم حصوله على بكالوريوس الهندسة سلك سلوكاً ملتوياً قصد به الايهام بأنه مهندس حاصل على الدرجة العلمية المذكورة وقد تحقق له هذا الايهام الذي أخذ يثبته في مناسبات متفرقة على مدار سني خدمته بالشركة وتوصل إليه عن طريقين الجهر بالقول الزور تارة والركون إلى القول المستور تارة أخرى، وليس أدل على خبث المرء ودهائه من أن يلجأ إلى التعبير المرن يلتوي به ويتلاعب في مقام لا يحتمل إلا التعبير الحاسم، ولهذا صدر الحكم بمجازاة المتهم بتخفيض راتبه بمقدار خمسين جنيهاً شهرياً وقد طلب الطاعن في تقرير طعنه قبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بألا وجه لإقامة الدعوى واحتياطياً الحكم بسقوط الدعوى التأديبية ومن باب الاحتياط الكلي الحكم ببراءة الطاعن لما أسند إليه.
ومن حيث أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله من أوجه أربعة الوجه الأول منها أن الحكم صدر من محكمة لا تملك ولاية إصداره ذلك أن المتهم يتقاضى راتباً شهرياً قدره 225 جنيهاً وهو عامل بشركة من شركات القطاع العام ولهذا فإن جهة التأديب التي تملك محاكمته عن الفعل التأديبي المنسوب إليه هي المحكمة التأديبية التي تختص بمحاكمة موظفي الدرجة الأولى فما فوقها من موظفي الدولة العموميين والوجه الثاني أن إخلالاً جوهرياً بحق المتهم في الدفاع قد وقع أثناء محاكمته التأديبية ذلك أن من المبادئ الأساسية في المحاكمات أن يمتنع القاضي عن بناء حكمه على مستندات قدمت إليه في غير مواجهة خصمه الآخر بعد إقفال باب المرافعة وقبول المحكمة في فترة حجز الدعوى لإصدار الحكم فيها مستندات من النيابة الإدارية تتمثل في الصورة الفوتوغرافية للطلبين المقدمين من المتهم لوزارة الداخلية بقصد تجديد التصريح له بالعمل لدى الجهات الأجنبية وقبول المحكمة كذلك صورة فوتوغرافية لشيك مستخرج من دفتر شيكات المتهم كل ذلك يصور إخلالاً بحق المتهم في الدفاع عن نفسه مما يبطل الحكم والوجه الثالث هو بطلان المحاكمة بسبب عدم التزام المحكمة التأديبية الحيدة وذلك لاتصالها بالنيابة الإدارية والمهندس أحمد محرم شاهد الإثبات في فترة حجز الدعوى للحكم وقبولها مستندات غير مصرح من قبل لتقديمها في جلسة المرافعة.
أما الوجه الرابع من أوجه الطعن فقد ضمنه الطاعن أربعة عناصر أولها خطأ الحكم في تكييف الواقعة ومؤداه أن اتهام الطاعن بارتكاب ذنب تأديبي لا يتأتى أو يكون له قوام قانوني إلا إذا كانت قد قامت قبل ارتكاب الذنب علاقة استخدام وأن كل مخالفة لا ترتب حتماً عقوبة تأديبية بل قد يقف الأمر عند حد تحريك المسئولية العقدية فحسب كما هو الشأن عند ارتكاب تدليس في تكوين عقد العمل فهذا الفعل يجعل العقد قابلاً للإبطال لمصلحة صاحب العمل ولكنه لا يسوغ التأديب طالما أن العامل قد أوفى بالتزاماته العقدية. وأما العنصر الثاني من العناصر التي يتألف منها هذا الوجه الرابع من أوجه الطعن فقوامه سقوط حق رب العمل في فسخ العقد أو توقيع أي جزاء عن المخالفة لمضى أكثر من خمسة عشر عاماً من تاريخ بدء استخدامه وكذلك سقوط الدعوى التأديبية طبقاً لحكم المادة 66 من قانون عقد العمل وأما العنصر الثالث فهو خطأ الحكم المطعون فيه في فهم الواقع والالمام به والرابع هو مخالفة القانون في تخير الجزاء الذي وقعته المحكمة. هذا وقد ردت النيابة الإدارية المطعون ضدها على الطعن بأنه لم يأت بجديد بل ردد ما أثاره المتهم في دفاعه أمام المحكمة التأديبية وهو ما رد عليه الحكم المطعون فيه في أسبابه وختمت ردها بأن رقابة القضاء الإداري تنحسر عن إعادة الموازنة والترجيح بين الأدلة التي استقت منها السلطة التأديبية اقتناعها بارتكاب الطاعن للمخالفة المنسوبة أليه طالما أن استنتاجها مستمد من أدلة موجودة فعلاً.
ومن حيث أن الوجه الأول من أوجه الطعن لم يصادف حجة الصواب ذلك أن المادة الرابعة من القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن تنظيم النيابة الإدارية قد نصت على أن "تسري الأحكام الخاصة بالموظفين من الدرجة الثانية فما دونها فيما يتعلق بتشكيل المحكمة التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة الذين لا تجاوز مرتباتهم ثمانين جنيهاً شهرياً" أما من تجاوز مرتباتهم القدر المذكور فتسري بالنسبة إليهم في هذا الشأن الأحكام الخاصة بالموظفين من الدرجة الأولى فما فوقها، وأما باقي الطوائف التي نصت عليها المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1959 المشار إليها ومنها موظفي شركات القطاع العام فإنهم جميعهم يخضعون في تأديبهم قضائياً للمحكمة التأديبية العادية وذلك بصرف النظر عن مرتباتهم ودرجاتهم وإذ كان الطاعن موظفاً بإحدى شركات القطاع العام وليس موظفاً بمؤسسة عامة أو هيئة عامة ولهذا فليس صحيحاً النعي بأن الحكم المطعون فيه صدر من محكمة لا تملك ولاية إصداره وقد صدر ذلك الحكم من المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة العاملين بوزارة الصناعة وبالشركات وهي محكمة ذات ولاية عامة على كافة العاملين بالشركات بالغة ما بلغت مرتباتهم أو درجاتهم.
ومن حيث أنه عن الوجه الثاني من أوجه الطعن وحاصله أن الحكم قد أخل بحق الطاعن في الدفاع إخلالاً جوهرياً فأنه وإن كان حقاً أن النيابة الإدارية استطاعت الحصول على صور للطلبين المقدمين من المتهم لوزارة الداخلية في شأن تجديد التصريح له بالعمل وقدمتها للمحكمة في فترة حجز الدعوى للحكم فإن ذلك تم خلال المهلة التي منحت للمتهم للاطلاع على ملف الدعوى وتقديم مذكرة بدفاعه كما أن المحكمة كانت خلال تلك الفترة قد صرحت بالإطلاع وتقديم مذكرات ومستندات ولهذا فإن المستندات التي قدمت للمحكمة كانت مصرحاً بتقديمها وكانت تحت نظر المتهم خلال فترة تصرح له فيها بالإطلاع، وأما عن الصورة المقدمة من الشركة خلال تلك الفترة كذلك للشيك المطبوع عليه اسم المتهم مقروناً بلقب مهندس والمستخرج من دفتر شيكات المتهم فأن المحكمة كما أشارت في أسباب حكمها المطعون فيه كونت عقيدتها بشأن أسلوب المتهم في الادعاء بأنه مهندس من مصادر أخرى ليس من بينها صورة هذا الشيك. ومما تقدم يبين أن الوجه الثاني من أوجه الطعن ليس صحيحاً كسابقة ويستأهل الرفض وكذلك فإن الوجه الثالث من أوجه الطعن فهو فرع من الوجه الثاني انبثق عنه وارتبط به وقد بات هذا الفرع ساقطاً بسقوط أصله لذات أسبابه ويكون الحكم والمحاكمة قد تنزها عن عيب البطلان.
ومن حيث أنه يتعين قبل التصدي للوجه الرابع والأخير من أوجه الطعن التنويه بأنه وأن كان من المسلمات أنه متى صدر الحكم مستنداً إلى وقائع صحيحة قائمة لها أصول ثابتة في الأوراق وقد كيفها تكييفاً قانونياً سليماً واستخلص منها نتيجة سائغة تبرر اقتناعه الذي بنى عليه قضاءه فلا محل للتعقيب عليه باستئناف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى المحكمة التي أصدرت ذلك الحكم من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب في توقيع الجزاء أو فيما استخلصته المحكمة من هذه الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال وما كونت منه عقيدتها أو اقتناعها وأنه في ضوء هذه الحقيقة القانونية وإن كان الوجه الرابع من أوجه الطعن غير صحيح في أشقاقه المتعلقة بخطأ الحكم المطعون فيه في تكييف واقعة الدعوى أو في دفعه بألا وجه لإقامة الدعوى أو في دفاعه بسقوط الدعوى التأديبية إعمالاًَ لحكم المادة 66 من قانون العمل وذلك لما قام عليه من أسباب صحيحة في هذا الشأن سبق إيضاحها فإن الحكم قد أخطأ في فهم واقع الدعوى والإلمام به وقد جره ذلك إلى الخطأ في تطبيق القانون، وذلك أن الاتهام موضوع هذه المحاكمة قوامه أن المتهم قد فارق الذنب الإداري المستند إليه خلال الفترة من مايو سنة 1946 إلى يونيه سنة 1946، والحقيقة في واقع هذه الدعوى أن شركة النصر للأجهزة الالكترونية والكهربائية "فيليبس سابقاً" التي يعمل فيها المتهم مرت إبان حياته الوظيفية فيها بمرحلتين الأولى هي الحقبة الزمنية التي تبدأ منذ التحاق الطاعن بالشركة وهي قطاع خاص باسم شركة فيليبس في 11 من يونيه سنة 1946 والثانية تبدأ من الفترة التي أصبحت فيها الشركة من شركات القطاع العام بعد تأميمها وفقاً لأحكام القانون رقم 118 لسنة 1961 في شأن تأميم بعض الشركات والمنشآت وأنه خلال فترة ما قبل التأميم حيث كانت الشركة أهلية وليست من شركات القطاع العام فإن العلاقة التي ربطت الطاعن بشركته كانت من روابط القانون الخاص حيث يتمحض الوضع عن علاقة عامل برب عمل وحيث يثبت لرب العمل حق الفسخ بسبب الغش أو التدليس عند إنشاء رابطة العمل العقدية أو يثبت له حق التأديب عن مخالفات ارتكابها العامل في حق رب العمل أثناء اشتغاله عنده وهذه وتلك بعيدة عن نطاق التأديب عن طريق المحاكمة التأديبية، وبتحول الشركة الخاصة إلى شركة من شركات القطاع العام تقوم رابطة مبتدأة من نوع جديد بين الشركة والعامل في مجال التأديب ولا يكون ثمة مجال لخلافه معها بين الشخص الاعتباري العام الجديد وسلفه ويمتد اختصاص المحاكم التأديبية الذي يصاحب تحول الشركات إلى القطاع العام إلى الخطايا التي تكون قد وقعت وتمت قبل تاريخ مولد هذا التحول. ولما كان الثابت من استظهار أدلة الاتهام التي أخذت بها المحكمة في حكمها المطعون فيه وأقامت عليها قضاءها بالإدانة أن قوامها أفعالاً وتصرفات صدرت كلها عن المتهم خلال الفترة السابقة على تأميم الشركة إذ ليس من بينها فعل أو تصرف أو دليل واحد مبناه عمل ايجابي من المتهم وقع بعد التأميم سواء منها ما كان عن طريق الجهر بالقول الزور أو الركون إلى القول المستور وأنه وإن كان حقاً أن المفوض على الشركة بعد تأميمها وقبل تعيينه رئيساً لمجلس إدارتها قد رسخ يقينه في أن المتهم مهندس حاصل على الدرجة العلمية التي تؤهله لحمل هذا اللقب وكان يخاطبه على هذا الأساس فإن كافة أوراق الدعوى خلت من أي دليل عن فعل أو تصرف صدر عن المتهم نفسه في فترة ما بعد التأميم لتزكية هذا الطعن الذي قام لدى المفوض كصدى لأوضاع نشأت واكتملت قبل التأميم كما وأن الثابت من أقوال المهندس أحمد محرم أن المتهم لم يوقع طوال حياته الوظيفية بالشركة على ورقة ما من أوراقها منتحلاً صفة المهندس فيها.
ومن حيث أن اختصاص المحكمة التأديبية المطعون في حكمها لا يمتد ليلاحق بالتأثيم والعقاب أفعالاً قيل في قرار الاتهام وفي الحكم المطعون فيه أنها صدرت عن الطاعن في الفترة السابقة على تحول شركة فيليبس الأهلية إلى شركة من شركات القطاع العام، وإذ ينحسر اختصاص المحكمة التأديبية عن الأحداث التي جرت قبل التأميم وإذ تنكمش دائرة الاتهام فلا تجاوز فترة ما بعد التأميم وقد ثبت أن الطاعن لم يرتكب خلال تلك الفترة أي فعل أو تصرف ايجابي مما يمكن اعتباره ذنباً إدارياً موجبا لمجازاته فإن الطاعن يكون مستأهلاً البراءة، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب حيث قضى بخفض راتبه بمقدار خمسين جنيهاً شهرياً فإنه - والحالة هذه يكون قد خالف القانون ويتعين لذلك الحكم بإلغائه فيما قضى به من إدانة والحكم ببراءة المتهم مع إلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها بالمصاريف.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تخفيض مرتب الطاعن خمسين جنيهاً، وببراءته من التهمة مع إلزام المطعون ضدها بالمصروفات.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 25 مشاهدة
نشرت فى 21 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,119,764

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »