إذا ثبت أن ما أبداه الموظف من أقوال في مقام الدفاع عن حقه قد جاوز مقتضيات هذا الدفاع إلى سلوك ينطوي على تحدي رؤسائه أو التطاول عليهم، فإن هذا السلوك المستفاد من جماع هذه الأفعال يكوّن المخالفة الإدارية وهي الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 382
(47)
جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
القضية رقم 686 لسنة 3 القضائية
( أ ) تأديب - الإحالة إلى مجلس التأديب - اختصاص وكيل الوزارة بذلك - اختصاص وكيل الوزارة المساعد أيضاً بتفويض من الوزير - صدور هذا التفويض إليه من وكيل الوزارة - عدم جوازه - المادة 89 من قانون نظام موظفي الدولة قبل تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957.
(ب) مجلس تأديب - نص المادة 86 من قانون الموظفين على تشكيله اثنين من الموظفين في درجة مدير عام أحدهما من غير المصلحة التابع لها الموظف المحال للمحاكمة التأديبية ومن نائب من إدارة الرأي المختصة بمجلس الدولة - وجوب أن يكون أحد العضوين من غير المصلحة التابع لها الموظف - لا ضرورة لأن يكون العضو الآخر من ذات المصلحة.
(ج) جزاء تأديبي - ثبوت أن الموظف، وهو في مقام الدفاع عن نفسه، قد جاوز مقتضيات هذا الدفاع إلى سلوك ينطوي على تحدي رؤسائه والتطاول عليهم - إخلاله بواجبات وظيفته - مجازاته.
(د) جزاء تأديبي - توقيعه على الموظف عن فعل ارتكبه - لا وجه لتوقيع جزاء آخر بعد ذلك عن نفس الفعل.
1 - إن المادة 89 من القانون رقم 210 لسنة 1951 (قبل تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957) جعلت الإحالة إلى المحاكمة التأديبية من اختصاص وكيل الوزارة المختص. وقد نصت المادة 133 مكرراً على حق الوزير في أن يعهد لوكيل الوزارة المساعد بالاختصاصات المخولة لوكيل الوزارة ومن بينها إحالة الموظفين إلى المحاكمة التأديبية. أما وكيل الوزارة فلا يملك أن ينزل عن اختصاصه ويفوض غيره في مباشرته، ما دام القانون عهد به إليه وحده ولم يرخص له في هذا التفويض؛ ومن ثم إذا ثبت أن قرار الإحالة إلى مجلس التأديب صدر من وكيل الوزارة المساعد بناءً على تفويض من وكيل الوزارة الذي استند بدوره إلى قرار صادر من الوزير باختصاص الوكيل المساعد بما يحيله عليه وكيل الوزارة من أعمال - إذا ثبت ما تقدم، فإن قرار الإحالة إلى مجلس التأديب سالف الذكر يكون قد صدر من غير مختص بإصداره.
2 - نصت المادة 86 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على أن "المحاكمة التأديبية للموظفين يتولاها مجلس مؤلف من اثنين من الموظفين في درجة مدير عام أحدهما من غير المصلحة التابع لها الموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية ومن نائب من إدارة الرأي المختصة بمجلس الدولة". ويستفاد من هذا النص وجوب أن يكون أحد العضوين من غير المصلحة التابع لها الموظف، أما أن يكون العضو الآخر من ذات المصلحة فهذا ما لم يوجبه النص.
3 - إذا ثبت أن ما أبداه الموظف من أقوال في مقام الدفاع عن حقه قد جاوز مقتضيات هذا الدفاع إلى سلوك ينطوي على تحدي رؤسائه أو التطاول عليهم، فإن هذا السلوك المستفاد من جماع هذه الأفعال يكوّن المخالفة الإدارية وهي الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها.
4 - إذا وقع جزاء على الموظف عن فعل ارتكبه، فلا وجه بعد ذلك لتكرار الجزاء عليه عن السلوك ذاته، ما دام هو عين الجريمة التأديبية.
إجراءات الطعن
في 18 من إبريل سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 20 من فبراير سنة 1957 في الدعوى رقم 3360 لسنة 9 ق المرفوعة من بطرس جاد الله غالي ضد وزارة الأشغال، القاضي "بإلغاء قرار مجلس التأديب الابتدائي الصادر في أول فبراير سنة 195 والقرار الاستئنافي الصادر في 9 من مايو سنة 1955 المطعون فيهما، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي الصادر في 9 من مايو سنة 1955، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 3 من يونيه سنة 1957، وللمدعي في 6 من يونيه سنة 1957، وعين لنظره جلسة 22 من يونيه سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 3360 لسنة 9 ق بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 23 من يونيه سنة 1955 طالباً الحكم "أولاً - بإلغاء قرار مجلس التأديب الابتدائي الصادر في أول فبراير سنة 1955 والاستئنافي الصادر في 9 من مايو سنة 1955 القاضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بتعديل القرار المستأنف ومجازاة الطالب بخفض درجته الحالية إلى الدرجة التي تسبقها مباشرة، أي من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الرابعة بكامل مشتملاته، وإعادة حالة الطالب إلى ما كانت عليه وإلغاء جميع الآثار المترتبة على هذا القرار التأديبي. ثانياً - إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال في بيان ذلك إنه تخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة سنة 1933 وعين مهندساً بوزارة الأشغال، وقد شهدت الوزارة - على ما هو ثابت بتقاريره السنوية - بكفايته ونزاهته وأمانته. وفي 31 من يناير سنة 1952 صدر القرار الوزاري رقم 1024 لسنة 1952 بترقية بعض المهندسين الذين يلون المدعي في ترتيب الأقدمية إلى الدرجة الثالثة، وبدأ القرار بالمهندس شكري نخلة، فاضطر المدعي إلى إقامة الدعوى رقم 1042 لسنة 6 ق أمام محكمة القضاء الإداري. وفي 25 من مارس سنة 1954 حكمت المحكمة بإلغاء القرار الوزاري سالف الذكر وترقية المدعي إلى الدرجة الثالثة اعتباراً من 31 من يناير سنة 1951. وقد أعلن المدعي الحكم للوزارة، وقامت الوزارة بتنفيذه بأن أصدرت القرار رقم 1455 لسنة 1953 في 23 من يونيه سنة 1954 بترقية المدعي إلى الدرجة الثالثة، إلا أنها لم تحدد أقدميته قبل المهندس شكري نخلة، فشكا المدعي مراراً إلى الوزارة بخطابات موصى عليها، ثم أرسل إنذارين على يد محضر، وأخيراً طلبت الوزارة رأي مستشار الرأي لوزارة الأشغال فأفتى بوجوب ترقية المدعي إلى الدرجة الثالثة في دوره بالأقدمية وذلك بوضعه في ترتيب الأقدمية قبل المهندس شكري نخلة، ولكن الوزارة لم تنفذ تلك الفتوى، فأقام المدعي دعوى جنحة مباشرة ضد المسئول في الوزارة لعدم تنفيذ الحكم الصادر لصالحه، وفي 21 من نوفمبر سنة 1954 قدم المدعي شكوى إلى السيد الوزير راجياً إعطاءه حقه وتنفيذ حكم مجلس الدولة بكامله، فأشر السيد الوزير بإجراء تحقيق معه، وأجرى التحقيق فعلاً في 5 من ديسمبر سنة 1954. وقد لاحظ المدعي اعوجاجاً في التحقيق، وإلصاق عبارات به هو منها براء، وخروجاً على قواعد التحقيق؛ فتظلم إلى الوزير في 6 من ديسمبر سنة 1954، فاعتبر المحقق أن في هذا إهانة له ووقع جزاءً بخصم خمسة أيام من مرتب المدعي بدون وجه حق في 14 من ديسمبر سنة 1954 دون انتظار نتيجة التحقيق. تظلم المدعي من ذلك التحقيق إلى الوزير في 19 من ديسمبر سنة 1954 فأمر الوزير بإجراء تحقيق جديد انتهى بإحالته على مجلس التأديب. تظلم المدعي من هذه الإجراءات الكيدية وطالب بإجراء تحقيق عن طريق النيابة الإدارية فلم يجب إلى طلبه. وبالرغم من بطلان تشكيل المجلس الابتدائي وطعن المدعي ببطلان التحقيقات والإجراءات ومحاولته الاطلاع على ملف التحقيق ومنعه من ذلك مما سجله المدعي في خطابات موصى عليها، فقد قرر مجلس التأديب مجازاة المدعي بإيقافه لمدة ثلاثة أشهر بدون مرتب. استأنف المدعي ذلك القرار كما استأنفه السيد الوزير وشكل مجلس التأديب الاستئنافي برياسة السيد/ إبراهيم زكي وكيل الوزارة، ولما كان بين المدعي وبينه خصومة شخصية، وهو الذي وقع قرار تخطيه في الترقية، ووقع قرار ترقيته تنفيذاً لحكم مجلس الدولة مع عدم تحديد أقدميته، كما أنه أحد من رفعت ضدهم دعوى الجنحة المباشرة، فقد تنحى سيادته عن رياسة المجلس الاستئنافي، وعين بدله المهندس سيد عبد الجواد رئيس إدارة القوة الكهربائية المائية (بدرجة وكيل وزارة). وفي 9 من مايو سنة 1955 قرر المجلس تخفيض درجة المدعي الحالية إلى الدرجة التي تسبقها مباشرة، أي من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الرابعة، وأعلن المدعي بالقرار في 30 من مايو سنة 1955. وقد صدر القرار المشار إليه معيباً من الناحية القانونية ومجحفاًً بالمدعي من الناحية الموضوعية. أما فيما يتعلق بالناحية القانونية: فقد كان من الواجب أن يرأس المجلس وكيل الوزارة، إلا أنه رأسه رئيس إدارة القوة الكهربائية المائية بعد تنحي الوكيل. كما وقع بطلان في التحقيقات لعدم قيام النيابة الإدارية بها، وبطلان في قرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية حيث وقع القرار الوكيل المساعد، وبطلان في تشكيل المجلس الابتدائي؛ لعدم صدور قرار من الوزير بتشكيله، ولأن أحد أعضائه كان وكيلاً للمدير العام، ولعدم وجود عضو من مصلحة الري التي يتبعها المدعي عملاً بالمادة 86 من القانون رقم 210 لسنة 1951، ولعدم تمكين المدعي من الاطلاع على الأوراق، وأخيراً لعدم جواز توقيع عقوبتين عن فعل واحد فقد توقع على المدعي جزاءً بخصم خمسة أيام من مرتبه ثم العقوبة التي قررها المجلس الاستئنافي. وأما من الناحية الموضوعية: فقد شاب الحكم قصور في أسبابه؛ فلم يبين القرار موضوع المؤاخذة، ولا شك أن تجهيل هذه العبارات هو خطأ في تطبيق القانون، كما وقع تناقض بين أسباب القرار، فبينما يذكر القرار أن المدعي ينكر أنه صدرت منه عبارات طعن، ولم يقصد بهذه العبارات توجيه أي طعن، إذ به يقرر في الوقت نفسه أنه ثبت من أقوال المدعي أنه سيء النية مع عدم بيان وجه سوء النية، وهو ركن هام لتوقيع العقوبة، وأخيراً يستشف من قرار المجلس أنه تأثر بإقامة دعوى الجنحة المباشرة ضد الوزير والوكيل، واعتبر ذلك طعناً وإهانة لهما؛ من أجل ذلك أقام هذه الدعوى. وقد ردت الوزارة على الدعوى بما محصله أنه في 31 من يناير سنة 1951 أجريت حركة ترقيات صدر بها القرار الوزاري رقم 1024 لسنة 1951 متضمناً ترقية بعض مساعدي مدير الأعمال من الدرجة الرابعة إلى الدرجة الثالثة، ولم تشمل هذه الحركة المدعي نظراً لأنه لم يكن مستحقاً للترقية وقتذاك طبقاً لقواعد الترقية وحساب الأقدمية المعمول بها بالوزارة؛ فأقام الدعوى رقم 1042 لسنة 6 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري، وقضي فيها بإلغاء القرار سالف الذكر فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الثالثة في دوره في نسبة الأقدمية. وتنفيذاً لهذا الحكم صدر القرار رقم 1455 لسنة 1953، بترقية المدعي إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الثالثة اعتباراً من 31 من يناير سنة 1952، مع رفع مرتبه إلى 45 جنيهاً شهرياً مع صرف الفروق المترتبة على ذلك. لم ترض هذه التسوية المدعي فوجه إنذاراً إلى الوزارة على يد محضر في 10 من يوليه سنة 1954، كما أرسل إنذاراً آخر إلى مفتش ري قسم زفتى، ثم أتبع ذلك بإقامة جنحة مباشرة ضد السيد الوزير بحجة أن الوزارة تعمدت عدم تنفيذ الحكم الصادر لصالحه. وقد كان من الطبعي، وقد أقام دعوى الجنحة المباشرة في 2 من سبتمبر سنة 1954، أن ينتظر الفصل فيها، ولكنه انتهج سبيلاً لا تقره القوانين؛ فأرسل في 21 من نوفمبر سنة1954 شكوى إلى السيد/ أنور السادات وزير الدولة تشتمل على وقائع وادعاءات غير صحيحة، كما أرسل شكوى مماثلة لسكرتير عام الوزارة وأرفق صورتها بشكوى أخرى قدمها للوزير في 28 من نوفمبر سنة 1954 تضمنت طعناً وتعريضاً بكبار المسئولين بالوزارة مما استدعى إجراء تحقيق معه بشأن هذه الشكاوى وما جاء بها من اتهامات باطلة. وبعرض التحقيق على السيد وكيل الوزارة قرر في 11 من ديسمبر سنة 1954 مجازاته بخصم خمسة أيام من مرتبه، فاعترض المدعي على التحقيق الذي أجرى معه بخطاب موجه للوزارة في 6 من ديسمبر سنة 1954 كان بدوره موضع تحقيق آخر لما حواه من طعن في التحقيق الأول وفيمن قاموا به، كما أنه في التحقيق الثاني أصر على ما جاء بشكاويه السابقة، وعرض في أقواله بكبار موظفي الوزارة وبالسلطات القضائية، مما ترتب عليه تقديمه للمحاكمة التأديبية، وصدر بذلك القرار رقم 811 لسنة 1954 في 23 من ديسمبر سنة 1954. وفي أول فبراير سنة 1954 أصدر مجلس التأديب الابتدائي قراره وهو يقضي بمعاقبة المدعي بوقفه عن العمل بدون مرتب لمدة ثلاثة أشهر، وبعرض قرار المجلس على السيد الوزير رأى أن ما ارتكبه المدعي من خروج على النظم والقوانين والتعليمات الحكومية بتطاوله على رؤسائه والتشهير بهم واتهامهم بالباطل وتعرضه في كتاباته بالطعن في الهيئة القضائية الواجب احترامها لا يتكافأ مع العقوبة التي قررها مجلس التأديب، فقرر في 5 من فبراير سنة 1955 استئناف ذلك القرار، وصدر القرار الوزاري رقم 1024 لسنة 1954 في 6 من فبراير سنة 1955 بذلك وبإسناد رياسة المجلس الاستئنافي إلى السيد/ إبراهيم زكي وكيل الوزارة. كما استأنف المدعي ذلك القرار أيضاً. وقد طلب المدعي أن يحاكم أمام مجلس التأديب الاستئنافي لوزارة العدل فلم يجب إلى طلبه لمخالفة ذلك لنص المادة 93 من القانون رقم 210 لسنة 1951. وفي 16 من فبراير سنة 1955 طلب المدعي تنحية السيد/ إبراهيم زكي عن رياسة مجلس التأديب وأن يحل محله وكيل وزارة العدل، وقد أجيب إلى طلبه الخاص بتنحي السيد/ إبراهيم زكي. وضماناً للحيدة التامة من جانب الوزارة رفعت مذكرة في أول مارس سنة 1955 لمجلس الوزراء بطلب ندب أحد وكلاء الوزارات الأخرى لرياسة مجلس التأديب الاستئنافي، وقد أفادت سكرتيرية رياسة مجلس الوزراء بالخطاب رقم 3328 المؤرخ 10 من مارس سنة 1955 بأن هذه المسألة سحبت من جلسة المجلس المنعقدة في 9 من مارس سنة 1955، وعلى ذلك صدر قرار بإسناد رياسة المجلس إلى السيد/ سيد عبد الجواد وكيل الوزارة ورئيس إدارة القوة الكهربائية المائية بها. وقد صرح للمدعي بالحضور لديوان الوزارة في 24 من فبراير سنة 1955 و6 و7 و22 من مارس سنة 1955، واطلع على جميع الأوراق والتحقيقات، وأخذ ما يلزمه من صور المكاتبات والتحقيقات بحضور سكرتير مجلس التأديب. وفي 24 من مارس سنة 1955 قدم المدعي طلباً إلى النيابة الإدارية لوزارة الأشغال لإعادة التحقيق بمعرفتها. وقد أخطر رئيس النيابة الإدارية لوزارة الأشغال الوزارة بأن السيد مدير عام النيابة الإدارية وافق على ما قرره قسم النيابة الإدارية بوزارة الأشغال من حفظ الطلب لعدم الاختصاص. وفي 9 من مايو سنة 1955 قرر مجلس التأديب المخصوص خفض درجة المدعي الحالية إلى الدرجة التي تسبقها مباشرة، أي من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الرابعة، فأقام المدعي هذه الدعوى مستنداً في ذلك إلى ما فصله في صحيفة دعواه على ما سبقت الإشارة إليه. ثم ناقشت الوزارة في ردها أوجه البطلان القانونية والموضوعية التي ذكرها المدعي بصحيفة دعواه، وانتهت من ذلك إلى أن دعوى المدعي لا تستند إلى أساس من القانون. وبجلسة 20 من فبراير سنة 1955 حكمت المحكمة "بإلغاء قرار مجلس التأديب الابتدائي الصادر في أول فبراير سنة 1955 والقرار الاستئنافي الصادر في 9 من مايو سنة 1955 المطعون فيهما، وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لأوجه البطلان الشكلية، وهي بطلان إجراءات التحقيق وبطلان إجراءات المحاكمة التأديبية. على أن "السيد المفوض أسهب في تقريره في بيان هذه الأوجه، وانتهى إلى أن إجراءات التحقيق والمحاكمة قد شابها وجها البطلان الآتيان: 1 - بطلان قرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية لصدوره من وكيل الوزارة المساعد وهو غير مختص. 2 - بطلان تشكيل المجلس التأديبي الابتدائي لعدم تمثيل المصلحة بعضو من درجة مدير"، وأن "المحكمة ترى الأخذ بما جاء بتقرير السيد المفوض للأسباب المبينة تفصيلياً به، وتضيف إليه - بالنسبة للوجه الأول الخاص ببطلان الإحالة لصدوره من غير مختص - أن قرار الإحالة هو ركن هام من أركان المحاكمة التأديبية وليس مجرد إجراء جوهري، بل هو في حقيقته قرار إداري نهائي يعدل به المركز القانوني للموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية؛ ومن ثم يتعين أن يصدر ممن يملكه قانوناً وهو وكيل الوزارة المختص طبقاً لصريح نص المادة 89 من قانون نظام موظفي الدولة. وإذ صدر في المحاكمة التأديبية موضوع هذه الدعوى من وكيل الوزارة المساعد فإنه يكون قد صدر من غير مختص، خاصة وأن أوراق التحقيق خلو من التفويض المقال بأنه صدر من السيد وكيل الوزارة إلى السيد الوكيل المساعد لإصدار هذا القرار...؛ ومن ثم يكون قرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية قد صدر معيباً بعيب عدم الاختصاص مما يبطله ويبطل كل الإجراءات التي ترتبت عليه". وفيما يتعلق بالوجه الثاني "الخاص ببطلان تشكيل مجلس التأديب الابتدائي فإن المحكمة تضيف إلى الأسباب التي استند إليها السيد المفوض في بطلان هذا التشكيل أن قواعد تشكيل مجلس التأديب من النظام العام وتتعلق بإجراء جوهري روعي فيه الصالح العام وهو حسن سير المحاكمات التأديبية، فإن في تشكيل المجلس الابتدائي بغير عضوية موظف من درجة مدير عام من مصلحة الري التي يتبعها المدعي يؤدي إلى بطلان هذا التشكيل، وبالتالي بطلان جميع الإجراءات والقرارات التي صدرت منه". أما بالنسبة للأوجه الموضوعية التي استند إليها المدعي في الطعن على القرار المطعون فيه فإن المحكمة قد أخذت بما ورد بتقرير المفوض في هذا الصدد من أن المدعي بتظلمه الذي قدمه في 6 من ديسمبر سنة 1954 والذي من أجله أحيل إلى المحاكمة التأديبية "لم يخرج به عن حدوده المشروعة إذ لا جناح عليه وهو يطعن في التحقيق لمخالفته للقانون أن يفصل هذا الوجه وما يقتضيه ذلك من التعرض للإجراءات والتصرفات التي اتخذها المحقق والطعن فيها بما يعيبها ويكشف عن انحرافها، وحتى لو ذكر المدعي في تظلمه وقائع على أنها صحيحة ولم يستطع إثباتها فليس في ذلك خروج عن حدود الدفاع المشروعة، وإنما هو من قبيل المجادلة التي تقتضيها طبيعة التظلمات؛ ومن ثم فإن القرار الصادر بالتحقيق مع المدعي لطعنه في التحقيق الأول وفمين قاموا به لا يصادف صواباً لأن الطعن في التحقيق هو - كما تقدم - فعل مباح لا يسوغ أن يكون محلاً للتحقيق. وأما الطعن فيمن قام به فإن المدعي لم يتعرض في تظلمه إلا لتصرفات المحقق والإجراءات التي اتخذها وهو فعل مباح أيضاً ولم يتعرض لشخصه مما كان يصح أن يكون معه محل مؤاخذة". وتضيف المحكمة إلى ما تقدم "أن التظلم لا يعدو أن يكون شكوى، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه لا تثريب على الموظف إن هو لجأ إلى الجهات العليا للشكوى من ظلم ظن أنه حاق به من رؤسائه؛ لأن حق الشكوى حق أصيل لكل فرد، بل هو حق دستوري مكفول للكافة"، وأنه "فضلاً عما تقدم فإنه يبين من قرار الإحالة أن المدعي قد أحيل لمجلس التأديب لمحاكمته على التهمتين الآتيتين: 1 - تجاوزه حدوده في ادعاءاته التي لا تستند إلى أساس في شكوى بعث بها إلى الوزارة في 6 من ديسمبر سنة 1954 باسم السيد وزير الأشغال، طعن فيها في التحقيق الذي أجري معه في 5 من ديسمبر سنة 1954 وفيمن قاموا به مخالفاً بذلك قواعد النظام العام. 2 - إصراره على ما جاء بهذه الشكوى وشكاويه السابقة موضوع التحقيق المشار إليه، حيث عرّض في أقواله بالتحقيق الأخير الذي أجري معه في 19/ 12/ 1954 بكبار موظفي الوزارة وبالسلطات القضائية". أما عن التهمة الأولى "فقد أبان السيد المفوض في تقريره أن المآخذ التي نسبها المدعي إلى التحقيق الأول ما هي إلا مآخذ موضوعية تتصل بإجراءات التحقيق وليست مآخذ ذاتية تتصل بشخص المحقق؛ ومن ثم فإن مجلس التأديب إذ اعتبر هذه المآخذ والادعاءات طعناً في شخص المحقق تستوجب توقيع الجزاء فإنه يكون قد أخطأ في التكييف القانوني للوقائع مما يعيب القرار..."، وتزيد المحكمة على ما تقدم أن "قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التقاضي حق مشروع لكل فرد ما دام قد استعمل في حدود القانون، فإذا رفع الموظف دعوى ضد الإدارة طالباً إلغاء قرار إداري أصدرته ناعياً فيما نعاه عليه إساءة استعمال السلطة فلا جناح على الموظف إن فصل هذا الوجه واقتضى ذلك التعرض لتصرفات رؤسائه والطعن فيها بما يعيبها ويكشف عن انحرافها عن الصالح العام ولو تأذى الرئيس الإداري، ما دام ذلك من مقتضيات الدفاع. كذلك إذا ذكر الموظف وقائع على أنها صحيحة ونازعته الإدارة أو استطاعت أن تثبت عدم صحتها فليس في ذلك خروج عن حدود الدفاع المشروعة، وإنما هو من قبيل المجادلة والحجاج، فلا محل لمؤاخذته وتوقيع جزاء عليه. ولا جدال في أن ما يسري على الدعاوى يسري على التظلمات باعتبارها وسائل للمطالبة بالحقوق والدفاع عنها خاصة وأن التظلم هو غالباً نقطة البداية في الطريق القضائي"، وأما عن التهمة الثانية فقد أخذت المحكمة بما ذهب إليه المفوض من أن هذه التهمة لا تستند إلى أساس سليم للأسباب التي سردها في تقريره. وأنه لكل ما تقدم "يكون قرار مجلس التأديب الابتدائي - فضلاً عن بطلانه بسبب بطلان قرار الإحالة وبطلان تشكيل المجلس - فإنه لا يستند إلى أساس سليم ويتعين لذلك إلغاؤه"، وأنه "متى ثبت أن قرار مجلس التأديب الابتدائي قد وقع باطلاً ومخالفاً للقانون فإن قرار المجلس الاستئنافي المترتب عليه يكون باطلاً كذلك...".
ومن حيث إن حاصل ما يقوم عليه الطعن أن هناك عيباً شكلياً واحداً عاب قرار التأديب الاستئنافي الصادر في 9 من مايو سنة 1955، وهو بطلان قرار إحالة المدعي إلى المحاكمة التأديبية الصادر من وكيل الوزارة المساعد في 23 من ديسمبر سنة 1954؛ ذلك أن المادة 89 من قانون موظفي الدولة تقضي بأن يختص وكيل الوزارة بإصدار قرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية، والاختصاص شخصي يجب أن يمارسه الموظف الذي يعينه القانون. ولئن كانت المادة 133 مكرراً من القانون سالف الذكر تخول الوزير أن يعهد لوكيل الوزارة المساعد بالاختصاصات المخولة لوكيل الوزارة طبقاً للقانون، وإذا كان قد صدر القرار الوزاري رقم 373 لسنة 1954 في 16 من سبتمبر سنة 1954، ونص في مادته الثانية على اختصاص السيد/ يوسف سميكة وكيل الوزارة المساعد بالمسائل المبينة في هذه المادة وما يحيله عليه السيد الوكيل من أعمال. فإنه على فرض أن المقصود من هذه الإحالة المسائل التأديبية فضلاً من الأعمال العادية، فإن مثل هذا التفويض في الاختصاص باطل؛ إذ الموظف يباشر اختصاصه دون أن يكون له حق إحالته إلى موظف آخر إلا إذا رخص له القانون منشئ الاختصاص أو منظمه بذلك. وعلى ذلك يستطيع الوزير تطبيقاً للمادة 133 المذكورة أن يفوض وكيل الوزارة المساعد اختصاصات وكيل الوزارة، ولكنه لا يستطيع أن يفوض وكيل الوزارة في أن يفوض بدوره في الاختصاص المخول له قانوناً. أما بالنسبة للوجه الثاني من أوجه بطلان القرار التأديبي، وهو بطلان تشكيل مجلس التأديب الابتدائي لعدم تمثيل مصلحة الري بعضو من درجة مدير عام، فإن المادة 39 من قانون موظفي الدولة تنص على أن "المحاكمة التأديبية للموظفين يتولاها مجلس مؤلف من اثنين من الموظفين في درجة مدير عام أحدهما من غير المصلحة التابع لها الموظف المحال على المحاكمة التأديبية ومن نائب من الإدارة المختصة بمجلس الدولة....". وظاهر من مراجعة النص أنه لم يشترط في أحد عضوي المجلس أن يكون من المصلحة التابع لها الموظف المحال على المحاكمة التأديبية، وإنما كل ما اشترطه أن يكون أحدهما من غير المصلحة التابع لها الموظف؛ ومن ثم فإن ما ذهب إليه الحكم من ضرورة تمثيل المصلحة بعضو في المجلس هو إجراء لم يستلزمه القانون وليس فيه إهدار للإجراءات التي رسمها القانون. وأما بالنسبة للأوجه الموضوعية من الطعن على القرار الإداري الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي، فإن ما ذكره المدعي في التحقيق خاصاً بالسيد رئيس الدائرة الثالثة بمحكمة القضاء الإداري من أنه يجيب الحكومة دائماً إلى التأجيل، وبالقاضي الذي نظر قضية الجنحة المباشرة من أنه أجل القضية تحت ضغط عليه - إن ما ذكره المدعي يغلب فيه أنه قصد التعريض بشخصهما، بل وبالقضاء، عند الفصل في دعوى خاصة بالحكومة، وهذه الواقعة تكون في الظروف والملابسات التي أحاطت بها جريمة إدارية؛ ومن ثم فإن الجريمة الثانية قد قامت في شطرها الخاص بالتعريض بالسلطات القضائية دون غيرها. وترتيباً على ما تقدم يكون القرار الإداري التأديبي باطلاً لعيب في الشكل خاص ببطلان قرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية في 23 من ديسمبر سنة 1954، ما أن هذا القرار التأديبي قد صدر بعقوبة عن جرائم إدارية متعددة لا تتوافر لها مقومات الجرائم الإدارية إلا بالنسبة لجريمتين هما التعريض بالمحقق في شكوى 6 من ديسمبر سنة 1954 وبالقضاء في محضر 19 من ديسمبر سنة 1954، وعلى ذلك تكون العقوبة قد انصبت على وقائع مادية أخرى لم تبلغ مبلغ الجريمة الإدارية، وبالتالي تكون قد صدرت مخالفة للقانون، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه بعد إذ حقق مع المدعي في 5 من ديسمبر سنة 1954، وهو التحقيق الذي انتهى بخصم خمسة أيام من مرتبه بقرار صدر في 11 من ديسمبر سنة 1954 وهو الجزاء موضوع الطعن رقم 829 سنة 3 ق، أرسل المدعي بعد التحقيق وقبل صدور الجزاء المذكور إلى السيد الوزير خطاباً في 6 من ديسمبر سنة 1954 جاء به ما يأتي "... استدعاني السيد المحترم المفتش العام المساعد لمشروعات بحري بإشارة بتاريخ 4 الجاري، وعلمت أنه مطلوب التحقيق معي بخصوص خطاب للسيد المحترم وزير الدولة والمرسل صورته لسيادتكم، وكذلك بخصوص خطابي الخاص المرسل للسيد المحترم عبد اللطيف فهمي السكرتير العام. ولما كان إجراء التحقيق هذا لا سند قانوني له للأسباب الآتية: 1 - موضوع خطاب السيد المحترم وزير الدولة معروض على القضاء بالجنحة المباشرة ولا يصح تحقيق ما هو معروض أمام القضاء. 2 - خطابي للسيد المحترم عبد اللطيف فهمي هو خطاب خاص عن موضوع خاص لا صفة مصلحية له كما يتضح من الخطاب. 3 - لم تحدد تهم للتحقيق فيها. 4 - لم يشمل التحقيق مناقشة دفاعي بل رفض السيد المحقق شفهياً ذلك وأثبت في أحد إجاباتي طلبي مناقشة دفاعي وتعمد المحقق عدم الرد وعلمت أن المطلوب هو الإجابة عن أسئلة وجدتها مجهزة مع سيادته فقط ولا يقبل سيادة المحقق أية مناقشة لدفاعي وهذا ما يخالف القانون. 5 - عدم اطلاعي على الملفات الموجودة أمام السيد المحقق ليكون ردي وافياً مدعماً بالأسانيد. كان يتعين عليَّ لهذه الأسباب رفض التحقيق، ولكن ما أدين به من طاعة تامة لرؤسائي جعلني أخالف الوجهة القانونية وأرد على السيد المحقق فيما جاء بأسئلته وأسجل على سيادته موافقته التامة على ما جاء بإجاباتي مستنداً على عدم مناقشة سيادته لهذه الإجابة مما يعتبر قطعاً تسليماً من سيادته بل من الوزارة - وسيادته مندوبها - بصحة ما جاء بها. وقد اعترف السيد المحقق بتعمد الوزارة تعطيل نظر القضية عند بحثه موضوع قرار المحكمة في 5 من نوفمبر سنة 1953 الذي طلبت فيه ملفات لتصلها قبل 31 من ديسمبر سنة 1953 بينما لم ترسل الملفات للمحكمة إلا في 18 من فبراير سنة 1954، وهي ملفات جاهزة لبعض الموظفين كان يمكن طلبها بإشارة لتصل في نفس اليوم، كما حصل فعلاً يوم 4 من ديسمبر سنة 1954 عند طلب السيد المحقق ملفاتي الخاصة بإشارة لمشروعات طنطا ثم تحولت الإشارة لري الدقهلية الموجود به الملفات وأرسلت قبل مضي 24 ساعة على طلبها، فهل برهان أقوى من هذا يا سيدي الوزير وغير هذا الكثير الموجود بالملف والتحري لم يبحث عنه السيد المحقق ولم يسمح لي بذلك. كما أشير على سيادتكم بصفة خاصة بالتفضل بالاطلاع لما أثبته بالدليل القاطع على أن حجة الوزارة في الاستناد على القانون 134 في عدم تنفيذ حكم مجلس الدولة لا سند لها من القانون والغرض منها تبرير مخالفة حكم مجلس الدولة ورأي شعبة الأشغال. أما مسألة تقريري سنة 1953 فمجانبة السيد المفتش الصواب سبق إثباتها بالطعن، وأرجو الرجوع إليه. وقد أقرت لجنة شئون الموظفين حكمها على أساس هذا الطعن كما جاء بقرارها وكما أثبت السيد المحقق ذلك. سيدي الوزير - إن أملي في الحصول على حقي العادل مركز في سيادتكم، وعدلكم وحزمكم مشهوران. أرجو يا سيدي الوزير ضم طلب التحقيق والطريقة التي سار بها وأوراق التحقيق الثلاثة عشرة وخطابي هذا لملف الوزارة، وأرجو التفضل بتكليف مدير المستخدمين لسرعة الاتصال بقلم القضايا وهو مجاور للوزارة ومقابلة السيد حسن النشار المحامي بالقلم ونهو المطلوب تقديمه للمحكمة في الجنحة، خصوصاً وأن الجلسة القادمة المحدد لها جلسة 5 من يناير سنة 1955 قرب ميعادها، ولا يرضي سيادتكم أن يطلب محامي الوزارة التأجيل مرة أخرى في قضية واضحة الأسانيد. وتفضلوا...." - إمضاء بطرس جاد الله غالي. وقد أحال السيد الوزير هذا الخطاب إلى السيد الوكيل الدائم في 8 من ديسمبر سنة 1954، وأحاله السيد الوكيل الدائم إلى السيد الوكيل في 9 من ديسمبر سنة 1954 "للنظر في هذه الشكوى"، كما أرسل المدعي صورة من خطابه للسيد الوزير إلى السيد المفتش العام المساعد لمشروعات بحري لضمه لأوراق التحقيق الذي يجريه معه. وقد أرسل سيادته كتاباً إلى المفتش العام لمشروعات بحري في 8 من ديسمبر سنة 1954 يفند فيه ما ورد بخطاب المدعي، وقد أحال المفتش العام الخطاب إلى الوكيل الدائم واقترح "إزاء ما يثيره المدعي بخطابه المرفق من ادعاءات ضد المحقق أنه لا بد من مجازاته بخصم خمسة أيام أخرى من مرتبه خلاف ما سبق اقتراح مجازاته بها"، فأحاله السيد الوكيل الدائم إلى وكيل الوزارة لشئون الري في 9 من ديسمبر سنة 1954 "للنظر فيما جاء في هذه الشكوى". وفي 11 من ديسمبر سنة 1954 أرسل وكيل الوزارة إلى مفتش عام ري بحري أوراق التحقيق بكتاب جاء به ما يأتي "أرسل لسيادتكم أوراق التحقيق الذي عمل مع المهندس بطرس جاد الله وكذلك الأوراق التي ودرت منه أخيراً طعناً في هذا التحقيق ومن قاموا به، ولما كانت الشكوى الأخيرة التي تناولت هذا الطعن تحتاج إلى تحقيق فأرجو انتداب أحد حضرات مفتشي الري للقيام بهذا التحقيق وموافاتنا به مشفوعاً برأيه". فكلف مفتش عام الري مفتش ري الشرقية في 14 من ديسمبر سنة 1954 بإجراء التحقيق المطلوب. وبعد أن أجرى مفتش ري الشرقية التحقيق مع المدعي أرسل خطاباً إلى المفتش العام في 20 من ديسمبر سنة 1954 ورد به ما يأتي "... ومن رأيي إحالة السيد/ بطرس جاد الله إلى مجلس التأديب لمحاكمته على ما جاء بشكواه المؤرخة 6 من ديسمبر سنة 1954 باسم حضرة السيد المحترم وزير الأشغال طعناً في التحقيق الذي أجري معه في 5 من ديسمبر سنة 1954، وطعناً فيمن قاموا به مخالفاً بذلك قواعد النظام العام والقوانين المرعية في مثل هذه الأحوال، كما أنه عند التحقيق معه في هذه الشكوى في 19 من ديسمبر سنة 1954 أصر على ما جاء بهذه الشكوى والشكاوى السابقة موضوع التحقيق السابق حيث عرض في أقواله بالتحقيق الأخير بكبار موظفي الوزارة وبالسلطات القضائية". وقد أحال المفتش العام هذا الكتاب للسكرتير العام للوزارة فأحاله السكرتير العام إلى وكيل الوزارة المساعد (السيد يوسف سميكة) لإبداء رأيه، فوافق في 22 من ديسمبر سنة 1954 على إحالة المدعي إلى مجلس التأديب. وفي 23 من ديسمبر سنة 1954 أصدر وكيل الوزارة المساعد القرار رقم 811 لسنة 1954 بإحالة المدعي إلى مجلس التأديب لمحاكمته على التهم الآتية: 1 - تجاوزه حقوقه في ادعاءاته التي لا تستند إلى أي أساس في شكوى بعث بها للوزارة في 6 من ديسمبر سنة 1954 باسم السيد وزير الأشغال طعن فيها في التحقيق الذي أجري معه في 5 من ديسمبر سنة 1954 وفيمن قاموا به مخالفاً بذلك قواعد النظام العام. 2 - إصراره على ما جاء بهذه الشكوى وشكاويه السابقة موضوع التحقيق المشار إليه حيث عرض في أقواله بالتحقيق الأخير الذي أجري معه في 19 من ديسمبر سنة 1954 بكبار موظفي الوزارة وبالسلطات القضائية. وقد شكل مجلس التأديب بادئ الأمر من مدير عام مصلحة المساحة رئيساً ومن مساعد مفتش عام ري الوجه البحري وأحد نواب شعبة الرأي للأشغال أعضاء، وقد اعتذر مساعد المفتش العام للري من الحضور لقرب موعد اعتزاله الخدمة لبلوغه السن فعين بدلاً منه وكيل مصلحة الميكانيكا والكهرباء. وقد قرر مجلس التأديب بجلسته المنعقدة في أول فبراير سنة 1955 معاقبة المدعي بوقفه عن العمل بدون مرتب لمدة ثلاثة أشهر. وبعرض هذا القرار على الوزير رأى سيادته استئناف القرار؛ وذلك لأن "ما ارتكبه هذا المهندس من خروج على النظم والقوانين والتعليمات الحكومية بتطاوله على رؤسائه بالوزارة والتشهير بهم واتهامهم بالباطل وتعرضه في كتاباته بالطعن في الهيئة القضائية الواجب احترامها لا يتكافأ مع العقوبة التي قررها مجلس التأديب الابتدائي". وفي 5 من فبراير سنة 1955 صدر القرار الوزاري رقم 1024 لسنة 1954 بتعيين السيد المهندس إبراهيم زكي وكيل الوزارة رئيساً لمجلس التأديب الاستئنافي. وقد تنحى سيادته عن رياسة هذا المجلس بكتاب أرسله إلى السيد الوزير في 27 من فبراير سنة 1955 على إثر خطاب بعث به إليه المدعي يطلب فيه تنحيه عن رياسة هذا المجلس، فصدر القرار الوزاري رقم 1192 لسنة 1954 بتعيين المهندس سيد عبد الجواد وكيل الوزارة ورئيس إدارة القوة الكهربائية المائية رئيساً للمجلس، وفي 9 من مايو سنة 1955 قرر المجلس تعديل القرار المستأنف ومجازاة المدعي بخفض درجته إلى الدرجة التي تسبقها أي من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الرابعة.
ومن حيث إن حاصل ما أقام مجلس التأديب الابتدائي قراره عليه أن المدعي طعن في التحقيق الأول الذي أجري معه في 5 من ديسمبر سنة 1954 كما طعن في المحقق بأن قال إن التحقيق لم يشمل مناقشة دفاعه وأن المحقق رفض ذلك وتعمد عدم الرد، وقرر أنه علم أن المطلوب الإجابة على أسئلة وجدها مجهزة مع المحقق، مع أن الثابت بأوراق التحقيق يخالف ذلك، ولم يتمكن المدعي من إثبات صحة ما يدعيه، وأنه "أصر على اتهامه للمسئولين بالوزارة بأنهم يتعمدون طلب تأجيل نظر القضايا وتأجيل موافاة المحاكم بما تطلبه، وذلك في التحقيق الذي أجري معه في 19 من ديسمبر سنة 1954، كما ادعى في هذا التحقيق أيضاً أن السيد رئيس الدائرة الثالثة بمجلس الدولة كان يجيب الحكومة دائماً إلى طلبات التأجيل دون مؤاخذتها..... وأن المحاكم تراعي الحكومة في طلباتها الكثيرة للتأجيل دون أي مؤاخذة، وكرر هذه العبارة أكثر من مرة"، وأنه "ادعى أن السيد قاضي محكمة الجنح قد أجل هذه القضية تحت ضغط محامي الحكومة، كما أنه رمى إدارة قضايا الحكومة بالإهمال وبالاشتراك مع الحكومة في تعمد تأجيل القضايا"، مع أن الثابت من الملفات التي اطلع عليها المدعي بالجلسة أنه لم يحصل أي إهمال من الوزارة أو إدارة القضايا في تحضير القضايا، كما لم يحصل أي تعمد من المسئولين في الوزارة لتأجيل القضية. وإن اتهام المدعي للمسئولين في الوزارة بالإهمال وتعمد تعطيل سير القضايا وإصراره على هذا الاتهام في التحقيق الذي أجري معه في 19 من ديسمبر سنة 1954 "أمر لا يصح أن يصدر من مرءوس ضد رؤسائه؛ إذ في ذلك إخلال بالنظام الحكومي"، كما أنه إذ رمى رجال القضاء بمحاباة الحكومة في الإجراءات التي تتم أثناء نظر القضايا فإنه يكون قد خالف ما يجب أن يراعيه كل مواطن من احترام لهذه الهيئة لما لها من قدسية خصوصاً وأنه رجل نال من الثقافة أعلى مراحلها. كما أنه طعن في السيد المحقق دون وجه حق وأنه ما كان يجوز له وقد رفع أمره للقضاء أن يلجأ لهذه الطرق الملتوية للتشهير بالمسئولين من رؤسائه بالوزارة وإلقاء التهم جزافاً. وأما مجلس التأديب الاستئنافي فإنه بعد أن رد على الأوجه الشكلية التي أثارها المدعي وانتهى إلى أنها غير قائمة على أساس سليم، قال فيما يختص بالموضوع "إن المستأنف الأول لم ينكر أنه قد صدرت منه عبارات الطعن التي ذكرها في شكواه للسيد وزير الأشغال في 6 من ديسمبر سنة 1954، والتي وردت في أقواله بالتحقيق الذي أجري معه في 19 من ديسمبر سنة 1954، وإن كان قد قال ضمن دفاعه إنه لم يقصد بهذه العبارات توجيه أي طعن لأحد ما، إلا أنه لا محل للتعويل على قوله هذا؛ لأن تلك العبارات تحوي ألفاظ طعن صريح لا ضمني ولا تحتمل الادعاء بأنه لم يقصد منها الطعن في أحد. ويرى المجلس أن التهمتين المسندتين إلى المستأنف الأول ثابتتان ضده لما جاء بأسباب القرار المستأنف وما أجراه هذا المجلس من تحقيق".
ومن حيث إنه بالنسبة للوجه الأول من الطعن وهو بطلان قرار إحالة المدعي إلى المحاكمة التأديبية الصادر من وكيل الوزارة المساعد، فإنه يبين من الاطلاع على القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة أنه نص في المادة التاسعة والثمانين منه - قبل تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - على أن "يصدر القرار بالإحالة إلى المحاكمة التأديبية من وكيل الوزارة المختص..."، وتنص المادة 133 مكرراً على أنه "يجوز للوزير أن يعهد لوكيل الوزارة المساعد بالاختصاصات المخولة لوكيل الوزارة طبقاً لأحكام هذا القانون". كما يبين من الأوراق أنه في 16 من سبتمبر سنة 1954 أصدر وزير الأشغال العمومية القرار رقم 273 لسنة 1954، وقد نص في المادة الثانية منه على أن "يختص السيد المهندس يوسف مرقص سميكة وكيل الوزارة المساعد بالإشراف على أعمال الإدارة العامة للخزانات والقناطر الكبرى ومصلحة المباني الأميرية والتفتيش العام لضبط النيل وإدارة الملاحة الداخلية وما يحيله عليه السيد الوكيل للري من أعمال". ويبين من استعراض هذه النصوص أن المادة 89 سالفة الذكر جعلت الإحالة إلى المحاكمة التأديبية من اختصاص وكيل الوزارة المختص، وأنه ولئن كانت المادة 133 مكرراً قد أعطت الوزير الحق في أن يعهد لوكيل الوزارة المساعد بالاختصاصات المخولة لوكيل الوزارة - ومن بينها إحالة الموظفين إلى المحاكمة التأديبية - إلا أن قرار الوزير رقم 273 لسنة 1954 قد خلا من مثل ذلك؛ ومن ثم يكون قرار الإحالة قد صدر من غير مختص بإصداره، ولا يغني في هذا المقام ما ورد بختام المادة الثانية من القرار الوزاري رقم 273 لسنة 1954 من اختصاص الوكيل المساعد بما يحيله إليه الوكيل من أعمال؛ إذ لو صح ثبوت مثل هذا التفويض - وهو أمر لم يثبت - فإنه يكون باطلاً؛ إذ لا يملك الوكيل أن ينزل عن اختصاصه ويفوض غيره في مباشرته، ما دام القانون عهد به إليه وحده ولم يرخص له في هذا التفويض.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالدفع ببطلان تشكيل المجلس التأديبي الابتدائي لعدم تمثيل المصلحة التي يتبعها المدعي بعضو من درجة مدير عام، فإنه يبين من الاطلاع على المادة 86 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة أنها قد نصت على أن "المحاكمة التأديبية للموظفين يتولاها مجلس مؤلف من اثنين من الموظفين في درجة مدير عام أحدهما من غير المصلحة التابع لها الموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية ومن نائب من إدارة الرأي المختصة بمجلس الدولة...". ويستفاد من هذا النص وجوب أن يكون أحد العضوين من غير المصلحة التابع لها الموظف، أما أن يكون العضو الآخر من ذات المصلحة فهذا ما لم يوجبه النص، فالتأويل الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه يكون - والحالة هذه - تخصيصاً بغير مخصص، وترتيباً لبطلان بغير نص.
ومن حيث إنه بالنسبة للوجه الثاني من الطعن فإنه يبين من الأوراق أن المدعي أحيل إلى المحاكمة التأديبية للتهمتين الآتيتين "الأولى - تجاوزه حدوده في ادعاءاته التي لا تستند إلى أساس في شكوى تقدم بها إلى الوزارة في 6 من ديسمبر سنة 1954 باسم السيد الوزير، طعن فيها في التحقيق الذي أجري معه في 5 من ديسمبر سنة 1954 وفيمن قاموا به، مخالفاً بذلك قواعد النظام العام. والثانية - إصراره على ما جاء بهذه الشكوى وشكاويه السابقة موضوع التحقيق المشار إليه، حيث عرض في أقواله بالتحقيق الأخير الذي أجري معه في 19 من ديسمبر سنة 1954 بكبار موظفي الوزارة وبالسلطات القضائية". ففيما يختص بالتهمة الأولى يبين من الاطلاع على الخطاب المرسل من المدعي إلى السيد الوزير المؤرخ 6 من ديسمبر سنة 1954 - السالف الإشارة إليه - أن ما ذكره المدعي لا يعدو أن يكون مناقشة منه لموضوع التحقيق الذي أجري معه في 5 من ديسمبر سنة 1954، مع تبيانه للأسانيد القانونية التي يستند إليها في بطلان التحقيق بما لا يجاوز حدود الدفاع المشروعة، فلا تثريب عليه إن هو نعى على الوزارة عدم تنفيذها للحكم الصادر لصالحه على النحو الذي قضت به المحكمة، وإن كان للوزارة رأي آخر في كيفية تنفيذه، أو تراخيها في موافاة المحكمة بما طلبته من أوراق وبيانات أو عدم تمكينها إياه من الاطلاع على الملفات ليحضر دفاعه، كما أنه ليس فيما ذكره عن السيد المحقق ما يعتبر مساساً بشخصه، بل ذلك كله من مقتضيات الدفاع. وأما فيما يتعلق بالتهمة الثانية وهي إصراره على ما جاء بهذه الشكاوى وشكاواه السابقة موضوع التحقيق المشار إليه وتعريضه بكبار موظفي الوزارة والسلطات القضائية، فإنه يبين من مراجعة الأوراق في هذا الخصوص أن ما أتاه المدعي من أفعال وما صدر منه من أقوال في هذا التحقيق الأخير وفيما سبقه من شكاوى وتحقيقات مرتبطة جميعها بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل التجزئة ما دامت صدرت في شأن موضوع واحد هو المطالبة بحقه ولغرض واحد هو الدفاع عن هذا الحق، فإذا ما جاوزت تلك الأفعال مقتضيات هذا الدفاع إلى سلوك ينطوي على تحدي رؤسائه أو التطاول عليهم، فإن هذا السلوك المستفاد من جماع هذه الأفعال يكوّن المخالفة الإدارية، وهي الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها، وهذا هو ما كان قد جوزي عليه المدعي بخصم خمسة أيام من راتبه بالجزاء الذي صدر في 11 من ديسمبر سنة 1954 الذي رفضت هذه المحكمة الطعن بشأنه، وأيدت حكم محكمة القضاء الإداري القاضي برفض طلب إلغائه، فلا وجه بعد ذلك لتكرار الجزاء عليه عن السلوك ذاته، ما دام هو عين الجريمة التأديبية حسبما سلف بيانه، أما ما نسب إليه من المساس بالهيئات القضائية فأقواله في هذا الخصوص لا تعدو في حقيقتها أن تكون نعياً على الوزارة لإلحاحها في طلب تأجيل القضايا واضطرار تلك الهيئات إلى التأجيل ما دام لا تستطيع الفصل في المنازعة قبل أن تستوفى عناصرها وأوراقها، مما ينفي قصد المساس بهذه الهيئات، وبوجه خاص بعد أن أكد المدعي في أقواله ذاتها قدسية القضاء وأشاد بإنصافها له.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن قد قام على أساس غير سليم من القانون، ويتعين من أجل ذلك رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
ساحة النقاش