حق الموظف في الطعن على التصرف الإداري بأوجه الطعن القانونية بما فيها سوء استعمال السلطة أو الانحراف بها - وجوب أن يلتزم في ذلك حدود الدفاع - مجاوزتها بما فيه تحد للرؤساء أو مساس بهم - إخلال بواجبات الوظيفة.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 402
(48)
جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
القضية رقم 829 لسنة 3 القضائية
( أ ) موظف - السلطة المختصة بالأمر بالتحقيق معه - المادة 46 من اللائحة التنفيذية لقانون الموظفين - الأمر بالتحقيق يصدر من الوزير بالنسبة للموظفين المعينين بمرسوم أو من هم في درجة مدير عام، ومن وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة بالنسبة لمن عداهم - حكمة ذلك وضع ضمانات للموظفين - لا يجوز أن يصدر الأمر بالتحقيق ممن هم دون الوزير بالنسبة لموظفي الفئة الأولى - يجوز أن يصدر أمر التحقيق من الوزير حتى بالنسبة لموظفي الفئة الثانية.
(ب) جزاء تأديبي - حق الموظف في الطعن على التصرف الإداري بأوجه الطعن القانونية بما فيها سوء استعمال السلطة أو الانحراف بها - وجوب أن يلتزم في ذلك حدود الدفاع - مجاوزتها بما فيه تحد للرؤساء أو مساس بهم - إخلال بواجبات الوظيفة.
1 - نظمت المادة 46 من اللائحة التنفيذية لقانون نظام موظفي الدولة طرق الأمر بالتحقيق مع الموظفين على اختلاف درجاتهم ومراكزهم؛ فجعلت المرد في ذلك إلى الوزير بالنسبة للموظفين المعينين بمرسوم أو من هم من درجة مدير عام نظراً لأهمية مراكزهم وخطورتها، وجعلت الأمر بالنسبة لمن دونهم من الموظفين لوكيل الوزارة أو مدير المصلحة بحسب الأحوال. وليس معنى هذا أن الاختصاص في هذه الحالة الأخيرة معقود لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة وحدهما بحسب الأحوال دون الوزير؛ ذلك أن تلك المادة إنما وضعت ضمانات خاصة للموظفين هي ألا يصدر الأمر بالتحقيق ممن هم دون الوزير بالنسبة للمعينين بمرسوم أو من هم من درجة مدير عام. وممن هم دون الوكيل أو رئيس المصلحة بالنسبة لغيرهم، فإذا ما صدر الأمر من الوزير في الحالة الأخيرة فإن الضمانات تكون من باب أولى مكفولة لهم، والقول بغير ذلك يؤدي إلى غل يد الوزير عن الأمر بالتحقيق مع صغار الموظفين في الوقت الذي جعل القانون له وحده حق الأمر بالتحقيق مع كبارهم، وهو أمر - فضلاً عن أنه يتجافى مع طبائع الأشياء - فإنه يتنافى بداهة مع سلطة الوزير في الإشراف على شئون وزارته ورقابة حسن سير العمل فيها.
2 - لئن كان من حق الموظف أن يطعن في التصرف الإداري بأوجه الطعن القانونية التي من بينها سوء استعمال السلطة أو الانحراف بها، إلا أنه يجب أن يلتزم في هذا الشأن الحدود القانونية التي تقتضيها ضرورة الدفاع، دون أن يجاوزها إلى ما فيه تحد لرؤسائه أو التطاول أو التمرد عليهم أو إلى المساس أو التشهير بهم أو امتهانهم، وإلا فإنه عند المجاوزة يكون قد أخل بواجبات وظيفته بما تقتضيه من توقير لرؤسائه وبما يلزمه من الطاعة لهم.
إجراءات الطعن
في 19 من يونيه سنة 1957 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 24 من إبريل سنة 1957 في الدعوى رقم 1196 لسنة 9 القضائية المرفوعة من بطرس جاد الله غالي ضد وزارة الأشغال، القاضي "برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن، الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار الصادر من وكيل الوزارة في 11 من ديسمبر سنة 1954 بمجازاة المدعي بخصم خمسة أيام من مرتبه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 24 من يوليه سنة 1957، وللمدعي في 31 منه، وعين لنظره جلسة 19 من أكتوبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة 16 من نوفمبر سنة 1957، ثم مدت أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1196 لسنة 9 القضائية ضد وزارة الأشغال أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 2 من فبراير سنة 1955 طلب فيها الحكم "بإلغاء القرار الصادر من مفتش عام مشروعات ري الوجه البحري والمبلغ لمفتش مشروعات وسط الدلتا في 14 من ديسمبر سنة 1954 القاضي بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه، وما ترتب وما عساه أن يترتب عليه من آثار، مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وقال في بيان ذلك إنه تخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة في سنة 1933، والتحق بمصلحة الري بوزارة الأشغال في السنة ذاتها، وقد تقلب في وظائف الري حتى وصل إلى الدرجة الرابعة في سنة 1947، وفي 31 من يناير سنة 1952 صدر قرار وزير الأشغال رقم 1024 لسنة 1951 بترقية لفيف من المهندسين الذين يسبقهم المدعي في الأقدمية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال درجة ثالثة، ضارباً بكفاية الطالب وأقدميته عرض الحائط، فأقام المدعي الدعوى رقم 1042 لسنة 6 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالباً إلغاء القرار سالف الذكر فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الثالثة في دوره في نسبة الأقدمية، فقضت له المحكمة بذلك بجلسة 25 من مارس سنة 1954. وقد قامت الوزارة بتنفيذ هذا الحكم بأن أصدرت القرار رقم 1455 لسنة 1953 بترقية المدعي إلى الدرجة الثالثة وأغفلت وضعه في الأقدمية قبل من رقوا بالقرار المطعون فيه؛ وبذلك بقيت أقدميته بعد الترقية لاحقة لأقدمية المرقين بذلك القرار. وقد تظلم المدعي من ذلك الوضع بأن أرسل خطابات إلى سيادة الوزير وإلى المسئولين في الوزارة، فلم يتلق رداً عليها، فاضطر إلى إنذار الوزير على يد محضر في 19 من يوليه سنة 1954 طالباً تنفيذ الحكم على الوجه الصحيح، بوضعه في الأقدمية قبل السيد/ شكري نخلة أول المرقين بالقرار المطعون فيه، وأيدت شعبة الرأي لوزارة الأشغال المدعي في طلبه، إلا أن الوزارة تجاهلت رأي الشعبة المختصة، فلجأ المدعي إلى رفع الجنحة رقم 5861 لسنة 1954 عابدين ضد وزارة الأشغال لتعطيلها تنفيذ الحكم الصادر لصالحه. وفي 21 من نوفمبر سنة 1954 أرسل المدعي إلى السيد وزير الدولة ورئيس جريدة الجمهورية خطاباً يشكو فيه من عدم تنفيذ الوزارة للحكم، كما أرسل خطاباً إلى السيد سكرتير عام وزارة الأشغال في شأن موضوع خاص ذكره للسيد الوزير عن المدعي، فطلبت الوزارة إجراء تحقيق مع المدعي بخصوص الخطابين المذكورين، وقد قام بالتحقيق مع المدعي مساعد مفتش عام مشروعات بحري يعاونه وكيل التفتيش دون الاستعانة بكاتب، فأرسل المدعي خطاباً في 6 من ديسمبر سنة 1954 يعترض فيه على التحقيق للأسباب الآتية: 1 - إن موضوع الخطاب كان بسبب عدم تأجيل قضية الجنحة فقط بينما شمل التحقيق القضية ذاتها، ولا يصح تحقيق أمور معروضة على القضاء. 2 - إن موضوع الجنحة المباشرة هو مخاصمة قضائية بين المدعي والوزارة ولا علاقة له بالعمل المصلحي. 3 - تقضي المادة 50 من اللائحة التنفيذية لقانون موظفي الدولة بأن يتلو المحقق على الموظف الذي نسبت إليه المخالفة أو الخروج على مقتضى الواجب ملخص ما أسفر عنه التحقيق، ويثبت حصول هذه التلاوة في المحضر، ويدون إجابة الموظف عنها تفصيلاً، ثم يحقق دفاع الموظف - وشيء من ذلك لم يحصل. وبالرغم من اعتراض المدعي فقد صدر قرار في 14 من ديسمبر سنة 1954 بخصم خمسة أيام من مرتبه. ولما كان يبين مما تقدم أن القرار الصادر بالجزاء قد صدر نتيجة تعسف الوزارة مع المدعي، وقد شابه سوء استعمال السلطة. فقد أقام المدعي هذه الدعوى. ويتحصل رد الوزارة عليها في أنه في 12 من يونيه سنة 1954 أبلغت الوزارة بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 25 من مارس سنة 1954 بإلغاء القرار الصادر من وزير الأشغال في 31 من يناير سنة 1952 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثالثة في دوره في نسبة الأقدمية، فقامت الوزارة بتنفيذه، فأصدرت القرار رقم 1455 لسنة 1953 في 22 من يونيه سنة 1954. لم ترض المدعي طريقة تنفيذ الوزارة للحكم، فوجه للوزارة إنذاراً على يد محضر في 10 من يوليه سنة 1954، كما أرسل إنذاراً آخر إلى مفتش ري قسم زفتى، ثم أتبع ذلك بإقامة دعوى جنحة مباشرة ضد السيد الوزير أعلنت للوزارة وللنيابة في 2 من سبتمبر سنة 1954. وقد كان من الطبعي - وقد أقام المدعي دعوى الجنحة المباشرة - أن ينتظر الفصل فيها، ولكنه انتهج سبيلاً لا تقره القوانين؛ فأرسل في 21 من نوفمبر سنة 1954 شكوى إلى السيد/ أنور السادات تتضمن وقائع وادعاءات غير صحيحة، كما أرسل شكوى للسكرتير العام للوزارة أرفق صورتها بشكوى أخرى قدمها للوزير في 28 من نوفمبر سنة 1954 تضمنت طعناً وتعريضاً بكبار الموظفين المسئولين بالوزارة، مما استدعى إجراء تحقيق معه بشأن هذه الشكاوى وما ورد بها من اتهامات باطلة. وقد قام بالتحقيق السيد مساعد مفتش عام مشروعات ري الوجه البحري وقام بمهمة سكرتير التحقيق وكيل التفتيش، وقد أوصى المحقق بمجازاة المدعي بخصم خمسة أيام من مرتبه "لتوجيهه في شكاياته لبعض السادة الرؤساء ألفاظاً ما كان يصح أن تصدر منه لرؤسائه، خصوصاً وأن موضوعه مطروح أمام محكمة جنح عابدين، كما أنه صدرت منه بعض عبارات يستشف منها التحدي والتشهير". وقد اعتمد السيد وكيل الوزارة المختص في 11 من نوفمبر سنة 1954 توقيع هذا الجزاء. وقد قدم المدعي بعد ذلك مذكرات عدة عقب فيها على دفاع الوزارة وناقش ما جاء بردها على النحو المفصل في هذه المذكرات. وبجلسة 24 من إبريل سنة 1957 حكمت المحكمة "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات". وقد استهلت المحكمة حكمها ببيان العيوب الشكلية التي ينعاها المدعي على القرار المطعون فيه، وهي تتحصل في الآتي: 1 - مخالفة المادة 46 من اللائحة التنفيذية لقانون نظام موظفي الدولة وهي التي تقضي بأن يصدر وكيل الوزارة قراراً بإجراء التحقيق متضمناً الشخص الذي يقوم بالتحقيق والمسائل المطلوب تحقيقها بصفة عامة. 2 - مخالفة المادة 47 من اللائحة المذكورة التي أجازت الاستعانة بكاتب دون مساعد محقق. 3 - مخالفة المادة 53 من اللائحة التي تقضي بأن الجزاء يوقع من وكيل الوزارة. 4 - قيام الوزارة بالتحقيق بالمخالفة للقانون رقم 480 لسنة 1954 بإنشاء النيابة الإدارية. أما العيب الموضوعي الذي ينعاه المدعي على القرار المطعون فيه فهو أن خطابه المؤرخ 21 من نوفمبر سنة 1954 لم يكن إلا تنبيهاً لتنفيذ حكم مجلس الدولة ورجاء لعدم تأجيل دعوى الجنحة؛ ومن ثم فليس هناك تهمة يعاقب عليها. وقد ناقش الحكم بعد ذلك العيوب التي ينعاها المدعي على القرار فقال بأنه "لا حجة فيما ذهب إليه المدعي من أن المادة 46 من اللائحة التنفيذية لقانون نظام موظفي الدولة تقضي بأن وكيل الوزارة أو المصلحة هو الذي يأمر بالتحقيق - لا حجة في ذلك؛ لأن صدور الأمر بالتحقيق لا يترتب عليه بطلان إجراءاته؛ إذ أن اللائحة التنفيذية التي تضمنت هذه المادة لم تصدر في مقام توزيع الاختصاصات بين الوزير ووكيل الوزارة في شئون الموظفين، وإنما صدرت في شأن تنفيذ قانون موظفي الدولة وتنظيم إجراءاته؛ ولذلك فإن المادة المذكورة لم تقصد تخويل وكيل الوزارة وحده سلطة الأمر بالتحقيق وترتيب البطلان في حالة صدور الأمر من غيره، وإنما قصدت حالة ما إذا قدمت شكوى ضد الموظف فإن قسم المستخدمين بالوزارة يقوم بتحرير مذكرة عنها ترفع لوكيل الوزارة لحفظها أو الأمر بالتحقيق فيها، أما الحال في هذه الدعوى فإنه على خلاف ذلك؛ لأن مقدم الشكوى هو المدعي نفسه، وقد قدمها للسيد الوزير مباشرة، فإذا ما رأى فيها خروجاً على مقتضى الواجب كان له ولا شك أن يأمر بالتحقيق مع المدعي"، وإنه ولئن كانت المادة 46 المشار إليها "تقضي بأن يصدر قرار التحقيق متضمناً الشخص الذي يقوم بالتحقيق والمسائل المطلوب تحقيقها، فإن عدم ذكر هذه البيانات لا يترتب عليه بطلان لأنها بيانات غير جوهرية لا يتعلق بها حق أو مصلحة للموظف، وفضلاً عن ذلك فإن المسائل المطلوب تحقيقها مع المدعي قد ذكرت بصفة عامة في تأشير السيد الوزير إذ جاء به (أرجو التحقيق فيما جاء بهذه الشكوى)". أما عن العيب الثاني "فقد بان للمحكمة من الاطلاع على أوراق التحقيق أنه قد ورد في ديباجة المحضر أن المحقق انتدب السيد صديق المعداوي وكيل التفتيش لتدوين هذا المحضر، وأن الذي قام بتوجيه الأسئلة إلى المدعي هو المحقق ذاته، ولم يشترك السيد صديق في ذلك، وإنما اقتصر دوره على تدوين المحضر؛ وبذلك فإن صفته في التحقيق لم تتعد دور القيام بأعمال السكرتيرية، ومن حق المحقق أن يستعين بمن يقوم بهذا العمل؛ ومن ثم فإن قيام المحقق بانتداب السيد صديق لا يعتبر مخالفاً للقانون". وفيما يتعلق بالعيب الشكلي الثالث فإنه يبين من الأوراق أن "الذي وقع الجزاء هو وكيل الوزارة وليس هو المحقق نفسه كما يدعي المدعي؛ إذ أن المحقق قد اقترح الجزاء فقط". وأما فيما يتعلق بالعيب الرابع فإنه يبين من الاطلاع على المادة الرابعة من قانون النيابة الإدارية أن "للجهة الإدارية أن تقوم بالتحقيق بنفسها أو تحيل الأمر إلى النيابة الإدارية للتحقيق فيه، وأنها تترخص في اختيار أحد هذين الطريقين وفق ما تقدره من ظروف كل حالة وأهميتها؛ ومن ثم فإن قيام الوزارة بالتحقيق مع المدعي دون النيابة الإدارية هو إجراء سليم لا مخالفة فيه للقانون". وأنه فيما يتعلق بالعيب الموضوعي فإنه "قد ورد بخطابيِّ المدعي المشار إليهما عبارات تتضمن الإساءة والاتهام للمسئولين بالوزارة بصورة واضحة.. وترى المحكمة أنه وإن كان لا تثريب على الموظف إن هو لجأ إلى الجهات العليا للشكوى من ظلم ظن أنه حاق به من رؤسائه... إلا أن الشكوى يجب أن تقتصر على طلب رفع الغبن، فإن هي تضمنت عبارات من مؤداها امتهان الرؤساء والطعن في نزاهتهم فإنها تنقلب إلى وسيلة من وسائل الكيد والانتقام مما يجعلها موضع مؤاخذة؛ ومن ثم وطالما أن خطابيِّ المدعي قد تضمنا عبارات جارحة تقوم على الطعن في ذمة الرؤساء واتهامهم بالتحيز والمجاملة والرغبة في الانتقام من المدعي والكيد له، فإن ما جاء بهما على هذا الوجه يكون محل مؤاخذة لإخلاله بواجب احترام المرءوس لرؤسائه ويعتبر خروجاً من المدعي على واجبات وظيفته؛ ومن ثم يكون قرار الجزاء قد صادف سبباً يقوم عليه ويبرر إصداره".
ومن حيث إن الطعن يقوم على وجهين: الأول خاص بالعيب الشكلي الأول، وهو الخاص بمن أصدر قرار الإحالة إلى التحقيق، والثاني خاص بالعيب الموضوعي. أما فيما يتعلق بالوجه الأول فالأصل أن الاختصاص شخصي يجب أن يمارسه الموظف أو الهيئة التي يعينها القانون، والغالب أن يحدد المشرع صراحة صاحب الاختصاص ولكنه أحياناً ينظم الاختصاصات ويغفل ذكر المختص، فيكون هو من يتفق هذا الاختصاص وواجبات وظيفته. ويبدو من مجموع نصوص القانون رقم 210 لسنة 1951 ولائحته التنفيذية أن وكيل الوزارة هو الموظف الذي تتفق طبيعة وظيفته والإحالة إلى التحقيق، ولا يرد على ذلك بأن اللائحة التنفيذية لم تصدر في مقام توزيع الاختصاصات بين الوزير والوكيل، ولا بأن المادة 46 من اللائحة كانت بصدد تنظيم الشكوى المقدمة من الموظف، وهو خلاف الحال في هذه الدعوى - لا يحاج بذلك؛ لأن نص هذه المادة جاء عاماً بالنسبة للشكوى أو التبليغ أو المخالفة الخاصة بالموظف. ومن المسلم به أن مخالفة قواعد الشكل والإجراءات تستتبع بطلان التصرف دون حاجة إلى النص على ذلك صراحة، غير أن الاتجاه الحديث فرق بين الشكليات الجوهرية والشكليات الثانوية، ورتب جزاء البطلان على الأولى دون الثانية، وترى الهيئة في الحالة المعروضة أن الإحالة إلى التحقيق بمعرفة الموظف المختص هي ضمانة من ضمانات التحقيق شرعت لمصلحة الموظف قبل كل شيء؛ ومن ثم فهي إجراء جوهري؛ ونتيجة لذلك فإن السيد الوزير إذ أمر بالتحقيق مع المدعي فإن هذا الأمر يكون قد صدر من غير مختص، ويترتب على ذلك أن القرار التأديبي الصادر بخصم خمسة أيام من مرتب المدعي جاء باطلاً لعيب جوهري أصاب الإجراءات الخاصة به. وأما بالنسبة للوجه الثاني وهو العيب الموضوعي فإن كل ما ورد بالخطابين موضع التحقيق إنما هو في حدود الدفاع عن الحق أو المصلحة المطالب بها وأن مجموع الوقائع المادية التي استند إليها المحقق في اقتراح الجزاء لا تكون الوصف القانوني للجريمة الإدارية. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً لكل ما تقدم فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه في 31 من يناير سنة 1952 أجريت حركة ترقيات بوزارة الأشغال صدر بها القرار الوزاري رقم 1024 لسنة 1952 متضمنة ترقية بعض مساعدي مديري الأعمال من الدرجة الرابعة إلى الدرجة الثالثة، ولم تشمل هذه الحركة المدعي، فأقام الدعوى رقم 1042 لسنة 6 ق أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بإلغاء القرار رقم 687 الصادر في 3 من أكتوبر سنة 1950 والقرار رقم 1024 الصادر في 31 من يناير سنة 1952 فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال في الدرجة الثالثة في دوره بالأقدمية بين زملائه وبتعويض قدره مائة جنيه مصري. وبجلسة 25 من مارس سنة 1954 حكمت المحكمة "أولاً - بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب إلغاء القرار الأول. ثانياً - بإلغاء القرار الصادر من وزير الأشغال في 31 من يناير سنة 1952 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثالثة في دوره في نسبة الأقدمية....". وقد جاء بأسباب هذا الحكم "إن الوزارة رقت للدرجة الثالثة في القرار رقم 1024 الصادر في 31 من يناير سنة 1952 المطعون فيه خمسة بالأقدمية؛ أولهم شكري نخلة وهو حاصل على الدرجة الرابعة في 11 من أغسطس سنة 1947 بينما حصل عليها المدعي في 9 من أكتوبر سنة 1946، وذلك حسب المبين بكشف الأقدمية المقدم من الحكومة؛ وبذلك تكون الوزارة قد رقت في القرار المطعون فيه من هو أحدث من المدعي، الأمر الذي ينبني عليه أن يكون القرار المطعون فيه قد خالف القانون وجانب الصواب في تخطي المدعي في الترقية للدرجة الثالثة في دوره بالأقدمية". في 11 من إبريل سنة 1954 أرسل المدعي خطاباً إلى السيد وزير الأشغال يخطره فيه بمضمون الحكم الصادر لصالحه طالباً تنفيذه بترقيته إلى الدرجة الثالثة وتعديل أقدميته على النحو المفصل في خطابه وترقيته إلى وظيفة باشمهندس، ثم أرسل خطاباً آخر إلى السيد الوزير متضمناً الطلبات عينها وذلك في 13 من مايو سنة 1954. وقد أرسلت الوزارة في 5 من يونيه سنة 1954 إلى إدارة قضايا الحكومة تسألها عما تم في القضية، فأرسلت إدارة القضايا إلى الوزارة في 9 من يونيه سنة 1954 صورة الحكم المعلن إليها في 12 من مايو سنة 1954 وطلبت إليها تنفيذه. وفي 21 من يونيه سنة 1954 رفع سكرتير عام الوزارة مذكرة إلى السيد الوكيل الدائم للوزارة بخصوص تنفيذ الحكم، وقد ورد بتلك المذكرة أنه "قد أعد القرار المرافق بترقية المدعي إلى الدرجة الثالثة اعتباراً من 31 من يناير سنة 1952 وتعديل علاوته الدورية السابق منحها إليه من أول مايو سنة 1952 بفئة الدرجة الرابعة على هذا الأساس للتفضل باعتماده، أما طلب المدعي تسوية حالته على أساس وظيفة باشمهندس فإن منطوق الحكم لا يتضمن ذلك ولا يجوز اتخاذ هذا الإجراء الآن، إنما يكون ذلك موضع نظر لجنة شئون الموظفين عند إجراء حركة ترقيات للوظائف الخالية". وبناءً على ذلك صدر القرار الوزاري رقم 1455 لسنة 1953 بترقية المدعي إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الثالثة مع منحه علاوة الترقية زيدت بها ماهيته من 38 جنيه إلى 45 جنيه شهرياً اعتباراً من أول فبراير سنة 1952 مع منحه علاوة دورية ليصل راتبه إلى 48.5 جنيه مع صرف الناتج من هذه التسوية اعتباراً من أول فبراير سنة 1952. وفي 10 من يوليه سنة 1954 أرسل المدعي إنذاراً إلى السيد الوزير جاء به أن المحكمة قضت في أسباب حكمها بوجوب اعتبار أقدميته قبل المهندس شكري نخلة، وأنه تبين للمنذر أنه صدر في 18 من مارس سنة 1954 قرار من السيد الوزير بترقية 22 زميلاً للمنذر إلى وظيفة باشمهندس أولهم المهندس شكري نخلة، وأنه بترقية هؤلاء إلى وظيفة باشمهندس مع إبقاء المنذر في وظيفة مساعد مدير أعمال إهدار لأسبقيته عليهم تلك التي قضى بها الحكم، وختم المنذر إنذاره بطلب ترقيته إلى وظيفة باشمهندس ووضعه في الأقدمية في هذه الوظيفة قبل المهندس شكري نخلة، وفي 19 من يوليه سنة 1954 أرسلت الوزارة الإنذار والحكم والقرار الصادر بترقية المدعي إلى شعبة الأشغال العامة للإفادة "عما إذا كان منطوق هذا الحكم يتضمن ترقية المدعي إلى وظيفة باشمهندس التي يطالب بها". وقد ردت الشعبة في 7 من أغسطس سنة 1954 بأنها "ترى أن تنفيذ الحكم يقتضي ترقية السيد/ بطرس جاد الله غالي إلى الدرجة الثالثة في دوره في الأقدمية وذلك بوضعه في ترتيب الأقدمية قبل السيد/ شكري نخلة، وبعد تسوية حالته على هذا الأساس يصح النظر بعد ذلك فيما يترتب على ذلك من آثار ومنها النظر في ترقيته إلى وظيفة باشمهندس إذا كان مستوفياً للشروط التي تؤهله إلى هذه الترقية". وقد رقي المدعي إلى وظيفة باشمهندس (ثالثة) في 4 من أغسطس سنة 1954، وإلى وظيفة مدير أعمال (ثالثة) من 17 من أغسطس سنة 1954، وفي 4 من سبتمبر سنة 1954 رفع السكرتير العام مذكرة إلى وكيل الوزارة مبيناً بها الأدوار التي مرت بها قضية المدعي ثم إجراءات تنفيذ الحكم ووضعه بين زملائه، وطلب "عرض الأمر على لجنة شئون الموظفين لتقرير ما تراه في شكوى المدعي على ضوء البيانات الموضحة بهذه المذكرة"، فوافق الوكيل على ذلك في 7 من سبتمبر سنة 1954، وفي 2 من سبتمبر سنة 1954 أقام المدعي دعوى جنحة مباشرة ضد السيد الوزير حدد لنظرها جلسة 4 من نوفمبر سنة 1954، وفي 21 من نوفمبر سنة 1954 أرسل المدعي خطاباً إلى السيد القائمقام أنور السادات وزير الدولة ومدير جريدة الجمهورية جرى نصه كما يلي (كان من مفاخر عهد الثورة السعيد قيامها في أوائل هذا العهد وفي 3 من أغسطس سنة 1952 بالتحديد بإصدار المرسوم بقانون رقم 123 لسنة 1952 الذي أوجب تنفيذ أحكام مجلس الدولة في ظرف ثمانية أيام من تاريخ الإنذار على يد محضر - وجاء بالمذكرة الملحقة به "أن هذا ضروري لعلاج حالة سيئة تستوجب العلاج السريع الحاسم حتى لا تهتز ثقة الناس بالقضاء ويتزعزع اطمئنانهم إلى العدالة". صدر لمصلحتي حكم مجلس الدولة المشار إليه عاليه، وألزم الحكومة بإعادة حق مهضوم لي، فحكمت هذه المحكمة بترقيتي للدرجة الثالثة اعتباراً من 31 من يناير سنة 1952 وحددت أقدميتي قبل زميلي شكري نخلة، مع إلزام الحكومة بتعويضي عن كافة الأضرار المادية والأدبية التي صادفتني. بلغت هذا الحكم للوزارة بإعلان محضري عابدين 26809 في 12 من مايو سنة 1954. أصدر السيد إبراهيم زكي وكيل وزارة الأشغال القرار 1455 لسنة 1953 في 22 من يونيه سنة 1954 بترقيتي إلى الدرجة الثالثة اعتباراً من 31 من يناير سنة 1952، وتعمد إغفال تحديد أقدميتي المحكوم بها هادماً بذلك الركن الأساسي في الحكم ومتعمداً عدم إعطائي حقي المحكوم به، وقد أخرني بسبب ذلك 25 زميلاً بالنسبة لشكري نخلة الذي حكمت المحكمة بوجوب أسبقيتي له. حررت للسيد المحترم أحمد عبده الشرباصي وزير الأشغال الخطابات المسجلة الآتية: 955 في 17 من مايو سنة 1954 و16 في 8 من يونيه سنة 1954 و184 في 19 من يونيه سنة 1954 و742 في 2 من يوليه سنة 1954 و57 في 6 من يوليه 1954 و610 في 11 من أغسطس سنة 1954 و717 في 21 من أغسطس سنة 1954 و770 في 6 من أكتوبر سنة 1954 و497 في 24 من أكتوبر سنة 1954 و579 في 26 من أكتوبر سنة 1954، ولكن بكل أسف لم أحظ برد واحد على كل هذه الخطابات. اضطررت لإنذار الوزارة بإعلان محضري عابدين 36808 في 6 من يوليه سنة 1954، وقد أفتى السيد المحترم مستشار مجلس الدولة لشعبة الأشغال رداً على هذا الإنذار بالإفادة رقم 3595 المرسلة لوزارة الأشغال في 7 من أغسطس سنة 1954، بضرورة تحديد أقدميتي قبل شكري نخلة كنص الحكم وكما سبق طلبه، ولكن بكل أسف لم تجب الوزارة ولم تخضع لحكم أصدره خمسة من السادة المستشارين وأيده مستشار الرأي وأوجب القانون رقم 123 لسنة 1952 سرعة تنفيذه. اضطررت أخيراً لرفع جنحة مباشرة باسم السيد/ أحمد عبده الشرباصي أعلنت للوزارة بإعلان محضري عابدين 20111 في 2 من سبتمبر سنة 1954 وتقيدت برقم 5861 لسنة 1954 جنح عابدين، وتحدد لنظرها جلسة 4 من نوفمبر سنة 1954، ولكن بكل أسف عند نظر القضية طلبت الحكومة التأجيل، فتأجلت القضية إلى جلسة 5 من يناير سنة 1955. إن سلاح التأجيل سلاح تتعمد الوزارة استعماله لتعطيل نظر القضايا التي ترفع عليها، وهي تتعمد من وراء ذلك إطالة مدة نظر هذه القضايا لزيادة تأخر المظلوم الذي تجاسر على المطالبة بحقه، وقد تسببت هذه الوزارة في تعطيل نظر القضية أمام مجلس الدولة في الفترة من مايو سنة 1952 إلى مارس سنة 1954 كما يتضح جلياً من الرجوع لمحاضر جلسات محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثالثة) في 19 من مارس و21 من مايو و5 من نوفمبر سنة 1953 و18 من فبراير سنة 1954، وقد تسببت الوزارة بذلك في تعطيل نظر القضية أمام مجلس الدولة. وقد حصل المطعون في ترقيتهم في أثناء سير القضية على ترقية أخرى، ولما صدر الحكم أخيراً في 25 من مارس سنة 1954 بإلغاء القرار المطعون فيه لم تنفذه الوزارة بحجة أن المطعون في ترقيتهم حصلوا على ترقية أخرى قبل صدور الحكم، وبذلك رأت الوزارة عدم إعادة أسبقيتي قبلهم تنفيذاً للحكم كما سبق أوضحت. سيدي الوزير والقاضي بمحكمة الشعب، إني كأحد أفراد شعب جمهورية مصر أرفع هذا لسيادتكم راجياً التفضل بنظر ما جاء به خصوصاً وأن هذا الموضوع المتعلق بتعطيل أحكام مجلس الدولة لا يخصني وحدي بل إن الشكوى كثرت من تعمد بعض الموظفين تعطيل أحكام هذا المجلس كما ينشر في الجرائد كثيراً، ومما يؤلمني اضطراري للكتابة في موضوعي هذا خصوصاً وعلى رأس وزارة الأشغال وزير عظيم نحمل نحن المهندسين لسيادته كل إجلال وتقدير، ولكن للأسف ما زال يوجد بعض السادة الموظفين بهذه الوزارة ممن يتعمدون تأخير تنفيذ الأحكام. وإني أرجو التفضل بالأمر بإجراء تحقيق يظهر صدق ما جاء بكلمتي هذه لتأمروا بما ترونه كفيلاً بإعادة حقي واحترام حكم القضاء العادل..) - السيد المحترم أحمد عبده الشرباصي وزير الأشغال العمومية. أتشرف بأن أقدم لسيادتكم التحية والإجلال - موضح مع هذا ما حررته للسيد المحترم أنور السادات وزير الدولة وقاضي محكمة الشعب متظلماً من تعمد الوزارة تأخير تنفيذ حكم مجلس الدولة الصادر في 25 من مارس سنة 1954 حيث إنه لم ينفذ كاملاً للآن فمازلت أطالب بتعديل أقدميتي قبل السيد/ شكري نخلة، كما أن الوزارة لم تصرف لي مصروفات القضية السابق تقديم مستنداتها، وإني أرجو التفضل بالأمر بإجابة مطلبي، أو إذا رأت الوزارة السير في الجنحة 5861 سنة 1954 المنظورة أمام محكمة عابدين التي طلبت الوزارة في جلسة 4 من نوفمبر سنة 1954 تأجيل نظرها التكرم بالأمر بمراعاة عدم تأجيل القضية مرة أخرى. لأن استمرار الوزارة في طلب التأجيل أمام محكمة الجنح يسبب لي أضراراً كبيرة من تأخير إعطائي حقي، كما سبق أن سبب تعطيل الوزارة البت في القضية أمام مجلس الدولة بطلبها التأجيل. وتفضلوا..." - إمضاء (بطرس جاد الله غالي). وقد أشر السيد الوزير على هذا الخطاب في 22 من نوفمبر سنة 1954 بالآتي: "السيد الوكيل الدائم: أرجو التحقيق مع حضرة المهندس فيما جاء بهذه الشكوى". فأحال السيد الوكيل الدائم الخطاب إلى مفتش عام مشروعات بحري للتحقيق مع المدعي، وفي 27 من نوفمبر سنة 1954 أرسل المدعي خطاباً إلى السيد عبد اللطيف فهمي سكرتير عام وزارة الأشغال جاء به ما يأتي ".. علمت أن حديثاً حصل بين سيادة الوزير وسيادتكم بخصوص قضيتي عاليه وقد ذكرتم سيادتكم أقوالاً عني أستبعد جداً صدورها منكم، خصوصاً وأنتم تعلمون جيداً الشيء الكثير عن عملي وأخلاقي ومقدار ما قمت به من أعمال أثناء عملي بري جرجا في الفترة من سنة 1944 إلى سنة 1946، خصوصاً المسئولية الكبرى التي تحملتها في فيضان سنة 1946، وقد كنتم سيادتكم بهذا التفتيش في الفترة المذكورة، وكما يشهد بذلك تقريري في ذلك الوقت. سيدي إذا كان المطلوب الآن مناقشة عملي وكفايتي فقد سبق أن بحث مجلس الدولة هذا الموضوع وطلب ملفات زملائي المحظوظين أمثال السيد عبد الحميد أبو الدهب، وقرر أخيراً بحكمه العادل خطأ الوزارة في ترقية هؤلاء المحظوظين قبلي كنص الحكم الذي تتعمد الوزارة عدم تنفيذه للآن. وكما تعلمون سيادتكم أن أي بحث الآن يمس موضوعي يخالف المادة 29 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والمادة 13 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون، خصوصاً وأني لا أعلم قطعاً المسائل التي تثيرها الوزارة لتبرير عدم تنفيذ الحكم. سيدي - أما إذا كان غرض الوزارة الانتقام مني لطلبي حقي القانوني فأذكر لسيادتكم أن هذه ليست أول مرة تعمد فيها الوزارة لهذا السلاح، فقد قدم عني السيد المحترم رياض علي منصور في عام 1953 بري المنيا تقريراً ذكر ببعض بنوده درجة "فوق المتوسط"، ولتأكدي من عملي ولقيامي في عام 1953 بعمل ثلاثة مساعدي مدير أعمال كما ذكرت تفصيلاً في الطعن المقدم مني للجنة شئون الموظفين قررت اللجنة في اجتماعها بجلسة أول ديسمبر سنة 1953 أن السيد المفتش جانب الصواب في تقريره، وأمرت بتعديل ما ورد بالتقرير المذكور بدرجة جيد. سيدي - إني أعلم عن أخلاقكم العالية وصفاتكم الممتازة الكثير ومحبتكم للحق يؤيدها أعمالكم في تفتيش ري جرجا، وأعتقد أنكم الآن تحبون الحق. سيدي - إن من أركان دفاعي أمام محكمة الجنح إثبات تعمد الوزارة الانتقام مني لرفعي القضية رقم 1042 لسنة 6 ق أمام مجلس الدولة، والتي حكم المجلس بخطأ الوزارة في إصدارها القرار رقم 1024 لسنة 1951 مستنداً في ذلك لتعديل التقرير السنوي سنة 1953 المرفق مع هذا صورة من كتاب الوزارة المؤيد لكلامي. وكما أثبتت ذلك اللجنة القضائية في حكمها الذي سنقدمه للمحكمة. كذلك سنثبت للمحكمة تعمد الوزارة للانتقام مني بعدم تنفيذ حكم مجلس الدولة مما تسبب في تأخيري عن دوري 25 زميلاً، ولذلك سنطلب سماع شهادة السيد المحترم الوزير وسماع شهادة سيادتكم أمام محكمة الجنح بجلسة 5 من يناير سنة 1955، وإني أرجو موافقة سيادتكم على التفضل بالحضور إظهاراً للحق.. وتفضلوا..". وقد أرسل المدعي صورة من خطابه المشار إليه إلى السيد الوزير مع كتاب ورد به ما يأتي: "مرفق مع هذا صورة ما حررته للسيد المحترم عبد اللطيف فهمي سكرتير عام الوزارة راجياً الله سبحانه وتعالى أن يكون ما سمعته لا يطابق الواقع؛ إذ أني أستبعد جداً صدور أي شهادة تمسني من سيادته، وأرجو سيادتكم التفضل بالاطلاع على ملفي خصوصاً في الفترة التي تواجدت فيها مع السيد عبد اللطيف فهمي بري جرجا من سنة 1944 إلى سنة 1946، وكان سيادته مساعد مدير أعمال بهذه الفترة. سيدي الوزير الجليل - إني مطمئن، وموضوعي بين يديكم، أنكم سوف تقدرون ما تسمعون عن أبنائكم المهندسين خصوصاً في مثل حالتي (ومع ما أعلمه من قيام بعض السادة المسئولين لمحاربتي بدون وجه حق كأنهم يميزون من يريدون وإذا حكم القضاء العادل بخطأ تقديرهم ينتقمون من المظلوم)، كل هذه المسائل لا تخفى عليكم يا سيدي الوزير ولا ترضيكم، وإني أستأذن سيادتكم إذا لزم الحال أثناء نظر القضية أني سأطلب سماع شهادة سيادتكم في بعض الأمور.. وتفضلوا" - إمضاء (بطرس جاد الله غالي) وقد أشر السيد الوزير على هذا الكتاب في 28 من نوفمبر سنة 1954 بأن "يحقق مع السيد المهندس فيما جاء بهذا"؛ وبناءً على هذه التأشيرة أرسل السيد الوكيل الدائم هذا الخطاب "لضمه إلى أوراق التحقيق واتخاذ اللازم"، وفي 29 من نوفمبر سنة 1954 أحال مفتش عام مشروعات بحري الأوراق إلى المهندس محمد حمزة عمر مساعد المفتش العام، وطلب إليه إجراء التحقيق المطلوب. وقد انتدب المحقق المهندس صديق المعداوي وكيل التفتيش لتدوين المحضر، ثم أجري التحقيق مع المدعي في 5 من ديسمبر سنة 1954، وقد رفع المحقق أوراق التحقيق إلى مفتش عام المشروعات بالكتاب المؤرخ 6 من ديسمبر سنة 1954، وقد ورد بذلك الكتاب أنه يبين من الاطلاع على أوراق التحقيق الآتي: "أولاً - بخصوص حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 25 من مارس سنة 1954 لم يقتنع السيد/ بطرس جاد الله غالي بالإجراءات التي اتخذتها الوزارة بشأن تطبيق الحكم، فرفع جنحة مباشرة أمام محكمة عابدين حسب قوله، وقد حاولنا تفهيمه أن القرار الوزاري رقم 1455 لسنة 1953 المؤرخ 23 من يونيه سنة 1954 كان منفذاً لحكم مجلس الدولة، ولكنه أصر على وجهة نظره بأن القرار لم ينفذ نص الحكم، ومن رأيي ترك هذا الموضوع لحكم محكمة الجنح. ثانياً - لاحظنا أن السيد/ بطرس جاد الله قد وجه في شكاياته لبعض السادة الرؤساء ألفاظاً ما كان يصح أن تصدر منه لرؤسائه خصوصاً أن موضوعه مطروح أمام محكمة جنح عابدين، كما أنه صدرت منه بعض عبارات يستشف منها التحدي والتشهير وما كان يصح أن تصدر منه. ثالثاً - إزاء ما سبق أوضحناه أرى مجازاته بخصم خمسة أيام من مرتبه". فقام مفتش عام المشروعات برفع الأوراق إلى السيد الوكيل الدائم في 7 من ديسمبر سنة 1954، فأحالها سيادته إلى وكيل الوزارة للاطلاع وإجراء اللازم، فوافق سيادته على الجزاء المقترح في 11 من ديسمبر سنة 1954. وفي 14 من ديسمبر سنة 1954 أرسل مفتش عام مشروعات ري الوجه البحري إلى مفتش مشروعا ري وسط الدلتا كتاباً بأنه نظراً لما ثبت من التحقيق مع المهندس بطرس جاد الله غالي من أنه "وجه في شكاياته لبعض السادة الرؤساء ألفاظاً ما كان يصح أن تصدر منه لرؤسائه، كما أنه صدرت منه بعض عبارات يستشف منها التحدي والتشهير وما كان يصح أن تصدر منه؛ لذلك قررنا مجازاته بخصم خمسة أيام من ماهيته في هذا الشهر".
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالوجه الأول من الطعن، وهو عدم اختصاص الوزير بالأمر بإجراء التحقيق مع المدعي، فإن المادة 46 من اللائحة التنفيذية لقانون موظفي الدولة تنص على أنه "إذا كانت الشكوى أو التبليغ أو المخالفة خاصة بموظف معين مرسوم أو من درجة مدير عام تعين على قسم المستخدمين إعداد مذكرة عن موضوعها خلال أسبوع لرفعها بمعرفة وكيل الوزارة إلى الوزير المختص للنظر في أمر إحالة الموظف إلى مجلس التأديب بعد التحقيق معه أو حفظ الموضوع تبعاً لظروف الحال. أما بالنسبة إلى غير هؤلاء من الموظفين فيعرض الأمر على وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة بحسب الأحوال لتقرير إجراء التحقيق مع الموظف أو حفظ الموضوع تبعاً لظروف الحال". ومفاد هذه المادة أنها نظمت طرق الأمر بالتحقيق مع الموظفين على اختلاف درجاتهم ومراكزهم، فجعلت المرد في ذلك إلى الوزير بالنسبة للموظفين المعينين بمرسوم أو من هم من درجة مدير عام نظراً لأهمية مراكزهم وخطورتها، وجعلت الأمر بالنسبة لمن دونهم من الموظفين لوكيل الوزارة أو مدير المصلحة بحسب الأحوال. وليس معنى هذا أن الاختصاص في هذه الحالة الأخيرة معقود لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة وحدهما بحسب الأحوال دون الوزير؛ ذلك أن تلك المادة إنما وضعت ضمانات خاصة للموظفين هي ألا يصدر الأمر بالتحقيق ممن هم دون الوزير بالنسبة للمعينين بمرسوم أو من هم من درجة مدير عام. وممن هم دون الوكيل أو رئيس المصلحة بالنسبة لغيرهم، فإذا ما صدر الأمر من الوزير في الحالة الأخيرة فإن الضمانات تكون من باب أولى مكفولة لهم، والقول بغير ذلك يؤدي إلى غل يد الوزير عن الأمر بالتحقيق مع صغار الموظفين في الوقت الذي جعل القانون له وحده حق الأمر بالتحقيق مع كبارهم، وهو أمر فضلاً عن أنه يتجافى مع طبائع الأشياء فإنه يتنافى بداهة مع سلطة الوزير في الإشراف على شئون وزارته ورقابة حسن سير العمل فيها. على أن الثابت من الأوراق أنه بعد أن أشّر الوزير بالتحقيق مع المدعي أحال وكيل الوزارة الأوراق إلى مفتش عام المشروعات للتحقيق مع المدعي؛ وبذلك ينتفي كل شك في سلامة الإجراء الذي اتبع في هذا الصدد.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالوجه الثاني من الطعن، فإنه ولئن كان من حق الموظف أن يطعن في التصرف الإداري بأوجه الطعن القانونية التي من بينها سوء استعمال السلطة أو الانحراف بها، إلا أنه يجب أن يلتزم في هذا الشأن الحدود القانونية التي تقتضيها ضرورة الدفاع، دون تجاوزها إلى ما فيه تحد لرؤسائه أو التطاول أو التمرد عليهم أو إلى المساس أو التشهير بهم أو امتهانهم، وإلا فإنه عند المجاوزة يكون قد أخل بواجبات وظيفته بما تقتضيه من توقير لرؤسائه وبما يلزمه من الطاعة لهم.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي لم يقف في سلوكه مع رؤسائه عند حد المطالبة بالأوجه المشروعة التي تقتضيها ضرورات الدفاع عن حقه، وإنما تلمس المحكمة في هذا السلوك، وبوجه خاص من إلحافه في الطلب بعرائض وشكاوى متلاحقة لا إلى الوزير ولا إلى من يليه من الرؤساء فحسب، بل إلى غيرهم، ومن عبارات شديدة تضمنتها دون مقتض، وتكرار ذلك مرة تلو أخرى، دون انتظار الوقت المعقول لبحث ظلامته مع ما يستلزمه الفحص والتنفيذ من إجراءات ومراحل وتبادل في الرأي بين الجهات المختصة - تلمس في ذلك كله أن المدعي لم يقف في سلوكه عند حد المطالبة المشروعة، بل جاوز هذا الحد إلى قصد التحدي وإحراج الرؤساء والمساس بهم، وهي روح لا تتسق مع ما يجب أن يلتزمه الموظف إزاء هؤلاء الرؤساء من توقير وطاعة واحترام، تلك الأمور التي لا بد من قيامها بين الرئيس والمرءوس حتى يستقيم سير العمل بما يحقق أهداف المصلحة العامة.
من حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن - والحالة هذه - قد قام على غير أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
ساحة النقاش