تقديم الطالب استقالته أثناء فترة اعتقاله. ادعاؤه بأنه أكره على تقديمها وتمسكه بأنه لم يكن في مقدوره الطعن عليها وعلى القرار الصادر بقبولها سواء قبل إخلاء سبيله أو بعد ذلك وإلى أن صدر دستور سنة 1971. تقديمه الطلب الماثل خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور ذلك الدستور. اعتباره مقدماً في الميعاد.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 27 - صـ 14
جلسة 29 من يناير سنة 1976
برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة الدكتور حافظ هريدي وعضوية السادة المستشارين: أحمد صفاء الدين، عز الدين الحسيني، عبد العال السيد، محمدي الخولي.
(5)
الطلب رقم 13 لسنة 41 ق "رجال القضاء"
(1، 2) إجراءات "ميعاد تقديم الطلب". استقالة.
(1) ميعاد تقديم الطلب. وقفه طوال مدة قيام المانع القهري الذي يتعذر معه تقديم الطلب خلاله. قيام ذلك المانع قبل بدء الميعاد. أثره. توافر الحق في تقديم الطلب خلال مدة أخرى تبدأ من تاريخ زوال المانع.
(2) تقديم الطالب استقالته أثناء فترة اعتقاله. ادعاؤه بأنه أكره على تقديمها وتمسكه بأنه لم يكن في مقدوره الطعن عليها وعلى القرار الصادر بقبولها سواء قبل إخلاء سبيله أو بعد ذلك وإلى أن صدر دستور سنة 1971. تقديمه الطلب الماثل خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور ذلك الدستور. اعتباره مقدماً في الميعاد.
(3، 4) استقالة. بطلان. موظفون.
(3) الاستقالة باعتبارها مظهراً من مظاهر إرادة الموظف اعتزال الخدمة. وجوب صدورها على رضاء صحيح. صدورها تحت تأثير الإكراه، أثره. البطلان.
(4) القبض على الطالب في غير حالة تلبس ودون إذن من اللجنة المشار إليها في قانون السلطة القضائية. صدور الاستقالة منه أثناء اعتقاله واعتقال والديه وإخوته. دلالة الظروف والملابسات على أنه لم يتقدم بها عن إرادة سليمة ورضاء طليق من الإكراه. أثر ذلك. البطلان.
(5) استقالة. قرار إداري.
الحكم بعدم الاعتداد بالاستقالة المقدمة من الطالب وإلغاء القرار الصادر بقبولها. أثره. اعتبار الطالب مستشاراً عاملاً بمحاكم الاستئناف كما كان وبأحقيته في أن يعين مستشاراً بمحكمة استئناف القاهرة في أقدميته بين مستشاريها على ما كانت عليه قبل الاستقالة وباستحقاقه للعلاوات الدورية المقررة.
(6) مرتبات. استقالة. تعويض.
المرتب مقابل العمل الذي يؤديه الموظف. عدم أداء الطالب عملاً منذ تقديم استقالته حتى الآن. أثره. عدم أحقيته في طلب الفرق بين المرتب والمعاش خلال تلك المدة. ترتب ضرر مادي وأدبي للطالب نتيجة صدور القرار المطعون فيه بقبول استقالته. أحقيته في طلب التعويض الجابر لذلك الضرر.
1 - متى قام لدى الطالب مانع قهري يتعذر عليه تقديم الطلب في الميعاد الذي حدده القانون فإن هذا الميعاد يقف طوال مدة قيام المانع، وإذا قام المانع قبل أن يبدأ سريان الميعاد فإنه يكون للطالب الحق في تقديم طلبه خلال مدة أخرى، أي ثلاثين يوماً من تاريخ زوال المانع وهي المدة التي قرر الشارع لزومها لاتخاذ الإجراء.
2 - إذ كانت المحكمة ترى أن ظروف الطالب من قبل أن يقدم استقالته، سواء قبل إخلاء سبيله أم بعد ذلك، تعتبر مانعاً له من تقديم الطلب، فهو في المعتقل مقيد الحرية. خاضع لسلطان معتقليه، ويخاف غضبهم، وبعد الإفراج عنه لم تكن قد عاودته حالة الاطمئنان إلى ما قد يترتب على تقديم طلبه من نتائج خاصة أن بعض أقاربه لم يكن قد أخلى سبيله حتى ذلك التاريخ؛ وكان هذا الوضع قد استمر حتى صدور دستور سنة 1971، الذي تأكد به في النفوس أن الحرية الشخصية حقيقة، وأن سيادة القانون واقع، وذلك بنصه في المادة 41 منه على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس" وفي المادة 57 على أن "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياء الخاصة للمواطنين يعد جريمة"؛ وفي المادة 65 على أن "تخضع الدولة للقانون. واستقلال القضاء وحصانته ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحرية"، وكانت هذه الضمانات التي أوردها الدستور لم تكن راسخة في الأذهان قبل صدوره، فإن تمسك الطالب بقيام مانع لديه من تقديم الطلب يكون له ما يبرره، وإذ زال هذا المانع في 11/ 9/ 1971 تاريخ صدور الدستور؛ الذي تقررت به تلك الضمانات بصفة نهائية واضحة؛ وكان الطلب قد قدم في 11/ 10/ 1971 فإنه يكون مقدماً في الميعاد؛ ويتعين لذلك رفض الدفع بعدم قبوله.
3 - طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف اعتزال الخدمة يجب أن يصدر عن رضاء صحيح؛ بحيث يفسده صدور الاستقالة تحت تأثير الإكراه؛ بأن يقدم الموظف استقالته تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية، وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه.
4 - متى كان يبين للمحكمة من أوراق الدعوى والظروف والملابسات التي صدرت فيها الاستقالة من الطالب أنه لم يتقدم بها عن إرادة سليمة ورضاء طليق من الإكراه، فقد حررها إبان حبسه في سجن طره؛ وهو المستشار الذي يعلم بالضمانات التي نصت عليها المادة 106 من قانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965، وكان هذا النص يؤدي إلى تأكيد حصانة القضاة ضماناً لاستقلالهم وإبعاد كل تأثير قد يقع عليهم من السلطات الأخرى وكان الطالب ممن يدركون هذا المغزى فإنه كان الأجدر به أن يجأر بالشكوى لوزير العدل ليتدخل في الأمر لعله يعد القيام بفحصه بذكر أو يخشى، دون أن يفكر الطالب في ترك منصبه الذي لم يكن يضيره البقاء فيه إلى أن ينتهي التحقيق فيما كان مسنداً إليه على النحو الذي رسمه المشرع ومن ثم تخلص المحكمة إلى أنه ليس ثمة ما يدعو الطالب أثناء وجوده بالسجن إلى أن يتخلى عن كل هذه الضمانات إلا أن يكون ذلك تحت تأثير رهبة ضاغطة على إرادته، وقد اتسمت الإجراءات التي اتخذت معه بالخروج على القانون، فقد قبض عليه بتاريخ 9/ 9/ 1965 في غير حالة تلبس دون إذن من اللجنة المشار إليها في المادة 104 من قانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965، واستناداً إلى أحكام القانون رقم 119 لسنة 1964 مع أنه ليس ممن تنطبق عليهم أحكامه ولم تبدأ النيابة العامة تحقيقها معه إلا في 20/ 11/ 1965، وبعد اعتقاله طوف به ما بين ليمان أبو زعبل وليمان طره والسجن الحربي وسجن القلعة، وبالرجوع إلى الاستقالة الموجهة إلى وزير العدل من الطالب يبين أنه أثبت فيها "بالنظر للظروف العائلية التي تحيط بي الآن. فإني أرفع هذا الكتاب لسيادتكم واضعاً استقالتي بين يديكم تاركاً البت فيها حسبما ترونه" ويبدو من ثنايا هذه العبارات مقترنة بصدور الاستقالة من الطالب أثناء اعتقاله واعتقال والديه وأخواته أنه لم يكتبها إلا ابتغاء دفع خطر جسيم محدق به وبأسرته كما ثبت من أقوال....... الذي سمعت شهادته في الدعوى المقدم صورة من الحكم الصادر فيها، أي عندما كان معتقلاً مع الطالب في سجن واحد، كان رجال إدارة المباحث العامة يسومون المعتقلين ألواناً من ضروب التعذيب والإيذاء، وأنهم أحضروا والدة الطالب وأخواته وزوج أخته، وهددوه بتعذيبهم والاعتداء عليهم، إذ كان ما تقدم فإنه يكون قد ثبت لدى المحكمة أن الاستقالة المطعون فيها باطلة لصدورها من الطالب تحت تأثير الإكراه لمن كان في مثل ظروفه، ويتعين لذلك القضاء بعدم الاعتداد بها وإلغاء القرار الصادر بقبولها لوروده على غير محل.
5 - طلب الحكم باعتبار الطالب مستشاراً عاملاً بمحاكم الاستئناف من...... وحتى الآن وبأحقيته في أن يعين مستشاراً بمحكمة استئناف القاهرة في أقدميته بين مستشاريها على ما كانت عليه قبل الاستقالة، وباستحقاقه للعلاوات الدورية المقررة قانوناً يعتبر نتيجة لازمة للحكم بعدم الاعتداد بالاستقالة المقدمة من الطالب وإلغاء القرار الصادر بقبولها، مما يتحتم على الجهة الإدارية المختصة نفاذه.
6 - الأصل في المرتب أن يكون مقابل العمل الذي يؤديه الموظف. وإذ كان الطالب لم يؤد عملاً منذ تقديم استقالته حتى الآن، فإن طلب الفرق بين المرتب والمعاش خلال المدة المذكورة يكون على غير أساس، أما عن التعويض المطالب به فإن ضرراً مادياً وأدبياً محققاً قد لحق الطالب نتيجة صدور القرار المطعون فيه، وترى المحكمة تقدير التعويض الجابر له، مع مراعاة كافة الظروف الملابسة بمبلغ.... عن المدة التالية لتاريخ صدور ذلك القرار حتى تاريخ استلام عمله بالمملكة العربية السعودية لعدم توافر الدليل على استمرار الضرر بعد التاريخ المذكور.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المستشار..... تقدم في 11/ 10/ 1971 بهذا الطلب للحكم ضد وزير العدل بصفته باعتبار الاستقالة المقدمة منه بتاريخ 11/ 10/ 1965 وقرار وزير العدل رقم 1306 الصادر في 13/ 10/ 1965 بقبولها معدومين، مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها اعتباره مستشاراً عاملاً بمحاكم الاستئناف من 13/ 10/ 1965 حتى الآن بدون انقطاع، وبأحقيته في أن يعين مستشاراً بمحكمة استئناف القاهرة في أقدميته بين مستشاريها على ما كانت عليه قبل قبول الاستقالة، وباستحقاقه للعلاوات الدورية المقررة له قانوناً والتي حل موعدها بعد 13/ 10/ 1965، مع إلزام وزارة العدل بأن تدفع له الفرق بين المعاش والمرتب مضافاً إليه العلاوات والبدلات. وقال بياناً لطلبه إنه عندما كان مستشاراً بمحكمة استئناف المنصورة اقتحم داره في ليلة 9/ 9/ 1965 بعض رجال إدارة المباحث العامة دون سند من القانون، وبعد أن أجروا تفتيش مسكنه الذي لم يسفر إلا عن براءته من كل شبهة، اقتادوه عنوة إلى تلك الإدارة وفيها لقي على مدى يومين أهوالاً من صنوف المهانة والتعذيب، ثم نقل إلى ليمان أبي زعبل حيث وقع عليه من البطش مالا يقدر بشر على احتماله، ولما أوشك على الهلاك حمل إلى ليمان طره، وبينما هو هذه الحالة من الآلام والانتقام أوفدت إليه إدارة المباحث العامة نذيراً من قبلها يهدده بالمزيد من التعذيب والتنكيل إذا لم يكتب إلى وزير العدل كتاباً لاستقالة من وظيفته، فلم يملك إلا الرضوخ لطلبهم، وإذا كانت هذه الاستقالة قد صدرت تحت تأثير الإكراه الذي يترتب عليه انعدامها وانعدام قرار وزير العدل الصادر بقبولها، فقد قدم الطلب للحكم له بطلباته، وبجلسة 25/ 12/ 1975 طلب احتياطياً وفي حالة عدم القضاء له بالفرق بين المرتب والمعاش كأثر لانعدام الاستقالة، الحكم له بما يوازي هذا الفرق باعتباره تعويضاً عن الأضرار الأدبية والمادية التي أصابته، وطلب الحاضر عن وزارة العدل الحكم أصلياً بعدم قبول الطلب ومن باب الاحتياط برفضه، وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها، وطلبت القضاء بإلغاء الاستقالة، وفوضت الرأي للمحكمة في خصوص طلب التعويض.
حيث إن مبنى الدفع بعدم قبول الطلب هو عدم تقديمه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ علم الطالب بقرار قبول الاستقالة، وقد تحقق هذا العلم من 30/ 6/ 1971 تاريخ الإفراج عن الطالب بعد اعتقاله، بل ومن قبل هذا التاريخ عندما سوى معاشه، وتمسك الطالب بقيام مانع قهري حال بينه وبين تقديم الطلب في الميعاد إذ كان حبيساً في المعتقل لا يملك من أمر نفسه شيئاً، وبعد الإفراج عنه خشي عواقب تقديم الطلب وما قد يؤدي إليه من إعادة اعتقاله والبطش بمن بقي من ذويه معتقلاً.
وحيث إن هذا الدفع مردود بذلك أنه متى قام لدى الطالب مانع قهري يتعذر عليه تقديم الطلب في الميعاد الذي حدده القانون، فإن هذا الميعاد يقف طوال مدة قيام المانع، وإذا قام المانع قبل أن يبدأ سريان الميعاد، فإنه يكون للطالب الحق في تقديم طلبه خلال مدة أخرى - أي ثلاثين يوماً - من تاريخ زوال المانع، وهي المدة التي قرر الشارع لزومها لاتخاذ الإجراء. لما كان ذلك وكانت المحكمة ترى أن ظروف الطالب من قبل أن يقدم استقالته، سواء قبل إخلاء سبيله أم بعد ذلك، تعتبر مانعاً له من تقديم الطلب، فهو في المعتقل مقيد الحرية خاضع لسلطان معتقليه، ويخاف غضبهم، وبعد الإفراج عنه لم تكن قد عاودته حالة الاطمئنان إلى ما قد يترتب على تقديم طلبه من نتائج، خاصة أن بعض أقاربه لم يكن قد أخلى سبيله حتى ذلك التاريخ، وكان هذا الوضع قد استمر حتى صدور دستور سنة 1971 الذي تأكد به في النفوس أن الحرية الشخصية حقيقة وأن سيادة القانون واقع وذلك بنصه في المادة 41 منه على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس"، وفي المادة 57 على أن "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياء الخاصة للمواطنين يعد جريمة"، وفي المادة 60 على أن "تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحرية"، وكانت هذه الضمانات التي أوردها الدستور لم تكن راسخة في الأذهان قبل صدوره، فإن تمسك الطالب بقيام مانع لديه من تقديم الطلب يكون له ما يبرره، وإذ زال هذا المانع في 11/ 9/ 1971، تاريخ صدور الدستور الذي تقررت به تلك الضمانات بصفة نهائية واضحة، وكان الطلب قد قدم في 11/ 10/ 1971، فإنه يكون مقدماً في الميعاد، ويتعين لذلك رفض الدفع بعدم قبوله.
وحيث إن الطلب استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف اعتزال الخدمة، يجب أن يصدر عن رضاء صحيح بحيث يفسده صدور الاستقالة تحت تأثير الإكراه بأن يقدم الموظف استقالته تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه. وإذ يبين للمحكمة من أوراق الدعوى والظروف والملابسات التي صدرت فيها الاستقالة من الطالب، أنه لم يتقدم بها عن إرادة سليمة ورضاء طليق من الإكراه، فقد حرر الطالب الاستقالة بتاريخ 11/ 10/ 1965 إبان حبسه في سجن طره، وهو المستشار الذي يعلم بالضمانات التي نصت عليها المادة 106 من قانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965 من أنه في غير حالات التلبس لا يحوز القبض على القاضي وحبسه احتياطياً إلا بعد الحصول على إذن من اللجنة المنصوص عليها في المادة 104 وفي حالات التلبس يحب على النائب العام عند القبض على القاضي وحبسه أن يرفع الأمر إلى اللجنة المذكورة في مدة الأربع والعشرين ساعة التالية وللجنة أن تقرر إما استمرار الحبس أو الإفراج بكفالة أو بغير كفالة، وللقاضي أن يطلب سماع أقواله أمام اللجنة عند عرض الأمر عليها، وتحدد اللجنة مدة الحبس في القرار الذي يصدر بالحبس أو باستمراره وتراعى الإجراءات السالفة الذكر كلما رؤى استمرار الحبس الاحتياطي بعد انقضاء المدة التي قررتها اللجنة، وفيما عدا ما ذكر لا يجوز اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق مع القاضي أو رفع الدعوى الجنائية عليه في جناية أو جنحة إلا بإذن من اللجنة المذكورة وبناء على طلب النائب العام، ويجرى حبس القضاة وتنفيذ العقوبات المقيدة للحرية بالنسبة لهم في أماكن مستقلة عن الأماكن المخصصة لحبس السجناء الآخرين، ولما كان هذا النص يؤدي إلى تأكيد حصانة القضاة ضماناً لاستقلالهم وإبعاد كل تأثير قد يقع عليهم من السلطات الأخرى، وكان الطالب ممن يدركون هذا المغزى، فإنه كان الأجدر به أن يجأر بالشكوى لوزير العدل ليتدخل في الأمر لعله بعد القيام بفحصه يذكر أو يخشى، دون أن يفكر الطالب في ترك منصبه الذي لم يكن يضيره البقاء فيه إلى أن ينتهي التحقيق فيما كان مسنداً إليه على النحو الذي رسمه المشرع، ومن ثم تخلص المحكمة إلى أنه ليس ثمت ما يدعو الطالب أثناء وجوده بالسجن إلى أن يتخلى عن كل هذه الضمانات إلا أن يكون ذلك تحت تأثير رهبة ضاغطة على إرادته، وقد اتسمت الإجراءات التي اتخذت معه بالخروج على القانون، فقد قبض عليه بتاريخ 9/ 9/ 1965 في غير حالة تلبس دون إذن من اللجنة المشار إليها، استناداً إلى أحكام القانون رقم 119 لسنة 1964 مع أنه ليس ممن تنطبق عليهم أحكامه، ولم تبدأ النيابة العامة تحقيقها معه إلا في 20/ 11/ 1965 وبعد اعتقاله طوف به ما بين ليمان أبو زعبل وليمان طره والسجن الحربي وسجن القلعة، وبالرجوع إلى الاستقالة الموجهة إلى وزير العدل من الطالب يبين أنه أثبت فيها "بالنظر للظروف العائلية التي تحيط بي الآن فإني أرفع هذا الكتاب لسيادتكم واضعاً استقالتي بين يديكم تاركاً البت فيها حسبما ترونه"، ويبدو من ثنايا هذه العبارات مقترنة بصدور الاستقالة عن الطالب أثناء اعتقاله واعتقال والديه وإخوته، أنه لم يكتبها إلا ابتغاء دفع خطر جسيم محدق به وبأسرته - كما ثبت من أقوال السيد..... - الذي سمعت شهادته في الدعوى رقم 12 لسنة 1974 مدني كلي القاهرة المقدم صورة من الحكم الصادر فيها - أنه عندما كان معتقلاً مع الطالب في سجن واحد، كان رجال إدارة المباحث العامة يسومون المعتقلين ألواناً من ضروب التعذيب والإيذاء، وأنهم، أحضروا والدة الطالب وإخوته وزوج أخته وهددوه بتعذيبهم والاعتداء عليهم إذ كان ما تقدم فإنه يكون قد ثبت لدى المحكمة أن الاستقالة المطعون فيها باطلة لصدورها من الطالب تحت تأثير الإكراه لمن كان في مثل ظروفه، ويتعين لذلك القضاء بعدم الاعتداد بها وإلغاء القرار الصادر بقبولها لوروده على غير محل.
وحيث إنه عن طلب الحكم باعتبار الطالب مستشاراً عاملاً بمحاكم الاستئناف من 13/ 10/ 1965 وحتى الآن، وبأحقيته في أن يعين مستشاراً بمحكمة استئناف القاهرة في أقدميته بين مستشاريها على ما كانت عليه قبل الاستقالة، وباستحقاقه للعلاوات الدورية المقررة قانوناً، فإنه نتيجة لازمة للحكم بعدم الاعتداد بالاستقالة المقدمة من الطالب وإلغاء القرار الصادر بقبولها، مما يتحتم معه على الجهة الإدارية المختصة إنفاذه.
وحيث إنه لما كان الأصل في المرتب أن يكون مقابل العمل الذي يؤديه الموظف، وكان الطالب لم يؤد عملاً منذ تقديم استقالته حتى الآن، فإن طلبه الفرق بين المرتب والمعاش خلال المدة المذكورة، يكون على غير أساس. أما عن التعويض المطالب به فإن ضرراً مادياً وأدبياً محققاً قد لحق الطالب نتيجة صدور القرار المطعون فيه؛ وترى المحكمة تقدير التعويض الجابر له، مع مراعاة كافة الظروف الملابسة، بمبلغ 4000 جنيه عن المدة التالية لتاريخ صدور ذلك القرار حتى تاريخ استلام عمله بالمملكة العربية السعودية لعدم توافر الدليل على استمرار الضرر بعد التاريخ المذكور.
لذلك
حكمت المحكمة بعدم الاعتداد بالاستقالة المقدمة من الطالب وإلغاء قرار وزير العدل الصادر بقبولها واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت المدعى عليه بصفته بأن يدفع للطالب مبلغ 4000 جنيه (أربعة آلاف جنيه) على سبيل التعويض ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
ساحة النقاش