الموظف الذي لا تمكنه حالته الصحية من التوجه للقومسيون الطبي عليه أن يعين عنوانه بدقة.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 205
(24)
جلسة 15 من ديسمبر سنة 1956
برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.
القضية رقم 857 لسنة 2 القضائية
إجازة مرضية - الموظف الذي لا تمكنه حالته الصحية من التوجه للقومسيون الطبي عليه أن يعين عنوانه بدقة، وأن يخطر رياسته بمحل إقامته الجديد إذا مرض في جهة غير التي بها مقر عمله - عند اضطراره لتغيير العنوان عليه إبلاغ رياسته أو القومسيون الطبي المختص بذلك - على القومسيون الطبي المبادرة إلى زيارة المرضى حتى لا يفوت على نفسه وعلى المريض فرصة إثبات الحالة الصحية.
يبين من مطالعة المواد 1 و2 و13 من ديكريتو 29/ 4/ 1895 بشأن إجازات المستخدمين الملكيين والمادتين 10 و48 من لائحة القومسيون الطبي العام، أن الأصل أن يخصص الموظف وقته وجهده لأداء واجبات وظيفته، وألا ينقطع عن مباشرة أعمال وظيفته إلا إذا حصل مقدماً على إجازة بذلك، سواء أكانت هذه الإجازة اعتيادية أم مرضية، وأن الإجازة المرضية لا تمنح للموظف أو المستخدم إلا إذا ثبت للقومسيون الطبي أنه قامت به حالة مرضية تستلزم منحه الإجازة؛ من أجل ذلك نصت لائحة القومسيون الطبي على وجوب حضور الموظف بشخصه للكشف عليه طبياً إذا كانت حالته الصحية تسمح بذلك، وإلا انتقل إليه القومسيون الطبي في منزله. وإحكاماً لرقابة القومسيون الطبي على الحالات المرضية، وحتى لا يكون هناك مجال لادعاء المرض، أوجبت اللائحة على الموظف الذي لا تمكنه حالته الصحية من الحضور إلى القومسيون الطبي، أن يعين عنوانه بدقة حتى يسهل على القومسيون الطبي زيارته، وأن يحظر رياسته بمحل إقامته الجديد إذا مرض في جهة غير الجهة التي بها مقر عمله، وألا يغير محله الذي أخطر بوجوده فيه قبل أن يكشف عليه، فإذا ألجأته الضرورة إلى تغييره تعين عليه إبلاغ رياسته أو القومسيون الطبي المختص بذلك منعاً من ضياع الوقت. كما يستفاد مما ورد بهذه النصوص من ضرورة إبلاغ القومسيون الطبي تلغرافياً أو تليفونياً بكل تغيير يطرأ على محل إقامة الموظف المريض، أنه يتعين على القومسيون الطبي المبادرة إلى زيادة المرضى، حتى لا يفوت على نفسه وعلى الموظف المريض فرصة التثبت من حقيقة حالته الصحية. فإذا كان الثابت من الإطلاع على الأوراق، أن المطعون عليه لم يكن متمارضاً، بل كان مريضاًَ وأنه أخطر رئيسه المباشر بأنه دخل المستشفى لإجراء عملية جراحية وذكر عنوان المستشفى، فلما غادرها أرسل إليه يخطره بذلك وبعنوانه الجديد، ولم يتنبه القومسيون الطبي إلى أن عنوانه مبين بالأوراق، فأعادها مرة أخرى طالباً بيان عنوانه للكشف عليه، فإن هذا واضح في أن عدم الكشف على الموظف قبل مغادرة المستشفى كان مرده إلى التراخي في توقيع الكشف على هناك في الوقت المناسب، وأن السبب في عدم توقيع الكشف الطبي عليه في مقره الجديد بعد خروجه من المستشفى راجع إلى إهمال القومسيون الطبي المختص في ملاحظة عنوان المطعون عليه المبين بهامش خطاب رئيسه المباشر، وهو أمر لا شأن للمطعون عليه به ولا ينبغي أن يضار منه، كما يرجع أيضاً إلى تعدد الجهات الإدارية التي يرجع إليها للفصل في الموضوع، وطول الإجراءات التي اتخذت في هذا الصدد، وما قارن ذلك من ضياع الوقت، مما ترتب عليه عدم الكشف الطبي على المطعون عليه في الوقت المناسب؛ وبالتالي يبين أن الاستقطاع من راتب المطعون عليه المدة التي تغيبها، بدعوى أنها تعتبر غياباً بدون إذن، على غير أساس سليم من القانون، بل كان الغياب لعذر يبرره هو المرض، وقد قام المطعون عليه بما تفرضه عليه القوانين واللوائح من الإخطار في حينه، ولا ذنب له إذا تراخت الجهات المختصة أو أهملت الكشف عليه في الوقت المناسب.
إجراءات الطعن
في 15 من مارس سنة 1956 أودع رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة) بجلسة 16 من يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 6290 سنة 8 ق المرفوعة من وزارة التربية والتعليم ضد علي حسن فياض، القاضي: "برفض الدعوى، مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء قرار اللجنة القضائية عن الفترة الثانية من 15/ 1/ 1952 إلى 28/ 2/ 1952، والقضاء بتأييد الحكم المطعون فيه فيما عدا ذلك، مع إلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة". وقد أعلن الطعن للحكومة في 30 من يونيه سنة 1956 وللمطعون عليه في 9 من أغسطس سنة 1956، وعين لنظره جلسة 3 من نوفمبر سنة 1956، وفيما سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الإيضاحات على النحو المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاع الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن المطعون عليه قدم إلى اللجنة القضائية لوزارة التربية والتعليم تظلماً قيد برقم 6929 سنة 1 ق قال فيه إنه في 15 من يناير سنة 1952 أصيب بمرض فجائي اضطره لدخول مستشفى القبة لإجراء عملية الزائدة الدودية، وقد أرسل في اليوم ذاته خطاباً إلى ناظر مدرسة صافور التي يعمل مدرساً بها طالباً توقيع الكشف الطبي عليه لتقرير الإجازة اللازمة. وفي 24 من يناير سنة 1952 خرج المطعون عليه من المستشفى وتردد للغيار إلى يوم 30 من يناير سنة 1952، ثم قدر له أطباء المستشفى إجازة لمدة 30 يوماً للراحة والنقاهة. وقد انتقل طبيب الوزارة إلى المستشفى في 24 من فبراير سنة 1952 بعد مغادرته لها بزمن طويل، ولما لم يجد المطعون عليه أطلع على سجلاتها وبالرغم من ذلك قرر احتساب الإجازة بدون مرتب لعدم وجوده بالمستشفى. وفي 5 من فبراير سنة 1952 عاد المطعون عليه إلى صافور وقدم الإجازة التي قررها له أطباء المستشفى إلى المدرسة، وقد استدعاه القومسيون الطبي وبعد الكشف عليه قرر أن آثار العملية موجودة وأحال الأوراق إلى مراقبة الصحة المدرسية بالقاهرة لاعتماد الإجازة، فصممت المراقبة على حساب هذه المدة إجازة بدون مرتب وخصم منه فعلاً مرتب 45 يوماً بدون وجه حق، وألتمس المطعون عليه في ختام تظلمه صرف مرتبه عن مدة الخمسة والأربعين يوماً سالفة الذكر. وقد ردت الحكومة على التظلم بأن المطعون عليه تغيب من 15 من يناير سنة 1952 إلى 28 من فبراير سنة 1952 وقدم شهادة طبية من الدكتور مظهر عاشور تفيد بأنه أجرى له عملية استئصال الزائدة الدودية بمستشفى القبة وخرج منه في 27 من يناير سنة 1952 وأنه يحتاج إجازة قدرها شهر من 30 من يناير سنة 1952، وقد رأى القومسيون الطبي للمعارف عدم حساب المدة إجازة مرضية حيث لم يكشف عليه طبياً وكان يجب الكشف عليه قبل عودته للعمل. وقد قدم المطعون عليه التماساً بإعادة النظر في الموضوع فأحيل الالتماس إلى القومسيون الطبي للمعارف فصمم على قراره السابق. وبجلسة 30 من يناير سنة 1954 قررت اللجنة القضائية "بأحقية المتظلم في رد ما أستقطع من راتبه بمناسبة تغيبه لمرضه لإجراء العملية الجراحية في الفترة من 15 من يناير سنة 1952 إلى 28 من فبراير سنة 1952"؛ واستندت اللجنة في قرارها إلى "أن ما أثارته الوزارة من اعتراض مبنى على ما ارتآه القومسيون الطبي إنما هو اعتراض مردود عليه بأنه في حالة إصابة الموظف بالزائدة الدودية، ووجوب إجراء العملية الجراحية فوراً مما يتعذر معه إخطار الوزارة في الحال للكشف عليه ويجعل المتظلم في حالة قهرية" وأن القومسيون الطبي "استمد النتيجة التي انتهى إليها من أصول وعناصر غير ثابتة ومن ثم يتعين إهدار ما ارتآه القومسيون الطبي". وقد طعنت الحكومة في قرار اللجنة القضائية سالف الذكر أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعت سكرتيرية المحكمة في 6 من إبريل سنة 1954 طالبة إلغاء قرار اللجنة القضائية المشار إليه؛ مؤسسة طعنها على أن إدارة الصحة المدرسية بالمنصورة "لم توافق على الإجازة والشهادة الطبية الصادرة من الدكتور مظهر عاشور ورأت عدم حساب المدة من 15 من يناير إلى 28 من فبراير سنة 1952 إجازة مرضية فاحتسبت المدة المذكورة إجازة بدون مرتب نظراً لعدم اعتماد القومسيون الأوراق المنوه عنها"، وقد قضت محكمة القضاء الإداري بجلسة 16 من يناير سنة 1956 "برفض الدعوى وإلزام الحكومة بالمصروفات" وأقامت المحكمة قضاءها على "أنه واضح أن أساس قرار القومسيون الطبي لوزارة التربية والتعليم بعدم احتساب المدة التي تغيبها المدعى عليه إجازة مرضية هو عدم توقيع الكشف الطبي عليه" وأنه ثابت أن المطعون عليه لم يقصر في الإخطار عن مرضه وطلب توقيع الكشف عليه في اليوم الأول لغيابه وهو 15 من يناير سنة 1952 وهو اليوم الذي دخل فيه المستشفى وأخطر مدرسته بذلك، وهي الجهة التابع لها وهي وحدها التي كان يجب عليه إبلاغها بأنه موجود بالمستشفى، وإذا كان طبيب الوزارة لم يجد المطعون عليه بالمستشفى فما ذلك إلا لأنه توجه إليه في أول فبراير سنة 1952 بعد أن كان قد غادره، ولما انتهى المطعون عليه من التردد على المستشفى للغيار في 30 من يناير سنة 1952 وحصل على شهادة الجراح الذي أجرى له العملية بأنه يلزمه مدة شهر لإتمام العلاج أرسل هذه الشهادة إلى المدرسة في 5 من فبراير سنة 1952 فوصلت في اليوم التالي. وأنه "لما تقدم لا يمكن أن يكون المدعى عليه مسئولاً عن عدم الكشف عليه وإنما كان ذلك نتيجة تبادل المكاتبات بين صافور حيث توجد المدرسة والمنطقة بالمنصورة والقومسيون الطبي لوزارة التربية والتعليم بالقاهرة ولم يكن مطلوباً من المدعى عليه عدم دخول المستشفى وإجراء العملية إلا بعد الكشف عليه والحصول على الإجازة المرضية اللازمة خصوصاً إذا ما روعي أن العملية التي أجريت من العمليات المستعجلة والتي قد يترتب على التأخير في إجرائها أوخم العواقب" وأنه "لا محل للتفريق بين المدة التي قضاها المدعى عليه في المستشفى والتي قضاها بعد ذلك في الغيار والنقاهة؛ لأن المدة الثانية مترتبة على الأولى...".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن أحكام ديكريتو 29 من إبريل سنة 1895 بشأن إجازات الموظفين الملكيين ولائحة القومسيون الطبي العام - وهي التي تحكم واقعة الدعوى إذ كان الغياب قبل نفاذ القانون رقم 210 لسنة 1951 - تقضي بأنه إذا طرأت على الموظف حالة مرضية تستدعي إجازة وهو في جهة أخرى غير الجهة التي بها عمله فيجب عليه إخطار رياسته بذلك تلغرافياً مع إيضاح العنوان الذي يطلب الكشف عليه فيه، وعلى المصلحة التابع لها الموظف أن تطلب توقيع الكشف عليه بإشارة تلغرافية بحسب الظروف، وإذا طلب أن الموظف توقيع الكشف عليه فيجب عليه ألا يغير هذا العنوان قبل الكشف عليه، فإذا اضطر إلى تغييره فيجب عليه إبلاغ رياسته أو القومسيون الطبي المختص تلغرافياً بعنوانه الجديد. ولما كان الثابت أن المطعون عليه غادر المستشفى في 24 من يناير سنة 1952 ولم يخطر رياسته أو القومسيون الطبي بعنوانه الجديد فإنه يكون قد خالف الإجراءات الواجبة الإتباع ويعتبر وكأنه لم يطلب إجازة مرضية؛ ومن ثم يكون غيابه بغير مسوغ قانوني. وطبقاً للمادة 12 من ديكريتو 29 من إبريل سنة 1895 لا يستحق ماهية عن مدة غيابه التالية لخروجه من المستشفى أي من 25 من يناير سنة 1952 إلى تاريخ عودته إلى عمله في أول مارس سنة 1952، ولا يسعفه في هذا الصدد المنشور رقم 25 لسنة 1948 الخاص بمنح موظفي التدريس الإجازات المرضية؛ لتخلف شرط من شروطه، وهو أن يكون عدم إجراء الكشف راجعاً لظروف وعوامل لا دخل للموظف فيها. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه - بالنسبة للمدة من 25 من يناير سنة 1952 إلى آخر فبراير سنة 1952 - مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره.
ومن حيث إن المادة الأولى من دكريتو 29 من إبريل سنة 1895 بشأن إجازات المستخدمين الملكيين تنص على أنه "لا يجوز لأي موظف أو مستخدم أن يتغيب عن محل إقامته لسبب لا علاقة له بأعمال وظيفته أو أن ينقطع عنها إلا إذا استحصل على إجازة مقدماً"، وتنص المادة الثانية على أن "تنقسم الإجازات إلى نوعين اعتيادية ومرضية"، كما تقضي المادة 13 بأن "كل موظف أو مستخدم لا يعود إلى محله عند انتهاء إجازته يحرم من ماهيته بكاملها من ابتداء يوم انقضائها" وتنص المادة العاشرة من لائحة القومسيون الطبي العام التي تتحدث عن الإجازات المرضية على أنه "إذا كان طالب الإجازة موظفاً مؤقتاً أو مثبتاً يجب على المصلحة المختصة أن تملأ الطلب المعتاد (استمارة 213 ع. ح مكررة) كما أنه ينبغي - ما لم تكن هناك ظروف مانعة - أن يوقع الموظف هذا الطلب بحضور رئيسه المباشر الذي يشهد بصحة التوقيع، ويجب على الطالب بعد ذلك أن يقدم نفسه للقومسيون الطبي للكشف عليه... أما إذا كانت حالة الموظف المرضية لا تسمح له بأن يقدم نفسه إلى القومسيون فعلى المصلحة المختصة أن تملأ الطلب المذكور وأن يوقعه الموظف المسئول ثم يرسله إلى القومسيون الطبي الذي يتخذ الإجراءات اللازمة لعيادة المريض في منزله"، كما تنص المادة 48 من تلك اللائحة على أنه "1 - يجب على الموظف أو المستخدم المريض الذي يطلب توقيع الكشف عليه بمنزلة أن يعطي عنوانه بالدقة، فإذا تبين أن هذا العنوان غير حقيقي كان معرضاً للنظر في أمر مجازاته لمحاولته تضليل القومسيون الطبي كسبا للوقت. 2 - وإذا طرأت على الموظف أو المستخدم حالة مرضية تستدعي إجازة وهو في جهة أخرى غير الجهة التي بها مقر عمله، يجب عليه إخطار رياسته بذلك تلغرافياً مع إيضاح العنوان الذي يطلب أن يكشف عليه فيه بالضبط، وعلى المصلحة التابع لها هذا الموظف أن تطلب توقيع الكشف الطبي عليه بإشارة تلغرافية أو تليفونية بحسب الظروف. 3 - وإذا طلب الموظف أو المستخدم توقيع الكشف عليه طبياً بعنوان ما فيجب عليه ألا يغير هذا العنوان قبل الكشف عليه، أما في حالة الضرورة القصوى التي تلجئه إلى تغييره فيجب عليه إبلاغ رياسته أو القومسيون الطبي المختص تلغرافياً بالعنوان الجديد منعاً من ضياع الوقت".
ومن حيث إنه يبين من مطالعة هذه النصوص، أن الأصل أن يخصص الموظف وقته وجهده لأداء واجبات وظيفته، وألا ينقطع عن مباشرة أعمال وظيفته إلا إذا حصل مقدماً على إجازة بذلك سواء كانت هذه الإجازة اعتيادية أو مرضية، وأن الإجازة المرضية لا تمنح للموظف أو المستخدم إلا إذا ثبت للقومسيون الطبي أنه قامت به حالة مرضية تستلزم منحه الإجازة. من أجل ذلك نصت لائحة القومسيون الطبي على وجوب حضور الموظف بشخصه للكشف عليه طبياً إذا كانت حالته الصحية تسمح بذلك، وإلا انتقل إليه القومسيون الطبي في منزله. وإحكاماً لرقابة القومسيون الطبي على الحالات المرضية، وحتى لا يكون هناك مجال لإدعاء المرض، أوجبت اللائحة على الموظف الذي لا تمكنه حالته الصحية من الحضور بنفسه إلى القومسيون الطبي، أن يعين عنوانه بدقة حتى يسهل على القومسيون الطبي زيارته، وأن يخطر رياسته بمحل إقامته الجديد إذا مرض في جهة غير الجهة التي بها مقر عمله، وألا يغير محله الذي أخطر بوجوده فيه قبل أن يكشف عليه، فإذا ألجأته الضرورة إلى تغييره تعين عليه إبلاغ رياسته أو القومسيون الطبي المختص بذلك منعاً من ضياع الوقت. كما يستفاد مما ورد بهذه النصوص من ضرورة إبلاغ القومسيون الطبي تلغرافياً أو تليفونياً بكل تغيير يطرأ على محل إقامة الموظف المريض، أنه يتعين على القومسيون الطبي المبادرة إلى زيارة المرضى حتى لا يفوت على نفسه وعلى الموظف المريض فرصة التثبت من حقيقة حالته الصحية.
ومن حيث إنه يبين من الإطلاع على ملف خدمة المطعون عليه أنه أرسل في 15 من يناير سنة 1952 خطاباً إلى رئيسه - ناظر مدرسة صافور الابتدائية - يخطره بأنه "موجود بمستشفى القبة لإجراء عملية جراحية"، وذكر عنوان المستشفى، وفي 19 من يناير سنة 1952 أحال ناظر المدرسة ذلك الخطاب إلى مدير الإدارة الصحية بالمنصورة "لإجراء اللازم نحوه". وقد أرسل مدير الإدارة الصحية بالمنصورة الأوراق إلى رئيس قومسيون المعارف بالقاهرة في 23 من يناير سنة 1952 للكشف على المطعون عليه، فأحالها قومسيون المعارف بدوره في 29 من يناير سنة 1952 إلى مراقب الإدارة الصحية لمنطقة القاهرة الشمالية، فأشر المراقب في 31 من يناير سنة 1952 بإحالتها إلى الدكتور ناجي فريد لتوقيع الكشف على المطعون عليه. ثم تأشر بعد ذلك في أول فبراير سنة 1952 بأنه "خرج يوم 24 من يناير من المستشفى". وفي 6 من فبراير سنة 1952 أرسل ناظر مدرسة صافور الابتدائية خطاباً إلى مراقب منطقة المنصورة التعليمية أشار فيه إلى خطابه المؤرخ 19 من يناير سنة 1952 في شأن طلب الكشف على المطعون عليه وإلى أنه لم يصل إليه رد عن هذا الموضوع، ثم قال "واليوم حضرت شهادة طبية مرفقة طيه بأنه خرج من المستشفى ويحتاج للراحة مدة شهر من 30 من يناير سنة 1952، فنرفع هذا لعزتكم للتصرف" وعلى هامش هذا الخطاب ذكر أن عنوان المطعون عليه هو صافور مركز ديرب نجم. وقد أحالت الإدارة الصحية لمنطقة المنصورة التعليمية هذا الخطاب إلى قومسيون طبي المعارف في 12 من فبراير سنة 1952 لإجراء اللازم وأشارت إلى أن أوراق هذا الموضوع سبق أن أرسلت إليه في 23 من يناير سنة 1952 وعلى كتاب لقومسيون طبي المعارف إلى مراقب الإدارة الصحية لمنطقة القاهرة الشمالية توجد تأشيرة لمدير القومسيون مؤرخة 18 من فبراير سنة 1952 نصها كالآتي: "معاد رجاء تكليف الموظف المذكور بالحضور لمقر القومسيون وفي حالة عدم قدرته على الحضور نرجو كتابة عنوانه لإجراء اللازم نحو الكشف عليه للنظر في احتساب مدة انقطاعه من عدمه حيث إن الطبيب الكشاف ذهب إليه بالمستشفى ولم يجده مع ملاحظة إعادة الأوراق". وأخيراً أعيدت الأوراق إلى مدرسة صافور بإفادة مؤرخة 23 من فبراير سنة 1952 جاء بها "لمدرسة صافور الابتدائية دون إجراء الكشف المطلوب" فأشر ناظر المدرسة على هذه الإفادة في أول مارس سنة 1952 بالآتي "حضر الشيخ علي حسن فياض اليوم للمدرسة وتسلم عمله وطيه الإقراران". وقد رأى قومسيون طبي المعارف عدم احتساب مدة غياب المطعون عليه من 15 من يناير إلى 28 من فبراير سنة 1952 إجازة مرضية؛ حيث لم يكشف عليه طبياً. فتظلم المطعون عليه من هذا القرار إلى منطقة المنصورة التعليمية، فأرسل مدير الإدارة الصحية بالمنطقة المذكورة إلى رئيس القومسيون الطبي كتاباً جاء به ما يأتي "نتشرف برفع أوراق الشيخ علي حسن فياض... وقد سبق إرسال أوراقه لكم فرأيتم عدم احتساب مدة انقطاعه إجازة مرضية حيث لم يكشف عليه طبياً وكان يجب الكشف عليه قبل عودته، وقد حضر الأستاذ المذكور اليوم وبالكشف عليه في مكان إجراء العملية المذكورة فاتضح بأنها أجريت له فعلاً. لذا نأمل التكرم بإعادة النظر فيها بعين العطف". فأشر مدير القومسيون الطبي بأنه "سبق أن قرر القومسيون قراره ولا يمكن احتساب مدة انقطاعه إجازة مرضية".
ومن حيث إنه يبين مما سبق إيضاحه أن المطعون عليه لم يكن متمارضاً، بل كان مريضاً حقاً، بل وبمرض داهم، وأنه أخطر رئيسه المباشر - ناظر المدرسة - بأنه دخل مستشفى القبة لإجراء عملية جراحية وذكر عنوان المستشفى، فلما غادرها أرسل إلى ناظر المدرسة يخطره بذلك وبعنوانه الجديد، فأبلغ الناظر الجهات المختصة بذلك ولم يتنبه قوميسون طبي المعارف إلى أن عنوان المطعون عليه مبين بالأوراق فأعادها مرة أخرى طالباً بيان عنوانه للكشف عليه. وظاهر من كل ذلك أن المطعون عليه قام بما تفرضه عليه لائحة القومسيون وأن عدم الكشف عليه قبل مغادرة المستشفى كان مرده إلى التراخي في توقيع الكشف عليه بالمستشفى في الوقت المناسب، وأن السبب في عدم توقيع الكشف الطبي عليه في مقره الجديد بعد خروجه من المستشفى راجع إلى إهمال قومسيون طبي المعارف في ملاحظة عنوان المطعون عليه المبين بهامش خطاب ناظر مدرسة صافور إلى الإدارة الصحية لمنطقة المنصورة المؤرخ 6 من فبراير سنة 1952 المحال إلى قومسيون طبي المعارف في 12 من فبراير سنة 1952 على ما سبق البيان، وهو أمر لا شأن للمطعون عليه به ولا ينبغي أن يضار منه، كما يرجع أيضاً إلى تعدد الجهات الإدارية التي يرجع إليها للفصل في الموضوع وطول الإجراءات التي اتخذت في هذا الصدد وما قارن ذلك من ضياع الوقت مما ترتب عليه عدم الكشف الطبي على المطعون عليه في الوقت المناسب.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الاستقطاع من راتب المطعون عليه المدة المشار إليها بدعوى أنها تعتبر غياباً بدون إذن، على غير أساس سليم من القانون، بل كان الغياب لعذر يبرره هو المرض، وقد قام المطعون عليه بما تفرضه عليه القوانين واللوائح من الإخطار في حينه، ولا ذنب له إذا تراخت الجهات المختصة أو أهملت الكشف عليه في الوقت المناسب. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بالرفض.
ساحة النقاش