موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

علاقته بالحكومة علاقة تنظيمية خضوع نظامه القانوني للتعديل وفق مقتضيات المصلحة العامة.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثاني (من فبراير سنة 1956 إلى آخر مايو سنة 1956) - صـ 481

(59)
جلسة 11 من فبراير سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 82 لسنة 1 القضائية

( أ ) طعن - ميعاده - ثبوت أن الميعاد ينتهي يوم عطلة رسمية - امتداده إلى أول يوم عمل بعدها.
(ب) موظف - علاقته بالحكومة علاقة تنظيمية - خضوع نظامه القانوني للتعديل وفق مقتضيات المصلحة العامة - سريان التنظيم الجديد عليه بأثر حال من تاريخ العمل به - عدم سريانه بأثر رجعي يمس المراكز القانونية الذاتية إلا بنص خاص في قانون، وليس في أداة أدنى - تضمن التنظيم الجديد لمزايا ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة - عدم سريانه على الماضي إلا إذا تبين قصده في ذلك بوضوح - عند الشك يكون التفسير لصالح الخزانة - أساس ذلك.
(جـ) كادر العمال - الطرابيشية ومكنجية الأحذية - اعتبارهم طبقاً لهذا الكادر في درجة صانع غير دقيق (200/ 360 م) رفعهم إلى درجة الدقة من الفئة (300/ 400 م) بقرار مجلس الوزراء الصادر في 18/ 5/ 1947 - عدم سريان التنظيم الجديد على الماضي.
1 - إذا كان الثابت أن آخر ميعاد للطعن، وفقاً للمادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة، هو يوم 15 من يوليه سنة 1955 وهو يوم جمعة، وكان الطعن قد رفع بإيداع صحيفته سكرتيرية هذه المحكمة في 16 من يوليه سنة 1955، فإنه يكون مرفوعاً في الميعاد القانوني؛ إعمالاً لنص المادة 23 من قانون المرافعات التي تنص على أنه إذا صادف آخر الميعاد عطلة رسمية امتد إلى أول يوم عمل بعدها.
2 - إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن، فمركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت؛ ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني للتعديل والتغيير وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. ويتفرع على ذلك أن كل تنظيم جديد يستحدث يسري على الموظف أو العامل الحكومي بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، ولكنه لا يسري بأثر رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح الموظف نتيجة لتطبيق التنظيم القديم عليه، قانوناً كان أو لائحة، إلا بنص خاص في قانون، وليس في أداة أدنى منه كلائحة. وإذا تضمن التنظيم الجديد، قانوناً كان أو لائحة، مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة، فالأصل ألا يسري التنظيم الجديد في هذا الخصوص إلا من تاريخ العمل به، ما لم يكن واضحاً منه أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق. هذا وعند الغموض أو الشك يجب أن يكون التفسير لصالح الخزانة؛ إعمالاً لمبدأ ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الروابط القانونية التي تنشأ بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام، هذا إلى أن الأصل هو براءة الذمة بالنسبة للملتزم، فالشك يفسر لمصلحته طبقاً لقواعد القانون الخاص، وفي هذا الخصوص يتلاقى المجالان.
3 - إن الطرابيشية ومكنجية الأحذية كانوا معتبرين أصلاً - بحسب ما ورد بكادر العمال - صناعاً غير دقيقين، وكانت مقررة لهم الدرجة (200/ 360 م) ولا يصلون إلى درجة صانع دقيق إلا بطريق الترقية بعد انقضاء المدة القانونية. هذا هو وضعهم القانوني حتى صدر قرار مجلس الوزراء في 18 من مايو سنة 1947، برفعهم إلى درجة الدقة في الفئة (300/ 400 م). فقرار مجلس الوزراء سالف الذكر قد استحدث، في النظام القانوني الذي كان قائماً منذ صدور كادر العمال، بالنسبة إلى هؤلاء العمال تعديلاً يتضمن مزايا أنشأها لهم ولم تكن مقررة من قبل، وذلك برفع درجاتهم رفعاً تترتب عليه أعباء مالية على الخزانة العامة، ولم يرد به أي نص صريح أو ضمني يقضي بإفادتهم من حكمه من تاريخ مرتد إلى الماضي. ومن ثم فلا يسري هذا التنظيم الجديد في حقهم إلا من التاريخ المعين لنفاذه دون إسناده إلى تاريخ سابق ودون دفع أية فروق عن الماضي.


إجراءات الطعن

في 16 من يوليه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية (الدائرة الخامسة) لوزارتي الأشغال العمومية والحربية بجلسة 16 من مايو سنة 1955 في الدعوى رقم 2219 لسنة 2 لجان قضائية المقامة من السيد/ محمد عبد العزيز وآخرين عددهم 36 ضد وزارة الحربية، والقاضي: "باستحقاق المدعين لصرف الفرق الناتج عن تسوية حالتهم بدرجة صانع دقيق في الفئة من (300/ 500 م) طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من مايو سنة 1947، وذلك اعتباراً من أول مايو سنة 1945". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضته، "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض طلبات المتظلمين وإلزامهم المصروفات". وقد أعلن كل من الجهة الإدارية والمطعون عليهم بعريضة هذا الطعن في التواريخ المبينة بأصل الإعلان، فأودع المطعون عليهم سكرتارية المحكمة في أول نوفمبر سنة 1955 مذكرة بملاحظاتهم، ولم تودع الحكومة شيئاً في الميعاد القانوني. وقد عين لنظر الطعن جلسة 31 من ديسمبر سنة 1955، وأخطر الطرفان في 18 من ديسمبر سنة 1955 بميعاد هذه الجلسة، ثم أجل نظر الطعن لجلسة 21 من يناير سنة 1956، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر من المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية بجلسة 16 من مايو سنة 1955، فيكون آخر ميعاد للطعن فيه وفقاً للمادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة هو يوم 15 من يوليه سنة 1955، وهو يوم جمعة. ولما كانت المادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه "إذا صادف آخر الميعاد عطلة رسمية امتد إلى أول يوم عمل بعدها"، وكان الطعن الحالي قد رفع بإيداع صحيفته سكرتيرية هذه المحكمة في 16 من يوليه سنة 1955، فإنه يكون مرفوعاً في الميعاد القانوني مستوفياً أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المطعون عليهم - وعددهم 16 من عمال الطرابيش و20 مكنجية أحذية بسلاح الأسلحة والمهمات - تقدموا في 2 من ديسمبر سنة 1953 إلى اللجنة القضائية لوزارة الحربية والبحرية بالتظلم رقم 2219 لسنة 2 القضائية طالبين "اعتبارهم صناع دقيقين بدرجة (300/ 400 م) ابتداء من أول مايو سنة 1945، وصرف المستحق لهم من فرق الأجور ابتداء من هذا التاريخ حتى 18 من مايو سنة 1947 تصحيحاً للأوضاع في حدود الكادر أسوة بزملائهم". وقالوا إنه بعد صدور كادر العمال الذي تقرر أن يطبق ابتداء من أول مايو سنة 1945 شكلت لجان في كل هيئة أو مصلحة أو إدارة لتسوية حالة كل عامل بالتطبيق لهذا الكادر وصرف الفرق الذي يستحقه ابتداء من التاريخ المذكور، بيد أن بعض اللجان اعتبرت مهنتي الطرابيشية ومكنجية الأحذية من المهن التي لا تحتاج إلى دقة والتي تمنح العامل فيها الدرجة (200/ 360 م)، وأدرج وضعهم في الكادر على هذا النحو. وعلى أثر ذلك شكا أرباب هاتين المهنتين - ويبلغ عددهم 49 عاملاً - من هذا الوضع، فشكلت وزارة الدفاع الوطني وقتئذ لبحث عملهم لجنتين فنيتين انتهيتا إلى اقتراح وضع كل من الطرابيشية ومكنجية الأحذية في درجة صانع دقيق من (300/ 400 م). وقد وافقت اللجنة المالية على هذا الاقتراح، ورفعته إلى مجلس الوزراء الذي أقره في 18 من مايو سنة 1947، فلما طالب هؤلاء العمال بصرف الفروق ابتداءً من أول مايو سنة 1945 لم تصرفها لهم وزارة المالية إلا من تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء، وقد تقدم بعد ذلك 13 عاملاً من بينهم - ضمن 322 عاملاً آخرين - بالشكوى مما لحقهم من خطأ في تاريخ تعيينهم أو تقدير حالتهم، فأعيدت تسوية حالتهم وصرفوا ما ترتب على ذلك من فروق ابتداءً من 16 من مارس سنة 1949، كما لجأ اثنان منهم إلى محكمة القضاء الإداري، فقضت لهما في الدعوى رقم 114 لسنة 4 القضائية بأحقيتهما في صرف فروق الأجور المستحقة لهما ابتداء من أول مايو سنة 1945، ونفذت الوزارة هذا الحكم، بل طبقته على الباقين، ومن بينهم الثلاثة عشر عاملاً من الطرابيشية ومكنجية الأحذية. وقد ردت الحكومة على هذا التظلم بأنه باستطلاع رأي ديوان الموظفين في هذا الموضوع أجاب بأن حق المتظلمين في تعديل وضعهم إنما نشأ من قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من مايو سنة 1947 الذي لم ينص على صرف فرق عن الماضي، ولما كان هذا التعديل قد تم استثناءً من أحكام كادر العمال، فإن الاستثناء لا يحدث أثره إلا من تاريخ تقريره. وبجلسة 16 من مايو سنة 1955 قضت المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية - التي حلت محل اللجنة القضائية - في هذا التظلم "باستحقاق المدعين لصرف الفرق الناتج عن تسوية حالتهم بدرجة صانع دقيق في الفئة من (300/ 500 م) طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من مايو سنة 1947، وذلك اعتباراً من أول مايو سنة 1945"، وأقامت قضاءها على أنه يبين مما أوضحته اللجنة المالية في مذكرتها التي وافق عليها مجلس الوزراء في 18 من مايو سنة 1947، أن الأمر لم يخرج عن كونه اقتراحاً بتصحيح ما ورد بشأن العمال الطرابيشية ومكنجية الأحذية بكادر العمال من اعتبارهم بالمهن الفنية التي لا تحتاج إلى دقة في الفئة من (200/ 360 م) وبإقرار حقهم في أن يعتبروا في درجة صانع دقيق في الفئة من (300/ 400 م)، وبناء عليه يعتبر قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من مايو سنة 1947، بتسوية حالة هؤلاء العمال بدرجة صانع دقيق في الفئة التي حددها، مقرراً لحقهم الذي كان يجب أن يكون عليه من تاريخ صدور كادر العمال، ومن ثم يكون من حقهم صرف فروق تلك التسوية اعتباراً من تاريخ نفاذ كادر العمال في أول مايو سنة 1945. وفي 16 من يوليه سنة 1955 طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم آخذاً عليه بادئ الأمر الخطأ في منطوقه في بيان درجة الصانع الدقيق، إذ ذكر أنها (من 300/ 500 م) في حين أنها وردت في أسبابه من (300/ 400 م)، واستند في طعنه إلى أن مهنتي الطرابيشية ومكنجية الأحذية كان مقرراً لهما أصلاً في كادر العمال الدرجة (200/ 360 م)، أما الدرجة (300/ 400 م) فلم تقرر لهؤلاء العمال إلا بقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من مايو سنة 1947، ومن ثم فقد استحدث لهم هذا القرار حقاً جديداً لا تنشأ آثاره المالية إلا من تاريخ العمل بالقرار، ما لم يوجد نص على خلاف ذلك، ولم يرد نص بالصرف عن الماضي من تاريخ تطبيق كادر العمال؛ ولذا فإن الصرف لا يكون إلا من تاريخ القرار. ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بصرف الفرق منذ تاريخ تطبيق كادر العمال، فإنه يكون قد بني على مخالفة القانون والخطأ في تأويله وتطبيقه، وتكون قد قامت به حالة من أحوال الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس المفوضين من هذا إلى طلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض طلبات المتظلمين وإلزامهم المصروفات". وفي أول نوفمبر سنة 1955 أودع المطعون عليهم سكرتارية المحكمة مذكرة بملاحظاتهم، وتتخلص في أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من مايو سنة 1947 إنما جاء بناءً على قرار لجنتين فنيتين شكلتهما وزارة الحربية تصحيحاً للأوضاع بالنسبة إليهم في حدود أحكام كادر العمال، وأن اللجنة المالية أقرت بأن تسوية حالتهم إنما هي تقرير لحقهم المستمد من كادر العمال، وهو اعتبارهم في درجة صانع دقيق في الفئة من (300/ 400 م) منذ تاريخ تنفيذ هذا الكادر في أول مايو سنة 1945، الأمر الذي أيدهم فيه قائد الورش بمذكرته المؤرخة 7 من يوليه سنة 1954 لتعم المساواة في المعاملة بين جميع العمال. وخلصوا من هذا إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وتأييد الحكم المطعون فيه، مع إلزام وزارة الحربية بالمصروفات.
ومن حيث إن مهنتي طرابيشي ومكنجي جزم وردتا بكادر العمال طبقاً لكتاب وزارة المالية الدوري ملف رقم ف 234 - 9/ 53 الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1945 بالكشوف رقم 4 الملحقة بالكادر المذكور والخاصة بالصناع أو العمال الفنيين في الوظائف التي لا تحتاج إلى دقة في الدرجة (200/ 360 م)، ونص قرين الأولى منهما على أن "يرقى بعد ست سنوات إلى الوظيفة التي تحتاج لدقة".
ومن حيث إنه على أثر شكاوي أرباب هاتين الحرفتين تقدمت اللجنة المالية في 7 من مايو سنة 1947 إلى مجلس الوزراء بمذكرتها رقم 986 دفاع التي ورد فيها: "قرر في كادر العمال لكل من مهنتي الطرابيشي ومكنجي الجزم الدرجة (200/ 360 م) المهن الفنية التي لا تحتاج إلى دقة، ويرقى الطرابيشي إلى درجة دقيق بعد ست سنوات. وقد أوضحت وزارة الدفاع الوطني بكتابها المؤرخ 22 من ديسمبر سنة 1946 أنه على أثر تسوية حالة العمال الطرابيشية ومكنجية الجزم بسلاح الأسلحة والمهمات طبقاً لما رتبه الكادر لهم على النحو المشار إليه شكوا متظلمين من هذا الوضع، ولذلك قررت الوزارة تشكيل لجنتين فنيتين لبحث عمل هؤلاء العمال، وقد اشترك في كل من هاتين اللجنتين أخصائيون من وزارة التجارة والصناعة، كما اشترك مدير مصنع القرش في لجنة ورشة الطرابيش، وأسفر بحث اللجنتين عن أن أعمال ورشتي الطرابيش ومكنجية الجزم هي أعمال فنية دقيقة. لذلك اقترحت اللجنتان وضع كل من الطرابيشي ومكنجية الجزم في درجة صانع دقيق من (300/ 400 م) ويبلغ عددهم 49 عاملاً، وقد رأت وزارة الدفاع الوطني الموافقة على هذا الاقتراح؛ نظراً لأن هؤلاء العمال على قلتهم يقومون بخدمات هامة بكل قوى الجيش والبوليس والسجون والطيران وغيرها من القوات المصرية المنظمة. وقد جاء في تقرير اللجنة التي شكلت لبحث حالة الطرابيشية أن أعمالهم تنحصر في الآتي:.... كما أن أعمال ورش الطرابيش بورش سلاح الأسلحة والمهمات أعمال فنية بحتة لا يقوم بها إلا عمال مهرة مدربون تدريباً تاماً على القيام بها، وأنهم لا يقلون في مهارتهم عن عمال أي طائفة أخرى من الذين اعتبرهم كادر العمال الحالي عمالاً دقيقين.... وأن كثيراً من العمليات التي يقوم بها هؤلاء العمال تتطلب دقة وعناية خاصتين.... وقد جاء بتقرير اللجنة التي شكلت لبحث حالة عمال مكنجية الجزم أن الأعمال التي يقوم بها هؤلاء العمال تنحصر في الآتي:.... ورأت اللجنة أن أعمال مكنجية الجزم تعتبر العملية الأولى الرئيسية في تشغيل الأحذية بالورشة المذكورة، وأنها لا تقل في الأهمية عن أدق أعمال الجزمجية، ولا عن أعمال الترزية القائمين بالعمل على الماكينات الذين اعتبروا عمالاً دقيقين في كادر العمال..... ورأت اللجنة المذكورة أن أعمال مكنجية الجزم تضعهم من غير شك في مصاف العمال الدقيقين. ونظراً لوجاهة هذه المبررات، ولأن عدد هؤلاء العمال بسيط، إذ يبلغ 49 عاملاً، ترى وزارة المالية وضع الطرابيشية ومكنجية الجزم في الدرجة من (300/ 400 م) دقيق بدلاً من الدرجة (200/ 360 م) غير دقيق. وقد بحثت اللجنة المالية اقتراح وزارة الدفاع فرأت الموافقة عليه. وهي تتشرف برفع رأيها إلى مجلس الوزراء للتفضل بإقراره". وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 18 من مايو سنة 1947 على رأي اللجنة المالية المبين في هذه المذكرة.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطرابيشية ومكنجية الجزم كانوا معتبرين أصلاً، بحسب ما ورد بكادر العمال، صناعاً غير دقيقين، وكانت مقررة لهم الدرجة (200/ 360 م)، ولا يصلون إلى درجة صانع دقيق إلا بطريق الترقية بعد انقضاء المدة القانونية، وظل هذا هو وضعهم القانوني - بقطع النظر عما وصفت به طبيعة حرفهم فيما بعد - إلى أن صدر في شأنهم قرار مجلس الوزراء في 18 من مايو سنة 1947، وهو وضع المرجع في تحديده إلى نص الشارع، وقد جاء النص الخاص به صريحاً قاطعاً بما لا يحتمل تأويلاً ولا يتسع لاجتهاد، مهما يكن من أمر فيما انتهى إليه قرار اللجنتين الفنيتين اللتين شكلتا لبحث عمل هاتين الطائفتين من أن هذا العمل يضعهم في مصاف العمال الدقيقين، الأمر الذي اقتضى استصدار قرار من مجلس الوزراء على النحو السالف بيانه بتعديل هذا الوضع ورفعه إلى درجة الدقة في الفئة (300/ 400 م).
ومن حيث إنه ظاهر من مذكرة اللجنة المالية التي أقرها مجلس الوزراء أن الأمر لم يكن تصحيحاً لوضع خاطئ بأثر رجعي منعطف على الماضي، وإنما مجرد اقتراح من اللجنتين الفنيتين المشار إليهما أوصتا فيه بوضع كل من الطرابيشية ومكنجية الجزم في درجة صانع دقيق بدلاً من درجة صانع غير دقيق، وهو اقتراح أبدته وزارة الدفاع الوطني، وأقرته وزارة المالية، ثم تبنته اللجنة المالية، ووافق عليه مجلس الوزراء في 18 من مايو سنة 1947، وبحكم كونه اقتراحاً - كما وصف بذلك في شتى مراحله طبقاً لما ورد بمذكرة اللجنة المالية - فإنه لا يحمل معنى الانسحاب على الماضي، بل يفيد استحداث مركز جديد في المستقبل ابتداء من التاريخ الذي يوضع فيه موضع التنفيذ، وهو مركز يرتب مزية لم تكن ثابتة من قبل، وينطوي على تعديل لوضع سابق رؤى بعد البحث إضافة تحسين لحالة أربابه، برفع درجتهم إلى مرتبة الصانع الدقيق، بعد أن كان الشارع قد سبق له أن قدر عملهم بأنه لا يحتاج إلى دقة وعاملهم على هذا الأساس.
ومن حيث إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن، فمركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت؛ ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني للتعديل والتغيير وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. ويتفرع على ذلك أن كل تنظيم جديد يستحدث يسري على الموظف أو العامل الحكومي بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، ولكنه لا يسري بأثر رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح الموظف نتيجة لتطبيق التنظيم القديم عليه، قانوناً كان أو لائحة، إلا بنص خاص في قانون، وليس في أداة أدنى منه كلائحة. وإذا تضمن التنظيم الجديد، قانوناً كان أو لائحة، مزايا جديدة للموظف ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة، فالأصل ألا يسري التنظيم الجديد في هذا الخصوص إلا من تاريخ العمل به، ما لم يكن واضحاً منه أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق. هذا وعند الغموض أو الشك يجب أن يكون التفسير لصالح الخزانة؛ إعمالاً لمبدأ ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الروابط القانونية التي تنشأ بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام، هذا إلى أن الأصل هو براءة الذمة بالنسبة للملتزم، فالشك يفسر لمصلحته طبقاً لقواعد القانون الخاص، وفي هذا الخصوص يتلاقى المجالان.
ومن حيث إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من مايو سنة 1947 قد استحدث في النظام القانوني الذي كان قائماً منذ صدور كادر العمال بالنسبة إلى فئتي الطرابيشية ومكنجية الجزم، تعديلاً يتضمن مزايا أنشأها لهم ولم تكن مقررة من قبل؛ وذلك برفع درجاتهم رفعاً تترتب عليه أعباء مالية على الخزانة العامة، ولم يرد به أي نص صريح أو ضمني يقضي بإفادتهم من حكمه من تاريخ مرتد إلى الماضي، ومن ثم فلا يسري هذا التنظيم الجديد في حقهم إلا من التاريخ المعين لنفاذه، دون إسناده إلى تاريخ سابق، ودون دفع أية فروق عن الماضي. وعلى مقتضى ذلك يكون الحكم المطعون فيه، إذ اعتبر قرار مجلس الوزراء المشار إليه مقرراً لا منشئاً لحق جديد - في حين أن العكس هو الصحيح - وبني على ذلك قضاءه باستحقاق المدعين لصرف الفرق الناتج عن تسوية حالتهم بدرجة صانع دقيق في الفئة من (300/ 500 م) طبقاً للقرار المذكور، اعتباراً من أول مايو سنة 1945، قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه، ويتعين الحكم بإلغائه، وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعين بالمصروفات.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 42 مشاهدة
نشرت فى 18 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,117,903

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »