السن المحددة لتقاعد الموظف أو المستخدم الأصل هو انتهاء الخدمة بقوة القانون عند بلوغ هذه السن .
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 149
(18)
جلسة 8 من ديسمبر سنة 1956
برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.
القضية رقم 1263 لسنة 2 القضائية
( أ ) موظف - السن المحددة لتقاعد الموظف أو المستخدم - الأصل هو انتهاء الخدمة بقوة القانون عند بلوغ هذه السن - للوزير المختص بعد الاتفاق مع وزير المالية السلطة في مد هذه المدة - هذه السلطة تقديرية من حيث مبدأ المد ومقيدة من حيث الحد الأقصى للفترة التي يجوز مدها - قانون موظفي الدولة لم يعين سن التقاعد، بل ترك ذلك للقوانين واللوائح حسب الأحوال.
(ب) موظف - السن المحددة لتقاعد الموظف أو المستخدم - سرد لبعض النصوص التي تعالج ذلك - السن التي تنتهي ببلوغها خدمة الموظف المؤقت المعين على وظيفة دائمة في الميزانية هي سن الستين.
1- إن المادة 108 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الواردة في الفصل الثامن من الباب الأول الخاص بالموظفين المعينين على وظائف دائمة تنص على أنه "لا يجوز مد خدمة الموظف بعد بلوغه السن المقررة إلا بقرار من الوزير المختص بعد الاتفاق مع وزير المالية والاقتصاد. ولا يجوز مدها لأكثر من سنتين فيما عدا موظفي التمثيل السياسي من درجة السفراء"، كما تنص المادتين 107 و130 من القانون المشار إليه، أولاهما بالنسبة إلى الموظف المعين على وظيفة دائمة، والثانية بالنسبة إلى المستخدم الخارج عن الهيئة، على أن من أسباب انتهاء خدمة هذا أو ذاك "بلوغ السن المقررة لترك الخدمة". ومفاد هذا أن ثمة سناً عينها المشرع لتقاعد الموظف أو المستخدم تختلف بحسب حالته ونوع الوظيفة التي يشغلها، وأن الأصل هو انتهاء خدمة الموظف أو المستخدم بقوة القانون عند بلوغه هذه السن، ولا يجوز مد خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة بعد ذلك إلا بقرار من الوزير المختص بعد الاتفاق مع وزير المالية، وأن الوزير المختص بالاشتراك مع وزير المالية يملك مد الخدمة بعد بلوغ السن المقررة - استثناء من هذا الأصل - بسلطة تقديرية يترخص فيها من حيث مبدأ المد وفق مقتضيات المصلحة العامة، بيد أن هذه السلطة في ذاتها مقيدة بالقانون فيما يختص بالحد الأقصى للمدة التي يجوز للوزير مدها بحيث لا تجاوز سنتين بأي حال بعد بلوغ السن المقررة فيما عدا موظفي التمثيل السياسي من درجة السفراء. وقانون موظفي الدولة لم يعين السن التي يتقاعد فيها الموظف أو المستخدم، بل ترك ذلك للقوانين واللوائح بحسب الأحوال.
2- إن المادة 14 من القانون رقم 5 لسنة 1909 الخاص بالمعاشات الملكية المعدلة بالقانونين رقمي 29 لسنة 1910 و14 لسنة 1913 نصت في فقرتها الأولى على أنه "متى بلغ سن الموظفين والمستخدمين الملكيين ستين سنة وجب إحالتهم على المعاش حتماً ما لم يصدر قرار خصوصي من مجلس النظار بإبقائهم في الخدمة لمدة معينة بناء على طلبهم... ولا يجوز إبقاء أي موظف أو مستخدم في الخدمة بعد سن السبعين سنة". وفي فقرتها الثالثة نصت على أن "يرفت المستخدمون المؤقتون والخدمة الخارجون عن هيئة العمال متى بلغوا الخامسة والستين من سنهم ما لم يرخص لهم ناظر المالية بالبقاء في الخدمة لمدة معينة بناء على طلبهم، ومع ذلك فلا يجوز في أي حال من الأحوال إبقاءهم في الخدمة بعد سن السبعين سنة". ولما صدر المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات ردد في المادة 14 منه ما جاء بالفقرة الأولى من القانون رقم 5 لسنة 1909 ولم يردد ما جاء بالفقرة الثالثة في شأن سن انتهاء الخدمة بالنسبة إلى المستخدمين المؤقتين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال؛ ذلك لأن القانون رقم 37 لسنة 1929 قد عالج النظام القانوني للمعاشات والمكافآت بالنسبة لمن يجري على راتبهم حكم الاستقطاع لاحتياطي المعاش، فاقتصر في تحديد سن انتهاء الخدمة بالنسبة إلى هؤلاء، ولم يتعرض لسن انتهاء الخدمة بالنسبة إلى المستخدمين المؤقتين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال الذين أخرجهم من نطاق تطبيقه، فظل نص الفقرة الثالثة من القانون رقم 5 لسنة 1909 سارياً في حقهم، واطرد الرأي في التطبيق على ذلك. ثم صدر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة ناصاً في المادة الأولى منه على أن يسري حكمه على الموظفين الداخلين في الهيئة سواء أكانوا مثبتين أم غير مثبتين، واعتبر موظفاً في تطبيق أحكامه كل من يعين في إحدى الوظائف الداخلة في الهيئة بمقتضى مرسوم أو أمر جمهوري أو قرار من مجلس الوزراء أو وزير أو من أية هيئة أخرى تملك سلطة التعيين قانوناً. ثم صدر المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 الذي أنشأ صندوقاً للادخار خص به غير المثبتين من موظفي الدولة المدنيين المربوطة مرتباتهم على وظائف دائمة أو مؤقتة ضمن الباب الأول من الميزانية العامة للدولة، أو في ميزانيات الجامعات أو الأزهر والمعاهد الدينية أو غيرها من الميزانيات التي تعين بقرار من مجلس الوزراء، فثار الخلاف حول السن التي تنتهي ببلوغها خدمة الموظفين المؤقتين المعينين على وظائف دائمة في الميزانية، فأفتى قسم الرأي مجتمعاً بمجلس الدولة بجلسته المنعقدة في 25 من فبراير سنة 1953 بأن الموظفين غير المثبتين والمعينين بعقود على ربط وظائف دائمة في الميزانية تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من يناير سنة 1935 الخاص بوقف التثبيت - لا يعتبرون من الموظفين المؤقتين في حكم الفقرة الثالثة من المادة 14 من قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909؛ ومن ثم يتقاعدون في سن الستين وفقاً للمادة 14 من القانون 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية. وتنفيذاً لهذا الرأي أذاع ديوان الموظفين الكتاب الدوري رقم 46 لسنة 1953 في 19 من يوليه سنة 1953 على الوزارات والمصالح، ومقتضاه أن الموظفين غير المثبتين المعينين بعقود على وظائف دائمة بالميزانية يفصلون من الخدمة عند بلوغهم الستين، ومن يبلغ منهم هذه السن الآن أو يكون قد جاوزهم تنتهي خدمته فوراً، فتضرر هؤلاء من إنهاء خدمتهم فوراً بغير إمهالهم الوقت الكافي لتدبير شئون معاشهم؛ ومن أجل ذلك صدر القانون رقم 413 لسنة 1953 في 11 من أغسطس سنة 1953 بحكم وقتي أو استثنائي ناصاً في مادته الأولى على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 37 لسنة 1929 والقانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليهما، يبقى في خدمة الحكومة الموظفون المؤقتون الشاغلون لوظائف دائمة الذين تزيد سنهم في 19 من يوليه سنة 1953 على التاسعة والخمسين على أن يفصلوا بعد مضي سنة من هذا التاريخ أو عند بلوغهم سن الخامسة والستين، في أي التاريخين أقرب". وغني عن البيان أن الشارع أكد بما لا شبهة فيه أن السن التي يحال فيها إلى المعاش الموظفون المؤقتون الشاغلون لوظائف دائمة هي في الأصل سن الستين، وقد أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور، وكشفت عن الحكمة التشريعية للحكم الاستثنائي والوقتي الذي جاء به هذا القانون.
إجراءات الطعن
في 15 من إبريل سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد برقم 1263 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين بجلسة 15 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 379 لسنة 2 القضائية (محاكم) المقامة من رؤوف بطرس ضد وزارة المالية (مصلحة الأموال المقررة)، القاضي: "بإلغاء قرار مصلحة الأموال المقررة رقم 3 - 3/ 9 في 27 من أكتوبر سنة 1953 بفصل المدعي من الخدمة، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم برفض الدعوى، وإلزام رافعها مصروفاتها". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المالية في 5 من يوليه سنة 1956 وإلى المطعون عليه في 14 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 3 من نوفمبر سنة 1956، وأبلغ ذوو الشأن في 11 من سبتمبر سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بما لديه من ملاحظات. وقد سمعت المحكمة بالجلسة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات. وقد أودع المطعون عليه سكرتيرية المحكمة في 28 من نوفمبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته انتهى فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات والأتعاب.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه رفع أمام محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) الدعوى رقم 5271 لسنة 8 القضائية بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة المذكورة في 15 من مارس سنة 1954 قال فيها إنه عين في وظيفة صراف بمصلحة الأموال المقررة منذ أكثر من 35 سنة وقبيل بلوغه سن الخامسة والستين - التي بلغها في أغسطس سنة 1953 - تقدم للوزارة طالباً مد خدمته سنتين فوافقت على ذلك وكشف عليه طبياً فثبت لياقته ثم صدر قرار وزارة المالية بمد خدمته سنتين من 26 من أغسطس سنة 1953 حتى 25 من أغسطس سنة 1955 وأعلن بهذا القرار الذي أشر بمضمونه على سجل صيارف مديرية قنا وظل يعمل بعد الامتداد زهاء ثلاثة أشهر حتى أول نوفمبر سنة 1953 حيث فوجئ بفصله من العمل لكبر سنه. ونعي على قرار الفصل هذا مخالفته للقانون؛ إذ أن قرار وزارة المالية بمد مدة خدمته قد صدر بناء على سلطتها التقديرية لما لمسته فيه من نشاط وأمانة، وما كان يجوز لها بعد ذلك فصله قبل نهاية السنتين احتجاجاً بأن بقاءه في الخدمة كان لتدبير بديل عنه؛ إذ لو صح هذا لوجب أن يتم قبل انتهاء مدة خدمته الأولى أو على الأكثر خلال الشهر التالي لبلوغه سن الإحالة إلى التقاعد طبقاً لأحكام القانون المالي وقانون المعاشات الملكية وقانون نظام موظفي الدولة. ولما كان قد استمر في عمله ثلاثة أشهر بعد بلوغه السن تنفيذاً لقرار مد مدة خدمته وانقضى على ذلك ستون يوماً فإن هذا القرار يصبح بمنأى عن الطعن ويمتنع على الإدارة سحبه. وخلص من هذا إلى طلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من مصلحة الأموال المقررة في أول نوفمبر سنة 1953 فيا تضمنه من فصله من الخدمة، مع ما يترتب على ذلك من آثار من حيث وجوب عودته إلى الخدمة حتى أغسطس سنة 1955 تاريخ بلوغه السن القانونية، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وحفظ سائر الحقوق الأخرى. وقد ردت مصلحة الأموال المقررة على هذه الدعوى بأن المدعي كان صرافاً بمديرية قنا وبلغ سنة الخامسة والستين في 25 من أغسطس سنة 1953، وأنه قدم التماساً بمد خدمته سنتين فكتبت المصلحة عنه لوزارة المالية التي أجابت بأن السيد الوزير وافق ضمناً في 9 من يونيه سنة 1953 على هذا المد اعتباراً من 26 من أغسطس سنة 1953 التاريخ التالي لبلوغه سن الخامسة والستين، وصدر قرار المصلحة رقم 3 - 3/ 9 المؤرخ 27 من يونيه سنة 1953 بذلك، إلا أنه في 19 من يوليه سنة 1953 صدر كتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 42 في شأن السن التي يتقاعد فيها الموظفون غير المثبتين الذين يشغلون وظائف دائمة، وقضى بفضل جميع الموظفين عند بلوغهم سن الستين وبأن من يبلغ منهم السن وقتذاك أو يكون قد جاوزها تنتهي خدمته فوراً. وقد استطلعت المصلحة رأي الديوان في شأن المدعي وأمثاله من الصيارف والمحصلين الذين مدت خدمتهم بعد سن الخامسة والستين بموافقة وزير المالية والاقتصاد، فرد الديوان بوجوب إنهاء خدمة هؤلاء الموظفين فوراً، وبناء على ذلك صدر قرار المصلحة رقم 3 - 3/ 9 في 28 من أكتوبر سنة 1953 بفصل المذكور من الخدمة، وانتهت المصلحة من هذا إلى طلب رفض الدعوى. وقد عقب المدعي على دفاع المصلحة بمذكرة قال فيها إن المركز القانوني الذي ترتب له بناء على القرار الصادر بمد مدة خدمته لا يجوز المساس به بعد أن انقضى عليه أكثر من ستين يوماً، وأن فصله تم بغير سبب ولغير علة تتصل بالصالح العام فيما عدا كبر السن مع أن هذا السبب كان معلوماً للوزارة من قبل ورضيت أن تتجاوز عنه مما يجعل مسلكها إزاءه مشوباً بإساءة استعمال السلطة حيث لم ينهض دليل يفقده الصلاحية للقيام بأعباء الوظيفة. وبجلسة 26 من مايو سنة 1955 أصدرت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) قرارها بإحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين للاختصاص تطبيقاً لحكم المادتين 13 و73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. وقد أضاف المدعي بجلسة 4 من يناير سنة 1956 إلى طلباته طلب إلزام الحكومة بمبلغ 594 م و462 ج مقابل ما يستحقه من مرتب عن الفترة من أول نوفمبر سنة 1953 حتى آخر أغسطس سنة 1955. وبجلسة 15 من نوفمبر سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية "بإلغاء قرار مصلحة الأموال المقررة رقم 3 - 3/ 9 في 27 من أكتوبر سنة 1953 بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة"؛ وأقامت قضاءها على أنه لا يجوز لجهة الإدارة سحب قرار إداري أصدرته في حدود اختصاصها بمقتضى سلطتها التقديرية - لا تطبيقاً لقواعد آمرة مقيدة - متى كان هذا القرار منشئا لمراكز قانونية وترتب عليه حق للغير إذا مضت المواعيد المقررة للطعن فيه بالإلغاء ولو كان خاطئاً أو مخالفاً للقانون. ولما كان قرار مد مدة خدمة المدعي من هذا القبيل، وقد انقضت المواعيد القانونية للطعن فيه بالإلغاء فإنه يكون قد اكتسب حصانة نهائية تمنع من إهدار أثره بإنهاء خدمة المدعي؛ إذ أن مثل هذا التصرف يكون في حقيقته قراراً بالسحب بعد فوات الميعاد، ومن ثم يقع باطلاً عديم الأثر. ولا وجه للاحتجاج بأن المدعي كان موظفاً على درجة دائمة بالميزانية وأنه كان يجب أن يتقاعد في سن الستين أما بقاؤه في الخدمة بعد هذه السن فلا يعدو أن يكون مجرد خطأ؛ لأنه بفرض أن قرار مد مدة خدمته قد صدر خطأ بالمخالفة لأحكام القانون فإنه قد أصبح حصيناً من الإلغاء بانقضاء الميعاد القانوني المقرر لسحبه. ولا يجدي في ذلك التمسك بأحكام القانون رقم 413 لسنة 1953؛ لأن مد مدة خدمة المدعي لم يكن باعتباره موظفاً مؤقتاً بل كان على أساس أن مدة خدمته قد انتهت، وقد كان هذا الاعتبار تحت بصر الوزارة عندما أصدرت قرارها، فلا يقبل منها بعد ذلك أن تستند إلى ما كانت تعلمه من بلوغه السن لسحب هذا القرار بعد فوات الميعاد. وذكرت المحكمة أن استحقاق المدعي لراتبه خلال المدة التي كان يتعين أن يمكثها في الخدمة هو أثر من آثار إلغاء قرار فصله فلا ضرورة للنص عليه. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 15 من إبريل سنة 1956 أسس فيها طعنه على أن سند بقاء المدعي في الخدمة بعد بلوغه السن المقررة للتقاعد هو قرار وزير المالية الصادر استناداً إلى السلطة المخولة له بمقتضى المادة 108 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وظاهر من هذه المادة أن سلطة الوزير ليست مطلقة، بل محددة بنهي صريح بالنسبة إلى الموظفين المعينين على وظائف دائمة، ومقتضى هذا النهي عدم جواز بقائهم في الخدمة بعد سن الاثنين والستين، ومتى كانت سلطة الإدارة مقيدة بنص تشريعي جاز لها دائماً متى تبينت وجه المخالفة القانونية أن تصحح الوضع فترده إلى نصابه نزولاً على سيادة القانون في أي وقت دون التقيد بمواعيد السحب. ولما كان المدعي من الموظفين المعينين على وظيفة دائمة الذين يجب أن يتقاعدوا في سن الستين، وكان استمراره في الخدمة إلى سن الخامسة والستين وإلى ما بعد ذلك ينطوي على مخالفة صريحة للقانون، فإن مدة خدمته تعتبر منتهية بقوة القانون ويكون تصرف الإدارة إزاء سليماً. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون، وتكون قد قامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة من هذا إلى طلب الحكم بـ "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم برفض الدعوى، وإلزام رافعها مصروفاتها". وقد أودع المطعون عليه سكرتيرية المحكمة في 28 من نوفمبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته قال فيها إن القرار الصادر بفصله من الخدمة ينطوي في حقيقته على قرار بسحب قرار مد مدة خدمته الذي هو قرار فردي لا تنظيمي صدر من جهة الإدارة بسلطتها التقديرية وانقضى عليه ميعاد الستين يوماً الذي كان يجوز سحبه فيه فأصبح حصيناً من الإلغاء غير جائز سحبه ولو كان مشوباً بعيب يبطله؛ وحكمة ذلك ضرورة استقرار الأوضاع الإدارية واحترام المراكز الذاتية التي تنشئها القرارات الفردية، أم السن المقررة أصلاً لإحالته إلى المعاش فهي سن الخامسة والستين لا سن الستين وذلك طبقاً لأحكام قانوني المعاشات رقم 5 لسنة 1909 ورقم 37 لسنة 1929؛ ومن ثم فإن وزير المالية يملك بمقتضى المادة 108 من القانون رقم 210 لسنة 1951 مد خدمته سنتين بعد هذه السن القانونية. ولا يغير من هذا النظر كونه معيناً على وظيفة دائمة ما دام لا يجري عليه حكم استقطاع احتياطي المعاش، كما لا يؤثر في حالته القانون رقم 413 لسنة 1953 الذي إنما عالج حالات خاصة بصفة مؤقتة استثناء من حكم القانون رقم 37 لسنة 1929 فقط ولا صلة لواقعة الطعن بهذا القانون؛ لكونه قد عين في ظل القانون رقم 5 لسنة 1909. وقد خلص من هذا إلى طلب الحكم برفض الطعن، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن المادة 108 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الواردة في الفصل الثامن من الباب الأول الخاص بالموظفين المعينين على وظائف دائمة تنص على أنه "لا يجوز مد خدمة الموظف بعد بلوغه السن المقررة إلا بقرار من الوزير المختص بعد الاتفاق مع وزير المالية والاقتصاد. ولا يجوز مدها لأكثر من سنتين فيما عدا موظفي التمثيل السياسي من درجة السفراء". كما تنص المادتان 107 و130 من القانون المشار إليه، أولاهما بالنسبة إلى الموظف المعين على وظيفة دائمة والثانية بالنسبة إلى المستخدم الخارج عن الهيئة، على أن من أسباب انتهاء خدمة هذا أو ذاك "بلوغ السن المقررة لترك الخدمة". ومفاد هذا أن ثمة سناً عينها المشرع لتقاعد الموظف أو المستخدم تختلف بحسب حالته ونوع الوظيفة التي يشغلها، وأن الأصل هو انتهاء خدمة الموظف أو المستخدم بقوة القانون عند بلوغه هذه السن، ولا يجوز مد خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة بعد ذلك إلا بقرار من الوزير المختص بعد الاتفاق مع وزير المالية، وأن الوزير المختص بالاشتراك مع وزير المالية يملك مد الخدمة بعد بلوغه السن المقررة - استثناء من هذا الأصل - بسلطة تقديرية بترخيص فيها من حيث مبدأ المد وفق مقتضيات المصلحة العامة. بيد أن هذه السلطة في ذاتها مقيدة بالقانون فيما يختص بالحد الأقصى للمدة التي يجوز للوزير مدها بحيث لا تجاوز سنتين بأي حال من الأحوال بعد بلوغه السن المقررة فيما عدا موظفي التمثيل السياسي من درجة السفراء.
ومن حيث إن قانون موظفي الدولة لم يعين هذه السن، بل ترك ذلك للقوانين واللوائح حسب الأحوال.
ومن حيث إن المادة 14 من القانون رقم 5 لسنة 1909 الخاص بالمعاشات الملكية المعدلة بالقانونين رقمي 29 لسنة 1910 و14 لسنة 1913 نصت في فقرتها الأولى على أنه "متى بلغ سن الموظفين والمستخدمين الملكيين ستين سنة وجب إحالتهم على المعاش حتماً ما لم يصدر قرار خصوصي من مجلس النظار بإبقائهم في الخدمة لمدة معينة بناء على طلبهم... ولا يجوز إبقاء أي موظف أو مستخدم في الخدمة بعد سن السبعين سنة"، وفي فقرتها الثالثة على أن "يرفت المستخدمون المؤقتون والخدمة الخارجون عن هيئة العمال متى بلغوا الخامسة والستين من سنهم. ما لم يرخص لهم ناظر المالية بالبقاء في الخدمة لمدة معينة بناء على طلبهم ومع ذلك فلا يجوز في أي حال من الأحوال إبقاؤهم في الخدمة بعد سن السبعين سنة". ولما صدر المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات ردد في المادة 14 منه ما جاء بالفقرة الأولى من القانون رقم 5 لسنة 1909 ولم يردد ما جاء بالفقرة الثالثة في شأن سن انتهاء الخدمة بالنسبة إلى المستخدمين المؤقتين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال؛ ذلك لأن القانون رقم 37 لسنة 1929 قد عالج النظام القانوني للمعاشات والمكافآت بالنسبة لمن يجري على راتبهم حكم الاستقطاع لاحتياطي المعاش فاقتصر في تحديد سن انتهاء الخدمة بالنسبة إلى هؤلاء ولم يتعرض لسن انتهاء الخدمة بالنسبة إلى المستخدمين المؤقتين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال الذين أخرجهم من نطاق تطبقه فظل نص الفقرة الثالثة من القانون رقم 5 لسنة 1909 سارياً في حقهم، واطرد الرأي في التطبيق على ذلك. ثم صدر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة ناصاً في المادة الأولى منه على أن يسري حكمه على الموظفين الداخلين في الهيئة سواء أكانوا مثبتين أم غير مثبتين واعتبر موظفاً في تطبيق أحكامه كل من يعين في إحدى الوظائف الداخلة في الهيئة بمقتضي مرسوم أو أمر جمهوري أو قرار من مجلس الوزراء أو وزير أو هيئة أخرى تملك سلطة التعيين قانوناً. ثم صدر المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 الذي أنشأ صندوقاً للادخار خص به غير المثبتين من موظفي الدولة المدنيين المربوطة مرتباتهم على وظائف دائمة أو مؤقتة ضمن الباب الأول من الميزانية العامة للدولة أو في ميزانيات الجامعات أو الأزهر والمعاهد الدينية أو غيرها من الميزانيات التي تعين بقرار من مجلس الوزراء، فثار الخلاف حول السن التي تنتهي ببلوغها خدمة الموظفين المؤقتين المعينين على وظائف دائمة في الميزانية، فأفتى قسم الرأي مجتمعاً بمجلس الدولة بجلسته المنعقدة في 25 من فبراير سنة 1953 بأن الموظفين غير المثبتين المعينين بعقود على ربط وظائف دائمة في الميزانية تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من يناير سنة 1935 الخاص بوقف التثبيت - لا يعتبرون من الموظفين المؤقتين في حكم الفقرة الثالثة من المادة 14 من قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909؛ ومن ثم يتقاعدون في سن الستين وفقاً لحكم المادة 14 من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية. وتنفيذاً لهذا الرأي أذاع ديوان الموظفين الكتاب الدوري رقم 46 لسنة 1953 في 19 من يوليه سنة 1953 على الوزارات والمصالح ومقتضاه أن الموظفين غير المثبتين المعينين بعقود على وظائف دائمة بالميزانية يفصلون من الخدمة عند بلوغهم الستين، ومن يبلغ منهم هذه السن الآن أو يكون قد جاوزها تنتهي خدمته فوراً، فتضرر هؤلاء من إنهاء خدمتهم فوراً بغير إمهالهم الوقت الكافي لتدبير شئون معاشهم، ومن أجل ذلك صدر القانون رقم 413 لسنة 1953 في 11 من أغسطس سنة 1953 بحكم وقتي أو استثنائي ناصاً في مادته الأولى على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 37 لسنة 1929 والقانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليهما، يبقى في خدمة الحكومة الموظفون المؤقتون الشاغلون لوظائف دائمة الذين تزيد سنهم في 19 من يوليه سنة 1953 على التاسعة والخمسين على أن يفصلوا بعد مضي سنة من هذا التاريخ أو عند بلوغهم سن الخامسة والستين، في أي التاريخيين أقرب". وغني عن البيان أن الشارع أكد بما لا شبهة فيه أن السن التي يحال فيها إلى المعاش الموظفون المؤقتون الشاغلون لوظائف دائمة هي في الأصل سن الستين، وقد أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور وكشفت عن الحكمة التشريعية للحكم الاستثنائي والوقتي الذي جاء به القانون المذكور؛ إذ بعد أن استعرضت في مقدمتها التطور التشريعي والرأي في التطبيق على النحو المفصل آنفاً قالت "وبحث الديوان هذه الشكاوي وتبين له أن الرأي الذي انتهى إليه مجلس الدولة وإن كان قد استند على أسس قانونية صحيحة إلا أن تنفيذه بغير سابق إنذار فيه إهدار للاستقرار الذي هيأ هؤلاء الموظفون معيشتهم عليه... على أنه من ناحية أخرى فإن خروج هذا العدد من الموظفين في الوقت الحاضر سوف يترتب عليه أن تطلق يد الحكومة في تخفيض عدد الوظائف بإلغاء بعضها وهو الأمر الذي تحاول الحكومة معالجته جاهدة، وفيه فوق ذلك إفساح لمجال العمل أمام فريق من المتعلمين العاطلين... وللتوفيق بين هذه المصلحة العامة ومصلحة تلك الطائفة من الموظفين تقترح وزارة المالية والاقتصاد وبعد موافقة ديوان الموظفين أن يمهل هؤلاء الموظفون سنة واحدة تبدأ من 19 من يوليه سنة 1953 تاريخ صدور كتاب ديوان الموظفين المشار إليه فيما تقدم ويستبقون أثناءها في الخدمة كي يرتبوا وسائل معاشهم مستقبلاً حتى لا تضطرب أمورهم بسب هذه المفاجأة، على أن من يبلغ سن الخامسة والستين خلال هذه السنة تنتهي خدمته بطبيعة الحال بمجرد بلوغه هذه السن، ومن يكون قد ترك الخدمة على أثر نشر كتاب الديوان الدوري يعاد إليها مع صرف مرتبه عن المدة التي ترك فيها العمل وتعتبر خدمة متصلة... ولما كان بعض هؤلاء الموظفين قد جاوز سن الثانية والستين التي نصت المادة 108 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بقانون رقم 222 لسنة 1953 على أنها الحد الأقصى لبقاء الموظفين في الخدمة فقد تعينت الإشارة إلى استثناء هؤلاء الموظفين من قيد السن الواردة في هذه المادة".
ومن حيث إنه يظهر مما تقدم أن الشارع حسم بالقانون رقم 413 لسنة 1953 وبصفة تشريعية الخلاف حول السن التي يحال فيها إلى المعاش الموظفون المؤقتون الشاغلون لوظائف دائمة، واعتبرها في الأصل سن الستين، وإن أورد حكماً وقتياً واستثنائياً للحكمة التشريعية التي أفصحت عنها المذكرة الإيضاحية من مقتضاه أن يبقى خدمة الحكومة من كان من هؤلاء تزيد سنة في 19 من يوليه سنة 1953 على التاسعة والخمسين، على أن يفصلوا بعد مضي سنة من هذا التاريخ أو عند بلوغهم سن الخامسة والستين، في أي التاريخيين أقرب، ولما كان المدعي من الموظفين المؤقتين الشاغلين لوظائف دائمة، وبلغ سن الستين في أغسطس سنة 1948، والخامسة والستين في أغسطس سنة 1953، فما كان يجوز إبقاؤه في الخدمة بعد ذلك بأية حال حتى ولو كان قد مدت خدمته من قبل سنتين بالتطبيق لنص المادة 108 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 222 لسنة 1953 تلك الحالة التي لم يفت الشارع الإشارة إليها في ديباجة القانون رقم 413 لسنة 1953 وفي مذكرته الإيضاحية، فيكون قرار فصله أو بالأحرى اعتبار خدمته منتهية الصادر في 28 من أكتوبر سنة 1953 بالتطبيق لهذا القانون قد جاء مطابقاً له.
ومن حيث إنه من كل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب قد وقع مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وألزمت المدعي بمصروفاتها.
ساحة النقاش