من المقرر أن علاقة الموظف بالحكومة هى علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ومن ثم فهو مركز قانونى عام قابل للتغيير فى أى وقت وشغل الوظيفة لا يرتب للموظف حقا مكتسبا فيها محصنا ضد كل تغيير .
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 884
(89)
جلسة 21 من مارس 1965
برياسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور أحمد موسى وعلى محسن مصطفى وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.
القضية رقم 1205 لسنة 7 القضائية
( أ ) رقابة القضاء الادارى - القرارات الصادرة بالتعيين وتحديد الأقدمية بالتطبيق لأحكام القانون رقم 84 لسنة 1959 يضم قسم قضايا الأقاف الى ادارة قضايا الحكومة واحلال هذه الادارة محله فى اختصاصاته - نص هذا القانون فى مادته الرابعة على كونها نهائية وغير قابلة لأى طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية - يضفى حماية قانونية على هذه الطائفة من القرارات تمنع القضاء الادارى من تسليط رقابته عليها.
(ب) دستورية القوانين - نص المادة الرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959 على كون القرارات الصادرة بالتعيين وتحديد الأقدمية الصادرة طبقا للمادة الثالثة منه نهائية وغير قابلة لأى طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية - ليس فيه مصادرة لحق التقاضى - أساس ذلك: وجوب التفرقة بين مصادرة حق التقاضى وتحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسع او التضييق.
(ج) تشريع - صياغته - اغفال عرض القانون على مجلس الدولة - لا يبطله.
(د) مبدأ المساواة - الاخلال به - لا يكون الا بالتمييز بين أفراد الطائفة الواحدة اذا تماثلت مراكزهم القانونية.
(هـ) موظف - علاقته بالحكومة - تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح - أثر ذلك: قابلية مركزه القانونى للتغيير أو التعديل فى أى وقت، فليس للموظف أى حق مكتسب محصن من هذا التغيير أو التعديل.
(و) اختصاص - لجنة التأديب والتظلمات بادارة قضايا الحكومة - اختصاصها بالفصل فى طلبات الغاء القرارات المتعلقة بشئون أعضاء قضايا الحكومة طبقا لأحكام القانون رقم 75 لسنة 1963 - ضرورة ثبوت الانتماء الواقعى لعضوية الادارة المذكورة فيمن يقيم دعواه أمام هذه اللجنة - زوال العضوية قبل العمل بالقانون سالف الذكر - بقاء اختصاص القضاء الادارى فى هذه الحالة - مثال.
(ز) قسم قضايا الأوقاف - أعضاؤه - اخضاعهم بنص المادة 354 من القانون رقم 36 لسنة 1946 الخاص بلائحة وزارة الأوقاف، للقواعد المطبقة على التعيين بادارة قضايا الحكومة - لا يستفاد منه ترتيب أقدمياتهم بالنسبة لأقدميات نظرائهم من رجال هذه الادارة على نحو من الانحاء عند تعيينهم بها - أساس ذلك وأثره.
1 - يبين من نصوص المادتين الثالثة والرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959 أن المشرع، بعد أن ألغى قسم قضايا وزارة الأوقاف وأحل محله ادارة قضايا الحكومة وأجه حالة الموظفين الفنيين بهذا القسم وجعلهم طائفتين: طائفة يجوز تعيينهم فى الوظائف المماثلة لوظائفهم بادارة قضايا الحكومة، بشرط أن يكونوا مستوفين ما ينص عليه البند (2) من المادة (55) من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة، وذلك خلال أسبوع من تاريخ العمل بالقانون رقم 84 لسنة 1959 وطائفة أخرى لا يعين أفرادها فى ادارة قضايا الحكومة وهؤلاء واجه المشرع حالتهم فى الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من القانون، ثم قدر الشارع أن تنفيذ هذا القانون سيثير أنواعا مختلفة من المنازعات، منها طعون يقيمها من لا يعين فى وظيفة قضائية بادارة قضايا الحكومة سواء أكان عدم تعيينه راجعا الى عدم استيفائه شرط البند (3) من المادة رقم 55 لسنة 1959 أم لأى سبب آخر رأته الادارة مانعا من تعيينه بادارة القضايا حتى ولو كان مستوفيا الشرط المذكور، ومنها طعون يقيمها من يعين بادارة القضايا فى وظيفة مماثلة لوظيفته السابقة بقسم قضايا الأوقاف ولكن بأقدمية يراها ماسة بأقدميته السابقة فى ذلك القسم، ومنها منازعات قد يقيمها لسبب أو لآخر من يعين فى وظيفة فنية أو أدارية لا تقل درجتها عن درجة الوظيفة القضائية التى كان يشغلها بقسم قضايا الأوقاف. وحسما لمثل هذه المنازعات بالذات ومنعا من فتح الباب أمام خصومات معينة يطول أمدها ولا تحمد مغبتها، رأى الشارع أن ينص فى المادة الرابعة من القانون على أن تكون القرارات الصادرة بالتعيين أو تحديد الأقدمية، وفقا لأحكام المادة الثالثة منه، نهائية وغير قابلة لاى طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية، والمشرع بهذا الحكم قد أضفى حصانة قانونية على طائفة من القرارات الادارية الصادرة تنفيذا للمادة الثالثة المذكورة وهى حصانة تمنع القضاء الادارى من تسليط رقابته على أمثال هذه القرارات.
2 - لا وجه للنعى بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959 التى نصت على أن تكون القرارات الصادرة وفقا لاحكام المادة الثالثة منه نهائية وغير قابلة لأى طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية، بدعوى أن هذا النص فيه مصادرة لحق التقاضى، ذلك أن تجب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضى وبين تحديد اختصاص القضاء الادارى بالحد منه، واذا كان لا يجوز من الناحية الدستورية حرمان الناس كافة من الالتجاء الى القضاء لأن فى ذلك مصادرة لحق التقاضى وهو حق كفله الدستور اعتبارا بأن هذه المصادرة هى بمثابة تعطيل لوظيفة السلطة القضائية وهى سلطة انشأها الدستور لتؤدى وظيفتها فى توزيع العدالة مستقلة عن السلطات الأخرى، لئن كان ذلك ما تقدم الا أنه لا يجوز الخلط بين هذا الأمر وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسيع أو التضييق، فكل ما يخرجة القانون من اختصاص القضاء الادارى يصبح هذا القضاء معزولا عن نظره ومن ثم يكون الدفع بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون آنف الذكر فيما تضمنته من تضييق لاختصاص القضاء الادارى يمنعه من نظر المنازعات المشار اليها فى غير محله متعين الرفض.
3 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن أغفال عرض القانون على مجلس الدولة لا يترتب عليه بطلانه.
4 - لا وجه لما ينعاه الطاعن على قرار التعيين من أنه أخل بمبدأ المساواة اذ أن تطبيق المبدأ المذكور فى هذا الشأن هو عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة اذا تماثلت مراكزهم القانونية، ولم يتضمن القرار المشار اليه أى تمييز من هذا القبيل بين جميع من تنطبق عليهم أحكام القانون.
5 - من المقرر أن علاقة الموظف بالحكومة هى علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ومن ثم فهو مركز قانونى عام قابل للتغيير فى أى وقت وشغل الوظيفة لا يرتب للموظف حقا مكتسبا فيها محصنا ضد كل تغيير أو تعديل وانما يجوز دائما للمشرع أن يعدل فى هذا المركز وأن يفوض جهة الادارة فى ذلك ما دام لا يستهدف من ذلك الا الصالح العام.
6 - أن اختصاص لجنة التأديب والتظلمات بادارة القضايا رهين بثبوت الانتماء الواقعى لعضوية ادارة القضايا فيمن يقيم دعواه أمامها لأنها تختص بالفصل فى طلبات الغاء القرارات المتعلقة بشئون أعضائها طبقا لحكم القانون رقم 75 لسنة 1963 فى شأن تنظيم ادارة قضايا الحكومة، ومتى كانت صفة العضوية بادارة القضايا الموجبه لزوال اختصاص القضاء الادارى قد سقطت عن المدعى قبل صدور القانون المذكور فى 12 من أغسطس سنة 1963، فقد كان حقيقا على القضاء الادارى ألا يتسلب من اختصاصه العام بنظر أمثال هذه الطلبات، وأن يتصدى للفصل فى الدفع الموضوعى المتعلق بعدم جواز نظر الدعوى وبذلك يتقى محذور أنكار العدالة والتخلى عن وظيفة الحكم بالنسبة لأحد المتقاضين أمامه.
7 - أن اخضاع القانون رقم 36 لسنة 1946 الخاص بلائحة اجراءات وزارة الاوقاف فى المادة 354 منه، الهيئة القضائية بوزارة الاوقاف للقواعد المطبقة على الفنيين بادارة قضايا الحكومة، لا يستفاد منه ترتيب أقدمياتهم بالنسبة لاقدميات نظرائهم من رجال ادارة القضايا على نحو من الانحاء فى حال تعيين بعضهم فى هذه الادارة وهو بعد لا يرفع عن منازعاتهم الحظر المانع من سماع الدعوى بالنسبة لقرارات تعيينهم بادارة القضايا وتحديد اقدمياتهم بالنسبة لزملائهم فى هذه الادارة اذ تحريم التقاضى فى شأن هذه المنازعات بالذات أصبح أمرا مفروغا منه بعد النص المانع، (المادة الرابعة فى القانون رقم 84 لسنة 1959).
اجراءات الطعن
بتاريخ 18/ 5/ 1961 أودع الاستاذ محمود عيسى عبده المحامى، بالنيابة عن الاستاذ محمود محى الدين زين الدين، قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1205 لسنة 7 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بجلسة 30/ 3/ 1961 فى الدعوى رقم 1298 لسنة 13 القضائية المرفوعة من المدعى ضد وزارة العدل والقاضى بعدم جواز نظر الدعوى والزام المدعى المصروفات. وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وأعادة النزاع من جديد الى محكمة القضاء الادارى لتقضى للطاعن بطلباته الواردة فى صحيفة دعواه ومذكراته مع الزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماه.
وقد أعلن الطعن الى وزارة العدل بتاريخ 28/ 5/ 1961 وبعد استيفاء اجراءاته نظر أمام هذه المحكمة بجلسة 17/ 1/ 1965 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت أرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المدولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعات حسبما يبين من الأوراق تتحصل فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 1298 لسنة 13 القضائية أمام محكمة القضاء الادارى ضد وزارة العدل طالبا الحكم بأحقيته فى وضعه السابق فى كشف أقدمية المحامين بادارة قضايا الحكومة مع الزام وزارة العدل بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحا لدعواه أنه كان عضوا بقسم قضايا وزارة الأوقاف ثم عين بادارة قضايا الحكومة بموجب القرار الصادر من السيد وزير العدل برقم 122 لسنة 1959 تنفيذا لحكم القانون رقم 84 لسنة 1959 بضم قسم قضايا وزارة الأوقاف الى ادارة قضايا الحكومة، وقد احتسبت له أقدميته بين المحامين فى ادارة قضايا الحكومة من تاريخ القرار المذكور لا من تاريخ حصوله على درجة محامى بادارة قضايا وزارة الأوقاف فاهدرت بذلك أقدميته فيها. وقد تظلم من ذلك ولكن تظلمه رفض فأقام دعواه مستندا الى عدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959 والتى تنص على عدم قبول قرارات التعيين وتحديد الأقدمية لأى طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية، وأهدارها لحقوقه المكتسبة.
وقد دفعت وزارة العدل الدعوى بعدم قبولها تأسيسا على صريح نص المادة الرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959، وهو يقضى بأن تكون القرارات الصادرة بالتعيين أو تحديد الأقدمية... (وفقا لأحكامه السابقة) نهائية وغير قابلة لأى طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية. وفى الموضوع برفضها لأن المدعى محتفظ بأقدميته بالنسبة لزملائه الذين كانوا معه بادارة قضايا وزارة الأوقاف أما وضعه بالنسبة لأعضاء ادارة قضايا الحكومة فانه لم يكن له أى حق مكتسب بالنسبة اليهم قبل التحاقه بهذه الادارة اذ كان كل منهم بجهة ادارية بعيدة عن الأخرى ولم يبدأ المركز القانونى للمدعى بهذه الادارة ألا بموجب قرار تعيينه بها.
وبجلسة 30/ 3/ 1961 حكمت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لعدم قابلية القرار المطعون فيه لأى طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية وألزمت المدعى المصروفات وأقامت قضاءها على أن المشرع أراد أن يضفى حماية قانونية على كافة القرارات الادارية الصادرة تنفيذا للمادة الثالثة من القانون رقم 84 لسنة 1959 وهى حماية تمنع القضاء الادارى من رقابة هذه القرارات ويعصمها من أى الغاء.
وبتاريخ 18/ 5/ 1961 طعن المدعى على هذا الحكم وتضمن تقرير الطعن الأوجه الآتية:
أولا: القانون رقم 84 لسنة 1959 باطل شكلا لعدم عرضه على مجلس الدولة لصياغته.
ثانيا: عدم توافر الشروط القانونية الواجب توافرها فى واقعة المنع من التقاضى وعدم دستورية المادة الرابعة من القانون.
ثالثا: القرار الصادر بتعيين المدعى وأهدار حقوقه جاء مخالفا للقانون فهو باطل حيث احتمى فى نص باطل لعدم دستوريته لاخلاله بمبدأ المساواة.
رابعا: المادة الرابعة لم تتضمن قاعدة عامة مجردة فهى وأن كانت قانونا من ناحية الشكل ألا أنها قرار ادارى من ناحية الموضوع.
خامسا: أخطأت المحكمة فى تفسير وتأويل قانون ضم ادارة قضايا وزارة الأوقاف لادارة قضايا الحكومة والقرار المطعون فيه جاء مخالفا لقانون الضم اذ أن القرارات الصادرة بتحديد الأقدمية جاءت بالمخالفة للمادة الثالثة من القانون وبذلك فانها لا تحظى بحماية المادة الرابعة منه.
وقرار التعيين وتحديد الأقدمية جاء مخالفا للمادة الثالثة.
سادسا: ليس من سلطة الوزير أن يعدل فى قواعد الأقدمية باهدار أقدمية المدعى اذ أن من اصول قواعد الأقدمية أن يحددها القانون وينظمها وليس من سلطة وزير العدل أن يغير فيها.
والتمس الطاعن فى نهاية تقرير طعنه الحكم بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه واعادة النزاع من جديد الى محكمة القضاء الادارى لتقضى للطاعن بطلباته الواردة فى صحيفة دعواه مع الزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث أنه يبين من الأوراق ووقائع الدعوى أن التكييف القانونى الصحيح لطلب المدعى هو أنه طعن بالالغاء فى القرار الصادر من وزير العدل برقم 122 لسنة 1959 بتاريخ 30 من مارس 1959 بتعيينه محاميا بادارة قضايا الحكومة، نقلا من قسم قضايا وزارة الأوقاف الملغى بالقانون رقم 84 لسنة 1959، وذلك فيما تضمنه هذا القرار من جعل أقدمية المدعى فى هذه الوظيفة من تاريخ صدور القرار المطعون فيه بدلا من ردها الى تاريخ شغله لها بقسم قضايا وزارة الأوقاف عام 1954 وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث أنه يبين من الاطلاع على المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 84 لسنة 1959 بضم قسم قضايا وزارة الأوقاف وأحلال ادارة قضايا الحكومة محله فى اختصاصاته، أنه قد جرى نصها بما يأتى:
واستثناء من أحكام القانون رقم 55 لسنة 1959 المشار اليه (فى ديباجة القانون) يجوز خلال أسبوع من تاريخ العمل بهذا القانون تعيين الموظفين الفنيين بقسم قضايا وزارة الأوقاف فى الوظائف المماثلة لوظائفهم بادارة قضايا الحكومة متى توافر فيهم الشرط المبين فى البند (2) من المادة 55 من القانون رقم 55 لسنة 1959 السالف الذكر.
"ويكون التعيين بقرار من رئيس الجمهورية أو وزير العدل حسب الأحوال وتحدد فى القرار أقدمية المعينين بالنسبة الى أعضاء ادارة قضايا الحكومة".
"أما الذين لا يعينون فى ادارة قضايا الحكومة...".
ثم نصت المادة الرابعة من القانون المشار اليه على أن "تكون القرارات الصادرة بالتعيين أو تحديد الأقدمية، وفقا لأحكام المادة السابقة نهائية وغير قابلة لأى طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية".
ومن حيث أنه يبين من نصوص المادتين الثالثة والرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959 أن المشرع، بعد أن ألغى قسم قضايا وزارة الأوقاف وأحل محله ادارة قضايا الحكومة، واجه حالة الموظفين الفنيين بهذا القسم وجعلهم طائفتين: طائفة يجوز تعيينهم فى الوظائف المماثلة لوظائفهم بادارة قضايا الحكومة، بشرط أن يكونوا مستوفين ما ينص عليه البند (2) من المادة (55) من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة، وذلك خلال أسبوع من تاريخ العمل بالقانون رقم 84 لسنة 1959. وطائفة أخرى لا يعين أفرادها فى ادارة قضايا الحكومة وهؤلاء واجه المشرع حالتهم بالفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من القانون، ثم قدر أن تنفيذ هذا القانون سيثير أنواعا مختلفة من المنازعات، منها طعون يقيمها من لا يعين فى وظيفة قضائية بادارة قضايا الحكومة سواء أكان عدم تعيينه راجعا الى عدم استيفائه شرط البند (2) من المادة 55 من القانون رقم 55 لسنة 1959 أم لأى سبب آخر رأته الادارة مانعا من تعيينه بادارة القضايا حتى ولو كان مستوفيا الشرط المذكور، ومنها طعون يقيمها من يعين بادارة القضايا فى وظيفة مماثلة لوظيفته السابقة بقسم قضايا الأوقاف ولكن بأقدمية يراها ماسة بأقدميته السابقة فى ذلك القسم، ومنها منازعات قد يقيمها لسبب أو لآخر من يعين فى وظيفة فنية أو ادارية لا تقل درجتها عن درجة الوظيفة القضائية التى كان يشغلها بقسم قضايا الأوقاف. وحسما لمثل هذه المنازعات بالذات ومنعا من فتح الباب أمام خصومات معينة يطول مداها ولا تحمد مغبتها، رأى الشارع أن ينص فى المادة الرابعة من القانون على أن تكون القرارات الصادرة بالتعيين أو تحديد الأقدمية، وفقا لأحكام المادة الثالثة منه، نهائية وغير قابلة لأى طعن أو مطالبه أمام أية جهة قضائية، والمشرع بهذا الحكم قد أضفى حصانة على طائفة من القرارات الادارية الصادرة تنفيذا للمادة الثالثة المذكورة وهى حماية تمنع القضاء الادارى من تسليط رقابته على أمثال هذه القرارات.
ومن حيث أنه لا وجه للنعى بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959 التى نصت على أن تكون القرارات الصادرة وفقا لأحكام المادة الثالثة منه نهائية وغير قابلة لأى طعن أو مطالبه أمام أية جهة قضائية، بدعوى أن هذا النص فيه مصادرة لحق التقاضى ذلك أنه تجب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضى وبين تحديد اختصاص القضاء الادارى والحد منه، واذا كان لا يجوز من الناحية الدستورية حرمان الناس كافة من الالتجاء الى القضاء لأن فى ذلك مصادرة لحق التقاضى وهو حق كفله الدستور اعتبارا بأن هذه المصادرة هى بمثابة تعطيل لوظيفة السلطة القضائية وهى سلطة أنشأها الدستور لتؤدى وظيفتها فى توزيع العدالة مستقلة عن السلطات الأخرى، لئن كان ذلك هو ما تقدم الا أنه لا يجوز الخلط بين هذا الأمر وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسيع أو بالتضييق، فكل ما يخرجه القانون من اختصاص القضاء الادارى يصبح هذا القضاء معزولا عن نظره ومن ثم يكون الدفع بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون آنف الذكر فيما تضمنته من تضييق لاختصاص القضاء الادارى بمنعه من نظر المنازعات المشار اليها فى غير محله متعين الرفض.
ومن حيث أنه بالنسبة لما يدفع به الطاعن من بطلان القانون المذكور بقوله أنه لم يعرض على مجلس الدولة فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن أغفال عرض القانون على مجلس الدولة لا يترتب عليه بطلانه ويكون هذا الدفع كذلك فى غير محله مستوجب الرفض.
ومن حيث أنه لا وجه لما ينعيه الطاعن على قرار التعيين من أنه أخل بمبدأ المساواة اذ أن مقتضى تطبيق المبدأ المذكور فى هذا الشأن هو عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة اذا تماثلت مراكزهم القانونية، ولم يتضمن القرار المشار اليه أى تمييز من هذا القبيل بين جميع من تنطبق عليهم أحكام القانون.
ومن حيث أنه لا حجة فيما ينعاه الطاعن على النص المذكور من أنه أدى الى أهدار الحقوق المكتسبة، اذ من المقرر أن علاقة الموظف بالحكومة هى علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ومن ثم فهو فى مركز قانونى عام قابل للتغيير فى أى وقت وشغل الوظيفة لا يرتب للموظف حقا مكتسبا فيها محصنا ضد كل تغيير أو تعديل وانما يجوز دائما للمشروع أن يعدل فى هذا المركز وأن يفوض جهة الادارة فى ذلك ما دام لا يستهدف من ذلك ألا الصالح العام.
ومن حيث أنه لا يصح اعتبار الطاعن (المدعى) مخاطبا بأحكام القانون رقم 75 لسنة 1963 فى شأن تنظيم ادارة قضايا الحكومة فيما يتعلق بزوال اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر دعواه، لانه قد زالت صفته فعلا، كعضو بادارة قضايا الحكومة قبل صدور هذا القانون حين نقل من هذه الادارة الى ديوان الموظفين فى أول أكتوبر سنة 1961، ومن ثم فان القانون آنف الذكر السالب لاختصاص مجلس الدولة بالنسبة الى طلبات الالغاء المقدمة من رجال ادارة القضايا لا ينطبق على الدعوى الحاضرة.
ومن حيث أنه لو قضى بغير هذا النظر لما وجد المدعى جهة تختص بنظر دعواه، ذلك أن اختصاص لجنة التأديب والتظلمات بادارة القضايا رهين بثبوت الانتماء الواقعى لعضوية ادارة القضايا فيمن يقيم دعواه أمامها، اذ أنها تختص بالفصل فى طلبات الغاء القرارات المتعلقة بشئون أعضائها طبقا لحكم القانون رقم 75 لسنة 1963 المشار اليه فى شأن تنظيم ادارة قضايا الحكومة، ومتى كانت صفة العضوية بادارة القضايا الموجبة لزوال اختصاص القضاء الادارى قد سقطت عن المدعى قبل صدور القانون المذكور فى 12 من أغسطس سنة 1963، فقد كان حقيقا على القضاء الادارى ألا يتسلب من اختصاصه العام بنظر أمثال هذه الطلبات، وأن يتصدى للفصل فى الدفع الموضوعى المتعلق بعدم جواز نظر الدعوى وبذلك يتقى محذور أنكار العدالة والتخلى عن وظيفة الحكم بالنسبة لأحد المتقاضين أمامه.
ومن حيث أن المدعى وقد قصر طلبه على مجرد المجادلة فى أقدميته بين زملائه بعد تعيينه بادارة القضايا، دون أن يتعداه الى المماراة الجدية فى مماثلة وظيفته - كمحام - بادارة القضايا لوظيفته السابقة بقسم قضايا الأوقاف انما ينازع فى أقدمية حددت له عند التعيين بين أنداده المحامين بادارة القضايا وهى منازعة حرمت المادة الرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959 سماع أية دعوى أو مطالبة فى شأنها وحظرت الطعن أمام أية جهة قضائية فى خصوصها وقد أريد بهذا المنع الواضح القاطع طبقا لمقصود الشارع، ايصاد باب التنازع، فى صدد أمور جسام توغر الصدور - وتخلق عوامل الفرقة والانقسام بين الزملاء وهى عوامل لا يخبو أوارها ولا تهدأ نارها الا على حساب أواصر الألفة وعرى التعاون بين أفراد الأسرة القانونية الواحدة، وخروج المدعى من زمرة رجال ادارة القضايا لا يبطل الحكمة الجاثمة وراء النص لأن المساس بالاقدميات - لو جاز التقاضى فى شأنها - يجر وراءه خصومات لا تنقضى، وتنعكس آثاره حتما على أقدميات أعضاء الادارة الحاليين مما أريد قطع أسبابه وايصاد بابه بهذا النص المانع من سماع الدعوى.
ومن حيث أنه لا يقدح فيما انتهت اليه هذه المحكمة أن يكون القانون رقم 36 لسنة 1946 الخاص بلائحة اجراءات وزارة الأوقاف، فى المادة 354 منه قد أخضع الهيئة القضائية بوزارة الأوقاف للقواعد المطبقة على الفنيين بادارة قضايا الحكومة اذ لا يستفاد من ذلك ترتيب أقدمياتهم بالنسبة لأقدميات نظرائهم من رجال ادارة القضايا على نحو من الأنحاء فى حال تعيين بعضهم فى هذه الادارة وهو بعد لا يرفع عن منازعاتهم الحظر المانع من سماع الدعوى بالنسبة لقرارات تعيينهم بادارة القضايا وتحديد أقدمياتهم بالنسبة لزملائهم فى هذه الادارة اذ أن تحريم التقاضى فى شأن هذه المنازعات بالذات أصبح أمرا مفروغا منه بعد النص المانع المشار اليه (المادة الرابعة فى القانون رقم 84 لسنة 1958).
ومن حيث أنه لكل ما تقدم يكون دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959 غير قائم على سند صحيح من القانون حقيقا بالرفض ويكون دفع الحكومة بعدم جواز سماع الدعوى طبقا للنص المذكور قائما على أساس سليم مستوجب القبول ويكون الحكم المطعون فيه، وقد أخذ بهذا النظر، غير مجانب للصواب، والطعن متهافت الاساس، متعين الرفض.
فلهذه الاسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت المدعى بالمصروفات.
ساحة النقاش