235-القصد الجنائى فى جريمة احراز المخدر أو حيازته توافره بقيام العلم لدى الجانى بان ما يحرزه أو يحوزه مخدراً
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 36 - صـ 957
جلسة 30 من اكتوبر سنة 1985
برياسة السيد المستشار/ ابراهيم حسين رضوان، نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد ممدوح سالم، نائب رئيس المحكمة، ومحمود بهى الدين عبد الله، وفتحى خليفه وسرى صيام.
(173)
الطعن رقم 3390 لسنة 55 القضائية
(1) مواد مخدرة جلب. قصد جنائى. حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
جلب المخدر. معناه. حالاته؟
التحدث عن القصد من جلب المخدر استقلالا. متى يلزم؟
(2) تهريب جمركى. جريمة "أركانها". جمارك. قانون "تفسيره". تعويض نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إدخال البضاعة فى إقليم الجمهورية أو إخراجها منه على خلاف القانون. تهريب. أنقسامه من جهة محله إلى نوعين. بيان ذلك؟
التهريب الفعلى والتهريب الحكمى. متى يتحقق كل منهما؟
البضائع التى لا يسمح باستيرادها أو تصديرها كلية أو التى تخضع فى ذلك للقيود من أى جهة كانت. بضائع ممنوعة.
إخفاء المواد المخدرة عن أعين رجال الجمارك. تهريب.
(3) مواد مخدرة. عقوبة "الاعفاء منها". أسباب الاباحة وموانع العقاب "موانع العقاب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بتقصى أسباب الاعفاء من العقاب إلا إذا دفع أمامها بذلك.
(4) مواد مخدرة. قصد جنائى. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير توافر القصد الجنائى". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائى فى جريمة احراز المخدر أو حيازته. توافره بقيام العلم لدى الجانى بان ما يحرزه أو يحوزه مخدراً. استظهار ذلك من ظروف الدعوى وملابساتها. موضوعى.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". اثبات "بوجه عام".
العبرة فى المحاكمات الجنائية باقتناع القاضى بناء على الأدلة المطروحة عليه.
(6) مواد مخدرة. إجراءات "إجراءات التحقيق". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". اثبات "خبرة".
تشكيك الطاعن بأن المخدر المضبوط غير ما تم تحليله. جدل فى حق محكمة الموضوع فى تقدير الدليل. غير جائز.
(7) اثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
احالة الحكم فى بيان شهادة الشهود الى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا عيب ما دامت أقوالهم متفقه مع ما استند اليه الحكم منها.
(8) مواد مخدرة. جلب. تهريب جمركى. ارتباط. عقوبة "توقيعها" "عقوبة الجرائم المرتبطة" "العقوبة التكميلية". تعويض.
العقوبة الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة. تجب العقوبات الاصلية المقررة لما عداها من جرائم. عدم امتداد الجب الى العقوبات التكميلية التى تحمل فى طياتها فكرة رد الشئ لأصله أو التعويض المدنى للخزانة.
(9) مسئولية جنائية "سقوطها". اسباب الاباحة وموانع العقاب "حالة الضرورة". مواد مخدرة.
حالة الضرورة التى تسقط المسئولية الجنائية. ماهيتها؟ مثال لدفاع لا تتحقق به حالة الضرورة.
1 - لما كان من المقرر أن القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 اذ عاقب فى المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو الواسطة ملحوظا فى ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركى ولا يقتصر الجلب على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية بل يمتد الى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الاحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها فى الفصل الثانى فى المواد من 3 الى 6 من القرار بقانون بادى الذكر، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم تتوافر به اركان جريمة الجلب كما هى معرفة به فى القانون ولا يلزم ان يتحدث الحكم عن القصد من الجلب على استقلال الا اذا كان المخدر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصى أو دفع المتهم بقيام حالة التعاطى لديه او لدى من نقل المخدر لحسابه، وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها يشهد له فانه لا محل لما يثيره الطاعن فى شأن عدم استظهار اركان جريمة جلب المخدر.
2 - لما كانت المادة 121 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 قد عرفت التهريب الجمركى بنصها على ان "يعتبر تهريباً ادخال البضائع من أى نوع الى الجمهورية أو إخراجها منها بطرق غير مشروعة بدون أداء الضريبة الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظر المعمول بها فى شأن البضائع الممنوعة. ويعتبر فى حكم التهريب تقديم مستندات أو فواتير مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة أو إخفاء البضائع الممنوعة" وقد جرى قضاء هذه المحكمة فى تفسير هذه المادة على أن المراد بالتهريب الجمركى هو ادخال البضائع فى اقليم الجمهورية أو أخراجها منه على خلاف القانون وهو ما عبر عنه الشارع بالطرق غير المشروعة، وان التهريب الجمركى ينقسم من جهة محله الى نوعين أحدهما يرد على الضريبة الجمركية المفروضه على البضاعة بقصد التخلص من ادائها، ونوع يرد على بعض السلع التى لا يجوز استيرادها او تصديرها وذلك بقصد خرق الحظر المطلق الذى يفرضه الشارع فى هذا الشأن، وفى كلا النوعين اما ان يتم التهريب فعلا باتمام اخراج السلعة من اقليم الجمهورية او ادخالها فيه، واما ان يقع حكما اذا لم تكن السلعة الخاضعة للرسم او التى فرض عليها المنع قد اجتازت الدائرة الجمركية، بيد أن جلبها أو اخراجها قد صحب بافعال نص عليها الشارع اعتبارا ان من شأن هذه الافعال المؤثمة ان تجعل ادخال البضائع أو اخراجها قريب الوقوع فى الاغلب الاعم من الاحوال، فحظرها الشارع ابتداء واجرى عليها حكم الجريمة التامة ولو لم يتم للمهرب ما أراده وكانت المادة 15 من القانون ذاته قد نصت على أن "تعتبر ممنوعة كل بضاعة لا يسمح بتصديرها او استيرادها، واذا كان استيراد البضائع أو تصديرها خاضعا لقيود من اية جهة كانت فلا يسمح بادخالها او اخراجها ما لم تكن مستوفية للشروط المطلوبة "وكانت المادة 3 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 قد نصت على أن "لا يجوز جلب الجواهر المخدرة وتصديرها الا بمقتضى ترخيص كتابى من الجهة الادارية المختصة" فانه يعتبر تهريبا اخفاء المواد المخدرة المضبوطة عن اعين رجال الجمارك وهو ما اثبته الحكم فى حق الطاعن فى مقام بيان واقعة الدعوى وتحصيل مؤدى أدلة الادانة.
3 - لما كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بتقصى أسباب اعفاء المتهم من العقاب الا اذا دفع بذلك أمامها وكان الطاعن لم يثر هذا الدفاع امام محكمة الموضوع فليس له ان يثيره لاول مرة امام محكمة النقض.
4 - من المقرر ان القصد الجنائى فى جريمة إحراز المخدر أو حيازته يتوافر متى قام الدليل على علم الجانى بان ما يحرزه او يحوزه من الجواهر المخدرة، ولا حرج على المحكمة فى استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها.
5 - من المقرر أن العبرة فى الاثبات فى المواد الجنائية هى باقتناع القاضى واطمئنانه الى الادلة المطروحة عليه فقد جعل القانون من سلطته ان يأخذ بأى دليل يرتاح اليه من أى مصدر شاء ولا يصح مصادرته فى ذلك الا اذا قيده القانون بدليل معين.
6 - لما كان جدل الطاعن والتشكيك فى أن ما تم ضبطه غير ما تم تحليله ان هو إلا جدل فى تقدير الدليل المستمد من عملية التحليل التى اطمأنت اليها محكمة الموضوع فلا تجوز مجادلتها أو مصادرتها فى عقيدتها فى هذا الشأن.
7 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل فى بيان شهادة الشهود الى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقه مع ما إستند إليه الحكم منها.
8 - لما كان الحكم قد أعتبر الجريمتين اللتين دان الطاعن بهما مرتبطتين وأعمل فى شأنه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه العقوبة المقررة للجريمة الأشد وهى جريمة جلب المخدر مع تطبيق نص المادة 17 من قانون العقوبات، وكان الأصل أن العقوبة الأصلية المقررة لاشد الجرائم المرتبطة ببعضها ارتباطا لا يقبل التجزئة تجب العقوبات الاصلية المقررة لما عداها من جرائم دون ان يمتد هذا الجب الى العقوبات التكميلية التى تحمل فى طياتها فكرة رد الشئ لاصله او التعويض المدنى للخزانة ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما ارتبط بتلك الجريمة من جرائم اخرى فان الحكم اذ اعمل حكم المادة 32 من قانون العقوبات وقضى بالتعويض المنصوص عليه فى المادة 122 من القانون رقم 66 لسنة 1963 يكون صحيحا(1).
9 - لما كان الاصل فى القانون أن حالة الضرورة التى تسقط المسئولية هى التى تحيط بشخص وتدفعه الى الجريمة ضرورة وقاية نفسه او غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به او بغيره ولم يكن لارادته دخل فى حلوله. وكان قصارى ما أورده الدفاع عن الطاعن تبريرا لقيام حالة الضرورة انه كان فى حالة فقر اثناء وجوده فى الاردن، وكان الفقر بمجرده لا تتحقق به حالة الضرورة ما لم يقترن بالخطر الجسيم وبشرط ألا يكون لارادته دخل فى حلوله وهو ما لم يدعه الطاعن ولا يعيب الحكم ان يلتفت عنه لانه دفاع ظاهر البطلان بعيد عن محجة الصواب.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بانه: (أولا) جلب جواهر مخدرة "حشيشا وافيونا" الى داخل اراضى جمهورية مصر العربية قبل الحصول على ترخيص كتابى من الجهة الادارية المختصة.. (ثانيا) هرب البضائع الواردة الممنوعة المبينة بالتحقيقات موضوع التهمة الاولى بأن أدخلها الى اراضى جمهورية مصر العربية بالمخالفة للنظم المعمول بها فى شأن البضائع الممنوعة. وطلبت احالته الى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. ومحكمة جنايات..... قضت حضوريا عملا بالمواد 381 و386 و313 و304/ 2 من قانون الاجراءات الجنائية والمواد 1/ 1، 2 و3 و303/ أ و42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمى 40 لسنة 1966 و61 لسنة 1977 والبندين رقمى 9 و57 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون والمعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 والمواد 1 و2 و5 و13 و121/ 1 و122 و124 من القانون رقم 66 لسنة 1963 المعدل مع تطبيق المادتين 17 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالاشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ثلاثة الاف جنيه والمصادرة والزامة بأن يؤدى الى مصلحة الجمارك مبلغ 68750 جنيها (ثمانية وستين الفا وسبعمائه وخمسين جنيها) عما اسند اليه.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
من حيث ان مبنى الطعن هو ان الحكم المطعون فيه اذ دان الطاعن بجريمة جلب جوهرين مخدرين قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال وخالف القانون، ذلك بانه لم يستظهر أركان هاتين الجريمتين ولم يحدد مكان الضبط ولا القصد من الجلب، ولم يبين ما اذا كانت جريمة التهريب الجمركى قد تمت ام ما زالت فى مرحلة الشروع، ولم يعمل فى حقه حكم الاعفاء المقرر بالمادة 48 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 اذ ارشد الطاعن عن اسم وعنوان من سلمه المضبوطات فى الاردن الا ان الشرطة لم تنفذ امر النيابة العامة بضبطه، وتمسك الدفاع بانتفاء علم الطاعن بكنه المواد المضبوطة بدلالة عدم ضبط اى نقود معه كما تمسك بوجود اختلاف فى الوزن بين ما أرسل من المضبوطات للتحليل وما تم تحليله بالفعل الا ان الحكم لم يرد على دفاعه بما يسوغ اطراحه، وأحال فى بيان مؤدى أقوال الشاهدين الرائد..... و...... الى ما حصله من اقوال الشاهد...... برغم اختلاف مؤدى شهادتهما عما شهد به الاول اذ شهدا أن الطاعن قرر لهما ان المضبوطات تخص....... فى حين ان الاول لم يذكر هذه الواقعة، ولم يطبق الحكم نص المادة 32 من قانون العقوبات برغم توافر الارتباط الذى يقبل التجزئة بين الجريمتين اللتين دان الطاعن بهما، وأخيرا فان المحكمة لم تلق بالا الى ما تمسك به الطاعن من توافر حالة الضرورة فى حقة وكل هذا يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى فى قوله ".... ان..... مساعد مأمور بجمرك السويس حال قيامه بانهاء الاجراءات الجمركية لركاب الباخرة "فرح" فى تاريخ الواقعة تقدم اليه... للتخليص على امتعته وحال قيامه بتفتيشها عثر بداخل كرتونة خاصة بزجاجات الويسكى على كيسين كل منهما يحوى مادة سمراء اللون تشبه مخدر الحشيش فقام على الفور بتفتيش المتهم ذاتيا فى حضور الرائد.... رئيس فرع مكتب الادراة العامة لمكافحة المخدرات بميناء السويس والمقدم...... بمباحث ميناء.... فعثر على كيسين آخرين احدهما داخل جيب الجاكت الايمن الداخلى الذى يرتديه والثانى بكمر البنطلون الخاص به بداخلهما مادة تشبه الافيون وقد ثبت من تقرير المعمل الكيماوى ان المادة السمراء لمخدر الافيون والمادة الداكنة اللون لمخدر الحشيش وقد وزن جوهر الافيون المضبوط 1.860 كجم ووزن جوهر الحشيش 33 جراما كما قدرت مصلحة الجمارك تعويضا قدره 68750 جنيها وذلك التعويض يعادل مثلى الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة على المضبوطات وأورد الحكم على ثبوت الواقعة ادلة سائغة استقاها من اقوال شهود الاثبات وتقرير المعامل الكيماوية، لما كان ذلك، وكان من المقرر ان القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 اذ عاقب فى المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات او الواسطة ملحوظا فى ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركى ولا يقتصر الجلب على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية بل يمتد الى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الاحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها فى الفصل الثانى فى المواد من 3 الى 6 من القرار بقانون بادى الذكر، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم تتوافر به اركان جريمة الجلب كما هى معرفة به فى القانون ولا يلزم ان يتحدث الحكم عن القصد من الجلب على استقلال الا اذا كان المخدر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصى او دفع المتهم بقيام حالة التعاطى لديه او لدى من نقل المخدر لحسابه، وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها يشهد له فانه لا محل لما يثيره الطاعن فى شأن عدم استظهاره اركان جريمة جلب المخدر، لما كان ذلك، وكانت المادة 121 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 قد عرفت التهريب الجمركى بنصها على أن "يعتبر تهريبا ادخال البضائع من أى نوع الى الجمهورية أو اخراجها منها بطرق غير مشروعة بدون أداء الضريبة الجمركية المستحقة كلها أو بعضها او بالمخالفة للنظر المعمول بها فى شأن البضائع الممنوعة. ويعتبر فى حكم التهريب تقديم مستندات او فواتير مزورة او مصطنعة او وضع علامات كاذبة أو اخفاء البضائع الممنوعة" وقد جرى قضاء هذه المحكمة فى تفسير هذه المادة على ان المراد بالتهريب الجمركى هو ادخال البضائع فى اقليم الجمهورية او اخراجها منه على خلاف القانون وهو ما عبر عنه الشارع بالطرق غير المشروعة، وان التهريب الجمركى ينقسم من جهة محله الى نوعين أحدهما يرد على الضريبة الجمركية المفروضة على البضاعة بقصد التخلص من ادائها، ونوع يرد على بعض السلع التى لا يجوز استيرادها او تصديرها وذلك بقصد خرق الحظر المطلق الذى يفرضه الشارع فى هذا الشأن، وفى كلا النوعين اما ان يتم التهريب فعلا باتمام اخراج السلعة من اقليم الجمهورية أو ادخالها فيه، واما ان يقع حكما اذا لم تكن السلعة الخاضعة للرسم او التى فرض عليها المنع قد اجتازت الدائرة الجمركية، بيد أن جلبها أو اخراجها قد صحب بافعال نص عليها الشارع اعتبارا من شأن هذه الافعال المؤثمة ان تجعل ادخال البضائع او اخراجها قريب الوقوع فى الاغلب الاعم من الاحوال، فحظرها الشارع ابتداء وأجرى عليها حكم الجريمة التامة ولو لم يتم للمهرب ما أورده وكانت المادة 15 من القانون ذاته قد نصت على أن "تعتبر ممنوعة كل بضاعة لا يسمح بتصديرها او استيرادها، واذا كان استيراد البضائع أو تصديرها خاضعا لقيود من اية جهة كانت فلا بسمح بادخالها او اخراجها ما لم تكن مستوفية للشروط المطلوبة "وكانت المادة 3 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 قد نصت على ان "لا يجوز جلب الجواهر المخدرة وتصديرها الا بمقتضى ترخيص كتابى من الجهة الادارية المختصة" فانه يعتبر تهريبا اخفاء المواد المخدرة المضبوطة عن اعين رجال الجمارك وهو ما اثبته الحكم فى حق الطاعن فى مقام بيان واقعة الدعوى وتحصيل مؤدى أدلة الادانة، لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بتقصى اسباب اعفاء المتهم من العقاب الا اذا دفع بذلك امامها وكان الطاعن لم يثر هذا الدفاع امام محكمة الموضوع فليس له أن يثيره لاول مرة امام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن فى شأن عدم علمه بكنه المواد المضبوطة فى قوله "ولا تعول المحكمة على ما اثاره الدفاع..... ذلك ان قيام المتهم باخفائه المضبوطات فى اماكن متعددة قصد بها التمويه واخفائها عن اعين رجال الجمارك وهذه الكميات الكبيرة بالنسبة لمخدر الافيون على الاقل ما تتخذ منه المحكمة دليلا على علم المتهم بكنه ما يحرزه من ممنوعات" وكان من المقرر ان القصد الجنائى فى جريمة احراز المخدر او حيازته يتوافر متى قام الدليل على علم الجانى بأن ما يحرزه او يحوزه من الجواهر المخدرة ولا حرج على المحكمة فى استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها، وكان من المقرر كذلك ان العبرة فى الاثبات فى المواد الجنائية هى باقتناع القاضى واطمئنانه الى الادلة المطروحة عليه فقد جعل القانون من سلطته ان يأخذ بأى دليل يرتاح اليه من أى مصدر شاء ولا يصح مصادرته فى ذلك الا اذا قيده القانون بدليل معين، وكان ما ساقه الحكم تدليلا على توافر علم الطاعن بكنه المواد المضبوطة كافيا وسائغا فى اثبات هذا العلم فان ما يثيره فى هذا الشأن يكون غير سديد، لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على دفاع الطاعن بخصوص اختلاف وزن ما ارسل من المضبوطات وما تم تحليله بالفعل فى قوله "اما عن القول باختلاف الوزن بالنسبة لمخدر الحشيش حسبما سلف فانه علاوة على أن ذلك القول غير منتج فى الدعوى اكتفاء من المحكمة بسلامة باقى الاحراز بالنسبة لمخدر الافيون فان الفرق فى ناتج وزن مخدر الحشيش هو من الضآلة بحيث لا ترى معه المحكمة تأثيرا فى تكوين عقيدتها" وكان جدل الطاعن والتشكيك فى ان ما تم ضبطه غير ما تم تحليله ان هو الا جدل فى تقدير الدليل المستمد من عملية التحليل التى اطمأنت اليها محكمة الموضوع فلا تجوز مجادلتها او مصادرتها فى عقيدتها فى هذا الشأن، لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم ان يحيل فى بيان شهادة الشهود الى ما أورده من اقوال شاهد آخر ما دامت اقوالهم متفقه مع ما استند اليه الحكم منها، وكان الطاعن لا يجادل فى ان اقوال الشاهدين الرائد.... والمقدم..... متفقة مع مؤدى اقوال....... التى حصلها الحكم وأحال عليها فى بيان مؤدى أقوال الشاهدين فان منعى الطاعن فى هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد اعتبر الجريمتين اللتين دان الطاعن بهما مرتبطتين وأعمل فى شأنه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه العقوبة المقررة للجريمة الاشد وهى جريمة جلب المخدر مع تطبيق نص المادة 17 من قانون العقوبات، وكان الاصل ان العقوبة الاصلية المقررة لاشد الجرائم المرتبطة ببعضها ارتباطا لا يقبل التجزئة تجب العقوبات الاصلية المقررة لما عداها من جرائم دون ان يمتد هذا الجب الى العقوبات التكميلية التى تحمل فى طياتها فكرة رد الشئ لاصله او التعويض المدنى للخزانة ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما ارتبط بتلك الجريمة من جرائم اخرى فان الحكم اذ اعمل حكم المادة 32 من قانون العقوبات وقضى بالتعويض المنصوص عليه فى المادة 122 من القانون رقم 66 لسنة 1963 يكون صحيحا ويكون منعى الطاعن فى هذا الشأن على غير اساس، لما كان ذلك، وكان الاصل فى القانون ان حالة الضرورة التى تسقط المسئولية هى التى تحيط بشخص وتدفعه الى الجريمة ضرورة وقاية نفسه او غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به او بغيره ولم يكن لارادته دخل فى حلوله. وكان قصارى ما أورده الدفاع عن الطاعن تبريرا لقيام حالة الضرورة انه كان فى حالة فقر اثناء وجوده فى الاردن، وكان الفقر بمجرده لا تتحقق به حالة الضرورة ما لم يقترن بالخطر الجسيم وبشرط الا يكون لارادته دخل فى حلوله وهو ما لم يدعه الطاعن ولا يعيب الحكم أن يلتفت عنه لانه دفاع ظاهر البطلان بعيد عن محجة الصواب، لما كان ما تقدم فان الطعن برمته يكون على غير اساس متعين الرفض.
(1) عدل عن هذا المبدأ بالحكم الصادر من الهيئة العامة للمواد الجنائية بجلسة 24 من فبراير سنة 1988 فى الطعن رقم 3172 لسنة 57 القضائية.
ساحة النقاش