104-قصد القتل. ماهيته: أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والإمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 366
جلسة 11 من مايو سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محفوظ، وبطرس عوض الله.
(72)
الطعن رقم 393 لسنة 34 القضائية
( أ ) قتل عمد. "نية القتل". محكمة الموضوع.
قصد القتل. ماهيته: أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والإمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. استخلاص هذه النية. موضوعي.
(ب) سبق الإصرار. ظروف مشددة.
سبق الإصرار. ماهيته: حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني. استخلاص القاضي لها من وقائع خارجية. مادام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستخلاص.
(ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
لمحكمة الموضوع أن تتبين حقيقة الواقعة وتردها إلى صورتها الصحيحة من جماع الأدلة المطروحة عليها سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة. متى كان ما حصله الحكم منها لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
1 - قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى المطروحة أمام المحكمة موكول لقاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
2 - سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج.
3 - لمحكمة الموضوع أن تتبين حقيقة الواقعة وتردها إلى صورتها الصحيحة التي تستخلصها من جماع الأدلة المطروحة عليها، وهي ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل إن لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم منها لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي. فلا يلزم لاستخلاص صورة الواقعة التي ترتسم في وجدان المحكمة أن يكون هذا الاستخلاص قد ورد على ألسنة الشهود وإنما يكفي أن يكون مستنبطاً بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً مع حكم العقل والمنطق.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في ليله 5 من أبريل سنة 1962 بدائرة قسم الضواحي محافظة الإسماعيلية: قتلا جعفر محمد عطية عمداً مع سبق الإصرار بأن عقدا العزم على قتله وأعد لذلك آلات حادة واصطحباه إلى مسكن الأول ثم فاجآه بطعنات في جسمه قاصدين من ذلك إزهاق روحه فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - وقد ارتكبا هذه الجناية بقصد ارتكاب جنحة أخرى هي أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر سرقا حافظة النقود ومحتوياتها المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق والمملوكة للمجني عليه. وطلبت إلى السيد مستشار الإحالة إحالتهما على محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231، 234/ 3, 317/ 1 - 4 - 5 من قانون العقوبات فقرر سيادته بذلك ومحكمة جنايات الإسماعيلية قضت حضورياً وبإجماع الآراء بتاريخ 22 من يناير سنة 1963 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 1 من القانون ذاته بمعاقبة كل من المتهمين بالإعدام - وقدرت عشرة جنيهات أتعاباً لكل من المحامين المنتدبين. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها طلبت فيها إقرار الحكم الصادر بإعدام الطاعنين.
المحكمة
حيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار المرتبط بجنحة سرقة قد شابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وخطأ في الإسناد، ذلك أن المحكمة استخلصت نية القتل من مجرد القول بأن المجني عليه من تجار الماشية وباع البعض منها يوم الحادث وأن جريمة القتل قد ارتكبت بقصد سرقة أمواله في حين أن مهنة المجني عليه تقتضي منه أن يبيع الماشية يومياً وقد تدر مهنة الطاعن - باعتباره جزاراً - ما تدره تجارة الماشية على المجني عليه ومن ثم فإن هذه الواقعة لا تؤدي في حكم اللزوم العقلي إلى توافر قصد القتل. ثم إن الأوراق خلت من شاهد رؤية واحد رأى الطاعن الأول وهو يرتكب جريمة القتل أو يشترك في ارتكابها وكل ما شهد به والد هذا الطاعن أنه سمع مشاحنة فجاء عند باب الحجرة - وهو رجل مسن كفيف البصر وكان المصباح عبارة عن فتيل - فرأى المجني عليه والطاعنين دون أن يذكر أنه شاهد أيهما يرتكب فعل القتل، كما أن الوقائع التي استخلص منها الحكم توافر ظرف سبق الإصرار لا تؤدي لزوماً إليه طالما أن الطاعن لم يكن في حاجة إلى نقود ولم يرد في الأوراق أنه كان مهيمناً على الموقف أو أنه استولى على مال المجني عليه وما تقاضاه من الطاعن الثاني إنما كان ثمناً لسكوته عن جريمة قد تكون وليدة الساعة وغير مبيت عليها من قبل. ثم إن الحكم لم يبين صاحب الضربة القاتلة من بين الطاعنين ولم يثبت أن الطاعن الأول كان يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ. فضلاً عن أن الحكم لم يرد على دفاع الطاعن الأول حتى أنه لم يذكر اسمه ضمن أسبابه واختلط عليه الأمر فكان يشير إليه بما يجب الإشارة به إلى الطاعن الثاني مما أدى بالمحكمة إلى أنها نسبت إليه من الوقائع ما هو منسوب إلى الطاعن الثاني.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله: "إن تاجر الأغنام جعفر محمد عطية - المجني عليه - باع في يوم 4/ 4/ 1962 أغناماً بمبلغ 26 ج بسوق فايد وهو السوق الذي اعتاد وزميله السيد الحسيني الغلبان تاجر الأغنام أنه يتردد عليه كل أسبوع، ولما فرغ المجني عليه من بيعه في ذلك اليوم استدرجه القصابان أنور عبد القادر حسب وأحمد عبد الرحيم مرزوق الطاعنان الأول والثاني - واللذان يعملان معاً بعين غصبه ويقيمان بسرابيوم بدائرة قسم الضواحي بالإسماعيلية - استدرجاه إلى دار أولهما وقد تظاهرا باستضافته ليقضي الليل معهما وهما يطويان في خبيئة نفسيهما ما عقدا العزم عليه من قبل من الانفراد به وقتله بقصد الاستيلاء على ما معه من نقود، ولما بلغ المتهمان والمجني عليه الدار - وكان فاوى إبراهيم أحمد قد شاهدهم قبيل الغروب وهم في طريقهم إليها - افترشوا الحصير بحجرة ملحقة بالدار ومكثوا يتبادلون الحديث حتى إذا ما ظل المجني عليه سادراً في طمأنينته وأمنه في كنف المتهمين إلى ما بعد منتصف الليل انقض عليه المتهمان وعاجلاه بعدة طعنات قوية من آلة حادة "سكين" وأسخناه بعدة جروح في أكثر من موضع من جسمه ومن بينها ما جاء نافذاً وفي أجزاء قاتلة ثم ذبحاه من عنقه ذبح الشاة قاصدين إزهاق روحه فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وشفعا ذلك بتنفيذ ما قصداه من قبل فاستوليا على حافظة نقوده ومحتوياتها وأقبل الكهل عبد القادر حسب الحاكم - والد المتهم الأول والذي يرقد في حجرة أخرى - على أثر الضجيج مستشعراً أن حدثاً يقع بالحجرة الملحقة بالدار فهاله أن يرى المجني عليه جثة هامدة ومسجاة أمام المتهمين فلامهما على جرمهما بيد أن المتهم الثاني أغلظ له في القول فلم يسعه إلا أن يؤثر السلامة وأن يعود إلى فراشه أما المتهمان فقد عمدا إلى وضع الجثة في جوال جراه في جنح الظلام إلى خارج الدور بسرابيوم وبعيداً عنها ثم ألقيا بالجوال وبه الجثة في زراعة ترمس حيث عثر عليها محمد سليمان خفاجه بعد ظهر اليوم التالي ثم استطاع إبراهيم محمد خفاجه - ابن عمه - أن يقتفي آثار جر الجوال التي خلفها المتهمان فيما بين تلك الزراعة ودار المتهم الأول وكان أن اهتدى تحت إشراف النقيب رشاد الحو معاون عين غصين إلى تلك الدار حيث عثر على دماء آدمية بها وأمامها، وبعد أن تخلص المتهمان من جثة المجني عليه يمما شطر مقهى أحمد الدمراني حيث احتسيا شايا قدمه لهما رزق أحمد الدمراني، وفي الصباح ابتاع المتهمان من القصاب حسن عبد الله حسن ذبيحة وانقداه الثمن مما استوليا عليه من نقود المجني عليه. بيد أن المتهم الثاني ما لبث أن آثر الفرار بنفسه إلى بلدته برويس بالوجه القبلي بعيداً عن مسرح الجريمة وبقى بها إلى أن ألقي القبض عليه. وقد استعرف الكلب البوليسي على المتهمين بعد أن أشتم الجوال الذي كانا قد أودعاه جثة المجني عليه، كما استعرف على المتهم الأول بعد أن شم جلباب وفانلة عثر عليهما على مقربة من مكان الحادث واعترف المتهم الأول باقترافه الحادث مع المتهم الثاني بقصد سرقة نقود المجني عليه. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال عبد القادر حسب الحاكم والقصاب حسن عبد الله حسن ابن عم الطاعن الأول - وفاوى إبراهيم أحمد ورزق أحمد الدمراني والسيد الحسيني الغلبان ومن تعرف الكلب البوليسي وما ثبت من التقرير الطبي الشرعي وتقرير قسم المعامل الكيماوية فضلاً عن اعتراف الطاعن الأول. واستظهر الحكم نية القتل في حق الطاعن الأول وزميله الطاعن الثاني في قوله "ونية القتل هنا ثابتة ثبوتاً أكيداً لأمراء فيه من إقدام المتهمين على طعن المجني عليه بآلة حادة قاطعة من شأنها إحداث القتل وإزهاق الروح عدة طعنات في مواضع قاتلة فضلاً عن ذبحه من عنقه كما تذبح الشاة وهو أمر يمارسه المتهمان ويعرفان أن مثله يؤدي لا محالة إلى الموت". لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمر خفيا لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى المطروحة أمام المحكمة موكول لقاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، ولما كان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام هذه النية سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعنين، فإن ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى بما في ذلك القرائن، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى وأورد الأدلة التي أقام عليها قضاءه بإدانة الطاعنين، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم من قالة الفساد في الاستدلال لخلو التحقيقات من شهود رؤية لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال شاهد الإثبات عبد القادر حسب الحاكم - والد الطاعن الأول - بماله مأخذه الصحيح من أقواله في التحقيقات المضمومة، وكان ما يثيره الطاعن من أن والده كفيف البصر وأن المصباح مجرد فتيل لا يساعد على الرؤية مردوداً بأنه لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أثار هذا الدفاع، فلا يقبل منه طرحه لأول مرة على هذه المحكمة، فضلاً عن أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها الشهادة متروك لتقدير محكمة الموضوع ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحته جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض، أما القول بأن شهادة هذا الشاهد لا تفيد أنه رأى أياً من الطاعنين أثناء مباشرة فعل القتل فإنه مردود بأن لمحكمة الموضوع أن تتبين حقيقة الواقعة وتردها إلى صورتها الصحيحة التي تستخلصها من جماع الأدلة المطروحة عليها، وهي ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل إن لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم منها لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي كما هي الحال في الدعوى المطروحة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر سبق الإصرار في قوله "أما عن ظرف سبق الإصرار فثابت من اتفاق المتهمين الطاعنين معاً على جريمة قتل وإعداد السكين اللازم لتنفيذها واستدراجهما المجني عليه إلى دار والد أولهما واستصحابه معهما إلى الحجرة الملحقة بتلك الدار حيث فاجآه في سكون الليل وهو آمن وقتلاه وذلك تنفيذاً لما انتوياه من سرقة ما يحمله من نقود"، وما ساقه الحكم فيما تقدم سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون، ذلك بأن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره. أما ما يقوله الطاعن الأول من أنه لم يكن في حاجة إلى المال وأن ما تقاضاه من الطاعن الثاني إنما كان ثمناً لسكوته عن الجريمة التي لم يكن مهيمناً عليها فإنه من قبيل الجدل الموضوعي الذي لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حدد في بيان كاف الأفعال التي قارفها كل من الطاعنين بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دانهما بهما، وإذ أثبت الحكم في حق الطاعنين اتفاقهما على قتل المجني عليه عمداً مع سبق الإصرار بقصد سرقة نقوده، ووجودهما معاً على مسرح الجريمة وقت مقارفتها واتحاد نيتهما على تحقيق النتيجة التي وقعت واتجاه نشاطهما الإجرامي إلى ذلك، فإن هذا وحده يكفي لتضامنهما في المسئولية الجنائية باعتبارهما فاعلين أصليين في جريمتي القتل والسرقة، وليس بلازم والحال كذلك أن يحدد الحكم الأفعال التي أتاها كل منهما على حدة، ولما كان الحكم قد استخلص أن الطاعنين قد استعملا السكين في إحداث القتل وهي آلة - على الصورة التي أوردها الحكم - تحدث الموت - وقد تحقق بها القتل فعلاً، فإنه لا يقدح في ثبوت الواقعة عدم ضبط الآلة المستعملة في الحادث. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم من قالة التناقض في التسبيب والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع بعدم الرد على دفاعه، فإنه جاء قولاً مرسلاً إذ لم يبين في أسباب طعنه وجه تناقض الحكم وخطأه في الإسناد، وكانت الأسباب قد خلت من التناقض فضلاً عن أن الأدلة التي عول عليها الحكم في قضائه لها مأخذها الصحيح من المفردات المضمونة، وكان الطاعن لم يحدد كذلك ماهية الدفاع الذي أغفل الحكم الرد عليه لمراقبة ما إذا كانت المحكمة قد تناولته بالرد من عدمه، وهل يعد من أوجه الدفاع الجوهرية التي تستلزم من المحكمة رداً أو هو من قبيل الدفاعع الموضوعي الذي يعتبر الرد عليه مستفاداً من القضاء بالإدانة استناداً إلى الأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها، وفضلاً عن ذلك فإنه يبين من محضر جلسة المحاكمة أن دفاع الطاعن قد اقتصر على إنكار مقارفة الجريمة وإلقاء تبعتها على الطاعن الثاني وهو دفاع موضوعي لا يستلزم من المحكمة رداً صريحاً، ومع ذلك فقد عرض الحكم إلى هذا الدفاع وأطرحه في قوله هذا ولا تلتفت المحكمة إلى ما أثاره المتهم الأول - الطاعن الأول - في قول له من أن المتهم الثاني وحده قد انفرد باقتراف الحادث وبطعنه المجني عليه واستيلائه على نقوده وأن ما أسهم به هو مجرد مشاركة المتهم الثاني في نقل جثة المجني عليه بعيداً عن مسرح الجريمة إلى الزراعات وحسب المحكمة لاعتباره مسئولاً كفاعل أصيل في اقتراف الجريمة أنه استدرج والمتهم الثاني المجني عليه في الحجرة الملحقة بدار والده هو وأن والده قد أكد في التحقيقات بأنه حينما سمع وهو في حجرته بالضجيج هرع إلى الحجرة الأخرى وهناك لقي المجني عليه جثة هامدة ومسجاة على الأرض والمتهمان يقفان إلى جواره، كما أنه وقد وجد بجثة المجني عليه أكثر من عشرين جرحاً قطعياً فضلاً عن تمزق في جيب صديريه توصلاً للاستيلاء على نقوده، بل واقتسام المتهم الأول تلك النقود مع المتهم الثاني، كل ذلك إن دل على شيء فإنما يدل بيقين وبحق على أن الاعتداء الذي وقع على المجني عليه لم ينفرد به المتهم الثاني وحده وإنما أسهم معه فيه ولا شك المتهم الأول، وهو رد كاف - وسائغ في إطراح دفاع الطاعن. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث إن الطاعن الثاني ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال، ذلك أن الحكم عول في إدانته على أسباب غير ثابتة في أوراق الدعوى ومن غير أن يشهد ضده شاهد رؤية وإنما بنى قضاءه بالإدانة على قرائن لا ترق إلى مرتبة الدليل مع أنه لا يحق الحكم بالإدانة لمجرد هذه القرائن.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى - كما سلف البيان - بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المرتبط بجنحة سرقة التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وكان الحكم قد عرض إلى دفاع الطاعن الثاني الموضوعي وأطرحه في قوله "ومن حيث إن المتهم الثاني جنح إلى إنكار التهمة المسندة إليه سواء بالتحقيقات أو بالجلسة ودفعها بأنه لا يعرف المجني عليه وبأنه كان بعيداً عن مسرح الجريمة إبان وقوعها إذ كان في سوق عين غصين منذ الساعة 6 حتى الساعة 10 مساء ثم نام أمام مقهى جابر البرولس وبإذن منه حتى بكورة اليوم التالي وأضاف بأنه عاون جابر البرولس في محل الخضار في الساعة 9 مساء وإذ سئل هذا الأخير في التحقيقات نفى ذلك كله، وأضاف بأنه سافر إلى بلدته برويس في الوجه القبلي ظهر اليوم التالي وذلك ليرعى والديه اللذين أقعدتهما الكهولة عن مواصلة أعباء الحياة... وأن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم الثاني ولا إلى ما أثاره من دفاع، وذلك لما ثبت مما قرره المتهم الأول وشهد به الشهود على النحو بادي الذكر وهو ما اطمأنت إليه المحكمة ووثقت به وعولت عليه، خاصة أن المتهم المذكور لم يستطع دحض ذلك بما يهدر أو يضعف من قيمته، وقد كذبه شاهده جابر البرديسي في كافة ما ادعاه هذا فضلاً عن أن مما يزيد المحكمة اطمئناناً ويقيناً إلى إدانة هذا المتهم من جهة أخرى تعرف الكلب البوليسي عليه عقب شم الجوال الذي عثر به على جثة المجني عليه وليس هذا فحسب بل ومبادرته - أي المتهم - إلى الهرب إلى بلدته عقد ارتكابه الحادث". لما كان ذلك، وكان ما ساقه الحكم المطعون فيه من أدلة تبريراً لقضائه، وما أورده من عناصر رداً على دفاع الطاعن الثاني الموضوعي له - جميعه - أصله الصحيح من أوراق الدعوى مما ينفي عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد على ثبوت الواقعة في حق الطاعنين أدلة مستمدة - كما سلف البيان - من أقوال شهود الإثبات واعترف الطاعن الأول ومن التقرير الطبي الشرعي وتقرير قسم المعامل الكيماوية ومن تعرف الكلب البوليسي. وهي أدلة وقرائن سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وكان لا يلزم لاستخلاص صورة الواقعة التي ترتسم في وجدان المحكمة أن يكون هذا الاستخلاص قد ورد على ألسنة الشهود وإنما يكفي أن يكون مستنبطاً بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق وهو ما لم يخطئ الحكم فيه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث إن النيابة العامة عرضت القضية على هذه المحكمة في الميعاد طبقاً لما هو مقرر في المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وقدمت مذكرة برأيها في الحكم انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام الطاعنين.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق القضية أن الحكم المطروح قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان بها الطاعنين وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها على ما سلف بيانه في معرض التصدي لأوجه الطعن المقدمة من الطاعنين. كما أن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون وإعمالاً لما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم 107 لسنة 1962 من استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم بالإعدام وصدوره بإجماع آراء أعضاء المحكمة، وقد جاء الحكم سليماً من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى يصح أن يستفيد منه المحكوم عليهما على نحو ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، ويتعين لذلك إقرار الحكم الصادر باعدام المحكوم عليهما أنور عبد القادر حسب وأحمد عبد الرحيم مرزوق.
ساحة النقاش