حق الزوجين في حل عصمة الزوجية من القرآن الكريم والسنة
قال تعالى:﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232) ﴾(البقرة)
قال r:( لا طلاق في إغلاق) (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وأبو يعلى والحاكم والبيهقي)
إن الشرع الحكيم، مع حرصه على استقرار الحياة الزوجية وتوفير كل السبل الكفيلة بتحقيق ذلك، كما رأينا في المجموعتين السابقتين، إلا أنه ـ مع ذلك، ومراعاة للواقع، ودرءا للمفاسد التي قد تنتج عن استمرار هذه الحياة الزوجية ـ شرع الأحكام التي تنهي العلاقة الزوجية، وضبطها بضوابط دقيقة حتى يقلل من آثار التفريق وأسبابه ما أمكن.
والبحث المقاصدي في هذه الناحية يطرد مع مقاصد الشرع في الناحيتين السابقتين، وهو الحرص على استمرار الحياة الزوجية واستقرارها، فلذلك كان أكثر عملنا في هذا الجزء هو البحث عن القيود التي تحد من عملية التفريق، وتجعلها محصورة في الرغبة الأكيدة من الزوج أو من الزوجة في التفريق مع إتاحة فرص الرجعة بعد ذلك ما أمكن.
وقد لجأنا لهذا ـ مثلما فعلنا في المجموعتين السابقتين ـ لتراثنا الإسلامي بمذاهبه المختلفة، زيادة على اللجوء لمصادر الدين الأصلية من الكتاب والسنة، وكانت أكثر آرؤانا الترجيحية في هذا الباب تميل إلى تضييق أبواب التفريق إلا في الحدود التي نراها تدل دلالة كافية على توفر حقيقة قصد التفريق من الزوجين.
وقد قسمنا الحديث في هذه المجموعة إلى أربعة أجزاء:
الأول: وهو هذا الجزء، وهو يبحث في حق كلا الزوجين في إيقاع الطلاق، تناولنا فيه بالتفصيل الضوابط الشرعية التي تحفظ هذا الحق لكلا الزوجين، وفي نفس الوقت تحمي من استعماله في غير ما قصده الشرع من مقاصد، وقد قدمنا له بفصل تمهيدي مهم جعلناه مقدمة لسائر أجزاء المجموعة.
الثاني: وقد خصصناه للتفريق الذي جعله الشارع لولي الأمر، حماية للزوجة من تعسف الزوج، أو تعضيدا لما جعل لها من حق في حل عصمة الزوجية، وقد خصصناه بجزء خاص بناء على اختلاف أحكامه عن سائر انواع التفريق.
الثالث: وقد خصصناه للصيغ التي يتم بها التطليق، وهي الركن الثالث من أركان الطلاق، بل اعتبرها بعضهم الركن الوحيد في الطلاق لأهميتها، وقد تحدثنا فيه عن التعابير التي يمكن استعمالها للتطليق من اللفظ والكتابة والإشارة وغيرها، ثم صيغ التعابير اللفظية، باعتبارها هي الأصل في الاستعمالات العادية للطلاق، ثم تحدثنا عن تقييد صيغ الطلاق بمختلف التقييدات من الشرط والاستثناء والعدد ونحوها.
وبالإضافة إلى ذلك تحدثنا عن الصيغ المشابهة للطلاق مع أنه لا يقع بها، بل لها أحكامها الخاصة، كالظهار والإيلاء.
الرابع: وقد خصصناه للآثار الناتجة عن الفرقة الزوجية، فتناولنا في الحديث عن أحكام العدة، وعن الضوابط الشرعية للرجعة، مع بيان الحلول التي وضعها الشارع لإعادة الحياة الزوجية إلى مسارها الأصلي، وذلك إما بالرجعة في العدة، أو الرجعة بعد انتهائها، ثم تحدثنا عن المتعة، باعتبارها من الحقوق المالية التي تنتج عن الطلاق.
وبذلك شملت هذه الأجزاء الأربعة الحديث عن كل أنواع الفرقة الزوجية وضوابطها مع محاولة طرحها بالأسلوب الدقيق المبسط، والحمد لله أولا وآخرا.
أولا ـ مدخل إلى أحكام الفرقة الزوجية
سنتناول في هذا الفصل التمهيدي لهذا الجزء والأجزاء التالية له الحديث عن موضوعين كلاهما له دور كبير في التأسيس لما سنذكره في الفصول التالية:
أما الأول، فهو الحديث عن أنواع الفرقة الزوجية، وأحكامها وآثارها بصفة عامة، باعتبار هذا الجزء وما يليله من أجزاء مخصصة لهذه الأنواع، ويحتاج التفصيل فيها إلى النظرة الإجمالية التي قدمناها في هذا المبحث، وبه نرى وجه الترتيب الذي راعيناه في هذا الجزء.
أما الثاني، فهو عن الأسس التي اعتمدناها عند ذكر ما نراه من الترجيحات في هذا الباب، وذلك للاستغناء بها عن الاستدلال لكل ترجيح.
وبذلك يكون المبحث الأول مبحثا تمهيديا للمسائل والفروع الفقهية، ويكون المبحث الثاني خاصا بالرؤى الترجيحية.
ـ أنواع الفرقة الزوجية ومقاصدها
لغة: الفَرْقة: خلاف الـجمع، فَرَقه يَفْرُقُه فَرْقاً، وفَرَّقه، وقـيل: فَرَقَ للصلاح فَرْقاً، وفَرَّق للإِفساد تَفْرِيقاً، وانْفَرَقَ الشيء وتَفَرَّقَ وافْتَرَقَ.
والتَّفَرّقُ والافْتِراقُ سواء، ومنهم من يجعل التَّفَرّق للأَبدان والافْتِراقَ فـي الكلام؛ يقال فَرَقْت بـين الكلامين فافْترقا، وفَرَّقْتُ بـين الرجلـين فَتَفَرَّقا، وقوله تعالى :﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ ﴾(البقرة:50)؛ معناه شققناه. والفِرْقُ: القِسْم، والـجمع أَفْراق.
والفِرْقُ: الفِلْقِ من الشيءِ إِذا انْفَلَقَ منه، ومنه قوله تعالى:﴿ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾(الشعراء:63) أَراد فانْفَرَقَ البحرُ فصار كالـجبال العِظام وصاروا فـي قَرَاره.
والفُرْقة: مصدر الافْتِراق. قال الأَزهري: الفُرْقة اسم يوضع موضع الـمصدر الـحقـيقـي من الافْتِراقِ.
و فَارَقَ الشيءَ مُفارَقةً وفِراقاً: بايَنَهُ، والاسم الفُرْقة. وتَفَارَق القومُ: فَارَقَ بعضهم بعضاً. وفَارَقَ فلان امرأَته مُفَارقةً وفِراقاً: بايَنَها<!--.
اصطلاحا :انحلال رابطة الزواج , والفصل والمباينة بين الزوجين , سواء أكانت بطلاق أم بغيره.
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
ساحة النقاش