ايهاب العمرى
إن أحد الأساليب التي قد تتبعها أمريكا في سوريا في سبيل ليس فقط إسقاط النظام بل إسقاط البلد بأكملها في وحل المستنقع الأمريكي هو تشجيع نشر والمساهمة في نشر كل ماهو متعلق بأمريكا من عادات وتقاليد ثقافية وإجتماعية وحتى أكل وشرب السوريين سوف يتم محاولة تحويره ليوافق الهوى الأمريكي وهو مايشبه سياسة التغيير الناعم بدون حروب ومظاهرات ونوشتاء حقوقيين وعاصري ليمون ودماء وتمويل تقوم أمريكا بدفعه لجهات معينة ليست عبارة إلا عن أدوات لها. الدوائر المختصة بالسياسة الأمريكية إكتشفت أن السبب الرئيسي لصمود الدولة السورية والرئيس السوري على رأسها هو وجود قاعدة تأييد شعبية واسعة وممتدة من مختلف أطياف ومكونات الشعب السوري
هم لم يفلحوا بنخر تلك القاعدة لإسقاط الدولة بالحرب ولم يفلحوا بنخرها عن طريق موضوع الطائفية لأن من يتبع طريق الطائفية هم كانوا أقلية وليسوا ذو أهمية فأغلبهم كانوا يعملون مهربين وتجار مخدرات وممنوعات وعاطلين عن العمل ولا يملكون أي خلفية يقافية تؤهلهم للتأثر على أطياف واسعة من الجماهير التي تشكل القاعدة الشعبية المؤيدة للرئيس السوري. إن لم يكن هناك وعي كبير فما لم يأخذوه بالحرب سوف يأخذونه بتلك الطريقة. وسوف يسأل الكثيرون ما علاقةالشركات الأمريكية مثل ماكدونالد وكنتاكي و ول مارت بتلك السياسة الناعمة وما هو مدى تأثيرهم؟ الشركات الإحتكارية الأمريكية أولا في حال إنتشارها في بلد معين فهي سوف تستنزف الإقتصاد الذي سوف يصب في جيوب مستثمريهم ومساهميهم وهم في الأغلب من الأمريكيون ورجال الأعمال الأمريكيون الذي لهم الكلمة الفصل في أغلب تلك الشركات. الإقتصاد المحلي لن يستفيد من تلك الشركات التي سوف يكون المبدأ الأساسي الذي تتمكن من خلاله جني الأرباح هو العمالة الرخيصة وإستنزافها لحد الإنهاك مقابل أجور رخيصة وتافهة ونقل تلك الأرباح إلى بنوك أمريكية ويستفيد من ذالك الإقتصاد الأمريكي
إذا هو إستعمار إقتصادي سوف يهلل ويطبل له الكثير من رجال الأعمال المحليين من النفعيين والمرتزقة المأجورين المبهورين بالحضارة الغربية ولو على حساب بلدهم ومثال عليهم رئيس وزراء سوري سابق أظن جميع السوريين يعرفونه ويعرفون مدى مساهمته في تخريب الإقتصاد السوري بحجة تحديث سوريا وتطويرها. ثانيا يقوم مبدأ الشركات الإحتكارية الأمريكية العابرة للقارات على قتل السوق المحلية بمختلف أنواع المنافسة غير الشريفة كأن يبيعوا سلعا رخيصة حتى إفلاس التجار المحليين فيجبرون على بيع أعمالهم لتلك الشركات أو أن يصبحوا مجرد تابعين لها يزودونها بالسلع والخدمات مقابل أرباح تافهة لا تعد ١% من الربح التي تجنيه تلك الشركات الإحتكارية ومثال واضح على ذالك شركات مثل (ول مارت) الأمريكية التي عليها مشاكل وشكايات في أمريكا نفسها ورفعت عليها دعاوي قضائية بسبب سياستها الإحتكارية حتى داخل أمريكا فما بالكم بما سوف تفعله في حال دخلت سوريا والوطن العربي وتوسعت فيه؟ ولكن ماهي السوق المحلية التي يجب القضاء عليها وفق السياسة التي تتبعها الشركات الإحتكارية العابرة للقارات؟ كيف يمكن تعريف تلك السوق؟
أنا سوف أبسطها وأقول لكم أمثلة بسيطة فمثلا الدكان أو البقال أو ما نطلق عليه هو الدكنجي بلهجتنا العامية سوف يتأثر لأنه لن يستطيع المنافسة مع أسعار البضائع والسلع الرخيصة الذي سوف تعرضها محلات البيع بالتجزئة مثل (ول مارت) وهناك الآلاف من البقالين سوف يتعرضون للإفلاس وبيع مصالحهم وقد يصبحون موظفين في (ول مارت) وبأجور تافهة. أصحاب المطاعم الصغيرة وخصوصا المطاعم الشعبية التي تقدم أطباق الفول والحمص سوف تتأثر لأنها لا تملك مئات الملايين من الدولارات لتنفقها على الدعاية والإعلان كما تفعل شركات مثل ماكدونالد وكنتاكي لتقنع المستهلكين بالإقبال على منتجاتها الغير صحية وهي نقطة قد يكون لي فيها عودة وبالتفصيل لتبيان كيفية مساهمة مطاعم الوجبات السريعة وخصوصا في أمريكا بنشر كافة الأمراض المتعلقة بالبدانة المفرطة وأمراض القلب وتصلب الشرايين وغير ذالك الكثير. تدمير الصناعات والشركات والمصالح ذات الحجم الصغير والمتوسط بحجة نظيمها وإيجاد القوانين لتنظيم عملها هو هدف من أهداف سياسة الحرب الناعمة لإحدث تغيرات مجتمعية وهي نفس السياسة التي كان يتبعها عميل صهيو/أمريكي سابق بمنصب رئيس وزراء في سوريا. هل من السوريين من لا يعرف سوق الحميدية في دمشق؟
قد تقدم شركة إحتكارية عابرة للقارات مثل (ول مارت) أو أي شركة من شركات البيع بالتجزئةعن طريق من يمثلها من رجال الأعمال المحليين للدولة عرضا ببناء مجمع تجاري على الطريقة الأمريكية مكانه فتقوم الدولة عن طريق مسؤول لا ذمة ولا ضمير له بوضع اليد على محلات السوق وتعويض أصحابها بما ولا يتناسب مع قيمة محلاتهم ومنح الأرض لشركة (ول مارت) وذالك بحجة المصلحة العامة والمنفعة العامة. هذه أمثلة بسيطة وهناك غيرها الكثير منها الأفلام الأمريكية وهي أحد أدوات التغيير الناعم والسياسة الناعمة وهي تهدف إلى تغيير الذاكرة الشعبية ومحيها تماما إن أمكن. ذهاب الأب وأبنائه بشكل جماعي لشراء الطعام من مطعم شعبي يوم الجمعة أو في يوم العطلة الأسبوعية هو إحتفالية أسبوعية تجمع أفراد الأسرة وتجمع الأب بأبنائه وتناول الطعام من مطعم شعبي لا يقتصر على يوم واحد في الأسبوع ولكن الطقس الأسبوعي الذي يجمع أفراد الأسرة ببعضها هو المستهدف بتغييره لصالح إنفرادية أبناء الأسرة الواحدة حتى بعادات طعامهم وشرابهم مما يؤثر على اللحمة الأسرية والمجتمع بالمجمل وخطوة بخطوة وعندما يتم القضاء على تلك العادات والذاكرة الشعبية ومحيها وإلغائها فسوف يكون كشف القناع عن الوجه القبيح لسياسة الحرب الناعمة وأهدافها الحقيقية
ويتسائل الجميع ماهو الحل؟ كيف يمكن مواجهة الواقع المفروض على بلد معين بسبب سياسة التغيير الناعم؟ هل يمكن منع تلك الشركات من دخول سوريا؟ الحل هو مزدوج فأولا يجب أن تكون الأولويات الإقتصادية لأي دولة تكون مستهدفة بسياسة التغيير الناعم وليس فقط سوريا تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب الحرف المتعلقة بالتراث والذاكرة الشعبية. أحد الأدوات لتنفيذ تلك السياسة هو تأسيس هيئة لتشجيع تلك الصناعات والحرف ويكون موكلة بدراسة المشاريع المقدمة إليها لتمويلها وتقديم المساعدة التقنية والمشورة للشباب القائم على تلك المشاريع وتكون أيضا من مهماتها تأسيس كلية للتدريب تقوم بتنفيذ عدد من البرامج التدريبية التي تكون مدروسة وبدقة ومبنية على مدى حاجة المجتمع وتعتمد على دراسات إقتصادية يتم تنفيذها كل ثلاثة إلى خمسة سنين في المتوسط. هذه البرامج ضرورية ومهمة فقد يظن بعضهم أنه من السهل تأسيس مشروع مثل مطعم شعبي أو محل خياطة أو محل بيع بالتجزئة أو محل بقالة صغير أو متوسط فيما يعرف بالميني ماركت ولكنها مهمة صعبة متعلق نجاحها بالكثير من الجزيئيات فمثلا قد تتطلب مهارات معينة في إعداد الطعام أو الخياطة أو المحاسبة والحصوصل عليها قد يكون صعبا من غير تدريب وتمويل وإشراف فالسوق المحلية يستوعب الآلاف من تلك المشاريع التي قد تساهم بحل مشكلة البطالة أو علها منخفضة ولكن هناك عجز سببه ضعف التخطيط
ثانيا سوف يسأل الكثيرون عن كيفية تمويل تلك الأفكار والإجابة بسيطة وتكون بفرض ضرائب على الشركات الإحتكارية العابرة للقارات يتم تمويل تلك الأفكار من عائدات تلك الضرائب ويجعل وجود تلك الشركات في سوريا مؤلما وموجعا بسبب كثرة الضرائب وقلة الأرباح مما يجعلها تحزم حقائبها وترحل أو تخفض مستوى عملياتها بما لا يؤثر على الأسواق المحلية والتاجر المحلي. هذه فكرة ليست جديدة فبعض الدول التي تجني الشركات الإحتكارية العابرة للقارات أرباحا خيالية فيها بدأت بسن قوانين تفرض على تلك الشركات إستثمار جزء معين من أرباحها داخل تلك البلد عن طريق أفكار ومشاريع تقترحها الدولة أو أية مشاريع تلقى قبولا لدى تلك الشركات للدخول فيها. يجب عدم التساهل في تلك الأمور وعدم الإستهوان بها وأن نتسائل عن المدى الذي سوف تأثر فيه سياسة التغيير الناعم وعن الوقت الذي سوف يستغرقه تنفيذ تلك السياسة وإلا سوف يستيقظ السوريون في يوم يجدون بلدهم قد ضاعت وذهبت ضحية لتلك الشركات الإحتكارية وسياسة التغيير الناعم. تحية ثورة فلسطين الوطن أو الموت