*وصف شالي*
- تقوم "شالي" أو بالآخرى "أطلال شالي" فى وقتنا الحاضر فوق صخرة عاتية ، كأنما تعلن لكل قادم عن وجودها .. وإنها مازالت ، وستظل ، تطل على الأجيال المتعاقبة ، محدثة أياهم بأمجاد أسلافهم الأولين .
-شالي التي أ سسها الأربعون رجلاً ، الذين أبقت عليهم الأحداث ممن كانت تعج بهم قرية "سيدى مسلم " ولقد شادوها فوق الصخرة لكى تكون لهم حصناً يقيموا شر هجمات البدو .
- أول ماتقابله في"شالي" الباب الكبير أو (الباب إنشال) كما كانوا يدعونه ومعناها باب البلد ولم ينشىء الأربعون رجلاً باباً غيره .
- وهو عبارة عن باب مصنوع من أعجاز النخيل ضخم الهيكل ، وفي جداره آثار موقد كبير لازالت الجدران من حوله تعلوها طبقة من الدخان المتكاثف عليها وبجواره مصطبة صغيرة عليها كان يجلس حارس الباب ، وكانت له مهمة غير الحراسة هى تدبير النار للبلدة كلها ، إذ لم يكن الكبريت معروفاً فكان عليه أن يعمل على عدم خمود النار فى الموقد العمومى .. لذلك كان يأخذ ضريبة على كل داخل إلى "شالي" يحمل حطباً ، وتلك الضريبة عبارة عن عود واحد مما يحمله ليلقي به في النار .. فتظل متقدة ومنها تأخذ البيوت الشعل وإذا خمدت فإنهم يقومون بإشعالها أن يأتوا بقطعة من عزف نخلة ويحكوها بقطعة من الجريد في حركة سريعة بعد أن ينزعوا عنها طبقتها العليا فتتولد الحرارة من إحتكاكها ، ثم يولد الشرر .. الذى منه يوقد النار .. ولازالت هذه الطريقة متبعة إلى الآن ، ويمارسها الزقالة فى الحطايا البعيدة ، إذا لم يجدوا الكبريت .
*أم جليدة*
وبعد خطوات قليلة من "الباب إنشال" فى شارع ضيق متصاعد تجد *****أمام باب ضغير لايكاد يظهر إلا لمن يعرفه ، وهذا هو باب "أم جليدة " وهو السجن الذى أنشأه الأربعون رجلاً ، وكانوا لايسجنون فيه إلا الغرباء الذين يشاهدون حول البلد مجال مريب فيقبض عليه " الزقالة" ويقدمونهم إلى "مجلس الأجواد" الذى يأمر بسجنهم حتى تبدو جلية أمرهم ، فإن كانوا حسنى النية ، سمحوا لهم بالإقامة ثلاثة أيام للتزود ، على أن يرحلوا بعدها .. وإن ساءت نيتهم حاسبوهم حساباً شديداً ، ربما ينتهى بالإعدام .
*خص أبى عجاجة *:-
بعد أم جليدة بخطوات يقع "خص أبى عجاجة" وفيه كان ينعقد مجلس الأجواد ،وهو عبارة عن رحبة فسيحة عليها سقيفة من سعف النخيل ، وبها عدة مصاطب متناثرة ، وأبو عجاجة رجل صاحب فضل وبركة ، قدم إلى " سيوة " فقيراً فإبتنى له كوخاً أمام المسجد العتيق فسمى المكان بإسمه ، و الراجح أنه من جهة " عجاجى " بالقرب من "سيدى برانى " .
*المسجد العتيق * :-
ويقوم بناؤه خارج السور ويفتح ويفتح بابه بداخله وهو بناء رحيب ، به أعمدة من الطين ، وفى شماله الشرقى رحبة بها غرفتان ... وعدة نوافذ ضيقة تطل على الجهة البحرية ...
.. أما الغرفتان ، فالشرقية للمدنيين والغربية للسنوسيين يعقدون فيها أذكارهم ويستقبلون الرواد كلما حل أحد منهم بالواحة .
.. أما النوافذ فإنها بمثابة عيون لمراقبة مساطيح البلح ، عندما يشمون رائحة غزو تحوم فى الأفق حتى إذا ماهاجمهم الغزاة إصلوهم ناراً من تلك النوافذ الضيقة .. فيصيبون العدو ودون أن يتمكن من الرد عليهم .
* باحويطى *:-
وعلى مسافة من المسجد العتيق ، تصل إلى منزل عال يشرف على " شالي " جميعها ، وليس أكثر إرتفاعاً منه إلا مئذنة المسجد العتيق ، وهذا هو " باحويطى " أى دار المنادى أو "البريح" كما يدعى الآن فى سيوة وكانت مهمته أن يعلن أوامر مجلس الأجواد على أهل سيوة بعد صلاة العشاء ، وكذلك أسعار البلح والزيتون ، ويعلن عن قدوم القوافل ، وعن موعد رحيلها فيهرع الناس إليها فيقضى كل حاجته منها .
وكان البريح يأخذ أجراً على ذلك من فرادات العاقول كالسقى العمومى ، وكاتبى البلد والرقاب ومؤذن المسجد العتيق وشيخ الخبر ، وفى بعض الأحيان كان السيويون يرسلون إليه أجراً إختيارياً كأن ينفحوه بعض الطعام الجيد كل ليلة .
*المعصرة * :-
وبعد وبمقربة من "باحويطى " تقع المعصرة التى أنشأها الأربعون رجلاً المؤسسين لشالي ، والتى يعدد مترها بمثابة سجل تعريف بهؤلاء المؤسسين ، ويقع بجوارها " الباب أترار" أى " الباب الجديد" الذى أنشىء بعد الباب "إنشال" بحوالى مائة عام .
*المساطيح*
والمساطيح مفردها مسطاح .. وهو المنشر الذى يخزن فيه محصول البلح والزيتون ، وإليه يقصد التجارالراغبون فى الشراء .. فهو إذن سوق البلح الدائمة .
وقد كان الأولون يكسبون البلح فى زنابيل صغيرة تتسع لصاع منه ويسمونه "تقودست" والجمع "تيقوداس" وهم يهدفون من وراء ذلك إلى أمرين :-
أولا : ليسهل تداولها والتعامل معها ، إذ كانوا لايعرفون العملة أنذاك فكانت هذه الزنابيل هى قروشهم وريالاتهم ، وكانت التجارة قائمة على أساس التبادل بالسلع ، بينهم وبين التجار الوافدين والمقيمين .
ثانياً: أن البلح كان يخزن فى الدور ، والحجرات رطبة لاتدخلها الشمس ولا يتجدد هواؤها لقلة نوافذها ، فكان الكبس يقيه شر التلف .
*مسطاح اللُّبَّــق*
وسمى بهذا الإسم لوقوع أغلبه فى أرض كانت مملوكة لجماعة يدعون " اللبّق" فى" شالي" واللبق كلمة سيوية معناها القمامات .
وقسم هذا المسطاح ستة عشر قسماً ، وأطلق على كل إسم "مارس" وعرض "المارس" أربعة وعشرون ذراعاً .
أما طوله فمن شمال المسطاح إلى جنوبه .
ثم قسمت هذه الموارس بين العائلات المكونة للشرقيين ولكل من يملك قسماً الحق أن يبيع منه ، أو يزيد عليه بالشراء من جيرانه ، ولقد أصاب للسيويون ببناء هذه المساطيح فوائد جمة منها :-
1. تعريض البلح والزيتون للشمس والهواء ووقايتهما من الرطوبة وهذا هو الهدف الأساسى من وراء بنائها .
2. تجميع محاصيل الواحة كلها فى مكان ةاحد ، فأصبح هذا المكان بمثابة سوق عامة ، يجرى فيه البيع والشراء بعيداً عن الدور ، وبذلك يتفادون دخول الغرباء داخل "شالي" وهم لايأمنون مغبّة ذلك .. فربما كانوا جواسيس غزو جاؤهم فى زى تجار .
3. وضع مساطيح أمام البلد أتاح لهم مراقبتها ، والدفاع عنها دون التعرض للأذى ، وقد جعلوا لكل مسطاح خفيراً يقوم بحراسته ، يتولى عرض البلح على التجار ، والتعريف بصاحب كل عرمة ، والعرمة كومة مخروطية مقدارها عند الأغنياء 300 صاع ، أى تسعون كيلة ، وعند الفقراء 200 صاع أى ستون كيلة .
واشترطوا فى غفير مسطاح أن يكون عبداً أسود ، لأنه محظور على نساء سيوة مخاطبة الرجال الغرباء عنهن ، ولبعضهن حدائق ونخيل وتدعهن المصلحة إلى أن يحادثن الغفير ، وبما أنهم يرون فى العبد الأسود أقل الإنسانية شأناً فلا ضير إذن على النساء من محادثته . فلن يحرك فى نفوسهم ما يجعلهن يحفلن به .
ولكل غريب الحق فى دخول المسطاح ، والأكل من أية عرمة تروقه وليس للخفير أن يمنعه مطلقاً إلا إذا حاول أخذ شيء معه عند خروجه .
*الماء فى سيوة *
لعل مما يستدعى النظر وإنتباه الزائر لواحة سيوة ، كثرة عيونها وينابيعها النتشرة فى أرجائها ، ويتردد أن سيوة كانت فى العصور القديمة تحتوى على أكثر من ألف عين ونبع .
والعيون الموجودة حالياً مشيدة جميلة البناء ، وأغلبها أحواضاً دائرية ترتفع عن الأرض بمقدار نصف متر ، يتراوح قطر دائرتها بين 10:30 قدماً وإذا ما ألقى الإنسان عليها نظرة ، ترادى له ماؤها الصافى ساجياً عند أطرافه .
والماء فى سيوة كثير ويزداد عند الحاجة حتى أنه يذهب سدى إلى الملاحات والبحيرات الكثيرة الإنتشار فى أرجاء الواحة ، وقد وصلت عيون الماء هذه إلى حالة من الإهمال حتى قامت وزارة الأسغال بترميمها 1934م .
* عين الجوبة *
وأهم العيون فى سيوة عين هى "الجوبة " إذ تعتبر أوسع العيون حوضاً وأكثرها تصريفاً ، وقد عرفت قديماً بـ..."عين الشمس" ولها خواص طبيعية غريبة ، إذ أن درجة حرارة مائها كانت تتغير بحسب تقدم الشمس فى الأفق ، فتبدأ فاترة عند الشروق ، ثم باردة عند الظهيرة ، ثم فاترة ثانية عند المساء ، فإذا ما إنتصف الليل أو كاد شوهدت فى حالة غليان ، على أن هذا الكلام لم يلمسه أحد لا من أهالى سيوة ولا من المترددين على الواحة وإنما كتبه الأجانب الذين زاروا الواحة فى الفترات المختلفة ، وكل مايمكن أن يكون حقيقة واقعة هو والإرتفاع الملموس فى درجة حرارة مائها ، إذ تبلغ شتاءاً 27 درجة سنتجراد ، فهى إذن من العيون الحارة المياة .
ويلى عين "الجوبة" فى الأهمية عين "خميست" و"طموسى" و"تابا" و"غليت" و "الزيتون" وكذلك عين "قريشت" .
وتنقسم عيون الواحة ثلاثة أقسام ، وذلك من حيثالملكية :-
1. عيون مشتركة : وهى التى يشترك فى ملكيتها أكثر من واحد ، وينتفع أصحابها بمائها فى رى زراعاتهم على السواء ، ولهذه العيون نظام يتبع فى توزيع المياه ، إذ يوزع ماؤها بحساب "الوجبة " ، والوجبة هى النهار فقط .. إذ اليوم وجبتان.
وتنقسم الوجبة بدورها إلى ثمانية أقسام ، ويسمى كل قسم "ثمناً" ، وتباع الملكيات الزراعية على أساس "الثمن المائى" ، ويتوقف إرتفاع الثمن أو إنخفاضه على كمية الماء التى تنتجها العين ، وتقدر ثروة الرجل بمقدار ما يملكه من ماء .. إذ على قدر الماء يستطيع أن يزرع وأن يزيد فى غلته وإيراده .
*********************************************
وتنقسم العيون إلى ثلاثة أقسام من حيث الإستعمال :-
1. عيون تستعمل للزراعة والشرب ،"كطموسى" و "طلحرام" .
2. وعيون لاتستعمل إلا للزراعة فقط ، لملوحة مائها ، كعين " قريشت" .
3. عيون تستعمل للشرب فقط كعين"تابا"
أما من حيث حرارة المياه فإنها تنقسم إيضاً إلى قسمين :-
1. عيون باردة : وهى التى درجة حرراتها 15 سنتجراد فأقل كعين "أم مغلى" و "غابة جويدى " و "غليت " .
2. عيون حارة : وهى التى درجة حرارة مائها 20 سنتجراد فأكثر .. كعين "ملول" و "الجوبة" و"طموسى" .
على أن يكون ذلك فى فصل الشتاء ، وقتما تكون درجة حرارة الجو بين 10:8 سنتجراد .
والجدير بالذكر أن أهمية هذه العيون قد تضاءلت إلى حد بعيد فى العصور الحديثة بعد ظهور الآبار الإرتوازية التى يمكن التحكم فى فتحها وإغلاقها كيفما يشاءون.
ويقوم بتنظيم المياه فى هذه العيون إثنان :
1. مؤذن المسجد العتيق : وعليه إعلان الوقت ليلاً ، أذ يؤذن من مئذنة المسجد العتيق ، بعد نصف الليل بساعة ونصف الساعة ، ويسمى هذا الإعلان "الثناء الأول " ويطلقون عليه " ثانـّول" وله صيغة مخصوصة .
وبعد ساعة ونصف من الثناء الأول ، يؤذن أذاناً ثانياً يسمونه "تأدهّب" ومعناها أن وقت الثناء الأول قد ذهب وعندها يترك الماء من هو ماض فى الرى ، ويبدأ من عليه الدور .. ويعمل مؤذن المسجد العتيق بمنازل لنجوم إلى تأدهب وبعد ذلك تشير المواعيد بطلوع الفجر ، وشروق الشمس ، إلى أن يتسلم الرجل الموكول إليه التنظيم بالنهار .
2. الرقاب : وحقيقتها الرقيب .. وهذا يعمل نهاراً منذ شروق الشمس إلى غروبها على "المزولة" وعلى كل من له موعد إستلام الماء أن يذهب إليه فى مكانه الذى إتخذ عند "خص أبى عجاجة" ويخبره بموعده .. فإذا ما حلأبلغ "الرقاب" صاحب الموعد .. وعادة يظل إلى جواره حتى ينبهه إلى موعده..
ولكل عين "حسّاب" يرشد أصحابها لمواعيد الرى التى تخصهم فيها ، وهؤلاء يذهبون إلى "الرقاب" فيخبرونه بمواعيدهم ، حتى إذا ما حلت نبههم إليها .إذن فالرقاب واحد وهو الذى يجلس فى خص "أبى عجاجة " وأما الحسّابون فهم كثر بعدد عيون الواحة ..........
ساحة النقاش