مصر هي اصل الحضارة منذ القدم فقد عرفت الزراعة منذ ستة الاف عام قبل الميلاد و تعتبر الزراعة في مصر حجر الزاوية للتنمية الاقتصادية ودعامة للأمن الغذائي. وتحتل الفاكهة مكانة بارزة بين الحاصلات الزراعية لكبر مساحتها المنزرعة وكذلك لمعدل ربحيتها العالي بالاضافة إلي حجم صادراتها المرتفع وإمداداتها لمصانع الصناعات الغذائية.
ولإلقاء المزيد من الأضواء علي سبيل تطوير إنتاجية أشجار الفاكهة المختلفة كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور محمد حامد إدريس رئيس قسم البساتين السابق بزراعة الأزهر وكان هذا الحوار
المستوي اللائق
- .....................؟
- بالفعل لقد تركزت الجهود في الآونة الأخيرة علي تطوير الإنتاج لمحاصيل الفاكهة وتنمية هذا الإنتاج باستخدام الأساليب العلمية الحديثة والأخذ بأفضل المعاملات الزراعية لرفع مستوي إنتاجية الحدائق الحالية وزيادة الرقعة المنزرعة بالفاكهة بهدف توفير الفاكهة لسد احتياجات السوق.
لكن هذا الأمر يتطلب مزيدا من الاهتمام بدراسة العوامل المتعلقة بزيادة الإنتاج دراسة علمية حتي تصل الحدائق الي المستوي اللائق والذي يؤدي الي رفع الإنتاج لسد حاجة الاستهلاك المحلي المتزايد والاستغناء عن استيراد بعض أنواع الفاكهة مع تحقيق فائض في بعض أنواعها لنتمكن من التصدير
قضايا أساسية
-......................؟
- هناك ثلاثة تحديات رئيسية تواجه الزراعة المصرية هي:
اتفاقية الجات او اتفاقية التجارة العالمية والتي ستشهد في الثلاث سنوات التالية الجولة الاخيرة من المفاوضات للوصول للصيغة النهائية التي ستحكم التجارة في القرن القادم.. واهم القضايا الساحنة المطروحة والتي تتطلب علي الزراعة المصرية مواجهتها هي قضية دعم المزارعين في دول الاتحاد الاوروبي والتي تطالب أمريكا ومعها كندا واستراليا والارجنتين ونيوزليندا بإلغائها ولو تحقق ذلك سوف ترتفع قيمة فاتورة الغذاء الذي تستورده مصر من دول الاتحاد الأوروبي
القضية الثانية التي يجب أن تواجهها الزراعة المصرية هي قضية تجريم تشغيل الأطفال وهم يشكلون العمالة الرخيصة في الزراعة المصرية خاصة في جني القطن أما القضية الثالثة فهي الزراعة النظيفة بدون كيماويات أو مبيدات وقضية خلو الصادرات المصرية من الأمراض والآفات وقضية الحاصلات المهندسة الوراثية وحقوق الملكية الفكرية وحقوق المربي والاعتبارات التي سوف تفرض علي الصادرات لاعتبارات خاصة بالبيئة والعمالة والقدرة التنافسية والتي تتطلب استخدام التكنولوجيا الحديثة التي ترفع الإنتاج وتخفض التكاليف
إنتاجية متدنية
-.....................؟
- هناك عدة عوامل وراء إنخفاض إنتاجية محاصيل الفاكهة المتمثلة في انخفاض متوسط محصول الفدان وقلة الجودة ومن أهمها: البيئة فمن الملاحظ أن الكثير من المزارع تزرع في مصر في ظروف مناخية غير مناسبة بالمرة لهذا يجب تحديد المناطق المناخية Climatic Zones في مصر وتحديد أنسب مايزرع فيها حتي لا يقع الزراع في خطأ عدم الاختيار المناسب لنوع مصنف الفاكهة التي يزرعونها وبالتالي قلة المحصول فالبرتقال ابو سرة مثلا لايناسبه ارتفاع الحرارة والجفاف وفاكهة المناطق المعتدلة تحتاج لتوفير كميات من البرودة لتخرج من كسونها، اما اثر التربة فهو واضح فهناك العديد من الأنواع لاتجود في الأراضي الجيرية وأخري لاتتحمل الملوحة وبعضها لايتحمل ارتفاع مستوي الماء الأرضي عن البعض.. الزراعة علي أصول غير مناسبة أو زراعة قديمة إذ يجب ان يؤخذ في الاعتبار استمرار إدخال الاصول الجيدة وإدخال مايستجد من اصناف يتطلبها السوق العالمي عند الرغبة في التصدير الخارجي ويفضل بالطبع الاصناف التي تتحمل الحرارة وقلة الرطوبة ونقص برودة الشتاء كما يجب استيراد الاصناف مبكرة النضج لنجد نافذة تصديرية أو ميزة نسبية عند التصدير للأسواق العالمية ـ عدم الاهتمام بصناعة المشاتل التي لابد من اعطاء صفة الضبط القضائية للمشرفين عليها وتحديد مزارع اشجار للامهات المختبرة والمنسبة والمسجلة لانتاج أصول جيدة خالية من الطفرات والآفات ويجب تطوير المشاتل وامدادها بالتقنيات الحديثة من الالات والأدوات ومعامل زراعة الأنسجة ومعمل لتسجيل البصمة الوراثية وبنوك الجير مبلازم -- سوء أداء العمليات الزراعة المختلفة والادارة المزرعية فما زالت العمليات المختلفة من ري وتسميد وخدمة التربة ومقاومة الحشائش والافات تجري بطريقة عشوائية في اغلب المزارع كما أن الري الحديث كالتنقيط والرش مازال غير منتشر ولاتعطي المقننات المائية الملائمة ولايؤخذ في الاعتبار اختلاف الكميات مع اختلاف الظروف البيئية المتغيرة يوميا ولاينظر الي حد الاستنزاف الذي يجب ألا يتأخر عنه الري ولاينظر الي عمق الجذور ولا الاحتياجات المختلفة لمراحل النمو المختلفة للنبات أما التسميد فلا ينظر لاختلاف الاحتياجات السمادية باختلاف العمر الفسيولوجية للنبات واختلاف العناصر ودورها في مراحل النمو المختلفة ولاينظر الي التوزيع الجيد للسماد ووضعه في منطقة الجذور النشطة والذي يمكن أن يقنن عن طريق التسميد مع الري Fertigation ولم يهتم بعد بعلاقة الظروف البيئية بتطور الافات للتنبؤ بانتشار الافة او المرض.
لمقامتها في الوقت الملائم لا توجد آلية لدعم القرار ولم تستخدم بعد تطبيقات الحاسب الالي في الزراعة ـ عدم إلمام المزارعين بالوقت المناسب لجمع الثمار فدراسات تحديد مواصفات ودرجة الجمع وربطها بالظروف البيئية غير كافية لإرشاد المزارعين عن مواعيد ومواصفات الثمار عند الجمع ومازال الجمع يجري بطريقة بدائية تؤدي الي تلف وتقليل الثمار والمحصول وغالبية العبوات غير ملائمة ولا توجد إمكانيات التبريد الحقلي.. زيادة نفقات الانتاج التي آدت الي تقليع كثير من المزارعين لبساتينهم مما يعد خسارة قومية وتتمثل زيادة النفقات في ارتفاع أجور العمالة الفنية وندرتها خاصة في الاراضي الجديدة وارتفاع مستلزمات الانتاج وارتفاع سعر الكيلووات للتيار الكهربي مع فرض ضرائب إضافية علي المنتجين.
سبل المواجهة
-...........؟؟
- بالطبع هذه الصعاب يمكن التغلب عليه وذلك عن طريق اتباع الاتي: تدريب الكوادر الفنية اللازمة علي احدث اساليب الانتاج ـ زيادة استخدام الميكنة في العمليات البستانية ـ ترشيد استخدام الأسمدة والتسميد بالطرق المثالية ـ تقليل استخدام المبيدات واستخدام افضل وسائل الرش واللجوء للمكافحة المتكاملة وزيادة تربية الأعداء الطبيعية واستخدام المواد الطاردة والفرمونات ـ زيادة كفاءة الري وتطوير الري الحقلي للحد من استهلاك الكهرباء والوقود ـ الحد من الضرائب الإضافيةـ إحكام الرقابة علي المشاتل بإصدار قانون يمنع بيع الشتلات الا بتصريح من الوزارة وكذلك قانون يمنع شراء الشتلات الا من المشاتل المرخصة مع الاحتفاظ الدائم بشهادة للمصدر ـ استنباط أصناف وهجن عالية الإنتاج مبكرة النضج مقاومة للجفاف ولارتفاع درجة الحرارة ومقاومة للآفات تتفوق علي الأصناف الحالية تحديد أوفق المناطق الزراعية للأصناف والأنواع المختلفة التي تحقق أعلي إنتاجية بربط الإنتاج بالأرصاد الجوية الزراعية واستخدام برامج الحاسب الالي لدعم القرار الزراعي التوصل الي انسب حزمة من التوصيات الفنية لرفع الكفاءة الإنتاجية للأصناف والأنواع المنزرعة للحصول علي اكبر عائد الاهتمام بمنظومة الإرشاد الزراعي رسم خريطة للجمهورية باستخدام GES لتحديد انسب الأماكن لزراعة كل نوع من أنواع الفاكهة مع ضرورة الاستعانة بالمعلومات الجغرافية الزراعية عند تحديد التركيب المحصولي لتفادي انخفاض الإنتاجية نتيجة الزراعة خارج الحزام الجغرافي المناسب لكل محصول ـ عمل مسح لحدائق الفاكهة الحالية للوقوف علي حالة الأشجار من حيث التدهور والإصابة بالأمراض خاصة الفيروسية وتقديم المشورة الفنية لرفع كفاءة تلك الحدائق.
كما يجب حصر المزارع القديمة والمهملة التي تتواجد وتنتشر في العديد من مناطق الجمهورية ومساعدة مزارعيها علي تجديدها بالقرط الجائر واعادة تطعيمها وتطهير تربتها او إعادة زراعتها طبقا لأحدث الأساليب العلمية مع توفير القروض الميسرة لمزارعيها لتشجيعهم علي القيام بذلك.
ويجب كذلك الاهتمام بتقليل الفاقد إذ أن تلف الثمار عند الجمع والتسويق يعد خسارة كبيرة للمنتج والمستهلك وللثروة القومية علي حد سواء لذلك يجب التوجه الي تصنيع المنتجات البستانية خاصة ثمار الدرجة الثالثة والنقضة والمرتجع في منتجات تحويلية هامة مثل البكتين الطبيعي وتشجيع صناعات مثل العصائر مع استخدام نسبة السكر والمواد الحافظة بما يتلاءم مع المواصفات العالمية، وكذلك صناعة الزبيب وتعبئة البلح والفاكهة المجففة والمربات وتمليح الزيتون وإنتاج زيته.
التسويق والتصدير
-...........؟؟
- من المشاكل الهامة في قطاع الحاصلات البستانية عملية التسويق حيث يقوم معظم المزارعين ببيع مزارعهم كلالة اي لتاجر ثمار الحدائق مما يؤدي الي نقص كبير في غلة الفدان او بيعها في أسواق الجملة بأسعار تقل كثيرا عن قيمتها الحقيقية فالمنتج لا يحصل في الغالب سوي 30% مما يدفعه المستهلك مما يدفع المنتجين الي عدم الاهتمام بمزارعهم لقلة العائد لذلك أري: العمل علي زيادة قدرة الافراد والهيئات بتعبئة إنتاجهم في عبوات مناسبة وبيعها في منافذ خاصة دون تدخل الوسطاء، إبراز دور اتحادات المنتجين أو شعبها المتخصصة، إنشاء وحدات للتجميع والتجهيز والتعبئة وتوجيه الصالح للتصدير او للسوق المحلي في منافذ للبيع خاصة باتحادات المنتجين وغير الصالح للتسويق يوجه الي التصنيع الغذائي وللتغلب علي مشاكل التسويق يجب العمل علي إنشاء نظام تعاوني لتصريف المحاصيل مثل جمعية مصدري البطاطس وينضم الي عضويتها أصحاب الحدائق التي تحقق إنتاج متميزا بحد أدني وتقوم الجمعيات بإرشاد المزارعين عن افضل طرق الإنتاج وتمدهم بالمستلزمات والفنيين والعمال المهرة ثم تقوم باستلام المحصول وتسويقه.
أما بالنسبة لزيادة صادرات الفاكهة فيكون عن طريق الحصول علي الصالح للتصدير من خلال المراكز الحديثة للتجميع والتعبئة مع رفع كفاءة محطات التعبئة الحالية، تطوير وسائل النقل بأسطول من المبردات، استخدام عبوات محلية جيدة المواصفات رخيصة التكاليف حسنة الشكل، عمل الدعاية الخارجية الملائمة والاعتماد علي المصريين المهاجرين بالإضافة إلي تطوير نظام البيع بالخارج من خلال الاتحادات وتقليل دور الوسطاء.
كفاءة الباحثين
...................؟
بعد العمل في مجال البحوث الزراعية ولمدة ثلاثين عاما أري أن وطننا الحبيب يحتاج إلي نهضة كبري في مجال رفع كفاءة الباحثين تؤدي إلي تطوير الباحث المصري الذي يجب ان يتسلح بوسائل جديدة من العلوم الحديثة وأن يحصل علي التدريب الكافي ليكون قادرا ومؤهلا لتحقيق برامج التنمية لمواجهة التحدي المفروض علينا أمام العالم المتقدم لكي نلحق بركب الحضارة المتسارعة الخطي واعتقد ان ذلك هو مسئولية الجامعات المصرية ومسئولية وزارة الزراعة أما أهم الموضوعات الواجب توجيه البحوث والمشاريع البحثية نحوها لتحقيق نهضة في انتاجية الحاصلات البستانية فهي دراسة مشاكل الجفاف والملوحة ونقص المياه وتقليل فاقد ما بعد الحصاد، سبل خفض تكاليف الانتاج وترشيد استغلال المياه والأسمدة، القيام بدراسات علي طرق تربية النباتات ودراسات انسب مواعيد القيام بالعمليات الزراعية المختلفة والتي تختلف باختلاف الموقع الجغرافي وتأثير العوامل الجوية، دراسات المقننات المائية والسمادية لكل منطقة من مناطق الجمهورية لمعرفة الاحتياجات الحقيقية لمختلف الحاصلات البستانية التي تجود بها وارشاد المزارعين بها القيام ببحوث تنظيم الحمل وتحسين جودة الثمار وتبكير النضج بالاضافة إلي الدراسات علي استخدام الحاسب الالي في تقدير الاحتياجات السمادية والمائية ومواعيد الرش بكاسرات السكون وبرامج الدعم الزراعي ويأتي قبل كل ذلك العمل علي تعزيز قدرات نقل التكنولوجيا ودعم التدريب علي كافة المستويات لدعم كفاءة نقل الحزم التكنولوجية إلي مواقع الانتاج بصورة سريعة وفعالة حتي يمكن تحقيق الثمار المرجوة من تلك الأبحاث.
دور الوزارة
.....................؟
لوزارة الزراعة دور هام ومحوري للنهوض بانتاجية تلك الحاصلات ويمكن تلخيص أهم النقاط المطلوبة منها في الآتي:
ـ انشاء البنك الوراثي الذي يقوم بحفظ وتوصيف وتحسين الأصول الوراثية النباتية لاستخدامها في برامج التربية واستيراد وأقلمة الأصناف التي تلائم الزراعة في مصر واختبارها وتقييمها للوقوف علي أهمها والذي يتناسب مع ظروفنا المناخية والتربة المصرية كما يقوم بانتخاب التراكيب الوراثية الجيدة وأيضا بعمل التهجينات الوراثية لتحسين المحاصيل المختلفة بالاضافة إلي عمل البصمة الوراثية لها حتي يمكن الحفاظ عليها.
ـ انشاء حدائق تابعة للوزارة لزراعة أشجار الأمهات لأنواع الفاكهة واصنافها المختلفة تكفي لسد حاجة المشاتل من عيون الطعم والعقل مسجلة مضمونة المصدر لوقف التدهور في السلالات الوراثية.
ـ انشاء حديقة عزل بعيدا عن اراضي الوادي والدلتا لا تقل عن 50 فدانا مزودة بقسم للاكثار ومشاتل وصوب ومعمل لزراعة الأنسجة وقسم للأمراض والحشرات.
ـ انشاء حديقة لزراعة الفاكهة علي أصول مقصرة كمزرعة تجريبية لاختبار نمو الأشجار وإتمام العمليات الزراعية عليها آليا بما فيه الجمع لكي تكون بمثابة حدائق ارشادية للمنتجين الجدد لاستخدام الميكنة الكاملة في ادارة المزارع.
ـ دعم مشاريع التوسع في الزراعة الصحراوية مع استخدام وسائل الري والتسميد الحديثة مع الاهتمام بتربية المجموع الجذري ومتابعة انتشار الجذور.
وفي ختام الحوار يطالب د. محمد ادريس بضرورة الاهتمام بحدائق الفاكهة المحدودة الانتشار في مصر التي لم يقبل عليها المستهلك المصري رغم جودة انتاجها وملاءمة زراعتها تحت الظروف المصرية مثل الزبدية والقشطة والعناب والسابوتا والباشون والباباط وغيرها وعدم تقليعها وتوجيه انتاجها للتصدير إذ أن ثمارها تلقي رواجا هائلا في الأسواق الخارجية.