بقلم: فاروق جويدة 2076
غدا يبدأ تلقي طلبات الترشح لمنصب رئيس الجمهورية
وتبدأ مصر أول تجربة في عصرها الحديث لانتخاب رئيس لها.. تبدأ حشود المرشحين والناخبين الاستعداد للمعركة أمام شواهد كثيرة لم تتضح تماما معالمها, فلا أحد يعرف من سيبقي من الأسماء المطروحة لمنصب الرئاسة ولا أحد يعرف ما المفاجآت التي ربما تظهر في اللحظات الأخيرة قبل أن يبدأ السباق..
اعترف أن تجربة جيلي لم تكن مرضية مع هذا النوع من الأحداث الكبري, فلا نحن اخترنا رئيسا لنا ولا عرفنا شيئا يسمي الانتخابات وكل ما شاهدناه هو نظام غريب يسمي الاستفتاء ونتائجه المضللة99.9%.. شاء قدرنا ألا نري رئيسا منتخبا وألا نشاهد أحزابا حقيقية وأن نقضي عمرنا نتحدث عن ديمقراطية مزيفة وانتخابات مشبوهة وشعب لا رأي له ولا حساب.. كانت علاقتنا برؤسائنا تحكمها اعتبارات شكلية في الخطب والاستقبالات والمهرجانات والولائم.. وكان المشهد الوحيد الذي جاء خارج سياق الأحداث التي تعودنا عليها أن يقف آخر رؤسائنا في قفص المحكمة ليسدل الستار علي منظومة من الحكم غاب فيها الشعب وتقيدت إرادته..
لم تكن الانتخابات المزورة هي السمة الوحيدة في نظم الحكم التي فرضت نفسها علي المصريين سنوات طويلة فقد كان لكل فترة مظاهرها.. في البداية كانت دولة أهل الثقة التي اختارت الولاء الأعمي لزعيم لا ننكر أننا أحببناه وتمنينا لو أنه أيضا أحبنا ولكنه رد للفقراء اعتبارهم.. ثم كانت دولة السداح مداح, حيث انفتحت خزائن مصر للمضاربين والسماسرة وإن اتسمت بقدر من الحكمة في إدارة شئونها ويكفي أن فيها نصرا مثل أكتوبر ثم جاءت مرحلة الهبش الكبري والتهليب السريع, حيث ثم توزيع ثروات مصر علي مجموعة من الأشخاص وكما بدأت ثورة يوليو بانقلاب علي الأثرياء انتهي الأمر بعصابة أخري استولت علي موارد الدولة.. خسرت مصر في كل هذه المراحل مجموعة كبيرة من مقوماتها التاريخية والحضارية والفكرية.. وبعد أن كانت صاحبة الدور والريادة في الفكر والثقافة تحولت إلي مستورد لأحط أنواع السلوك شرقا وغربا وتراجع كل شيء فيها ابتداء بالقيم والثوابت وانتهاء بالملبس والمظهر.. من قلعة للفكر المتحرر المستنير إلي ساحة للتطرف ومن بيت للفن والإبداع الراقي إلي مدارس للإسفاف والفن الهابط, وكان ذلك كله هو أسهل الطرق إلي الاستبداد والتخلف والتبعية.. كان حلم كل مصري العلم والثقافة وأصبح المال والثراء الجاهل والمال الحرام هو الحلم والغاية وتغيرت مفاهيم المجتمع واختلطت كل الثوابت فيه..
والآن نسأل أنفسنا وأمامنا فرصة هي الأولي من نوعها في حياتنا أن نختار رئيسنا القادم.. فما المواصفات المطلوبة فيه ؟..
أقول:
> أريد رئيسا يحترم آدميتي ولا يبدأ مشواره معنا وهو يتحدث عن البسطاء والفقراء والجوعي ثم ينتهي به الحال إلي بطانة وعرش وعصابة تستغل كل شيء حوله.. نريده إنسانا بسيطا مثلنا يعرف وجوهنا ويحفظ ملامحنا ولا يخجل من رعاياه ولا يكره شعبه..
> نريد رئيسا مثقفا يعرف تاريخ وطنه العظيم يحمل اسمه ويحفظ ذاكرته ويستطيع أن يتحدث عنه بفخر واعتزاز لأنه يدرك قيمته تاريخا وحاضرا ومستقبلا.. نريده مثقفا حتي لا يترك نصف هذا الشعب ثلاثين عاما مشاعا للأمية لا يقرأ ولا يكتب.. نريده مثقفا حتي يحرص علي أن يحكم شعبا واعيا يدرك حقوقه وواجباته ولا يعتقد أن الجهل أكبر وسيلة للاستقرار وان الأمية هي الطريق إلي ديمقراطية العجز والتخلف..
> نريد رئيسا يخاف الله بلا تشدد ويجب دينه بلا دروشة أو أدعاء.. ويعامل الناس كل الناس علي أنهم بشر يخطئون ويصيبون ويؤمنون بكل الأديان ويدركون أن العمل عبادة وأن العطاء فريضة وان الدين لله والوطن لنا جميعا..
> نريد رئيسا يحب هذا الوطن أكثر من حبه للسلطة ويعشق هذه الأرض أكثر من عشقه للمال.. ويحب البناء ولا يرضي بالخراب, خاصة خراب البشر.. لأن الاستبداد لا يبني إنسانا والبطش لا يرفع أوطانا وخطيئة الحاكم الكبري أن يرفع الجهل ويبطش بالحكمة ويجمع اللصوص ويستبيح الفكر ويعشق النفاق ويجالس السفهاء وينسي أهل الفضل..
> نريد رئيسا يحكم بالعدل, فلا يأكل الوليمة وحده ويترك البقايا لشعبه ولا يجمع اللئام ويطرد أهل الكرم ولا يتصور أن خزائن الوطن مال خاص يتحكم فيه كما يحب وأن يكون راضيا مؤمنا بأنه أمين علي ثروات شعبه وليس مالكا لها..
> نريد رئيسا مترفعا لأن مكانة وطنه وقيمته من قيمة شعبه, فلا يذل نفسه لأحد ولا يطأطئ رأسه لغير شعبه وأن يحافظ علي سمعة وطن يتحمل مسئوليته فلا يفرط في كرامته ولا يتنازل أمام إهانة ولا يقبل لنفسه ما يغضب شعبه ويشعره بالهوان..
> نريد رئيسا لا يظن أنه آخر العباقرة وانه يعلم كل شيء.. وليس في حاجة لأن يستعين بأحد.. نريده إنسانا عاديا يؤمن بالرأي الآخر ولا يخجل أبدا من ألا يعرف بعض الأشياء ويسعي لأن يستعين بأهل العلم والخبرة والكفاءة وأن يؤمن دائما إنه أكثر علما بالعلماءواكثر فهما.. بأهل الخبرة..
نريد رئيسا يشعر بآلام الناس ولا ينسي مع الوقت وبطانة السوء أن الحكم مسئولية وأن المنصب أمانة وأن السلطان عبء ورسالة.. حين يجلس الحاكم بين أتباعه ومريديه وحملة المباخر حوله يصبح النفاق وساما ويصبح الولاء شفاعة ويصبح النهب حقا ويتصاعد دخان المباخر ويحجب الرؤيا والرؤي فلا يري الحاكم غير بطانة سوء تزين له الباطل وتخفي عنه الحقيقة وتزداد المسافة وتتسع الفوارق حتي لا يري أحدا ويكره الشعب حاكمه وينفر الحاكم من شعبه وتكون القطيعة..
> نريد حاكما لا يتعالي علي فقراء شعبه ويدرك أن مسئوليته أن يخرج بهم من سراديب الفقر إلي آفاق الكفاية, أن الحاكم ليس مسئولا فقط عن عصابة من الأفاقين تحيط بعرشه وتعبث في بلاطه.. أن مسئوليته عن شعبه تفرض عليه مسئوليات وأعباء ومواقف وينبغي إلا يخجل الحاكم من فقر رعيته وأن يحاول أن يخرج بهم إلي حياة أفضل..
> نريد رئيسا يفرق بين الحلال والحرام, فلا يقبل لنفسه مالا حراما ولا يترك حاشيته أوصياء علي مال الشعب فلا يوزع الهبات بلا حق والعطايا بلا عدل ولا يجمع حوله رفاق السوء من المغامرين والمتآمرين والسماسرة وأن يفصل بين ماله ومال الشعب فلا يترك مصير الوطن في يد رفاق أو أبناء أو حاشية..
> نريد رئيسا يؤمن بأن للسلطان نهاية.. فلا يوجد حكم غير زائل ولا يوجد منصب أبدي وأن ينسحب في الوقت المناسب ليترك الفرصة لغيره حتي لا يجد نفسه في مواجهة قدرية لا يستطيع الهروب منها..
نريد رئيسا يؤدي دوره في خدمة شعبه ثم يعود مواطنا عاديا يمشي في الأسواق ويتكلم مع الناس ويعيش حياته ويستكمل عمره بلا حراسات أو مؤامرات وأن ينهي حياته بدعوات شعب يحبه..
> نريد رئيسا يحكمنا بلا أسرته.. ويقودنا بلا أبنائه من حقه أن يكون زوجا صالحا وأبا حنونا ولكن بشرط ألا يفرض علينا في سلطة الحكم شركاء آخرين.. حين يختار الشعب رئيسا فهو لا يختار أسرة حاكم ولكنه يختار إنسانا يحكمه.. أنت أمام صندوق الانتخابات تختار حاكما لشعب ولا تختار زوجا لابنتك..
> نريد رئيسا لا يترك الزمام لزوجة ولا يترك الميراث لأبناء ولا يترك الحكم لعصابة سوء ولا يقبل أن يكون محللا لزواج باطل أو صفقات مشبوهة أو مال حرام..
> نريد أن نعرف كل شيء عن ذمته المالية وما يملك هو وأسرته وأن نعلم كل شيء عن حالته الصحية وما يعانيه من العلل والأمراض وأن يقدم لنا تاريخ حياته بكل الصراحة والوضوح..
> نريد رئيسا يحترم إرادة الشعب وحقه في برلمان حقيقي منتخب.. وحكومة لها اختصاصات ومسئوليات واضحة وسلطات قضائية وتنفيذية وتشريعية ورقابية تمارس دورها ومسئوليتها في إدارة شئون الدولة بلا تجاوزات أو تحايل حرصا علي مصالح الوطن والمواطنين..
> نريد رئيسا مهموما بمشاكل وأزمات شعبه, فلا يسكن برجا عاجيا ولا يسكن منتجعا بعيدا وكأنه في عالم آخر.. نريد رئيسا يأكل طعامنا.. ويستنشق هواءنا الملوث ويري وجوهنا المتعبة حتي لا يترك المغامرين يستوردون لنا طعاما مسرطنا أو يزرعون لنا فاكهة قاتلة أو يخلفون لنا سحابة سوداء تأكل أعمارنا.. نريد رئيسا يشعر بآلام الإنسان وضرورات حياته ولا يجلس مع عصابة تزين له الباطل وتؤكد له أن الشعب يموت فيه عشقا بينما الشعب يلعنه في كل صلاة..
> علي الرئيس القادم أن يدرك أن مصر تغيرت وأن الشعب الذي صنع الثورة لن يقبل دكتاتورا جديدا أو مستبدا غاشما.. وأن أزمات مصر تحتاج إلي جهد وعمل دءوب وأن الذين عرفوا ميدان التحرير يمكن أن يعودوا إليه في أية لحظة وأن الذين حطموا أيادي القهر قادرون علي قطعها ألف مرة.. نريد رئيسا يحبنا كما نحبه ويعيش معنا ويشاركنا احلامنا لنبني مستقبلا أفضل..
> نريد رئيسا يحب مصر أم الدنيا.. ودرة الزمن والتاريخ وأن يكون واحدا من شهداء عشقها وما أكثرهم..
هذه فرصتنا الأولي وقد تكون الأخيرة لأن نختار حاكما يليق بنا لنكون شعبا حرا يستحق حياة كريمة.
.. ويبقي الشعر
باعونـا يوما يا ولدي.. في كـل مزاد
اسأل أرشيف المأجوزين..
وفـتـش أوراق الجلاد
اسأل أمريكـا يا ولـدي..
واسأل أذنـاب الـموساد
إن ثار حريق في الأعماق
يثـور الكـهنة.. والأوغاد
فتصير النـار ظلال رماد
سيجيء إليك الدجالـون بأغنية
عن فـجيء سلام
السـلم بضاعة محتـال وبقـايا عهد الأصنـام
والسـلم العاجز مقبرة.. وسيوف ظلام
لا تـأمن ذئـبا يا ولـدي أن يحرس طفـلا في الأرحام
لن يصبح وكـر السفـاحين وإن شئـنـا.. أبراج حمام
لن ينـبت وطـن يا ولدي في صدر سجين
لن يرجع حق في أنفاس المخمورين
حجر في كـفــك يا ولـدي سيف الله فلا تـأمن
من شربوا دم المحرومين
من أكـلـوا لحم المسجونين
من باعوا يوما قـرطـبة
من هتـكـوا عرض فلسطيــن
فاقـطع أذنـاب الدجالين
واهدم أبراج السفـاحين
لتعيد صلاح.. إلي حطـين
في وطـنك قبرك يا ولـدي
لا تـتـرك أرضك مهما كـان
أطــلق أحجارك يا ولـدي في كـل مكـان
ابدأ بخطايا داود
واختم برؤوس الكـهان
لا تتـرك في الكـعبة صنـما
ولـتـحرق كـل الأوثـان
لن يصبح بيت أبـي لهب
في يوم دار أبي سفـيان
لا تـسمع صوت أبـي جهـل
حتـي لـو قـرأ الـقرآن
فزمانـك حقـا يا ولدي
زمن الإيمان.. الإيمان
واجعل من حجرك مئذنة
ودعاء مسيح.. أو رهبان
واجعل من حجرك مقــصلة
واخرس تعويذة كـل جبان
فالزمن القادم يا ولـدي
زمن الإنـسان.. الإنـسان
من قصيدة ان هان الوطن يهون العمر سنة 1990
المزيد من مقالات فاروق جويدة
ساحة النقاش