المستور فى تعديل الدستور

أعلن المستشار طارق البشري رئيس لجنة تعديل الدستور المكلف من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة التعديلات التي أجرتها لجنته مبينا أن هذه التعديلات طالت فقط  المواد المتعلقة بالإنتخابات في الدستور، سواء تلك المتعلقة بانتخابات رئاسة الجمهورية أو تلك المتعلقة بالإنتخابات البرلمانية، وذلك حسب التفويض الممنوح له من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي حدد عمل اللجنة في تعديل هذه المواد فقط وما قد يتعلق بها من تشريعات.

  وقرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد ايام من إعلان التعديلات إجراء استفتاء عام عليها في 19 مارس 2011 تاركا فرصة محدودة من الوقت لمناقشة هذه التعديلات في إطار حوار وطني شامل قبل طرحها للإستفتاء العام. وطبقا للجدول الزمني الذي يقترحه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فإن المجلس سيدعو إلى انتخابات عامة تشريعية وانتخابات رئاسية في مدى زمنى قصير لا يتجاوز المدة الزمنية المتبقية من رئاسة الرئيس المخلوع، الذي أجبره الشعب على التنازل عن سلطاته واختار هو، أي الرئيس المخلوع، تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة لممارسة هذه المسؤوليات.

ومن الضروري قبل فحص التعديلات الإشارة إلى عدد من الملحوظات السياسية المهمة والتي ترسم وتحدد ملامح السياق السياسي الذي تمت فيه التعديلات.

أولا: أن الخطاب الذي ألقاه السيد نائب رئيس الجمهورية السابق بشأن تخلي الرئيس عن سلطاته، قرر أولا تنازل الرئيس عن سلطاته،  ثم عاد وقرر ثانيا تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وهو تناقض صارخ في المنطق الشكلى وفي الترتيب الموضوعي. ذلك أنه لا يجوز منطقيا وموضوعيا لشخص تنازل عن سلطاته، أن يكلف هو وقد فقد السلطات، جهة أخرى بممارسة هذه السلطات، حتى وإن كان ذلك التكليف قد جاء في الخطاب نفسه. وكان يتعين على الرئيس أولا  أن يكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بممارسة كافة سلطات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في الدستور، ثم أن يقوم هو ثانيا بالتنازل عن سلطاته تماما. والحقيقة أن مثل هذه الأخطاء تكررت كثيرا في فترة الثورة وفي فترة المرحلة الإنتقالية حتى الآن. وعلى سبيل المثال فإن القرار الجمهوري بتعيين السيد عمر سليمان نائبا للرئيس قد وقع في خطأين دستوريين، الأول أن الفقرة التي ورد فيها قرار التعيين قد بدأت بفعل مبني للمجهول "يعين" بالضمة على الياء الأولى وكان يجب على النص في هذه الحالة أن يكون "تعيين". وقد خالف القرار الجمهوري نص الدستور الذي يلزم الرئيس عند تعيين نائب له أن يحدد "صلاحيات" النائب. غير أن القرار خلا من تحديد صلاحيات لنائب الرئيس الذي جاء تعيينه متأخرا أكثر من 30 عاما!

ثانيا: وفي كل الأحوال فإن الرئيس السابق بهذا التفويض للسلطة إلى جهة لم ينص الدستور في مادتيه المتعلقتين باستقالة الرئيس (المادة 83) أو عجز الرئيس عن الإستمرار في عمله (المادة 84) على حق له في تفويض سلطاته إليها، يكون قد أسقط الدستور عمدا ووضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في حال غير دستورية بسبب الثورة. وهذا يشكل في واقع الأمر إنتقالا من الشرعية الدستورية إلى الشرعية الثورية، وفيها تمارس القوات المسلحة ممثلة بمجلسها الأعلى دورها جنبا إلى جنب مع قوى الثورة. الرئيس السابق أسقط الدستور ومن ثم فإنه لم يعد منطقيا أن يتحدث فقيه دستوري عن دستور 1971 وتعديلاته بوصفه مرجعية لقررات أو قوانين. وقد سار المجلس الأعلى للقوات المسلحة على منطق أن الدستور سقط وأعلن البيان رقم (5) أن المجلس قد اختص نفسه بسلطة التشريع (الفقرة 6 من البيان رقم 5)  وإصدار مراسيم بقوانين من المجلس نفسه بعد أن قرر حل مجلسي الشعب والشورى. وطبقا لدستور 1971 وتعديلاته فإنه ليس من حق المجلس الأعلى للقوات المسلحة حل المجالس النيابية والحصول لنفسه على سلطة التشريع التي كان يمارسها مجلسي الشعب والشورى. ويتوفر ذلك الحق فقط في حال الإنتقال من الشرعية الدستورية التي سقطت عمليا يوم الجمعة  11 فبراير 2011. وهذا يؤكد أن دستور 1971 وتعديلاته قد انتهي سياسيا وقانونيا منذ ذلك التاريخ وأن العودة إليه في أي صورة من الصور وبأية طريقة من الطرق يعني عمليا بطلان كل ما أصدره المجلس الأعلى من قرارات أو قوانين بمراسيم أو أي إجراءات أخرى، بما في ذلك جل مجلسي الشعب والشورى والدعوة إلى تعديل الدستور. إن العودة إلى دستور 1971 وتعديلاته تعني من الناحية القانونية العودة إلى ما كان عليه الحال قبل 25 يناير 2011.    

ثالثا: أن المجلس الأعلى قرر في البيان رقم (5) تعطيل العمل بالدستور، أي وقف العمل بمواده وليس إلغائه. ولم يحدد الدستور موادا بعينها وكان يجوز له ذلك، وإنما أطلق التعطيل على جملة الدستور وكل ما فيه من مواد. أي أنه لم يعطل فقط المواد التي طلب المجلس الأعلى للقوات المسلحة من لجنة المستشار البشري تعديلها. كذلك فإن القرار لم يحدد المدى الزمني الذي يسرى فيه قرار التعطيل، وبذلك يصبح الدستور بأكمله معطلا إلى أجل غير مسمى وحتى وضع دستور جديد للبلاد. ويبدو أن السادة فقهاء القانون الذين أشاروا على المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإمكان تعديل بعض مواد الدستور كانوا في عجلة من أمرهم، أوقعتهم في أخطاء ساذجة من قبيل عدم عدم إدراك ما انطوى عليه قرار التعطيل بسبب عدم تحديد مدة زمنية للتعطيل أو تحديد لمواد بعينها يتعين تعطيل العمل بأحكامها. وفي الفقه الدستوري لا تعديل لقانون أو لدستور تم تعطيله بأكمله وبدون مدة زمنية محددة للتعطيل.

رابعا: يبدو أن السادة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة تنتابهم من أن لآخر حالة من الحنين إلى "الشرعية الدستورية" التي زالت. فهم يريدون العودة إلى ثكناتهم في خلال الفترة المتبقية دستوريا من ولاية الرئيس المخلوع! وهم يريديون العودة إلى العمل بدستور عطلوه هم أنفسهم في بيان دستوري أصدروه بهذا الخصوص. وهم ايضا لا يمانعون في أن يحكم مصر خلال الفترة الإنتقالية رئيس يتمتع بسلطات الرئيس المخلوع كاملة! وهم وجهوا الدعوة إلى تشكيل لجنة لتعديل مواد في الدستور تتفق مع ما كان الرئيس المخلوع قد أوكله إلى لجنة مماثلة أكثر عددا كان الرئيس المخلوع قد قرر أن تقتصر مهمتها على تعديل عدد محدود من المواد هي تلك المتعلقة بإجراء الإنتخابات. فكأنما هناك من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة من تتلبسهم هذه الرغبة في عدم الخروج عن الدستور وكأن هذا الدستور لا يزال قائما وهو في الحقيقة ليس كذلك.  وفي اعتقادي أن التصور الذي أعدته بعض قوى المعارضة ومنها حزب الجبهة الديمقراطية (رسالة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 17 فبراير 2011 ) والدكتور محمد البرادعي، كان يسمح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة برجوع القيادات العسكرية والقوات والجنود إلى ثكناتهم من خلال إصدار إعلان دستوري يحل محل دستور 1971 وتعديلاته وتفويض سلطات رئيس الجمهورية  إلى مجلس رئاسي إنتقالي وحكومة إنتقالية لممارسة مهام السلطة التنفيذية وتأسيس مجلس للحوار الوطني، إنتقالي أيضا، مبنيا على قواعد الديمقراطية التوافقية من أجل ممارسة سلطة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية خلال الفترة الإنتقالية، وتعتبر مهمة الرقابة مهمة غائبة حتى الآن ولا توجد مؤسسة تمارسها، باستثناء ما يمكن وصفه بالضغط المباشر من خلال ميدان التحرير. وتتضمن الخطة التي تم طرحها على المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعداد دستور جديد للبلاد خلال المرحلة الإنتقالية، يحدد ملامح النظام السياسي الجديد ومن ثم إعادة بناء مصر سياسيا على أساس هذا الدستور. وهذا التأرجح بين "شرعية دستورية" سقطت ولم تعد موجودة سياسيا أو قانونيا وبين "شرعية ثورية" فرضها الشعب على النظام السابق بإسقاط رئيسه، غير أنها لم تخلق لنفسها بعد "مؤسسات" تمثلها وتحميها، يمثل مصدر الخوف الرئيسي على الثورة. فالثورة لن تنتصر حتى تقيم ما يمكن تسميته "مؤسسات الشرعية الثورية" التي تؤكد أن "الشعب هو مصدر السلطات" وأن مؤسسات النظام القديم قد سقطت نهائيا وإلى غير رجعة.

هذه هي الملحوظات الأربع الرئيسية التي تمثل السياق الذي جاءت فيه التعديلات الدستورية التي من المفترض أن يصوت الناخبون عليها حزمة واحدة في 19 مارس 2011 بنعم أو لا. وفي اعتقادي أن هذا السياق يفضي إلى أن أساس الشرعية الدستورية للنظام القديم قد زال تماما وأنه لا مجال للعودة إلى نصوص الدستور الذي سقط. كما يفضي هذا السياق أيضا إلى أن مرجعية وجود المجلس الأعلى للقوات المسلحة في وضعه الحالي هي شرعية الثورة وليست شرعية الدستور، ومن ثم فإن دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة يجب أن ينحصر في تأمين إنتقال سلمي للسلطة إلى نظام سياسي جديد يستمد شرعيته من الثورة وليس من النظام القديم. وهذا السياق يدفعنا إلى العودة إلى تعريف دور الجيش في المجتمع وفي الدستور، ألا وهو حماية وتأمين الحدود البرية والبحرية والجوية للوطن وحماية الدستور الذي يرتضيه الشعب. إن القوات المسلحة هي ملك للشعب المصري، وهي تعبر عن إرادته، ودورها يتخصر في تأمين المكتسبات التي حققتها الثورة وليس الإنتقاص من هذه المكتسبات أو محاولة الإنقلاب عليها. إن الدور المشرف الذي قام به الجيش في الثورة يجب أن يستمر في هذا السياق فقط وليس في غيره.

أما بالنسبة للجنة المستشار البشري والتي تنبع شرعيتها من بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 5 فقرة رقم 2 فقد كان يتعين عليها الإشارة على المجلس العسكري بما يتوجب الإشارة به من ناحية الفقه الدستوري ومن ثم بيان التعارض بين شعار الثورة ومطلبها الأول "الشعب يريد إسقاط النظام" و "الشعب يريد دستورا جديد" وبين التعديلات المطلوبة. وكان يتعين على لجنة البشري أن تربأ بنفسها عن التطوع للقيام بدور "الترزي" الذي يفصل تعديلات على مقاس الزبون! إن لجنة المستشار البشري مارست في حقيقة الأمر دورها في غير السياق الذي سارت فيه الأحداث من يوم 25 يناير وحتى يوم 11 فبراير 2011. ونقول للسيد المستشار البشري إن أي تلميذ في القانون يستطيع أن يذهب إلى المحكمة الدستورية العليا ويطعن في تعديلات الدستور الساقط على أساس أن الجهة التي كلفت لجنته بتعديل الدستور هي جهة غير دستورية! فالدستور الذي يريدون منا العودة إليه مرة أخرى لم ينص على أن يسلم رئيس الجمهورية سلطاته إلى مجلس عسكري ولم ينص عاى أن من حق ذلك المجلس العسكري أن يختص نفسه بسلطة التشريع ولم ينص على أن من سلطة ذلك المجلس العسكري طلب تعديل الدستور. إن الأساس الذي قام عليه عمل لجنة المستشار البشري هو أساس فاسد لأنه قام على مخالفة الأمر الواقع بسقوط دستور 1971 سياسيا وقانونيا. وقد وقعت لجنة البشري في أخطاء ساذجة منها مخالفة نصوص ما وقعت عليه مصر من معاهدات ومواثيق دولية مثل الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، تعهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتزام أحطامها في الفقرة رقم 9 من البيان رقم 5 الصادر عن المجلس. إن التعديل الذي أدخلته لجنة البشري على المادة 75 من الدستور جاء بنصوص مقيدة لحقوق الموطنين في الترشح للمنصب العام الأعلى في الدولة وهو منصب رئيس الجمهورية وهي نصوص يمكن أن تضع الدستور المصري في قفص الإتهام أمام المجلس العالمي لحقوق الإنسان وأمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فمصر هي إحدى الدول الموقعة على الميثاق العلامي لحقوق الإنسان كما أنها أيضا ترتبط بأوروبا إرتباطا عميقا من خلال ما يسمى باتحاد دول البحر الأبيض المتوسط أو "الإتحاد من أجل المتوسط". 

ماذا فعلت اللجنة بعد ذلك يعتبر مثيرا للدهشة بكل المقاييس. ويبدو أن اللجنة تجاهلت مطلب الثورة بإسقاط النظام الذي يعني بادئ ذي بدء إسقاط الأساس الدستوري الذي يقوم عليه النظام، وهو الشئ الذي فعله الرئيس المخلوع عمليا دون أن يقرره نصا. وتصرفت لجنة البشري على أن دورها كان ينحصر في وضع مواد جديدة تحكم العملية الإنتخابية. وفي اعتقادي أن ذلك كان يمكن أن يتحقق فقط مع وجود إعلان دستوري مؤقت للمرحلة الإنتقالية يحل محل دستور 1971 الساقط، ثم صدور المواد المتعلقة بتنظيم العملية الإنتخابية بمرسوم من المجلس الرئاسي الإنتقالي أو حتى من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بما لا يتعارض مع الإعلان الدستوري المؤقت، بغرض انتخاب رئيس مؤقت للبلاد طالما أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يصر على تسليم الحكم إلى سلطة منتخبة، على أن تكون سلطات هذا الرئيس مؤقتة ومنصوص عليها في الإعلان الدستوري أو في مرسوم خاص يحدد المدة الزمنية للرئيس المؤقت بما لا يتجاوز (12 إلى 18 شهرا مثلا) كما يحدد المهام التي يتعين عليه إنجازها بالتعاون مع حكومة إنتقالية وهيئة توافقية لرقابة الأداء خلال الفترة الإنتقالية. غير أن لجنة التعديلات الدستورية فاجأتنا جميعا بتقديم 11 تعديلا حمل البعض منها عيوب الطريقة والنصوص التي اعتدنا عليها في فترة النظام البائد الذي أسقطت ثورة 25 يناير رئيسه ولا يزال يتعين عليها العمل لتطهير البلاد من كل بقاياه، وبناء مؤسسات الثورة.

وإليكم الملحوظات التالية فيما يتعلق بطريقة إعداد التعديلات وطبخها:

أولا: بعد يومين نقريبا من بدء لجنة تعديلات الدستور في عملها أعلن المستشار طارق البشري أن المداولات بين أعضاء اللجنة بشأن تعديلات الدستور ستكون سرية! وكأن مسالة تعديل الدستور هي مؤامرة يتم حياكتها في غرفة مظلمة بعيدا عن الرأي العام. وقد ضربت اللجنة فعلا منذ ذلك الوقت ستارا كثيفا من السرية على عملها. وفي اعتقادي أن هذا الإجراء أفقد لجنة تعديل الدستور مصداقيتها وشفافيتها وحرم الرأي العام من التعرف على وجهات نظر أعضائها والحجج التي قدمها كل منهم لإسناد وجهة نظره. وبسبب ذلك فإن الرأي العام وصناع الثورة لم يشاركا بأي قدر في التأثير على صناعة التعديلات. وبسبب ذلك أيضا فإن التعديلات حيكت على المقاس الذي طلبه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فكأننا أعدنا استنساخ النظام القديم مرة أخرى، سلطة من ناحية وترزية تشريعات من ناحية أخرى في غياب كامل للشعب وللرأي العام. والأصل في عملية تعديل الدستور أو إعادة صياغته بالكامل هو أن يشارك الشعب في صنع القواعد الدستورية والقانونية خصوصا في زمن الشرعية الثورية. ومن المؤسف في زمن الثورة أن هذا المنطق الذي يتعمد تغييب الشعب هو منطق لم يتوقف فقط عند مرحلة إقتراح تعديل مواد الدستور المتعلقة بالعملية الإنتخابية وإنما يبدو أنه امتد إلى مرحلة الإستفتاء على هذه التعديلات. فالأصل في عملية تعديل القواعد الدستورية والقانونية أو تغييرها هو إجراء حوار عام شامل تشارك فيه كافة القوى ذات المصلحة. وهذا الحوار لا يكون مجرد دعوة مفتوحة وإنما يتم من خلال قنوات منظمة تشارك فيها الأحزاب والجماعات والتنظيمات والروابط السياسية والمهنية والعمالية والفلاحية والرياضية وغيرها من جماعاات المجتمع المدني بهدف الوصول إلى تفاهم مشترك من شأنه أن يعلي قيمة التشريعات المنشودة وأن يحقق أكبر وأوسع قدر من الإجماع حولها.

ثانيا: بدأ الخبراء الذين اختارهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة عملهم وهم أسرى لصيغة كل مادة من مواد الدستور التي تم تكليفهم بتعديلها. ولذلك فإن تعديل المادة 76 جاء في 290 كلمة تقريبا. فهي بالتالي من أطول مواد الدستور من الناحية الشكلية، وقد كانت كذلك نسبيا قبل التعديل. ويبدو أن الخبراء لم يناقشوا ولو للحظة واحدة مدى دستورية ما يفعلون ومدى صحته استنادا إلى قواعد الفقه الدستوري في الدول الديمقراطية. وفي حقيقة الأمر، فإنه كان الأولى بالخبراء تقديم النصح إلى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن ما يجب أن يتعين عمله ألا وهو تغيير الدستور وليس محاولة ترقيعه.

ثالثا: بإلقاء نظرة سريعة على المواد التي تم تعديلها سواء بالحذف أو بالإضافة أو بتعديل النص، يظهر أن تعديلات الدستور لم تتم بالمراعاة للقواعد الفقهية الدستورية في الدول الديمقراطية ولا للقواعد والإلتزامات الواقعة على مصر طبقا للمعاهدات الدولة التي انضمت إليها مثل الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية وغيرها. فالنصوص الواردة في التعديل تنطوي على تمميز فاضح بين المواطنين في حقوق الممارسة السياسية خصوصا المادتين 75 و76 ففي المادة 75 عاقب خبراء الدستور المصريين الذين حملوا هم أو أباؤهم جنسية دولة أخرى في أي وقت من حياتهم وكذلك المصريون المتزوجون من غير مصرية من جزء من حقوقهم السياسية الأصيلة الذي يتمثل في حق الترشح لشغل المنصب الأعلى في النظام السياسي الحالي ألا وهو منصب رئيس الجمهورية. وهذا التعديل مخالف للدستور وللقانون اللذين كان معمولا بهما قبل الأمر بالتعطيل. فلا الدستور ولا القانون ينصان على حرمان المصري أو المصرية من اكتساب جنسية دولة أخرى أو الزواج بغير مصرية أو غير مصري. ومن ثم فإن المصري أو المصرية الذي اكتسب جنسية دولة أجنبية أو تزوج بأجنبي لم يخالف القانون أو الدستور ولم يرتكب جريمة تسبب له فقدان حقوقه السياسة أو أيا منها. وإذا كان المستشار البشري قد احتج ضد ذلك بأن القانون لا يسمح بزواج العسكريين أو الديبلوماسيين من أجانب أو حمل جنسية دولة أخرى فإن هذا الشرط يعتبر شرطا مسبقا على من يتقدم لشغل وظيفة في أي من هذين القطاعين، كما أنه يحوز في بعض الحالات طلب الإستثناء من هذا الشرط. أما إذا كان رئيس الدولة لا يجب أن يحمل جنسية دولة أخرى فإن ذلك لا يجب أن ينصرف إلى الحق في الترشح ويتوجب عليه تخليه عن أي جنسية أخرى قبل حلف اليمين. أما إذا كانت الحجة في فرض هذه الشروط تتعلق بالولاء والإخلال للوطن، فليس علينا إلا أن نتفحص قائمة أسماء من سرقوا مصر وأذلوا شعبها وحولوا ثروات البلاد للخارج وهم لا يحملون جنسية دولة أخرى ومن أبويون وجدين مصريين، لكي نعرف من أين يأتي الولاء. إن ملايين الشرفاء من المصريين هاجروا إلى الخارج أو سافروا للعمل وأمضوا سنوات طويلة وربما في هذه السنوات إكتسبوا جنسية الدولة التي يعملون بها أو تزوجوا من أهلها. ولا يجب أن يكون ذلك سببا لعقوبة حرمان أي واحد منهم من حق أساسي من حقوقه كمواطن. إن حمل جنسية دولة أجنبية ليس جريمة مخلة بالشرف. كما أن الزواج من أجنبي أو أجنبية ليس أيضا جريمة مخلة بالشرف. وفي كتاب الله الكريم قاعدة فقهية تقول "...ولا تزر وازرة وزر أخرى"، لكن لجنة البشرى قررت حتى معاقبة ذلك الذي حمل أي من أبويه جنسية دولة أجنبية بجريرة ذلك، حتى لو كان ذلك الأب أو الأم قد توفاه الله سبحانه وتعالى! فأي شرع بالله عليكم شرع لجنة البشري؟

رابعا: إن نص المادة 76 هو، مرة ثانية، نص معيب دستوريا. فهو نص طويل تمت حياكته بطريقة غير صحيحة من الناحية الفقهية الدستورية. وبغض النظر عن التفصيلات التي اشترطتها المادة للترشح للرئاسة، فإن المادة نصت على أن جهة إدارة الإنتخابات "لجنة الإنتخابات الرئاسية" هي الجهة التي تفصل في طعون العملية الإنتخابية أو في القرارات التي تصدرها. وطبقا للنص المقترح "تكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتهاغير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام اية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء، كما تفصل اللجنة في إختصاصها، ويحدد القانون الإختصاصات الأخرى للجنة"! يا ألطاف الله! هذه لجنة تملك وتدير وتحكم وتشرع وتفصل في الطعون وتصدر قرارات نافذة لا يجوز لأي من كان أن يتفوه ضدها أو أن يغير أحكامها. وكأن هذه اللجنة وأعضاؤها منزلون من السماء، لا يأتيهم الباطل من بين أيدهم ولا من خلفهم! وعلى الرغم من أن المادة 76 التي وعدنا الله سبحانه وتعالى بشرورها في النظامين القديم والجديد تخفي في نصها الكثير من الألغام السياسية فإن هذا النص المتعلق بسلطة ما يسمى بـ "لجنة الإنتخابات الرئاسية" هو أخطر النصوص على الإطلاق. ومن الضروري سحب هذه الحقوق المطلقة من تلك اللجنة في اي نصوص دستورية في المستقبل.

خامسا: النظام الإنتخابي الذي نصت عليه التعديلات في المادة 88 هو نظام فاسد وأبرز مظاهر فساده وأقربها هو الإنتحابات المزورة التي شهدتها مصر في العام الماضي (2010). وقد أبقت لجنة البشري على النظام كما هو وهذا يعني أن السيد المستشار الذي زور أو شرف على التزوير او سكت وتغاضى عن تزوير انتخابات مجلس الشعب في العام الماضي سيكون أيضا هو المشرف القضائي على انتخابات 2011 أي والله، فهو لا يزال في الخدمة وسوف يكون بإذن الله في خدمة من يريد تزوير الإنتخابات مرة أخرى طالما أن السيد المستشار إنتصار نسيم الذي زور انتخابات مجلس الشورى (المنحل) عام 2010 قد تسلم مكافأة نهاية الخدمة بصدور قرار جمهوري من الرئيس السابق بتعيينه عضوا في مجلس الشعب (المنحل) ولم يبخل عليه السيد رئيس المجلس (المنحل) وأعضاء المجلس (المنحل) بتعيينه رئيسا للجنة حقوق الإنسان في ذلك المنحل! إن السيد المستشار السيد عبدالعزيز عمر الذي رأس لجنة إنتخابات مجلس الشعب المنحل لا يزال في منصبه حتى الآن!

ومن قبيل النافلة هنا أن نشير إلى أن حزب الجبهة الديمقراطية يملك اقتراحا كاملا لنظام انتخابي جديد يقوم على احترام المعايير العالمية للحرية والشفافية والتكافؤ في التمثيل السياسي لجميع المواطنين ويضمن أن تكون النتائج المعلنة لفرز صناديق الإنتخابات تعبيرا صادقا عن اختيار المواطن. وليس هنا مجال شرح تفاصيل هذا النظام. غير أنني أؤكد يقينا أن النظام الإنتخابي المعمول به في مصر حاليا بما في ذلك التعديلات التي أدخلتها لجنة المستشار طارق البشري هو نظام فاسد وموروث عن عهد بائد يجب دفنه إلى الأبد ووضع نظام انتخابي جديد يليق بمصر كدولة ديمقراطية.  

سادسا: مدى أحقية المحكمة الدستورية العليا في الفصل في المنازعات المتعلقة بصحة عضوية أعضاء مجلس الشعب (مادة 93) هي قضية محل تساؤل. فالإختصاص الأصيل للمحكمة الدستورية هو الفصل في دستورية القوانين وليس الفصل في النزاعات القضائية والإنتخابية وغيرها من المنازعات التي ينصرف الإختصاص الأصيل في نظرها إلى محاكم الإستئناف ومحكمة النقض. وقد أتحفتنا لجنة البشري بنقل اختصاص الفصل في عضوية مجلس الشعب من المجلس نفسه ومن محكمة النقض إلى المحكمة الدستورية العليا. ويستطيع أي تلميذ في القانون أن يدرك منذ الوهلة الأولى أن ما قررته لجنة البشري هو قرار فاسد لأنه يستوجب تغيير قانون المحكمة الدستورية العليا بغرض تغيير اختصاصها الأصيل وإضافة اختصاصات أخرى إليها وما يستتيعه ذلك من تشكيل دوائر قضائية بها لمقابلة عبء ممارسة مهام الإختصاصات الجديدة. غير أن تلميذ القانون المبتدئ سوف يستغرب الحال عندما يكتشف فجأة أن عدد الطعون في صحة عضوية مجلس الشعب المنحل جاوز الألف طعن! فكيف بالله ستتمكن المحكمة الدستورية بالفصل في هذه الطعون في وقت مناسب قبل انتهاء عمر المجلس! إن حل هذا اللغز الذي فرضته علينا لجنة البشري، يكمن فقط في إنشاء مفوضية مستقلة للإنتخابات وأن تكون قرارات هذه المفوضية قابلة للطعن أمام محكمة النقض. صحيح أن التعديل الذي جاءت به لجنة البشري على المادة 93 أجهز على مقولة "سيد قراره" التي كان قد أطلقها الراحل الدكتور رفعت المحجوب، لكن هذا التعديل أوكل الفصل في صحة العضوية إلى غير جهة إختصاص.

سابعا: في شأن تعيين نائب رئيس الجمهورية، نصت المادة 139 المعدلة على أن الرئيس المنتخب يعين نائبا له أو أكثر ويحدد اختصاصاته خلال 60 يوما على الأكثر من تاريخ مباشرته مهام منصبه. وفي هذا النص الكثير من المثالب الفقهية والسياسية والقانونية. فالنص يربط تعيين النائب (أو أكثر) بتاريخ مباشرة الرئيس لمهام منصبه وهو ما يتعارض مع نص المادة 77 التي تقول أن مدة الرئاسة "تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الإنتخاب". فالرئيس المنتخب قد يصاب بمرض يعجزه لفترة من الوقت عن مباشرة مهام منصبه. فماذا ترى يحدث في هذه الحالة؟ تعديلات البشري لم تقد لنا إجابة. وإذا كانت مدة الخدمة للرئيس ترتبط بمدة الخدمة لنائبة، فلماذا جاء التمييز نصا بين بدء مدة الرئاسة وبين تعيين نائب أو أكثر للرئيس؟ غير أن المسألة الأساسية الغائبة هنا، أي في التعديل، هي هل جاء التعديل لتكريس سلطات الرئيس وإضفاء المزيد من العتامة واللاديمقراطية على النظام السياسي، أم أنه جاء لإضفاء شفافية على نظام سياسي فاسد في جوهره؟ الحقيقة أن لجنة البشري سارت في هذا التعديل تماما في عكس الإتجاه الذي يطالب به الشعب. فالشعب يطالب بانتخاب من يشغلون المناصب العامة والإبتعاد عن اللجوء إلى التعيين في النظام السياسي ونظام إدارة الدولة بشكل عام من أسفل إلى أعلى وفي كل المجالات، إبتداء من العمد والمشايخ وصولا إلى رئيس الدولة. فكيف بالله يجئ يعديل المادة 139 على ذلك النحو الذي من شأنه تكريس السلطة في يد الرئيس ووضع مصير البلاد في أيدي شخص غير منتخب ولو ليوم واحد في حال وفاة الرئيس أو استقالته أو عجزه عن أداء منصبة؟ إنها خطيئة أخرى من الخطايا التي ربما لم يتنبه إليها فقهاء لجنة البشري، أو ربما هم قصدوا تماما ما كتبوه!   

ثامنا: المعاني التي تنظوي عليها تعديلات المادة 189 ومكرراتها هي مثال على شغل الفهلوة وممارسة التحايل الفقهي في الصياغات الغريبة الواردة في المادة 189 فقرة أخيرة مضافة والمادة 189 مكرر والمادة 189 مكرر1 وهي في جملتها محاولات للف والدورات والتحايل وصنع الغموض بصورة متعمدة بما يمكن أن يفضي في النهاية إلى تعطيل كل النصوص الواردة في المادة 189 ومكرراتها! وأقول صراحة إن أحد أعضاء لجنة البشري هو القاضي بجاتو قال في أحد الشروح لهذه المواد إن تغيير الدستور هو أمر "وجوبي" بمقتضى المادة 189 وتعديلاتها. غير أنني بمراجعة المادة لم أعثر إطلاقا في أي نص منها على ما يفيد الوجوبية. فليست هناك ألفاظ استخدمتها لجنة البشري في هذه المادة مثل "يجب" أو "يتعين" أو "على الرئيس أن..." أو ما إلى ذلك. وتركت اللجنة في النصوص المشار إليها الكثير من الثقوب والعورات التي يمكن أن تفضي في النهاية إلى استمرار دستور 1971 وتعديلاته حتى تقوم ثورة أخرى تتولى إسقاطه من جديد. وإليكم هذه الأمثلة:

المثال الأول: هل سينتخب أعضاء مجلسي الشعب والشورى غير المعينين أعضاء لجنة المائة (الجمعية التأسيسية) من بينهم أم من بين آخرين. وإذا كان الإنتخاب سيجري من بين آخرين، فمن هي الجهة التي ستتقدم بأسماء المرشحين؟ وإذا كان أعضاء المجلسين على النحو الذي حددته المادة هم الذين سيقدمون أسماء المرشحين من خارجهم فما هي معايير اختيار الأسماء؟ وفي حال أن قام أعضاء المجلسين بانتخاب أعضاء لجنة المائة من بينهم هم دون سواهم، فهل ستكون نسبة الـ 50% عمال وفلاحين موضوعة في الإعتبار أم لا؟ وهل ستكون هناك معايير أخرى في انتخاب أعضاء لجنة المائة يضعها أعضاء مجلسي الشعب والشورى أم لا؟ هذه مجرد أسئلة أولية.

المثال الثاني: المادة 189 مكرر تنص على أن يجتمع الأعضاء غير المعينين في مجلسي الشعب والشورى لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد، "خلال 6 أشهر من انتخابهم، وذلك كله وفقا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 189". وأجدني هنا في حيرة من أمر النص. فهل يكون الإجتماع لغرض إعداد الدستور "خلال 6 اشهر" أم أن إعداد مشروع الدستور كله يجب أن يتم في 6 أشهر؟ بعض الشارحين على المتون قال بوجوب اختيار الجمعية التأسيسية عند أول اجتماع للمجلسين الجديدين بعد انتخاب أعضائهما، غير أن هذا الشرح يتناقض مع واقع الحال الذي يقول إن الجلسات الأولى لاجتماع كل من مجلسي الشعب والشورى ينصرف همها إلى انتخاب رئيس كل منهما ووكيليه وأعضاء اللجان ورؤسائها وما إلى ذلك. فأين هي وجوبية تشكيل لجنة المائة؟ وما هو المدى الزمنى لتشكيل لجنة المائة وما هي الجوانب الإجرائية؟ هذه جميعا أسئلة فرضتها علينا قهرا لجنة البشري لكي ننصرف عن طلب تغيير الدستور ونقع في تفاصيل لا نهاية لها، وكأن قطار الثورة فجأة قد انحرف بقدرة "عامل تحويلة" عن قضبانه واتجه إلى مسار آخر. هذا ما تحاول لجنة البشري أن تفعله. والأغرب من ذلك في نص المادة 189 مكرر أنها تنتهي إلى أن عملية تغيير الدستور ستكون "طبقا لآحكام الفقرة الأخيرة من المادة 189"! فأية فقرة أخيرة يشيرون إليها هنا؟ هل هي الفقرة الأخيرة الأصلية أم هي الفقرة الأخيرة المضافة؟

المثال الثالث: تنص المادة 189 فقرة أخيرة مضافة على أن الدستور المقترح سيعرض على الشعب للإستفتاء العام بعد إسبوعين من إقراره في مجلسي الشعب والشورى. ولنا في تحربة لجنة البشري عبرة! أين هي الآلية الديمقراطية في إعداد الدستور ومشاركة الشعب في وضع قواعده؟ كيف يكون للشعب كله أن يوافق على دستور أو يرفضه إذا كانت الفترة المتاحة للحوار الوطني العام حول مواده هي إسبوعين فقط؟ إن لجنة البشري صاغت المادة 189 وتعديلاتها كما لو أن المجلس العسكري هو سلطة انقلاب قام به الجيش ضد الثورة لإعادة النظام القديم وبعثه من جديد بعد كل تلك الويلات التي تم كشف الستار عنها في الأسابيع الأخيرة. إن الشعب ربما يحتاج إلى 6 اشهر للحوار على دستور جديد بشرط أن يكون للحوار خريطة طريق وآليات ومؤسسات تشارك فيه مثل الأحزاب السياسية والنقابات والنوادي والروابط والجمعيات والمؤسسات الإعلامية. إننا إذا لم نكن قد فهمنا بعد الدروس من ميدان التحرير فإن الثورة مستمرة حتى نعي ما يجب علينا أن نتعلمه. والغريب أن تتم الدعوة إلى إجراء الإستفتاء العام على التعديلات الدستورية في ظل حالة الطوارئ وعدم اكتمال الإجراءات الفنية لضمان نزاهة التصويت في الإستفتاء.

إن الموافقة على التعديلات الدستورية التي صاغتها لجنة المستشار طارق البشري ستعني فعلا تقديم الوسيلة لإعادة العمل بدستور 1971 المعطل بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وسيعني ذلك أن رئيس الجمهورية المقبل سيتم انتخابة في ظل حالة الطوارئ طالما أن الإستفتاء على التعديلات سيتم في ظل حالة الطوارئ. وسيأتي إلينا رئيس للجمهورية بسلطات الرئيس السابق المنصوص عليها في دستور 1971 وكأن الثورة سعت فقط إلى إسقاط محمد حسنى مبارك وفتح الباب لرئيس بعد يتمتع بكل سلطات الرئيس السابق ومنها سلطة حل مجلسي الشعب والشورى! اللذين يفترض أنهما سيقومان بوضع دستور جديد، يعلم الله وحده كيف سيكون إذا هدأت الثورة أو استكانت.
والآن ماذا نريد؟ طالما أن الشعب كما هو ثابت يريد دستورا جديدا، فلماذا لا ينتخب قضاة مصر من خلال الجمعية العمومية للقضاة ثلاثة من بينهم، بشرط ألا يكونوا شاركوا في اللجان القضائية للإنتخابات، لتشكيل مجلس رئاسي إنتقالي لإدارة البلاد خلال مدة محددة من 12 إلى 18 شهرا على الأكثر يتولى مهام السلطة ويكلف حكومة إنتقالية لإدارة البلاد خلال تلك الفترة ويبدأ على الفور بتشكيل لجنة من الخبراء لوضع دستور جديد يتم مناقشة مواده متدة مادة مع الشعب حتى نصل إلى الصيغة النهائية بما لا يتجاوز فترة المرحلة الإنتقالية على أن تجري الإنتخابات وفقا لهذا الدستور بعد ذلك. وبهذا يهدأ بال المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويعود الجيش إلى ثكناته لممارسة مهامه في حماية وتأمين الحدود. وهذا الطريق يبطل الحجة التي تقول إن القوى المدنية لن تتفق أبدأ على ثلاثة أسماء لعضوية المجلس الرئاسي الإنتقالي.

الطريق الآخر هو أن يصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلانا دستوريا مؤقتا يقطع فيه بما لا يدع أي مجال للشط بإلغاء دستور 1971 وتعديلاته ويضع القواعد الرئيسية للحكم والفصل بين المسلطات وواجبات الحكومة خلال المرحلة الإنتقالية. وإن يصدر المجلس بعد ذلك مرسوما بإعلان إجراء انتخابات لرئاسة الجمهورية على أساس الإعلان الدستوري المؤقت، على أن تكون مدة رئاسة الرئيس المؤقت محددة بالمدة الإنتقالية فقط ولا يجوز له الترشح بعد ذلك لأي منصب في الدولة. وأن تكون مهمة الرئيس المؤقت هي إدارة البلاد مع حكومة إنتقالية خلال فترة حكمة المؤقتة. ويبين المرسوم شروط الترشح وإجراءاته وغيرها على ألا تتم الإنتخابات بأي حال من الأحوال في ظل حالة الطوارئ.  إن هذا البديل يقضي على الحجة التي يرددها بعض أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة والتي تذهب إلى أن المجلس يجب أن ينقل السلطات التي تنازل عنها الرئيس السابق إلى سلطة منتخبة من الشعب. وبذلك يعود القادة العسكريون إلى ميادين عملهم التي تحتاج إليهم بشده في هذه الأيام.

إن ثورة يناير لم تنته. وإن ثوار يناير لم يسقطوا شعلة الثورة من أيديهم. إن الشعب المصري سيقاتل أولئك الذين يريدون تركيعه خلال مخططات الثورة المضادة التي تتضمن الآن حرق الكنائس وإطلاق خفافيش الظلام وامتناع ضباط الشرطة عن القيام بواجباتهم في تأمين الشعب وإعادة تجميع قيادات الحزب الوطني الخائن وتمويل البلطجية وعملاء أمن الدولة المنحل وتسليحهم وتوجيههم إلى ارتكاب أعمال السرقة والبلطجة وترويع المواطنين الآمنين. إن قيادات الثورة المضادة التي تسعى لإعادة النظام القديم تحفر قبورها بأيديها. إن هذا الشعب الذي خرج في 25 يناير 2011 من أجل الحصول على حريته وكرامته لن يهدأ ولن يستكين حتى يحصل على كل ما يريد.
إبراهيم نوار
أمين التثقيف والتدريب السياسي
حزب الجبهة الديمقراطية

المصدر: محمد أبوالديار المحامى 0105836432 [email protected]

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

266,929