ورة الغضب حول جزيرتي "تيران" و"صنافير" تزداد اشتعالا
جمال سلطان
الثلاثاء, 12 أبريل 2016 19:13
تكبر في مصر الآن كرة النار التي نتجت عن عملية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي تم بموجبها تسليم جزيرتي "تيران" و"صنافير" إلى المملكة باعتبار أنهما كانا وديعتين تحت إدارة وحماية مصر وتم استرجاعهما بطلب من الملك ، حسب الرواية الرسمية في السعودية ومصر على حد سواء ، لكن هناك قطاعات متزايدة من القوى السياسية والشعبية في مصر تبدي غضبا شديدا تجاه الاتفاقية ، والمسألة أصبحت أكثر عاطفية بصورة ملحوظة ، وتسبب تجاهل الحكومة المصرية للغضب الشعبي وسوء إدارتها للمسألة بكاملها إلى هذا الهياج الشعبي الخطير .
بدأ محامون في جمع توكيلات لرفع قضايا عاجلة لإلزام الحكومة المصرية بوقف تنفيذ هذه الاتفاقية أو عرضها للاستفتاء ، وهناك دعوات للاحتشاد في مظاهرات تعلن رفضها للاتفاقية ، كما أن مساحة الرفض والغضب في الإعلام غير مسبوقة وقد شملت حتى الصحف القومية التي تنفق عليها الدولة والقنوات الفضائية المحسوبة على الدولة وأجهزتها والمقربة من الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيا ، كما لا يخفى أن مواقع الانترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي تشهد صخبا واسعا حول القضية وحالة أقرب إلى الهستريا ، لدرجة أن خبيرا هندسيا كبيرا وشخصية عامة مشهورة ووافرة الاحترام مثل الدكتور ممدوح حمزة يكتب قائلا أنه يقترب من الجنون بسبب ما حدث ؟! ، كما أن هناك شخصيات كان لها وضع رسمي وشخصيات ذات حضور شعبي كبير تشارك الآن في هذا الحشد الغاضب والرافض للاتفاقية .
الغضب في مجمله موجه إلى الرئيس السيسي وإلى الحكومة ، حيث يتهمون بأنهم حقروا إرادة الشعب وحقوقه الدستورية في معرفة ما يجري من قرارات مصيرية ، وكان حريا بهم أن يطلعوا الشعب على ما يجري ويعلنوا الوثائق والأدلة بوضوح كاف ثم تعرض علنا في البرلمان لضمان الشفافية ، وليس أن يفاجئوا الملايين بأنهم تركوا جزرا لدولة جارة باعتبار أنها كانت وديعة في حين أن أجيالا من المصريين نشأت وتغنت على أساس أنها أرض مصرية وحاربت وضحت بدمائها هناك على أنها الأرض والعرض ، فكانت الصدمة ، أيضا المخاوف في مصر اتسعت من أن تكون هذه الخطوة هي خطوة أولى في هذا التوجه ، خاصة وأن هناك اتهامات بتنازلات قدمتها مصر لليونان وقبرص وإسرائيل فيما يتعلق بالحدود البحرية في البحر المتوسط وفي منطقة مترعة بكنوز الغاز الطبيعي ، واتسعت المخاوف أكثر لتتساءل ـ للمرة الأولى ـ عن مغزى تفريغ الحدود المصرية الفلسطينية ، ومنطقة رفح من السكان وسط تسريبات إسرائيلية خبيثة وخطيرة ، وانضمت للمخاوف قضية حلايب والشلاتين مع الأشقاء في السودان أيضا ، ووضعهما مشابه جدا لوضع "تيران" وصنافير .
كرة النار التي تتضخم بسرعة مذهلة لم تخل من توجه تقليدي في عالم السياسة يتمثل في "انتهاز فرص" للنيل من النظام السياسي ، وكانت الحكومة في بيانها لتبرير عودة الجزر للسعودية استشهدت بمقال للدكتور محمد البرادعي عام 1982 ، إلا أن البرادعي سارع ونفي "فهم" الحكومة لمقاله ، وكتب تغريدات فيها طعن واضح في الموقف الرسمي ، وتشابك الموقف تحول في بعض جوانبه إلى ما يشبه الكوميديا ، حيث لاحظ كثيرون أن الإسلاميين خصوم جمال عبد الناصر يستشهدون بتصريحات لعبد الناصر يقول فيها أن "تيران" مصرية ، ونشطاء ثورة يناير يستشهدون بمبارك الذي ثاروا عليه وامتناعه عن التفريط في الجزيرتين ، وأنصار السيسي يستشهدون بالبرادعي وعمرو حمزاوي اللذين اتهمومها من قبل بأنهما خونة وعملاء ؟! .
أيضا ، الحماسة الزائدة للحكومة والمتحدثين باسمها وأنصار السيسي ، صنعت مشهدا بائسا ولم يكن له ما يبرره ، وزاد الطين بلة ، لأنهم أصبحوا يجتهدون على مدار الساعة للحصول على أي مقال قديم أو وثيقة أو رأي يؤكد أن الجزر تعود للسعودية وأن مصر كانت "تحتل" الجزيرتين ، وقال المعترضون أنها المرة الأولى في التاريخ الذي تجتهد فيه دولة وتبذل كل هذا الجهد لتثبت أن دولة أخرى هي صاحبة الحق في قطعة أرض متنازع عليها ، وكان هذا من أوضح الصور على عمق الأزمة وتشابكها السياسي والقانوني مع الانقسام الاجتماعي والسياسي في مصر .
هي ورطة أخرى تورطت فيها الحكومة ، وكان من السهل أن لا تقع فيها إذا أحسنت التعامل مع الموضوع ، ولا أعرف كيف سيواجه السيسي هذا السيل المتعاظم يوميا من الغضب والذي جعله يخسر المزيد من الأنصار والمؤيدين ، وإذا كان الغضب مشروعا ، إلا أن تصريفه في مسارات خاطئة يسيء إليها وإلينا جميعا ، وعلينا الحذر من هؤلاء الذين يحاولون "الاصطياد" في الماء العكر لتحويل الغضب باتجاه الأشقاء في السعودية ، شعبا وحكومة ، وقد لاحظت أن شخصيات وتيارات سياسية لها مواقف مسبقة معادية للسعودية وبعضهم على ولاء كامل ومعلن لبشار الأسد وحزب الله اللبناني والإيرانيين ، يستغلون "الهوجة" للإساءة إلى السعودية ، وهذا خطأ سياسي وأخلاقي وإنساني ، فمن حق السعودية أن تبحث عن ما تراه حقوقا لها في المناطق الحدودية وأن تسعى لحل الأمر بطرق سلمية وودية بين أشقاء ، بل ولا يمكن لوم الحكومة السعودية على ذلك ، بل الطبيعي أنهم يؤدون واجبهم تجاه وطنهم وحقوق شعبهم ، وهذا يحمد لهم ، ولكن الخطأ إن كان ، هو هنا وليس هناك ، والغضب يكون من أصحاب القرار هنا الذين نتهمهم بالتساهل والعجلة والتفريط واحتقار الشعب وسوء الإدارة ، وليس ضد آخرين دافعوا عن ما يرونه حق شعبهم ووطنهم ونجحوا في الحصول عليه بالفعل .
ساحة النقاش