مغزى بيان رئاسة الجمهورية حول مظاهرات 25 أبريل
جمال سلطان
الخميس, 21 أبريل 2016 16:27
أمس نشرت الزميلة "الشروق" خبرا مفاجئا نسبته إلى مصادر غير معلنة ، يتعلق بموقف غاضب من رئاسة الجمهورية تجاه المظاهرات المقرر خروجها يوم الاثنين المقبل 25 أبريل ، وهي ذكرى تحرير سيناء ، وذلك ضمن حملة احتجاجات على قرار ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والذي وافق فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي على نقل ملكية جزيرتي "تيران" و"صنافير" في البحر الأحمر إلى السعودية ، وقالت «الشروق» في خبرها هذا نقلاً عن من أسمتهم مصادر مطلعة، أن الرئيس أعرب عن غضبه من السماح بتمدد المظاهرات يوم الجمعة، وأكد لمساعديه أنه لن يقبل بتكرار مشهد الجمعة الماضى مرة أخرى يوم الإثنين ٢٥ إبريل ، وهي المشاهد التي أثارت انتباه الكثيرين داخل مصر وخارجها عن اتساع رقعة المعارضة لنظام الرئيس السيسي بصورة غير مسبوقة .
الخبر كان مفاجئا بالفعل ، ويحمل في طياته صيغة تهديد بحملة قمع رسمية ضد مظاهرات 25 أبريل المنتظرة ، لكن المفاجأة أتت في اليوم التالي ، صباح هذا الخميس ، ببيان من رئاسة الجمهورية ينفي فيه بغضب ملحوظ صحة هذا الذي نشرته الشروق ، وأبدت رئاسة الجمهورية، في بيانها اليوم ، استياءها البالغ إزاء ما تم نشره على الموقع الإلكتروني لصحيفة «الشروق »، مساء أمس الأربعاء، 20 إبريل الجاري، مشيرة إلى أن المنشور تضمن معلومات مُضللة منسوبة لمصادر مجهولة حول عقد الرئيس سلسلة لقاءات مع معاونيه، خاصة مسؤولي الملف الأمني ، وأكدت رئاسة الجمهورية في بيانها أن هذا الأمر عار تماماً عن الصحة شكلاً وموضوعاً، وكان يتعين على الصحيفة التأكد من صحة ذلك الخبر قبل النشر، مراعاةً لقواعد وأخلاقيات مهنة الصحافة، وما يتعلق بها من رسالة سامية لزيادة الوعي ونشر المعلومات الصحيحة ، وأهابت الرئاسة بجميع وسائل الإعلام تحري الدقة، والاستناد إلى مصادر رسمية، والتأكد من صحة الأخبار المتعلقة بمؤسسة الرئاسة قبل نشرها.
البيان يكشف توترا غير معهود من مؤسسة الرئاسة تجاه ما نشر ، كما يكشف قلقا متزايدا من الإعلام ، حيث توجد ملاحظة فعلية بأن قطاعا كبيرا من الإعلام بدأ مرحلة تحول من تأييد مطلق للرئيس إلى حالة نقد أو استياء بدرجات متفاوتة ، والمؤكد أن هذا كله مرصود في تقديرات رئاسة الجمهورية لاتجاهات الرأي العام .
بيان رئاسة الجمهورية الذي ينفي فيه غضب السيسي من مظاهرات الجمعة الماضية وما جرى فيها من هتافات ، بعضها كان جارحا ، وأيضا ـ وهو الأهم ـ نفيه أن يكون السيسي قد أعطى توجيهات لأجهزة الأمن بمنع مظاهرات الاثنين المقبل أو التعامل معها بقسوة ، كل ذلك لغة جديدة غير معهودة منذ 3 يوليو وما أعقبه من سلسلة تشريعات وقرارات عنيفة حاصرت الشارع بعنف وقسوة مفرطة وزجت بالآلاف في السجون ، ومنعت أي احتجاجات ، بيان الرئاسة لم ينتقد المظاهرات التي خرجت يوم الجمعة الماضي ، كما يمكن القول بأنه "لم يمانع" في مظاهرات الاثنين المقبل ، لأن الرئيس ، وهو يمثل القيادة الأعلى لجهاز الشرطة أيضا ، بحكم منصبه رئيسا للمجلس الأعلى للشرطة ، لم يرفض بشكل واضح المظاهرات المقبلة والمنتظرة ضده ، كما لم يدنها بأي لغة أو إشارة ، واستنكر أن يتحدث الإعلام عن "نيته" قمعها أو حظرها ، فهل يمكن اعتبار ذلك "تصريحا" أمنيا بالنزول .
من الصعب تجاهل أن "المصائب" لم تأت فرادى هذه المرة على القيادة المصرية ، بل أتت بالجملة ، من الاقتصاد الذي دخل في مسار خطير وصل فيه الدولار إلى أعتاب اثني عشر جنيها ولا يعرف أحد إلى أين تنتهي رحلة صعوده أساسا ، وهذا هو الذي يخيف أكثر من وصوله إلى ما وصل إليه ، لأن الناس تسأل الآن : متى يتوقف وإلى أي سعر سينتهي أمام الدولار ، وما صاحب ذلك من موجة غلاء تتمدد ونقص في جوانب حيوية للمواطن العادي مثل الأدوية والسلع الأساسية ، وكذلك الغضب المتزايد داخل مصر وخارجها من أداء الجهاز الأمني وتزايد ضحاياه حتى بعيدا عن السياسة في صيغة قتل عشوائي تظهر استخفافا بالأرواح واسترخاصا للدم وجرأة على انتهاك القانون ، إضافة إلى التوتر الشديد الذي طرأ على المشهد في أعقاب التنازل عن الجزيرتين للسعودية وهي القضية التي تبدو رأس الرمح في حركة الاحتجاج الواسعة حاليا وهي الأخطر ضد نظام الرئيس ، إضافة إلى غضب جيل الشباب من حملات الاعتقال وسجن النشطاء حيث ما زال رموز كثيرة لهم خلف أسوار السجون ، وكل ذلك بطبيعة الحال يضاف إلى الضغوط التي يمثلها الإخوان وأنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي في الداخل والخارج ، إضافة إلى ضغوط دولية متنوعة أخطرها ما يتعلق بقضية الباحث الإيطالي "جوليو ريجيني" .
في سياق هذا كله تطرح أسئلة كثيرة على بيان رئاسة الجمهورية الأخير ، وهل هو محاولة لاستيعاب موجة الغضب بدون مزيد من الضحايا الذين يؤججون الغضب أكثر ، هل هو تسليم من السيسي بأن الاحتجاجات على سياساته أصبحت أكثر وأوسع من القدرة على منعها أو قمعها أو تجاهلها ، هل هو تسليم بأن بعض قراراته مست أوتارا وطنية عالية الحساسية في وقت خاطئ يجعل الدولة بكامل مؤسساتها وأجهزتها في حرج شديد من قمعها أو التصدي لغضبها ، هل هو ارتباك قرار القيادة أمام المفاجأة التي ولدتها مظاهرات الجمعة الماضي ، تبقى كل هذه الأسئلة بلا إجابة حاسمة ، حتى مساء يوم الاثنين المقبل .
ساحة النقاش