5-صنم المستقبل :

كنت أشكّ في كينونة هذا الصنم ,وهل هو موجودٌ  بالفعل !..ولكني تأكّدت من أنه تمكّن من عقول الكثيرين حتى باتوا عبيداً له ,عاكفين عليه يفنون حياتهم في انتظار ما يعدهم به ,وعندما يصلون لا يجدوه شيئاً ..!

صنمُ المستقبل يتوارى خلف حائط العجز والإيمان الكاذب والأماني المؤجلة ,يشعرك بأنك في المسار الصحيح ولكنك في الحقيقة تبعد كثيراً عن المسار الذي ترسم صورةً جميلةً للسير فيه .

نستطيع أن نتعرّف عليه بسهولة شديدة ..

عندما يقول لك أحدهم أن الزمن كفيلٌ بإصلاح الأوضاع ..فقط إنتظر!

حين يقول لك الآخر إنها نهاية الزمان وسنرى فيه العجب العُجاب!

وحين يقول البعض المستلقي على أريكته :سأكون في المستقبل رائداً في مجال كذا !

لقد وقعوا في عبادة صنم المستقبل الذي يعدهم بإصلاح الحال حين يشعرون باضطرابه ليهدءوا دون عملٍ أو تخطيط لغدٍ أفضل,ويعدهم بنهاية الدنيا وبداية الحياة السرمدية بأحاديث نبوية وآياتٍ قرآنية وعلاماتٍ متنوّعة ومختلفة ليمكثوا تحت أقدامه دونما عمل ,ويعدهم بحياةٍ مظلمة ومجهولة ليخوِّفهم فيتعلّقوا بالمنجمين ومؤولي المنامات ,ويعدهم بزمنٍ مشرقٍ جميل ويمسك بأيديهم ليرسم معهم لوحةً جميلة لما سيكون ليتأمّلوها ويبتسموا لها ويدمنون عليها كحبّةٍ مخدّرة ,ويأتي مستقبل ويمضي مستقبل وهم لا يراوحون مكانهم غارقون في أحلامهم الوردية ومناماتهم الوهمية.

يتواجد صنم المستقبل في عقول الحالمين من يبنون قصوراً فوق الرمال دون حركةٍ أو تخطيط ,وفي عقول العاجزين الذين لا يريدون فعل شيءٍ أو المبادرة لتغيير الواقع وبناء الغد, وفي عقول الذين يتواطؤون مع صنم المستقبل لجعل النصوص الدينية التي تخبر عن نهاية العالم جواداً لامتطاء صهوة الصبروالتصبر القاتل والإنتظار العاجز ..

 

فكم من عبدةٍ للمستقبل بيننا يروجون لعبادته  ,ويعلنون عبادتهم له من أفرادٍ ومؤسساتٍ ومجتمعاتٍ ودول ,غارقون في الحلم منغمسون في الضلال ,تارةً باسم الدين وتارةً باسم الصبر ونوال الأجر والمثوبة وتارةً باسم الأماني والأهداف العظيمة ..فيدمّرون الحياة وينهونها بفكرةٍ واهية وواهمة ,بسبب استسلامهم واختفائهم خلف صنم المستقبل ,فبدلاً من أن يضعوا لبنةً في بناء الغد ليرتفعوا به ,يحثّون في وجهه التراب إعلاناً بموته قبل أن يولد .

يقول تعالى:

(لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً (123) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً)

 

أهل الكتاب من اليهود والنصارى ,ويهود المدينة بالتحديد أنتظروا قدوم الرسول –صلى الله عليه وسلم- الذي بلغهم خبره في كتبهم ,ولما جاء كفروا به..إنه مثال واضح على عبادة صنم المستقبل عندما عاشوا على الوعد ولما بدا لهم أنه تحقّق لم يكونوا بقدر الحدث وتقاعسوا عن الإيمان والعمل ,خاصةً وأنهم اعتادوا على خيانة نبيهم موسى عليه السلام ,وأدخلوا على عقيدتهم الكثير من التحريف خلال مدّة إنتظارهم ولم يستعدوا لاستقبال هذا النبيّ الجديد بزيادة إيمانهم وحسن نواياهم وأعمالهم..لذلك قال الله جلّ في علاه من يعمل سوءاً يجز به ,ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ..

ولذلك قال عليه الصلاو والسلام:

)(من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً

)(من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد

 

إنه بداية الهلاك للفرد والجماعة ,حينما يستولي عليهم المستقبل بكل ما فيه حتى يصبحوا لعبةً في أيدي من يدعون امتلاكه ومعرفته ,فمهما كان الوعد صادقاً أو الحلم صادقاً أو ظلام المستقبل دامساً ومجهولاً ومخيفاً ,إذا لم نحرّك سكون الواقع إستعداداً للمستقبل ليكون في أيدينا بدلا من أن نكون نحن في يده وتحت رحمة سطوته وجبروته وعواصفه المتقلّبة ,فإننا سنظلّ عبيداً له ,ننتظره مسوِّفين ومتغافلين ..!

 

كمن يقع في حفرة وينتظر الخلاص أو الموت دون أن يصرخ مستنجداً أو يُشعر من حوله بوقوعه في المأزق أو البحث عن طريقة للخروج ,فماذا لو تحرّك أليست فرصة الخلاص ستكون أكبر ..!

واليوم كثرٌ هم من يفتقدون روح المبادرة يكبّلهم الخوف واليأس والإستسلام ,ويدندنون بـ:لا فائدة ,ويسبحون باسم المخلّص الغائب القادم من المستقبل ..وربما لو أتى لتبرؤوا منه!

أن نحذر من تقلّبات الزمن ونستشرف المستقبل ,وأن نتفاءل به ,ونصبر حتى نرى حلمنا حقيقة فهذا جميل ورائع  ..ولكن كل ذلك سيكبّلنا إذا لم نتوِّجه بالعمل المخلص والجاد والقائم على التفكير والتخطيط الإستراتيجي  الذي يضمن لنا بإذن الله مستقبلاً مشرقاً نرى فيه آمالنا مجسّدةً على أرض الواقع .

لن يكون المستقبل صنماً مالم نمتلكه بقوة العلم والإيمان والعمل لآخر نفسٍ في حياتنا ,بل سيكون حافزاً ومشجّعاً لنا حين نؤمن بأن الشمس ستشرق كل صباح وتهزم جحافل الظلام ...والعلاج يكمن في حديثٍ شريف يقول فيه معلمنا عليه الصلاة والسلام:

(إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة , فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)

 

[email protected]

https://www.facebook.com/OlaBawazear

علا باوزير

arwa7

علا باوزير

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 294 مشاهدة
نشرت فى 10 يونيو 2012 بواسطة arwa7

ساحة النقاش

علا عمر باوزير

arwa7
من فكرٍ تمتد لنا آفاقه..وأدبٍ يطيب لنا مذاقه..وقّعت اسمي هنا..كانعكاساتٍ قابلةٍ للتعديل ..وضوءٍ يكون هنا دليل..وعزفٍ لحروفنا يروي أرواحنا الخصبة بالحب والعطاء.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,627