تاريخ السينما الجزائرية
|
كان هناك تاريخ للسينما الجزائرية أثناء فترة الاستعمار الفرنسي , ولكن لم يكن هناك سينما جزائرية بالمعني المفهوم , حيث كان إسهام الجزائريين أنفسهم في السينما قليلاً جداً . فعلي سبيل المثال , عندما نالت الجزائر استقلالها , كان هناك ما يقرب من 300 دار عرض سينمائية في البلاد , جميعها يعمل بنظام 35 ملليمتر . وكان أغلب هذه الدور في الجزائر العاصمة , ووهران اللتان يتمركز فيهما الأوروبيون , وكان اهتمامها الأساسي ينصب علي تلبية رغبات واحتياجات هذه الجاليات التي كان معظمها من الفرنسيين . فمن بين 1400 فيلم روائي طويل قامت بتوزيعها شركات جزائرية , كان هناك فقط 70 فيلماً مصرياً , وتعرضت هذه الأفلام أيضاً لضرائب أعلي من تلك المفروضة علي الأفلام الأوروبية أو الأمريكية . |
وقبيل نهاية القرن التاسع عشر , كان الفرنسي (الجزائري المولد) فيليكس ميسجيش قد قام بتصوير عدد من المشاهد في شوارع الجزائر العاصمة , ومدينة تلمسان لصالح الفرنسي الشهير لوميير لعرضها علي الجالية الأوروبية في الجزائر العاصمة , وفي وهران في خريف 1986 . وخلال الفترة التي تفصل الحرب العالمية الأولي عن حرب التحرير الجزائرية , تم تصوير ما يزيد علي 50 فيلماً جزائرياً عن طريق شركات أجنبية , معظمها فرنسي . ولم يشترك في هذه الأفلام سوي عدد قليل جداً من الممثلين الجزائريين , وفي أدوار ثانوية . وأثناء الحرب العالمية الثانية بدأت السلطات الفرنسية في إنشاء جهاز لتوزيع الأفلام السينمائية في الجزائر وخاصة المناطق الريفية التي يسكنها الجزائريون لأغراض دعائية , كما أنشأت جهازاً موازياً للإنتاج السينمائي لنفس الغرض .
|
لعبت السينما دوراً هاماً في النضال الذي خاضه الشعب من أجل تحرير الجزائر . وقد أسس جيش التحرير الجزائري وحدة للفيلم التسجيلي أشرف عليها المخرج التسجيلي الفرنسي , وأحد أنصار الجبهة القومية لتحرير الجزائر في نفس الوقت , رينيه فوتيير , والذي أخرج في تلك الفترة فيلمه الشهير "الجزائر تحترق" عام 1959 . كما أسست الحكومة الجزائرية في المنفي هيئة للإنتاج السينمائي في تونس أنتجت العديد من الأفلام القصيرة أخرج معظمها جمال غاندرلي , الذي اعتزل صناعة السينما بعد حصول الجزائر علي استقلالها , والأخضر حامينا الذي أكمل مشواره السينمائي ليصبح واحداً من أبرز المخرجين في سينما المغرب العربي عموماً . |
بعد الاستقلال استمرت الحكومة الجزائرية في لعب الدور الرئيسي في صناعة السينما الوطنية , وأعلنت احتكار الإنتاج السينمائي , والتوزيع والعرض من خلال سلسلة من المؤسسات البيروقراطية التي كان أداؤها مرتبك غالباً . وليس من الغريب علي سينما ولدت من رحم الحرب مثل السينما الجزائرية أن يكون الموضوع الرئيسي لأفلامها الأولي هو حرب التحرير , وأن يجذب هذا الموضوع أغلب الرعيل الأول من المخرجين الذين كانوا أيضاً من ناشطي الثورة الجزائرية في الوقت نفسه . |
وكانت أول جهة إنتاج بعد الاستقلال هو المركز السمعي البصري الذي أسسته وزارة الشباب والرياضة الجزائرية عام 1962 , واستمر هذا المركز لمدة عامين كان فيهما قاعدة إنتاجية لإنتاج مجموعة أفلام أشرف عليها رينيه فوتييه , وأخرجها مخرجون شبان حاز بعضهم شهرة عالمية فيما بعد مثل أحمد رشيدي . وقد أنتج المركز مجموعة من الأفلام التسجيلية القصيرة وفيلماً روائياً طويلاً واحداً هو "مسيرة شعب" . كما شارك المركز في محاولة غير ناجحة لتكوين سلسلة من أندية السينما في جميع المدن الجزائرية . |
ثم أنشأت وزارة الإعلام الجزائرية في بداية عام 1963 "المكتب الجزائري للأخبار" لينتج تقريراً إخبارياً أسبوعياً . وتحول المكتب بعد ذلك إلي مركز للمجموعة التي كانت تعمل في تونس بقيادة محمد الأخضر حامينا الذي ظل مديراً لهذا لمركز حتى تم حله عام 1974 . وتحت قيادة حامينا تحول اهتمام المكتب الرئيسي من الأخبار إلي الأفلام التسجيلية القصيرة . وبعد إنتاج فيلمين روائيين قصيرين - أنتج حامينا أحدهما بنفسه وأنتج الثاني محمد بوماري الذي أصبح فيما بعد أحد صناع الأفلام الروائية الطويلة البارزين في الجزائر - تحول حامينا إلي إنتاج الأفلام الروائية الطويلة , فأنتج "الغولة" عام 1972 من إخراج مصطفي الكاتب . الذي بدأ ممثلاً في هيئة المسرح التابعة لجبهة التحرير الجزائرية , ثم أصبح مخرجاً في المسرح القومي الجزائري في 1963 . كما كان مكتب الأخبار الجزائري هو القاعدة الإنتاجية للأفلام الروائية الثلاثة الأولي التي أخرجها حامينا نفسه وعرض من خلالها رؤىً متنوعة تماماً في حرب التحرير الجزائرية . فبينما كان فيلم "حسن طرو" يتناول قصة ضاحكة عن شخص يصبح بطلاً بالصدفة , نري فيلم "ديسمبر" يتأمل عمليات التعذيب التي تعرض لها الجزائريون علي يد المستعمر الفرنسي , ليس من وجهة نظر جزائرية , وإنما من وجهة نظر ضابط فرنسي يواجه أزمة ضمير . |
أما الجهة الإنتاجية الثالثة والتي ظهرت في الجزائر في منتصف الستينات , فهي المركز القومي للسينما الذي أنشأته وزارة الإعلام والثقافة عام 1964 , والذي اضطلع بعدة مسئوليات منها الإشراف علي التوزيع ودور العرض , والإشراف علي مشروع العروض السينمائية المتنقلة , وإنشاء أرشيف للسينما الجزائرية , وسينماتيك جزائرية , وإنشاء مشروع برنامج التدريبي للمخرجين الجدد , ومنهم مرزاق علواش , وسيد علي مازيف , وفاروق بلوفا , ومحمد الأمين مرباح . وبالإضافة لكل هذا كان المركز معنياً بإنتاج الأفلام القصيرة , والتسجيلية , والروائية الطويلة . |
وتم إنتاج ثلاثة أفلام روائية طويلة في تلك الفترة منها "سلام صغير" الذي يتناول تأثير الحرب علي الأطفال , من إخراج الفرنسي جاك شاربي . و"فجر الملعونين" لأحمد رشيد الذي يضع الحرب الجزائرية في سياق صراعات العالم الثالث . و"الليل يخاف الشمس" لمصطفي بادي , وهو دراسة ملحمية في ثلاث ساعات لجذور , واندلاع ونتائج الحرب الجزائرية . كما أنتج المركز فيلماً واحداً بالاشتراك مع فرنسا , وهو "الشمس السوداء" عام 1967 . |
وإلي جانب هذه المؤسسات الحكومية كانت هناك شركة خاصة واحدة , وهي "أفلام كاسباه" 1965- 1967 التي أسسها ياسف ساعدي أحد أعضاء الجبهة الشعبية , والذي كانت قصة حياته هو نفسه موضوعاً لأشهر الأفلام التي أنتجتها الشركة "معركة الجزائر" عام 1965 وهو من أفلام الإنتاج المشترك التي توالت بعد ذلك من خلال شركة كاسباه , وخرج معظمها إلي السوق العالمية. من هذه الأفلام "الأيدي الحرة" من إخراج انيو لورينزو في 1965 , "المتمرد" من إخراج لوتشينو فسكونتي عن رواية ألبير كامو في 1967 . ولم يلعب الجزائريون سوي أدوار صغيرة في صناعة جميع هذه الأفلام , باستثناء موسي حداد الذي أخرج فيلم "المدافع ضد قيصر" بالاشتراك مع المخرج انزو بيرو . |
وظهرت ثالث الهيئات الإنتاجية التي واكبت منتصف الستينات مع تأميم التلفزيون الجزائري عام 1962 , عندما أعلن عن إنشاء "راديو وتلفزيون الجزائر" الذي أنتج "الليل يخاف الشمس" . ورغم أنه لم يستند أبداً علي تمويل قوي , فقد كان راديو وتلفزيون الجزائر يمتلك دوماً خططاً طموحة لإنتاج أفلام للعرض التلفزيوني من خلال مخرجيه الذين كانوا يعملون في الأغلب بالأبيض والأسود , وبخام نيجاتيف فيلم 16 مم . وبجانب مشروع مصطفي بادي المبكر , فقد أنتج التلفزيون الجزائري الأفلام الأولي لعدد من المخرجين , أكسبت السينما الجزائرية شهرة عالمية , مثل عبد العزيز طلبي , ومحمد الأمين مرباح , ومحمد افتسيني . |
وفي عامي 1967 - 1968 أعيد هيكلة مؤسسات السينما الجزائرية بشكل جذري , حيث تم حل المركز القومي للسينما , ومكتب الأخبار , وإنشاء مؤسسات جديدة هي مركز التوزيع السينمائي , ومركز السينما الجزائرية للاضطلاع بالأدوار الإدارية مثل الإشراف علي دور العرض , وأمور الصناعة بوجه عام . تلي ذلك احتكار صناعة السينما بواسطة الهيئة القومية لصناعة وتجارة السينما , وأدي هذا إلي اقتصار الإنتاج السينمائي علي هذه الهيئة باستثناء الإنتاج التلفزيوني الذي كان في أغلبه كما ذكرنا أفلام بالأبيض والأسود علي شرائط فيلم 16 مم , وبعض المحاولات الفردية المستقلة . |
وبينما حازت الهيئة سمعة عالمية طيبة , تعرضت لنقد كثير داخل الجزائر بسبب سياساتها في الإنتاج المشترك باهظ التكاليف مع فرنسا وإيطاليا . ومن أفلام هذه المرحلة "كوستا جافراس زد" في 1968 , و"متاريس الطين" في 1971 . |
ورغم تغير الأنماط الإنتاجية والجهات المسئولة عن الإنتاج في الجزائر , إلا أن التركيز ظل علي الحرب كموضوع رئيسي للأفلام الجزائرية , مع تعدد الرؤى ووجهات النظر في أسلوب تناول هذه الحرب . فبينما قدم المخرج فارس توفيق (هو نفسه مؤلف رياح الأوراس من إخراج الأخضر حامينا) فيلمه الروائي الوحيد "المطاريد" في ثوب هوليودي , قدم أحمد رشيدي فيلمه الروائي الأول "الأفيون والعصا" بأسلوب أكثر جرأة واقتحاماً للمشكلة , وتفوق الأخضر حامينا علي الجميع عام 1970 بفيلمه "حكايات سنين الجمر" الذي كان أول فيلم إفريقي يفوز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي . |
كما تم إنتاج فيلمين في شكل حكايات منفصلة , وهما "الجحيم عمره 10 سنوات" 1968 الذي يتكون من ستة قصص لأطفال عانوا من ويلات الحرب , و"قصص من الثورة" 1970 الذي يستعرض عدة قصص من المقاومة الشعبية . ويروي "حرب التحرير" قصة الحرب من خلال استعادة مشاهد تسجيلية من أرشيف المقاومة , بينما تناول "موت الليل الطويل" من إخراج رياض وغوتي بن ديدوتشي , الصراع الأكبر ضد الاستعمارية الجديدة . |
ويمكن ملاحظة ثلاثة أشياء رئيسية عن الجيل الأول من المخرجين الجزائريين في سياق الحركة السينمائية في المغرب العربي . أولاً ارتباطهم الشخصي بحركة التحرير فقد كان رينيه فوتير, وجاك شاربي من أعضاء الجبهة الشعبية , كما عمل أحمد رشيد مع فوتير في وحدة الأفلام التابعة للجيش الجزائري . وعمل كذلك الأخضر حامينا وأحمد العليم في وحدة الأفلام التابعة لحكومة المنفي في تونس . واعتقل محمد سليم رياض في باريس لآرائه السياسية , وجرح عبد العزيز طلبي أثناء القتال في صفوف جيش التحرير . الأمر الثاني هو متوسط أعمار هذا الجيل الذي لا يفوق كثيراً أعمار الجيل الذي تسيد سينما المغرب العربي بعد ذلك . الملاحظة الثالثة هي افتقار أغلب أبناء هذا الجيل للتعليم الأكاديمي , لكن كثير منهم عملوا كمساعدي إخراج في التلفزيون , فقد ترك الأخضر حامينا دراسته في مدرسة براغ للسينما لكي يلتحق متدرباً باستوديوهات باراندوف , وتدرب كل من رياض وحداد وبادي في التلفزيون الفرنسي . ورغم ذلك فمن الواضح أن التأثر بالفرنسيين كان طفيفاً حتى بين الذين تعلموا في معاهد السينما الفرنسية من أبناء هذا الجيل , ويعد أحمد العليم هو الوحيد الذي درس السينما في باريس , ولمدة 8 أشهر فقط . أما محمد الأمين مرباح وسيد علي مازيف , فكانت دراستهما في مدرسة السينما بالجزائر ذاتها , بينما درس عمار العسكري في بلجراد بيوغوسلافيا , ومحمد افتسيني في لودز ببولندا . |
وإذا علمنا أن المكتب الجزائري لصناعة وتجارة السينما كان هيئة حكومية تابعة للدولة , فلن يكون هناك ما يدعو للدهشة من الاستجابة السريعة التي لقيتها ثورة الفلاحين في بداية السبعينات من السينما الجزائرية . ولا تختلف خلفيات الجيل التالي من المخرجين كثيراً عن الجيل الأسبق , فلم يتلق محمد بوماري مثلاً أي تعليم متخصص , كما أن عبد العزيز طلبي درس في جامعة كولونيا ثم عمل مساعداً للإخراج في التلفزيون الألماني . |
لقد بدأ فيلما "الفحام" و "نوح" من إخراج بوماري وطولبي علي الترتيب , وكلاهما من إنتاج 1972 , بدأ الفيلمان موجة من الأفلام عن الفلاحين في ريف الجزائر , وشملت ثالث أفلام بوماري نفسه "الإرث" 1974 , و"رياح الجنوب" لسليم رياض 1975 , و"البدو" لسيد علي مازيف , و"النهابين" للأمين مرباح . |
تأكد تركيز صناع السينما الجزائرية علي موضوعات بعينها في السبعينات , عندما أراد أحمد رشيدي أن يتناول موضوع الهجرة , وأخرج فيلمه المستقل منخفض التكاليف (16مم) "الأيدي العاملة" لصالح اتحاد العمال الجزائريين في فرنسا , قبل أن يتناول نفس الموضوع مرة أخري من خلال فيلم 35مم من إنتاج المكتب الجزائري لصناعة وتجارة السينما , وهو "علي في بلاد السراب" عام 1979 , كما تم إنتاج فيلم آخر بنفس التوجه هو "العائلات المحترمة" عام 1973 لكن لم يتم توزيعه . |
لكن هذا لا ينفي أن السبعينات في الجزائر شهدت أفلاماً متميزة علي درجة عالية من الجودة , بعيداً عن الأسلوب السائد , وبعيداً أيضاً عن تأثيرات السينما الفرنسية والأجنبية بوجه عام . كان محمد زينات من الممثلين البارزين في الوسط الفني الجزائري , درس في ألمانيا , وهو مؤسس ما أصبح فيما بعد المسرح القومي الجزائري . كذلك درس مرزاق علواش وفاروق بلوفا في معهد ايديكIDHEC في باريس . وقدم زينات صورة الجزائر من وجهة نظره في فيلم "تحيا يا ديداو" 1971 , بينما قدم علوشي الشباب الجزائري في "عمر جاتلاتو" ,1977 , وأخرج بلوفا "نهلة" عام 1979. ولسوء الحظ لم يستطع أي من زينات أو بلوفا إخراج أية أفلام روائية أخري لغياب التمويل , أما علواش فقد تابع تقديم أعماله المتميزة خلال الثمانينات والتسعينات . |
شهدت السبعينات من القرن الماضي تحولاً في سياسة الإنتاج المشترك التي اتبعها المكتب الجزائري لصناعة وتجارة السينما , وبدأ المؤشر الإنتاجي يبتعد عن التجارب الخاسرة من الناحية التجارية مع الشركات الفرنسية والإيطالية , ويتجه إلي الهوية العربية الشابة . ومن بين الأفلام التي أنتجت في تلك الفترة "عزيزة" الذي أخرجه التونسي عبد اللطيف بن عمار , وثلاثة أفلام من إخراج المخرج المصري الكبير يوسف شاهين . هي العصفور 1973 , عودة الابن الضال 1975 , إسكندرية ليه 1978 .وقبل حل المكتب الجزائري لصناعة وتجارة السينما بعامين قام بإنتاج فيلم بالاشتراك مع الجامعة العربية عن قضايا المرأة أخرجه سيد علي مازيف بعنوان "الوجود" 1982. |
كانت السبعينات أيضاً حقبة تعاون مثمر بين المكتب الجزائري لصناعة السينما , وراديو وتلفزيون الجزائر فقد تم توزيع عدد من أفلام راديو وتلفزيون الجزائر في دور العرض عن طريق المكتب. ومن هذه الأفلام "نوح" لعبد العزيز طلبي , "النهابين" للأمين مرباح , وفيلمين آخرين للروائية آسيا جبار مقاس 16 مم هما "نوبة نساء جبل شنوا" 1978 , و" أغاني النسيان"1982 , وعرض كلاهما في عدة مهرجانات . كما شارك راديو وتلفزيون الجزائر في إنتاج عدة أفلام منها "مغامرات بطل" لعلواش , و"ليلي وأخواتها" لمازيف , بالإضافة إلي هذا فقد بدأ عدد من المخرجين بأفلام من إنتاج راديو وتلفزيون الجزائر , ثم انتقلوا إلي السينما . ومنهم موسي حداد الذي قدم "إجازة المفتش طاهر" , بالإضافة إلي العليم ومرباح كما ذكرنا من قبل . لقد أسهمت الأفلام التي قدمها مخرجو التلفزيون في تكوين صورة السينما الجزائرية في عيون العالم , لكنها لم تخلق وحدة بين المؤسسات الإنتاجية في الداخل . |
أما الثمانينات فقد شهدت تواصلاً وتحديثاً جزئياً علي الأقل في السينما الجزائرية . فقد تم في 1984 حل المكتب الجزائري لصناعة وتجارة السينما الذي أنشيء عام 1967 وكان مسئولاً عن كل الأفلام الروائية الطويلة في الجزائر , وتم توزيع مهام المكتب علي هيئتين منفصلتين , هما المؤسسة القومية للإنتاج السينمائي , والمؤسسة القومية للتوزيع ودور العرض . وتم التخلي عن سياسة الاحتكار , وأصبح من الممكن أن يقوم السينمائيون بإنشاء شركات الإنتاج الخاصة بهم . وفي نوفمبر 1987 تم إنشاء كيان سينمائي آخر هو المركز الجزائري لفنون وصناعة السينما , ليحل محل المؤسستين السابقتين ويقوم بالدور الذي كان يقوم به المكتب الجزائري لصناعة وتجارة السينما . كما اتخذت خطوة موازية فيما يتعلق بالإنتاج التلفزيوني حيث تم جمع كل الهيئات التابعة للتلفزيون في المؤسسة القومية للإنتاج السمعي والبصري التي رأسها الأمين مرباح , وشاركت في إنتاج عدد من الأفلام مع المركز الجزائري لفنون وصناعة السينما . |
ورغم عدم استقرار نظم الإنتاج , فقد استمر مخرجو السينما الجزائرية المخضرمين في تقديم أعمالهم , فقدم مرزاق علواش "رجل ونوافذ" 1982 قبل أن يغادر الجزائر إلي باريس ليقدم "حب في باريس" 1986 , وقدم الأخضر حامينا "ريح الرمل" 1983 , و"الصورة الأخيرة" 1985 . وكان "طاحونة السيد فابر" لرشيدي 1982 نموذجاً معبراً عن قدرات مخرجه التعبيرية البصرية , لكن "الخطوة الأولي" و"الرفض" لبوماري كانت محاولات أكثر خصوصية لم تجد صدي مناسباً في الجزائر . ومن المخرجين الكبار الذين استمروا في العمل خلال الثمانينات مازيف بفيلم "الحرية" 1986 , والعسكري بفيلم "بوابات الصمت" 1987 . |
ومن المخرجين الآخرين الذين تعاونوا مع راديو وتلفزيون الجزائر ثم تحولوا إلي السينما في الثمانينات , عبد الرحمن بوجرمو الذي قدم "صراخ الحجر" 1985 , ومحمد شيوخ الذي ساهم في الثمانينات بفيلمي "الانقطاع" 1982 , و"القلعة" 1988 . أما المخرجين الأصغر في السينما الجزائرية فقد انشغلوا في كثير من الأحيان بمشروعات أصغر من الناحية الاقتصادية كما حدث مع مصطفي منجوشي ورباح بوشمها , اللذان ساهما بمقاطع من فيلم عن دور الأطفال الجزائريين في معارك الاستقلال . وعاد علي غالم من المنفي ليقدم رؤية سينمائية للرواية التي كتبها بنفسه تحت اسم "زوجة لابني" , وأخرج طيب مفتي "زواج موسي" 1982 , وكلا المخرجين تعلما بنفسيهما دون تعليم أكاديمي . لكن الأجيال التالية من المخرجين جميعاً من أصحاب الدراسات الأكاديمية . |
قدم رباح لارادج , الذي درس في معهد السينما الجزائري "سقف وعائلة" 1983 , وأخرج محمد مزيان الذي أتم دراسته في لودز ببولندا "أغنية الخريف" 1983 . ومن ناحية أخري استطاع محمد زموري الذي درس في معهد IDHEC أن يغير السينما الجزائرية للثورة ولللجزائر الحديثة في فيلمه الذي أخرجه في باريس "سنوات التويست المجنونة" . |
أما التسعينات , فقد حملت تغييراً جديداً وأكثر جذرية في هيكلة السينما الجزائرية . ففي أكتوبر 1993 منح المخرجون أعضاء المركز الجزائري لفنون وصناعة السينما ما يوازي مرتبات 36 شهراً في دعوة لهم من الدولة لتشكيل كيانات إنتاجية خاصة بهم . وباشر المركز مهامه متيحاً الفرصة أمام المشروعات الواعدة للخروج إلي حيز التنفيذ بناءاً علي قراءة لجنة يرأسها الكاتب رشيد ميموني . |
لقد تزامن هذا التغيير مع تغييرات سياسية هددت جدياً الإنتاج السينمائي الجزائري .ومع ذلك فقد شهدت التسعينات ميلاد جيل جديد . تصدره ابن الأخضر حامينا , ملك حامينا بفيلمه "الخريف-أكتوبر في الجزائر" . وكذلك شهدت التسعينات ميلاد مخرجين جدد مثل ربيع بن مختار , ورشيد بن علال الذي بدأ مونتيراً ثم تحول إلي الإخراج , ورشيد بن إبراهيم الذي أخرج "الفصل الثالث" عام 1992 , بالإضافة إلي الكاتبة والروائية حفصة زين القوديل التي قدمت فيلم "المرأة الشيطان" 1993 والذي أثار ضجة كبيرة في الوسط الثقافي الجزائري . |
وقد استمر عدد من مخرجو السبعينات والثمانينات كذلك في تقديم أعمالهم في أوائل التسعينات منهم إبراهيم تاسكي الذي أخرج "أطفال النيون" في فرنسا , ومحمد زموري الذي أخرج "شرف القبيلة" 1993 , "أضواء" 1992 , وشويخ الذي أخرج "يوسف أسطورة النائم السابع" , وبلجرمو , وقدم "الجانب المنسي" 1992 . وأخيراً علواش , وقد أخرج "مدينة باب العود" 1994 .
عن موقع المدرسة العربية للسينما والتلفزيون
|
|
ساحة النقاش