المحسنون الرقميون
***************
الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك, ومراقبة النفس هي من أعلى الدرجات منزلة بعد الإسلام والإيمان ولكن هل نطبق هذا في العصر الحالي في بلداننا العربية وهل نطبقه مع الوسائل التقنية الحديثة للإعلام عن أنفسنا أو عن الغير والتواصل والإتصال مع بعضنا البعض؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها في عصر الثقافة الرقمية, وعن كيفية تطبيق الأخلاق وما أهميتها في هذا العصر وفي المستقبل القريب سريع التطور من نقطة وقوفنا حتى في حاضرنا.
" أسيمو " هو الإنسان الآلي الأكثر تقدما ً على وجه الأرض, وهو من تصميم شركة هوندا للسيارات, وُلد في 31 أكتوبر عام 2000, وله القدرة على المشي بسهولة وحتى الرقص على إيقاع الموسيقى, كما أنه يُعد أسرع إنسان آلي على وجه الأرض, حيث تصل سرعته إلى تسعة كيلومترات في الساعة.
نعم أعرف أننا لا نعيش في كوكب اليابان ولكننا نستخدم أجهزة ألية تشبه " أسيمو " في الأداء ولكن تختلف عنه في الملامح قليلا ً, فكل جهاز حاسب آلي أو تليفون محمول أو أشباههم هم في الحقيقة من أقرباء " أسيمو ", فلهم ذاكرة وبهم معلومات ويتلقون أوامر وينفذونها ويصدرون أوامر لأشياء أقل منهم في الإمكانيات, ( بما يُعرف بإنترنت الأشياء).
كان على الإنسان في السابق أن ينافس أخيه الإنسان للوصول لهدف أو نهاية تبين أيهما يستحق التقدم على الأخر ولكن تلك المنافسات كانت تحت إطار من الحدود والروابط والضوابط الأخلاقية والتي تحولت إلى عقائدية دينية توجب الإلتزام بها للوصول إلى مراحل من الرُقي في التعامل بين البشر, ولكن بعد صنع الآلات التقنية الحديثة وجب على الإنسان نفسه أن يضع قوانين وضوابط للمنافسة بين الآلات وبعضها وبين الإنسان والآلات, مثلا ً الشركات هذه الأيام مثل شركة جوجل والتي تنظم إنتاج سيارات ذاتية القيادة, ودعنا نفترض أن جوجل باعت لك سيارة ذاتية القيادة والسيارة قامت بحادثة, فمن سيكون المسئول عن الخسائر, أنت أم جوجل؟ وماذا إذا ما إشتريت سيارة وصديق لك إشترى مثلها وتصادمت السيارتان, فمن سيتحمل الخسائر أنت أم صديقك أم جوجل؟ سنعتبر أن جوجل هي المخطئة فلم توفر المعلومات اللازمة والكافية لمنع التصادم وإن كان بنسبة ضئيلة, وأنها ستتحمل الخسائر, ولكن مابالك لو أن جوجل قامت بمبيعات 100 ألف سيارة ذاتية القيادة فهل ستتحمل أعباء خسائر التصادمات أم أن صاحب السيارة هو من سيتحمل!
لنرجع ثانية إلى أبناء " أسيمو " اللذين سيصبحون أكثر تطورا ً من أبيهم الذي وُلد عام 2000 كما ذكرنا, ماذا لو أنك تمتلك أحدهم وقام بخطأ ما أو إصابة أحدهم أو حتى تسبب في مقتل أحدهم, فمن الذي سيتم محاسبته ( أنت صاحب الإنسان الآلي أم الشركة المصنعة أم المجتمع الذي تعرض للضرر؟ )
الحل الوحيد والذي يتدارسونه الأن في تشريعات الدول المتقدمة أن المسئول عن الإنسان الآلي هو صاحبه وسيُعامل الإنسان الآلي معاملة العبد الذي يجب أن يتحلى بالإخلاق والتي سيستمدها من صاحبه, ولكن يجب على صاحبه أن يكون عنده وفرة من هذه الأخلاق لكي يتم تطبيقها بشكل تلقائي وبدون تفكير.
وعلى هذا ياسادة فإننا نحتاج لأن نكون من المحسنيين والذين يراقبون أنفسهم قبل أن يراقبهم أحد والذين ينافسون بعضهم لكي يصبحوا أكثر نفعا ً وبناء ُ للمجتمع وليس تدميرا ً للمخلوقات الآلية.
في عصر الثقافة الرقمية والحوسبة يجب أن نتحلى بأخلاق ذاتية متطورة سريعة الأداء لنتائج أفضل.
شريف رمضان
24-10-2015
ساحة النقاش