حدائق العصور الوسطي (بعد الميلاد حتى آخر القرن التاسع عشر):


أ- الحدائق اليابانية:


دائماً ما تجمع الحديقة مهما كان نوعها او عصرها ما بين الأشكال الطبيعية والأشكال الهندسية (محاكاة الطبيعة الحرة والتصميمات الهندسية المنتظمة)، بالإضافة إلى إدخال الطابع الحضاري لكل دولة والاقتباس من الحضارات السابقة .. وهكذا كان الحال مع الحدائق اليابانية.
فبعد ظهور الحضارة الحدائقية فى الصين عبرت لتصل إلى اليابان والتي كانت تتميز بوجود ثلاث أشكال من الحدائق فيها.
الحديقة المنبسطة، وغالباً ما تُستخدم فى المساحات الصغيرة للمنازل أو الطرق حيث يوضع الرمل على التربة وتوضع فوقه الحجارة بزوايا متلفة وُيزرع حولها بض النباتات.
الحديقة الجافة، وعنصرها الغالب هو التباب وتوضع الحجارة مكان الماء فيها.
الحدائق الصخرية والمائية، تجمع ما بين مجاميع من التباب ومجارى عديدة للمياه، وتنسيق لمناظر أمامية من الحجارة وبحيرات تتوسطها جزر.
أما عن الشكل الغالب للحديقة اليابانية وضع أحجار طويلة أشبه بالحرس فى مداخلها ووجود كباري فوق مساقط المياه، أكشاك خشبية ذات طراز يابانى بالإضافة إلى تماثيل الآلهة.


ب- حدائق العصر الإسلامي:

 

 


ويُطلق عليها أيضاً الحدائق العربية الأسبانية، فأسبانيا تعتبر همزة الوصل ما بين أوربا وما بين الشرق الأوسط خلال العصور التاريخية القديمة لذا فهي جمعت ما بين الحضارة الحدائقية الأوربية والحضارة الإسلامية (حدائق الشرق الأوسط).
أي أنها جمعت مابين الطابع الغربي والطابع العربي، إلا أن الطابع العربي هو الأكثر سيطرة وبروزاً.
وكان للحدائق الأسبانية طابعاً مميزاً الذي يعكس فلسفة الفن العربي، وخير مثال على ذلك: حدائق الهمبرا

 

(Alhambra) حيث صحب المسلمون معهم إلى أسبانيا حب الطبيعة التي تمثل حياة البادية لديهم بما فيها حب المناظر الطبيعية والاستمتاع بالماء والهواء.
وكانت فكرة الدهليز (Patio) مقدمة فى الحديقة الأسبانية التي نُقلت عن الرومان، وبكل حديقة توجد نقطة مركزية متمثلة غالباً فى نافورة تلفت النظر إليها، وينتهي الدهليز عادة بما يحتويه من زهور وأشجار ونافورات بصالة كبيرة مفتوحة للهواء والشمس وقد يتواجد فى الحديقة أكثر من دهليز واحد.
كانت الجدران تُدهن باللون الأبيض أو بالألوان الفاتحة، وهناك استخدام للأصص المزروعة فيها النباتات والتي تعتبر جزء من تصميم الحديقة، المدهونة أيضاً بنفس ألوان طلاء الحديقة لكي يتكامل الإطار النهائي الجذاب لها.
اعتنى الأسبان ببناء الشرفات والنوافذ المطلة على الحديقة لكي تكون همزة وصل بين المنزل والحديقة، كما أن ممرات المنازل والحجرات الداخلية كانت تملأها أصص النباتات المحبة للظل وتوضع بجوار المنشآت البنائية.
وحيث أن العرب أكنوا يقدسون الماء ويحترمونه نظراً لندرته فى حياة البادية عندهم، فُوجه إليه اهتماماً كبيراً كعنصر من عناصر الحديقة، فخرجت النافورات يندفع منه الماء إلى قنوات فى شكل هدير أمواج، وكان الاهتمام بذلك حتى لا تركد المياه التي يستخدمونها فى الوضوء (من شعائر الدين الإسلامي).
كما قام العرب بتزويد الحدائق ببعض الأعمال التنسيقية مثل الأسيجة الإطارية (Boxing hedges) التي تحيط بأحواض الزرع والطرقات ونافورات المياه، كما اهتموا بالأقواس المعمارية فبُنيت الأقواس الرخامية فى نهايات الدهاليز.

 

 


ج- الحدائق المغولية (الحدائق الهندية):


بما أن العرب أدخلوا طراز حدائقهم فى بلاد الأندلس (أسبانيا)، كذلك فعل المغول بحدائق الهند بإدخال الطراز الفارسي عليها حيث قاموا بغزو بلاد الهند فى عام 1526 ميلادية. وكان طراز الحدائق الهندية أو المغولية إن جاز القول يغلب عليه الطابع التالى: الحديقة أُنشئت حول القصور وحول المقابر وليس فى وسطها كما هو متعارف عليه، كانت الأشجار الغالبة فى الاستخدام والتي تحيط بالحديقة فى صفوف ومسافات متساوية هي أشجار السرو بالإضافة إلى أشجار الفاكهة والنباتات العطرية، استخدام عناصر التنسيق من الماء والظل وذلك لارتفاع درجة الحرارة ببلاد الهند، مساحات الحديقة أكثر اتساعاً عن تلك التي أُنشئت فى بلاد الفرس.

 


د- الحدائق الإيطالية:

 

 


الحديقة الإيطالية وظهورها فى عصر النهضة ما هو إلا امتداد للحدائق الرومانية القديمة، على الرغم من التداخل الكبير بين هاتين الحديقتين.
ومن أشهر الأمثلة للحضارة الحدائقية الإيطالية حديقة فيلالانت

 

(Villa Lante) للمهندس "فيجنولا" 1564.
ومن السمات الغالبة على الحديقة الإيطالية: أولها فن النحت والزخرفة حيث وُضعت التماثيل فى أماكن ظاهرة بالحديقة، ثانيها وجود عنصر الماء الذي يربط بين أجزاء الحديقة، ثالثها استخدام النظام الهندسي والذي كان يغلب عليه وجود التراسات المتتالية مع محاور ثانوية متصلة بتلك التراسات.
وكان هناك تنوع فى هذه التراسات مثل التنوع فى درجات السلالم وفى أوجه التراسات النهائية وفى وضع المجاميع الشجرية حولها.

 

 


هـ- الحدائق الفرنسية:


يمكننا أن نطلق عليها الحديقة الأرستقراطية، والسبب فى ذلك أن المجتمع الفرنسي عُرِف منذ القدم بأنه المجتمع الذي التف حول الملك وحاشيته وظهرت عليه معالم الحكمة والثراء والتحرر والعلم الذي انعكس فى كل شيء فى حياتهم وخاصة فى نظام حدائقهم، فلم يكن تصميمها بسيطاً أو مكاناً للراحة والتأمل بقدر ما كانت مسرحاً يعكس حياتهم المليئة بالعظمة والتي كان يُقام عليها حفلات البلاط الملكي للحفاظ على مظاهر القوة والجاه.
أما الطابع الآخر الذي غلب على هذه الحدائق بعد طابع العظمة والبعد عن البساطة فى تصميمها هو شق الطرق العريضة فى الحدائق العامة وكذلك وجود شبكات من الطرق التي تربط الأراضي الزراعية ببعضها البعض والتي اقتبسوها من شق الممرات داخل الغابات لاستخدامها فى الصيد.
أما مميزات عصر النهضة الإيطالية والتي نُقلت إلى الحديقة الفرنسية على يد "تشارلز الثامن" عام 1494 من معسكراته بإيطاليا ظهور التراسات والنافورات وعمليات التنسيق بالحجارة كجزء من تصميم الحدائق الفرنسية.
كما قام الفرنسيون بتحويل البرك المائية للأسماك والخنادق المائية للدفاع عن الحصون والقلاع أو التي كانت تُستخدم من أجل أغراض الري إلى قنوات واسعة كمذهباً جديداً فى الحضارة الحدائقية الفرنسية.
ثم جاء المصمم "أندريه لينوتر" لكي يحدث طفرة فى فن الحدائق فى الفترة ما بين 1656 إلى 1661 والذي اتبع ثلاثة مبادىء فى تصميماته للحدائق الفرنسية:
1- وجود مساحة شاسعة أمام المباني تمتد من بعد الحديقة.
2- إتباع البساطة فى محاور التصميم على أن يكون هناك محور أساسي تتعامد عليه محاور ثانوية وفى زوايا المحاور تكون هناك تابلوهات أرضية منسقة بالتماثيل والنافورات.
3- التركيز على أهمية المحور الأساسي ورؤية العين له على امتداد النظر رغم اختلاف فى وحدات التناظر وهو نفس التصميم الذي استند إليه الملك "لويس الرابع عشر" فى تصميم حدائق فرساي.
ثم مرت فترة من اختلال الحدائق الفرنسية حيث كان الفكر السائد بأن الحديقة يجب أن تُترك للطبيعة بدون تدخل للفكر الإنساني، ومرت ثلاثة قرون أخرى وبالتحديد أثناء القرن التاسع عشر أدرك الفرنسيون قيمة مواهب "لينوتر" واتخذوه نبراساً مرة أخرى فى كل تصميماتهم للحدائق.

 


و- الحدائق الإنجليزية:

 


تاريخ الحدائق الإنجليزية مر بمرحلتين، مرحلة الاقتباس ثم مرحلة التفرد والإبداعية. فالأولى أثمرت عنها الحدائق المتناظرة أما الثانية فأثمرت عنها الحدائق الطبيعية.

أ- الحدائق المتناظرة:
ويتميز هذا النوع من الحدائق على أنظمة خاصة بالحدائق دخلت إنجلترا مع المستعمرين، ظل منها جزء اقتبسه الإنجليز منها وخرج منها الكثير بجلاء المستعمرين. وكان أول تلك الأنظمة التي نزحت إلى إنجلترا الحديقة الرومانية، وعلى الرغم من أن هذه الحدائق لم تترك آثاراً فى الحدائق الإنجليزية إلا أنها كانت وسيلة لاستجلاب أنواع مختلفة من النباتات جديدة على المجتمع الإنجليزي كما استُحدث بها أعمال التنسيق الزخرفى بالنباتات

 (Topiary).
وبرحيل الحدائق الرومانية حدث ركود فى الفن الحدائقى واقتصر على الأديرة والتي كانت تنحصر الحاجات فيها على تربية الأسماك وزراعة الكروم والخضراوات من أجل الغذاء، والأعشاب للعلاج والزهور لتزيين محراب أديرتهم.
ثم جاء العصر "الساكسونى" لتخرج الحدائق من جدران الأديرة لتقام حول سور المنازل ثم تطورت فى مساحتها وما تحتويه من أنواع نباتية.
وفى عصر "هنرى الثاني" وبداية السلام فى إنجلترا أُنشئت الحدائق العامة لأول مرة فى المدن إلى أن قامت حروب (War of Roses)

، وعاد السلام من جديد لتظهر الحدائق "التيودورية" نسبة إلى "تيودور" الذي قام بتصميمها فى عصر الملك "هنرى الثامن" وتميزت باحتواء الحديقة الواحدة على أقسام مستقلة لا ترتبط بتصميم أساسي (محوري).
وأقيمت البرجولات والتراسات بالحدائق الإنجليزية، أزيلت الأسوار العالية، أُدخلت البرك المائية التي تربى بها الأسماك.

ب- الحدائق الطبيعية:
كان بداية هذا النوع من الحدائق على يد الطبقة الأرستقراطية الإنجليزية فى القرن الثامن عشر التي كانت لديها الرغبة فى ذلك الحين بإظهار ثرائها وشغفها لاهتمام بالمساحات الشاسعة من الأراضي التي تمتلكها وتحسين مناظرها حيث أتاحت من اجل ذلك سفر الإنجليز إلى إيطاليا وفرنسا لمشاهدة الحضارة الحدائقية لديهم ليتعلموا منه ومع عودتهم يأتون بأفكار جديدة، بالإضافة إلى أن النبلاء من أصحاب الضيعات قاموا بالسفر إلى بلاد الشرق الأقصى للإتيان بأفكار تُنفذ فى صورة حدائق طبيعية.
وبدأت من هنا ظهور فكرة الحدائق الطبيعية البعيدة عن تلك ذات الطراز الهندسي أو ما كان يُطلق عليها "الحدائق المتناظرة".
وإذا كان "تيودور" هو رائد الحدائق المتناظرة فقد جاء "فانبرو" لكي يكون رائد الحدائق الطبيعية والذي قام بتصميم "حدائق قلعة هوارد الطبيعية". ثم جاء اللورد "برلنجتون" لكي يستخدم الحديقة الطبيعية المنزلية ونشرها بين أصدقائه والتي كان يغلب عليها الطرق غير المستقيمة بين الزروع وفى أماكن غير متناظرة، كما اُستخدم الماء فى أماكن مختلفة بالحديقة.
اشتهرت الحدائق الطبيعية باتساع مسطحاتها الخضراء وعدم استعمال أحواض للزهور إلا فى الحدود النهائية للحديقة، وجاء القرن التاسع عشر وكثر استخدام الحدائق ليظهر نوع جديد يُسمى بالحدائق العامة.

 

 

المصدر: د/ هشام الطيب منتدى الزراعيين http://www.alexagri.net/forum/showthread.php?t=9590
  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 2194 مشاهدة
نشرت فى 12 نوفمبر 2010 بواسطة arabagri

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

23,861