إزالة المباني المخالفة ... نظرة تنموية

عندما تكون فقيراً، ونحن كذلك، على ما أعتقد، من غير الرشيد إهدار مواردك المالية المحدودة بسهولة؛ ومن غير الرشيد أيضاً أن ننظر إلى المال الخاص وكأنه ليس مهماً بالنسبة للدولة؛ فإن كل ما داخل الدولة من مال هو مال الدولة وثروتها. المال الخاص جزء مهم من الثروة الوطنية، إهداره عبث تنموي؛ فعندما يصبح هذا الخاص فقيراً، ستزداد أعباء الحكومة غير القادر على حمل أعبائها الحالية.

سيقولون لي؛ إنه مخالف ... أعلم أنه مخالف ويستحق قطع رقبته، ولكن ... هل تعلم كلفة هذا المبنى؟، وكم من العرق والجهد والمال الذي تكلفه؟ وهل تعلم أيضاً أنه ليس هو فقط المخالف؟، لقد خالفت الحكومة ممثلة في أجهزتها المحلية والرقابية والتنفيذية. ذلك المبنى ذو الطوابق المتعددة، لم يظهر بين يوم وليلة؛ بل أن الكثير منها تم توصيل المرافق إليه. كان من الواجب وقفه من أول يوم، منعاً لهدر الثروة الذي نشاهده الآن. إن تخاذل وفساد الأجهزة المحلية سبب رئيسي في هذه المأساة.

إن ما نشاهده اليوم من أعمال إزالة، يذكرني بنكتة العجل الذي أدخل رأسه في الزير ولم يستطع إخراجها؛ وخوفاً من أن ينكسر الزير، فقام صاحبه "المفتح" بقطع رأس العجل .... ثم اضطر لأن يكسر الزير ليستخرج رأس العجل ... برافو.

إنني لا أنادي بعدم العقاب، بل أدعو إلى العقاب الرادع الذي يمنع تكرار مثل هذه المخالفات، ولكن بطريقة تحفظ الثروة للوطن وتمنع تكرار هذه المخالفات ... من خلال:

أولاً: المباني المخالفة والمقامة على أراض ملك للدولة ... تنزع ملكيتها كاملة، وترد الأرض بما عليها من مبان إلى الدولة، تستغلها فيما تحتاجه من أغراض، أو تتصرف فيه بالبيع أو التأخير ... بدلاً من هدمه.

ثانياً: المباني المخالفة على أراض خاصة ....

<!--تفرض عليها غرامات رادعة لمنع تكرار مثل تلك المخالفات (بواقع 50% من سعر المتر المربع في العقارات المجاورة ... مثلاً).

<!--أن تبيع الدولة هذه العقارات في مزادات علنية وتحصل الدولة على 50% (أو أكثر أو أقل) من قيمة البيع.

<!--أن تقوم الدولة بتأجير الوحدات السكنية وتحصل الدولة على 50% من القيمة الإيجارية. أو أي أفكار أخرى

ثالثاً، وهو الأهم: الوقف عن العمل بتهمة التقصير، والإحالة إلى النيابة العامة بتهمة الفساد، لجميع من تقاعس عن وقف هذه الأعمال عند بدايتها، أو سهل، أو وَقَّع على توصيل مرافق إليها؛ وإلا فسوف تتكرر هذه المأساة. إن هذه المخالفات لها طرفان: مالك جشع وموظف مقصر أو فاسد. يجب معاقبة الإثنين بصورة رادعة. أما ما نراه من مهزلة قيام الإدارة المحلية بتنفيذ الإزالة، يذكرني بالمثل الذي يقول "يقتل القتيل ويمشي في جنازته". طهروا هذا الجهاز من الفساد، ولن تظهر هذه المخالفات ثانية.

يجب التعامل بحكمة مع المال الخاص، فهو مال الدولة أيضاً؛ وخاصة في مثل ما تمر به البلاد من ظروف اقتصادية. كما أننا في حاجة لاستغلال كل ما هو متاح لدفع جهود التنمية في مصر. مراعاة الواقع، ضرورة سياسية وتنموية.

حفظ الله مصر وقيادتها وشعبها وجيشها من كل سوء.

عنتر عبد العال أبو قرين

أستاذ التخطيط الحضري والتنمية الإقليمية،

كلية الهندسة، جامعة المنيا

1 أغسطس 2020

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 52 مشاهدة
نشرت فى 4 أغسطس 2020 بواسطة antarkorin

ساحة النقاش

antarkorin
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,506