في السابع عشر من أبريل نيسان، ينظم المجتمع المدني في عواصم العالم الكبرى، حملته العالمية الثانية للحد من الإنفاق العسكري، هذا الإنفاق الذي يتزايد يوماً بعد يوم على حساب حاجات الإنسان الأساسية في التنمية ومكافحة ثالوث الجهل والفقر والمرض الذي يفتك بالمجتمع الإنساني في أكثر من مكان.
نعم تشتد حمى التسلح العالمي عاماً بعد عام، وتتزايد نفقاتها الباهظة التي تقتطع من حاجات المجتمع الإنساني الأساسية إلى التنمية المستدامة، كما تقتطع من قدرات بلدان العالم الثالث على تلبية الأهداف الإنمائية للألفية في تعزيز التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأولية ومكافحة الفقر. لقد اقترب الإنفاق العالمي هذا العام من ألفي مليار دولار، مرتفعاً بشكل خاص في بعض الدول الآسيوية، بالإضافة إلى منطقة الشرق الأوسط.
كثيراً ما يشوب هذا الإنفاق فوضى الأولويات، وألاعيب السياسة، والصفقات المشبوهة التي تكدس المليارات في جيوب حفنة من شركات السلاح لا يعرف تاريخها غير الإثراء مهما كان الثمن الإنساني الباهظ الذي تدفعه الشعوب من قوت أطفالها ومستقبلهم.
ما يزيد الطين بلة، في هذا اليوم العالمي، أنه في الوقت الذي تدوي فيه وسائل الإعلام الغربية وهي تتحدث عن دروس ورسائل هذا اليوم إلى العالم، ويرتفع فيه صوت المجتمع المدني الغربي، رافضاً ومحتجاً هنا وهناك في عواصم صناعة السلاح وساحات إمبراطوريات تجارها، وشركاتها، يكاد يغيب هذا اليوم عن ساحات ضحاياها في بلدان العالم النامية، بينما تكتفي وسائل الإعلام فيه، في أفضل الأحوال، بنقل خبر من هنا، وخبر من هناك.
من جهة أخرى، ذكر تقرير الحملة العالمية لإزالة الأسلحة النووية "آيكان" والتي تشارك في هذا اليوم العالمي أن الدول التي تملك سلاحاً نووياً تنفق أكثر من 100 مليار دولار أمريكي في السنة لصيانة وتحديث ترسانتها النووية، التي أصبحت تجارة تستثمر فيها أكثر من ثلاثمائة مؤسسة مالية تضم المصارف والصناديق التقاعدية وشركات التأمين وغيرها في أكثر من ثلاثين دولة.
لا يسعنا ونحن نطالع هذا التقرير عن الإنفاق العالمي على التسلح، إلا أن نطالب منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم، ووسائل الإعلام، والحكومات أن تعمل على وقف حمى التسلح، والامتثال لقرارات الشرعية الدولية وبناء السلام، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في هذه التجارة التي تضع الربح فوق القيم الإنسانية النبيلة وفوق سلامة وأمن ورفاه المجتمع الإنساني.
وفي هذه المناسبة نؤكد أن سلامة وأمن كوكبنا لا يتحقق إلا بإزالة ما عليه من أسلحة نووية بشكل تام وعاجل، فهذه الأسلحة النووية ونحو 2000 طن من اليورانيوم والبلوتونيم المخصب هي الخطر الحقيقي الذي يهددنا جميعاً، بل وتهدد هذه الأسلحة في كل لحظة البنية التحتية للحياة على وجه الأرض، ولهذا كله أعلنت نحو 146 دولة تأييدها إطلاق مفاوضات دولية لإنجاز اتفاقية شاملة تحظر تصنيع وحيازة واستخدام الأسلحة النووية لأن التخلص منها هو الأمن الحقيقي للبشرية جمعاء في الحاضر والمستقبل.
د. غسان شحرور
الشبكة العربية للأمن الإنساني
ساحة النقاش