يعتبر المسرح المدرسي جسرا يربط المتعلم بين طرفي التعليم الأكاديمي و الأنشطة ليسهل من خلالها نقل المعلومات والفكرة إليه , ويعد المسرح الموجه للطفل من أهم السبل للوصول إلى عقله ووجدانه , لأنه يوفر للأطفال خبرات تعليمية ممتازة , بالإضافة إلى التسلية والترفيه , ومن جانب آخر فإن فن المسرح يشكل طريقة مؤثرة في التعبير عن الأفكار والموضوعات المختلفة .
أصبحت اليوم مسارح الأطفال متنوعة , متعددة , مما يصعب عملية حصرها , فقد تنوعت بأشكال وصور مختلفة , وللمسارح المدرسية عدة أنماط أجملها (السريع وآخرون , 1993 ؛ عطية وآخرون , 2002):
مسرح الطفل , المسرح البشري , المسرح التلقائي , مسرح العرائس (الدمى) ذات الخيوط (Puppets & Marionettes ) , مسرح خيال الظل (Shadow puooet) , المسارح القفازية , مسرح الأقنعة , المسارح الورقية , المسرح التعليمي : والذي يقوم على أساس مسرحة المناهج .
فإذا كان المسرح من الفنون الهامة فإن مسرحة المناهج منه على درجة أهم من جوانب عديدة لأن هذه الوسيلة هي من أحدث الأساليب في التربية , والتي تستخدم المسرح وسيلة مساعدة في تعليم الطفل وتثقيفه, والتي تحول حجرة الدرس إلى حجرة مسرحية, وتخرج بعملية التدريس من شكلها التقليدي المعتاد إلى صورة مشوقة تكسر حدة الملل, فتستخدم مسرحة المناهج كوسيلة تربوية ناجحة في تدريس الكثير من المواد , أو كطريقة من طرق التدريس, لأنها تقدم فقرات المنهج الدراسي أو الفكرة للمتعلمين بطريقة جذابة ومشوقة ومسلية عن طريق التمثيل الذي يهدف إلى إدخال الفكرة أو المعلومة إلى أذهان المتعلمين أي توصيل وتبسيط المعلومة لهم بطريق غير مباشر في قالب محبب إلى قلوبهم. ومما يؤكد ذلك (سلام , 2004) بقوله " ولئن كانت مسرحية المنهج مسرحية تعليمية من حيث وظيفتها فهذا لا ينفي دورها الاجتماعي بوصفه وسيلة لتحقيق دورها الإقناعي (التعليمي) لأن قيمة التعليم لا يمكن أن تقاس قياسا كليا في حدود الحقائق المستظهرة بل في حدود التأثير الذي تتركه في نمو الفرد - الروحي والخلقي والعقلي والاجتماعي والجسمي " .
يعتقد بعض المربين أن المسرح يمكن أن يستخدم فقط في مجال اللعب والإذاعة والحفلات , وبعضهم الآخر يعتقد استحالة استخدام المسرح مع فئة ذوي الاحتياجات الخاصة والصم بالذات حيث أنهم لا يمتلكون أهم حاستين وهما السمع والكلام , إلا أن الدراسات الحديثة أوضحت أنه يمكن إدخال المسرح في المناهج التربوية وأيضا مع فئات ذوي الاحتياجات الخاصة , وأن مسرحة مناهجهم من الممكن أن تكون ذات فعالية .
وقد حث مصممي المناهج على مراعاة التنوع في فئات المتعلمين وقدراتهم , وتضمينها موضوعات وأنشطة من شأنها تحقيق النهوض المتكافئ لكافة المتعلمين.
ويمكن تطبيق هذه الطريقة على الصم حيث أنها تتوافق مع خصائصهم وظروفهم, وذلك لأن تعليمهم يعتمد على الخبرات الحسية التي تعوض لديهم الحاسة المفقودة , ولأن الصم يركزون ويعتمدون على الحاسة البصرية أكثر, وهي تشكل نسبة أعلى من الحاسة المفقودة. ويشير (الزير, 1997) أن المعلومات التي يتعلمها الإنسان عن طريق البصر تشكل نسبة (75%) أما المعلومات المكتسبة من خلال حاسة السمع تشكل (13%) فقط. لذلك فإن مسرحة مناهج الصم سوف تكون ذات فعالية , وذلك تحقيقا لمبدأ قابلية الجميع للتعلم ولكن على صعد مختلفة , ومن هذا المنطلق ظهرت فكرة مسرحة المناهج للصم .
لذلك فإن مسرحة المناهج يمكن أن تخدم جميع المواد الدراسية ,فهي تعمل على إحيائها من جمود الرموز المكتوبة وتحويلها إلى صور حية يجسدها أفراد من الطلاب , ويكون الطالب فيها مشاركا (مؤديا) , ومشاهدا (متلقيا) , مرضيا لنفسه , ملبيا لحاجاته ورغباته, و تخدم جميع فئات المتعلمين من العاديين وذوي الاحتياجات الخاصة .
لم يعد الصم وضعاف السمع بمنأى عن جوانب الفن والمسرح , إذ يمكن توظيف المسرح الناطق والصامت في معاهد وبرامج الأمل للصم وضعاف السمع . حيث أشار ويندى بيركس نقلا عن (سيكس , 2003) إلى أن أهم التغيرات التي طرأت على التربية والتعليم في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة هي استخدام الدراما والمسرح معهم .
وفلسفة هذا الاتجاه هي أن من أهم حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة هو حقهم في التعبير عن مكنوناتهم الذاتية عن طريق التخيل والتجاوب مع العاديين والتفاعل معهم , وقد ظلت هذه الحقوق مجهولة ومغفلة لفترة طويلة, وأنه من خلال مسرحة المناهج يمكن التوعية بأهمية حصول هذه الفئات على حقوقهم من خلال البرامج التربوية والوسائل التعليمية التي تلبي حاجاتهم وتحفز قدراتهم التخيلية واستشارة المجهود الجسدي وذلك لزيادة قدرات الأطفال من هذه الفئات.
ولو أردنا أن نفلسف الشرائع والقوانين التي اتخذت في هذه الطرق والوسائل لوجدنا أن جميع الفنون وخاصة مسرحة المناهج هي المصدر الموجه لتعليم هذه الفئات , وعلى الرغم من وفرة الأبحاث المتعلقة باستخدام الفنون في التعليم , إلا أن الأبحاث التي تم نشرها في مركز* (NCAH ) كما أشار (سيكس , 2003) هي من أهم الأبحاث التي تم نشرها في تعليم الفنون للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة, وهذا المركز يتعاون مع مركز جون كنيدي لأداء الفنون , ويهدف مركز NCAH إلى استخدام جميع الفنون لتعليم الأطفال , وقد ساعد هذا المركز في مساندة وتدعيم العديد من الأبحاث من خلال المساعدة التقنية , والأنشطة والبرامج والاحتفالات.وقد استطاع المركز وضع برنامج فني في التعليم يشتمل على التكامل بين جميع الفنون , ويجئ في مقدمة هذه الفنون "الدراما المسرحية" .
ومن أهم النماذج التي صممت في هذا المركز في كيفية استخدام فن الدراما والمسرح لخدمة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة هي كالتالي :
o النموذج ا : وهو "المسرح الشامل غير المحدود" Theatre unlimited الذي يعتمد على مسرح الصم من خلال مجموعة الممثلين (الصم والسامعين) الذين يعطون إرشادات عن التدريب المسرحي فيزودون المشاهدين بخبرات حسية جديدة.
o النموذج 2 : هو " المعسكر المفتوح" Camp Sunshine وهذا النموذج موجه لذوي الإعاقة العقلية والجسدية والحسية , وغرضه زيادة قدرة الأطفال على التعبير الحر عن ذواتهم , وإتاحة الفرصة للنمو والتطور الجسدي والشفهي , وفي الاتصال مع المجتمع.
o النموذج 3 : هو " مجموعة قوس قزح" Rainbow Company التي تقدم مسرح الأطفال من خلال الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لكل الأطفال , وقد لاقت هذه المجموعة الاستحسان والمديح والتشجيع والمتعة.
* اختصارا لمركز الفنون القومي للمعوقين National Committee,Arts For the Handicapped
وتعد المناهج الدراسية واحدة من الركائز الأساسية لنجاح برامج التربية الخاصة,و لو أعدت هذه المناهج بطريقة مناسبة ودرست بوسائل وأساليب معينة تتفق مع نوع الصمم وضعف السمع ودرجتها لكل تلميذ لأحرز هؤلاء التلاميذ تقدما تعليميا ملحوظا(المطرودي ,1416)
والملاحظ أن المناهج الدراسية الحالية في معاهد الأمل لجميع المراحل التعليمية في معزل عن الواقع ولم تأخذ في الاعتبار متطلبات المستقبل وتحدياته والتي تتصل بإطلاق خيال التلاميذ وجعل التعلم متعة لهم, فهي تركز على الجوانب المعرفية للطلاب الصم وعلى تحصيل المعلومات من الكتاب المدرسي فقط دون مراعاة للجوانب المهارية أو الوجدانية أو الفروق الفردية بينهم ، وفي ظل هذه المناهج الدراسية ضعيفة الجدوى يجب على المعلم أن يدعم قدراته بإيجاد حلول لمشكلات الطلاب الصم وضعاف السمع الدراسية , فالتلميذ الأصم يحتاج إلى طرق خاصة لتعليمه وتدريسه وتحصيله للمواد الدراسية .
ونظرا لدور الخبرة في بناء شخصية الصم والتي تعتبر الأساس لفهم الدراسة النظرية ووحدة بناء المنهج ( العجمي , 1422 هـ) , فإن إدخال فكرة مسرحة المناهج في تعليمهم والتي تعتمد على إعادة تنظيم الخبرة وتشكيلها والتركيز على الأفكار المهمة التي تخدم الهدف التعليمي, واعتمادهم عليها سيوفر القدرة على جذب انتباه الأصم في المواقف التعليمية والمحافظة على هذا الانتباه لفترة أطول , وأيضا القدرة على استيعاب المعلومة وفهمها من خلال التطبيق الحي لها وكذلك من خلال المحفزات المتوفرة بها بما يمكنهم من التعبير عن مشاعرهم وحاجاتهم والكشف عن انفعالاتهم ودوافعهم , هذا بالإضافة إلى أنها ستكسبهم خبرات جديدة وستعمل على إعادة تنظيم الخبرات السابقة لديهم حتى تصبح ذات معنى وقيمة .
ساحة النقاش