أصول التعامل بلغة الإشارة

ألقاها

الأستاذ/ عبد الله بن سليمان التركي

في مبنى المكتبة المركزية الناطقة

بالرياض في 24/07/1416هـ

أدار ندوتها

الأستاذ/ عبد الله العقيل

 

التعريف بالمحاضر:

المُحاضر هو أحد منسوبي التعليم الخاص، وهو الأستاذ: عبد الله بن سليمان التركي، ولد في مدينة (البكيرية) (بالقصيم) عام (1368هـ)، وأكمل دراسته الابتدائية عام (1382هـ)، والتحق بالمعهد العلمي في الرياض وأكمل فيه دراسته المتوسطة والثانوية وحصل على ثانوية المعهد العلمي عام (1387هـ).

 

التحق بكلية اللغة العربية وفيها تخرج عام (1392هـ)، ثم حصل على الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة الأزهر عام (1394هـ)، ورغبة في الاستزادة من العلم اتجه إلى الدراسات العليا في مجال التعليم الخاص وحصل على ماجستير آخر من جامعة (بوستن) عام (1405هـ) في مجال التعليم الخاص.

 

أما الأعمال التي زاولها، فقد عمل مدرساً في التعليم العام ثم موجهاً لمادة اللغة العربية في إدارة التعليم بالرياض، ثم رئيساً لقسم التوجيه التربوي في منطقة الرياض التعليمية أيضاً من عام (1400هـ) إلى عام (1403هـ)، ثم مديراً لمعهد الأمل المتوسط بالرياض، ثم مديراً للمعهد الثانوي الفني للبنين الصم بالرياض ولا يزال.

 

متعاوناً الآن مع جامعة الملك سعود في قسم التربية الخاصة، وهو عضو في نادي الصم بالرياض.

 

اشترك في عدة ندوات ومؤتمرات داخل المملكة وخارجها، مثل الوزارة في المؤتمر المنعقد في (فنلندا) للصم عام (1407هـ) فمرحباً بكم وبه ضيوفاً أعزاء على المكتبة المركزية الناطقة في هذه الليلة المباركة.

 

الأستاذ: عبد الله العقيل[1]:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أصحاب السعادة الضيوف الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أما بعد... إن النهضة التي تفجرت ينابيعها في أرجاء مملكتنا الحبيبة والتي شملت كافة المجالات الحضارية وخاصة في مجال التعليم لهي مدعاة للفخر والاعتزاز، وقد أخذ التعليم بكافة أنواعه ومراحله ينتشر في ربوع بلادنا العزيزة، وقد أمتد هذا الاهتمام إلى الفئات الخاصة من معوقين ومتفوقين فأخذت تنشأ لهم البرامج والمراكز المتخصصة والوحدات الفنية المساعدة، وما هذا الصرح الذي نحن فيه الآن وما هؤلاء الرجال الذين يعملون من أجلهم إلا نموذجاً لذلك العطاء السخي من جانب حكومتنا الرشيدة.

 

موضوع محاضرة هذه الليلة هو امتداد للجهود التي تبذل في مجال تربية وتعليم المعوقين سمعياً وهي عن (أصول التعامل بلغة الإشارة)، والتي تعتبر إحدى وسائل الاتصال والتخاطب المتبعة في تعليم الصم وضعاف السمع، وهي الطريقة الشفهية والأبجدية اليدوية والطريقة المزدوجة وطريقة التواصل الكلي.

 

ومحاضرنا في هذا اللقاء هو زميلنا الأستاذ (عبد الله بن سليمان التركي) مدير معهد الأمل الثانوي الفني بالرياض، وأريد أن أسلط الضوء على جانب من شخصيته ألا وهي حبه للصم والتصاقه بهم والتكيف معهم، وقد ضحى بمنصب رئيس التوجيه التربوي بإدارة تعليم الرياض وفضل العمل مع الصم برغبة وإلحاح منه لأن هذا المجال يلاقي صدى في نفسه وتجاوباً مع أهدافه وطموحاته، واستشهد في هذا الصدد بشهادة خبير منظمة اليونسكو للغة الإشارة السيد (فيلمون أكاتشي) خلال زيارته للملكة في الفترة الماضية حيث قال: (إن من أكثر الأشياء التي شدت انتباهي خلال زيارة معهد الأمل الثانوي بالرياض هي التصاق مدير المعهد بالطلاب والتصاقهم به واعتباره المثل الأعلى لهم).

 

أما الآن فنترك المجال للأستاذ (عبد الله التركي) لإلقاء الضوء على أهم العناصر عن لغة الإشارة وأصول التعامل بها، كما أن هناك وقتاً للمناقشة بعد انتهاء المحاضرة إن شاء الله فليتفضل مشكوراً.

 

الأستاذ: عبد الله التركي:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاًَ مبروراً وتفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، اللهم لا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً.

 

في بداية حديثي أشكر الأستاذ (عبد الرحمن سالم الخلف) على اهتمامه بكل فئات المعوقين، وأشكر له هذه اللفتة الكريمة التي دمج فيها قضايا الصم لتكون ضمن برنامج المكتبة الناطقة الثقافي، وهو أمر حسن وجيد أن يهتم برنامج المكتبة بقضايا المعوقين بعامة ليتم التواصل والتكامل في طرح الأفكار بين العاملين في الميدان، والشكر أيضاً موصول للذين جاءوا ليسمعوا ما يقال في هذا المكان الطيب المبارك.

 

حديثي في هذه الليلة يتعلق بجانبين:

• الجانب الأول: هو جانب لغة الصم.

• الجانب الثاني: عن أصول التعامل بهذه اللغة.

 

سيركز الحديث على مواضيع نرجو أن نغطيها كما أرجو أن يكون الوقت كافياً لتغطية بعض الجوانب الهامة في هذا الموضوع.

 

ويشمل حديثي على العناصر التالية:

• لغة الإشارة: المعنى والتعريف.

• لغة الإشارة: التاريخ والمنافسة.

• لغة الإشارة: زمن الحاجة.

• لغة الإشارة: في المملكة العربية السعودية.

• عناصر لغة الإشارة ونماذج منها.

• الترجمة للغة الإشارة أو من لغة الإشارة.

• اقتراحات وآراء.

 

أولاً: لغة الإشارة: المعنى والتعريف

لغة الإشارة مكونة من كلمتين لغة وإشارة، فاللغة يرى بعض المهتمين بها أنها (ضرب من السلوك الإنساني)، ونعني بالسلوك هنا الطريقة التي تواصل به أفراد المجتمع طبقاً لمعايير وأعراف متفق عليها، وهذا السلوك يتميز بجوانب ثلاثة:

• جانب نفسي: يتمثل في التعبير عن الذات الفردية.

• جانب اجتماعي: يتمثل في اكتساب هذا السلوك وتميزه من خلال الجماعة المرتبطة بهذه اللغة.

• جانب نظري: يتمثل في خضوع هذا السلوك لقواعد وأشكال محدودة.

 

وسواء أكانت اللغة المنطوقة نطاقاً من العلاقات كما يقول (ديسوسير) أو ضرباً من السلوك كما يقول بعض اللغويين مثل (بلون فيلد) فإنها ليست النظام أو السلوك الوحيد الذي يستعمله الإنسان للتواصل مع غيره، فهناك أنظمة وأنماط سلوكية غير اللغة المنطوقة تصاحبها وتدعمها أو تنفرد عنها وتستقل بذاتها.

 

إن لغة التواصل تعتمد كما نعرف على عناصر رئيسية هي:

• المتكلم أو المرسل.

• المستمع أو المتقبل.

• الرسالة أو المضمون الذي يرسله المرسل أو المتكلم.

• القناة أو الوسيلة التي تحمل الرسالة.

 

كذلك فإن اللغة تعتمد على الجانبين السلوكيين:

• اللفظي.

• وغير اللفظي.

 

ويتمثل الأول: في الكلمات المسموعة وما يصاحبها من التعبير الصوتي.

ويتمثل الثاني: في الإشارات المرئية وما يصاحبها من حركة هيئة الجسم.

 

وفيما سبق تحدثنا بإيجاز عن اللغة وتحدثنا عما يصاحب هذه اللغة، ولم نصل حتى الآن إلى ما يدمج أو ما يضاف إلى لغة الإشارة، حيث أن هناك اللغة وهناك لغة الإشارة، وإذا أطلقت كلمة اللغة فيسبق إلى الذهن أنها اللغة المنطوقة المسموعة، أما إذا قلنا لغة الإشارة فينصب إلى الذهن أنها اللغة المرئية.

 

والإشارة قد يستخدمها المرسلون للمعاني عندما لا يريدون الكلام أو أنهم يرغبون في إخفاء سر عن العامة وإبداءه لمن يعرف إشارتهم.

 

قال تعالى: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً﴾[2]، فلم تتكلم مريم عليها السلام واكتفت بالإشارة دليلاً على ما تريد.

 

قال عباس بن الأحنف:

فقلت لها يا فوز هل إليكم <!--<!--

سبيل بالإشارة أبَشَّر <!--<!--

وقفت لها في ساحة الحي سعة <!--<!--

أشير إليها بالرداء المعصفر <!--<!--

 

ومثل هذا في كلام العرب كثير وسوف نتطرق إليه بعد برهة رغبة منا في معرفة أثر الإشارة ونسبتها في الكلام المنطوق بعامة.

 

ولعلي آتي بتعريف قد يكون هو الأنسب للغة الإشارة - بعد الاستعراض الذي عرفناه عن لغة الإشارة - كما اتفق خبراء اليونسكو في كتابهم أو بحثهم (النهوج البديلة)، يقول التعريف: (لغة الإشارة أسلوب غير شفوي للاتصال بين الصم، تحل فيه لغة الإشارة والتهجئة بالأصابع محل النطق).

 

وهناك تعريفات أخرى لا داعي لها حيث أن هذا التعريف في نظري هو أنسب التعاريف.

 

وفي تفسير هذا التعريف نقول:

إن لغة الإشارة هي صيغة من صيغ الاتصال غير اللفظي تمثل فيها الألفاظ والمفاهيم بإشارات تؤدى باليدين أو بحركات قد تبلغ فكرة مفردة أو لفظة أو مفهوماً حسب السياق، أو تبلغ مجموعة معقدة من الأفكار.

 

وحينما نقول التهجئة بالأصابع فهي تشمل الأرقام الحسابية والحروف، التهجئة بالأصابع هي اتصال باستخدام هجائية يشار فيها إلى الحروف بأوضاع مختلفة، ويوجد صنفان لهجائية الأصابع تتميز تبعاً لاستخدام إحدى أو كلتا اليدين في تشكيل الحروف، أي هجائية اليد الواحدة أو اليدين، غير أن هجائية اليد الواحدة أوسع انتشاراً.

 

والإشارة بعد هذا التعريف تتكون من ثلاثة عناصر:

• أبجدية الأصابع.

• والأرقام الإشارية.

• والإشارة الوصفية.

 

كل متحدث دائماً يتحدث بهذه العناصر الثلاثة.

 

ثانياً: التاريخ والمنافسة

بعد أن تأكد لنا وجود لغة الإشارة وعرفنا تعريفها فلا بد لنا أن نتحدث عن بدايتها التاريخية: متى عرفها الإنسان؟ وكيف توصل إليها متكاملة حسب التعريف الذي استعرضناه قبل قليل؟

 

اللغة هي وسيلة الاتصال والتواصل، ولقد ربطت اللغة العربية والكثير من اللغات الأوروبية اللغة باللسان، فالشاعر العربي يقول:

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده <!--<!--

فلم يبق إلا صورة اللحم والدم <!--<!--

 

وقال:

لسانك لا تذكر به عورة أمرئ <!--<!--

فكلك عورات وللناس أعين <!--<!--

 

واللفظة الإنجليزية (لانجويتش) اشتقت من اللفظ (اللاتيني) (لانجوا).

 

ولكن الدراسات الحديثة تجاوزت ذلك المصطلح لتشير وتثبت أن النظام الاتصالي يستوعب أنظمة ووسائل أخرى يتوصل بها الإنسان للتواصل مع غيره، فنقرأ عن (لغة الإشارات) و (لغة الصم) و(لغة المكفوفين) و(لغة الفن) وغيرها من اللغات التي بحثت ودونت في كتب حديثة كثيرة.

 

ونجد أن الدراسات توصلت إلى ثنائية أخرى في مقابل مصطلح اللغة، فنجد اللغة المرئية في مقابل اللغة المسموعة، ولغة الإشارة في مقابل لغة الكلام، كما تصف دراسات أخرى لغة الإشارة بمصطلح التعبير الجسمي تارة، والتواصل الجسمي تارة أخرى، وفي أحيان توسم بأنها اللغة الصافية، فالإشارة صاحبت اللغة المنطوقة منذ وجدت اللغة فأيهما أقدم لغة النطق أم لغة الإشارة؟ لغة الإشارة قديمة ربما تكون مصاحبة للغة النطق، والقرآن الكريم يقرر أن النطق هو الذي سبق لغة الإشارة، مع دلالة كل الأبحاث على أن لغة الإشارة قديمة قدم اللغات المنطوقة.

 

وهناك نقاط يجب أن توضع في الاعتبار:

• أهمية التواصل في حياة البشر.

• الدور الهام للتواصل غير اللغوي في حياتنا.

• الارتباط الوثيق بين التواصل اللغوي وغير اللغوي الذي يظهر بمصاحبة الإشارات الجسمية ونغمات الصوت للألفاظ المنطوقة.

• تميز نظام التواصل بتعدد قنوات الاتصال التي تعتمد على تعدد الحواس.

 

ولمزيد إيضاح لنسبة اللغة غير المنطوقة المصاحبة للتواصل البشري، نجد أن الإنسان إذا تواصل فإن اللغة التي يتواصل بها تتركز في كامل جسمه الذي ينفعل بما يعبر عنه، فهو لا يتكلم فقط ويمكن أن نرى حركات يصنعها الإنسان بجسمه حينما يطرأ له طارئ أو حينما يريد التعبير عن موقف، وهذه الحركات هي إشارات تؤكد كما قلت دلالات ألفاظ.

 

فطن الجاحظ في كتابه (الحيوان) و (البيان والتبيين) إلى دور الإشارات الجسمية في الكلام بقوله: (الإشارة واللفظ شريكان ونعم العون هي له، ونعم الترجمان هي عنه)، ويقول أيضاً (وفي الإشارة في الطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح مرفق كبير ومعونة حاضرة في أمور يسترها بعض الناس من بعض ويخفونها من الجليس وغير الجليس، ولولا الإشارة لم يتفاهم الناس معنى الخاص ولجهلوا هذا الباب البتة).

 

كذلك فطن بعض المشتغلين باللغة من القدماء والمعاصرين بعد الجاحظ إلى أهمية الدور الذي تقوم به لغة الإشارة في التواصل الإنساني، ومن هؤلاء اللغوي الأمريكي (بلوم فيلد) الذي يذكر أن (الإشارة تصاحب كلامنا كله، كما أنها تستخدم في بعض المناسبات بدل الكلام لدى بعض القبائل الهنود الحمر في شمال أمريكا).

 

يقول (فندريس) وهو باحث فرنسي: (لا يكفي أن نقول إن الإشارة لا تفارق الكلام، لأن الكلام نفسه يعتبر جزءاً من الإشارة).

 

ويقول الجاحظ أيضاً في موضع آخر (ومبلغ الإشارة أبعد من مبلغ الصوت فهذا أيضاً باب تتقدم فيه) يقصد الإشارة.

 

فالإشارة القديمة الحديثة صاحبت الشعراء والخطباء والمتحدثين.

 

قال الشاعر:

العين تبدي الذي في نفس صاحبها <!--<!--

من العداوة أو ود إذا كانا <!--<!--

 

والمعنى هذا واضح إنه الإشارة بالعين المتمثلة في الجفن والرمش والغمز بهما واللمز، ومثل هذه الحرات تمثل كلاماً غير منطوق كذلك رجل قال على لسان امرأة:

تقول وصكت وجهها بيمينها <!--<!--

أبعليّ هذا بالرحى المتقاعص <!--<!--

 

فحين قال (وصكت وجهها) - حركة الإشارة بلطم الوجه - وضح شدة الموقف وقوة الإنكار، فالإشارة أبانت المعنى.

 

ولقد اهتم علماء المسلمين بالإشارة، فنجد (ابن رشيق) يخصص باباً في كتابة (العمدة) يحمل عنوان (الإشارة)، وفيه يقول: (إن حسن الإشارة باليد والرأس من تمام حسن البيان باللسان)، كما يقول (الفخر الرازي): (السبب في وضع الألفاظ أن الإنسان وحده لا يستقل بجميع حاجاته بل لا بد من التعاون، ولا تعاون إلا بالتعارف، ولا تعارف إلا بالأسباب كحركات أو إشارات أو ألفاظ توضع بإزاء المقاصد)، وقال كذلك (السيوطي) في كتاب (المزهر): (والإشارة أكثر الدلالات غير اللفظية استعمالاً للتعبير عن التواصل الجسمي، والإشارة مرادفة ومتوازية مع اللفظ) وأعتقد أنكم تعترفون بذلك.

 

ولكن ماذا إذا استقلت عن اللفظ؟ ثم كيف استخدمت في تعليم الصم؟ يقول (جورج فيوت) وهو معلم أصم كان رئيساً لجمعية الصم في أمريكا (1904م) يقول: (طالما وجد عندنا أصم فسيكون لدينا لغة إشارة).

 

إن الإشارة هي التي أنقذت القُسس في (أسبانيا) و(فرنسا) في القرن الثامن عشر حينما لم يجدوا حيلة لاحتواء الصم وإنقاذهم من الضياع الذي كانوا يتعرضون له في مجتمعات أوروبا، لم يكن أمامهم إلا اللجوء إلى ما هو متوافر من إشارات ليرتبوها ويجهزوها وتكون لغة تداول بينهم وبين الصم الضائعين وقتها ليكونوا رجالاً يدخلون كنف الكنيسة بهدف العلم والتعلم، كان أمام (ديبيه) القس الفرنسي خيار وحيد لتعليم الصم هو أن يتعلم لغة الإشارة أخذاً من الصم، ثم أخذاً مما هو متوافر في اللغة المنطوقة التي حدثتكم عنها قبل قليل، فتبنى مستر (ديبيه) لغة الإشارة للصم ودخل الصم من وقتها إلى عالم المعرفة.

 

ومع النهضة الحديثة في الولايات المتحدة كان هناك (توماس جالوديت) ابن المرأة الصماء (سارة)، كان قد تخرج في جامعة (يل) وتعلم ليكون قساً، التقى بالفتاة الصماء (أليس) ابنة جارهم الدكتور المشهور (ماسون كوبي زويل) وهو رجل طيب، حاول (توماس جالوديت) تعليم الفتاة وحقق بعض النجاح، واتسع العمل الإنساني وتعاون أهل قرية (هارفرد) في ولاية (كونكتكت) ليؤسسوا مدرسة للصم، كان أول المبتعثين لأجلها (توماس جالودت) حيث ابتعث إلى أوربا وحل في بريطانيا، وكانت المدرسة الشفهية لتعليم الصم هي السائدة في بريطانيا والمدرسة اليدوية في فرنسا، التقى (جالودت) بالفرنسي (ليورنت كليرك) وهو أيضاً رجل أصم، ليتعاونا ويتعلم (جالودت) العلوم في باريس ويعود مع صديقه الأصم (كليرك) وتعلم (كليرك) الإنجليزية من (جالودت).

 

وتنافست المدرسة الشفهية مع المدرسة اليدوية، وكلتا المدرستين تعاونتا لخدمة الصم، ولكن المدرسة الشفهية بُنيت في كثيرمن اتجاهاتها على الحالة النفسية لآباء وأمهات الصم، فكان كسبها المادي أكبر، لأنها تعد بوعود خيالية.

 

وحينما نتحدث عن الصم فنعني بهم الصم الذين درجة سمعهم أكثر من (60) (دي بي)، ولا أهتم في حديثي هذا بالصم الذين تنقص درجتهم عن هذا المستوى، كما أنني لا أعتبرهم صماً وإنما أعتبرهم ضعافاً للسمع، وهؤلاء لهم مدارسهم الشفهية، وقد تعاظم العمل من أجل الصم وضعفت الشفهية حتى اقتصرت على ضعاف السمع، وبقيت المدرسة الشفهية كاختيار للصم بعد أن ملكوا زمام المبادرة، ونحن هنا نعاني من الصراع القائم بين هاتين المدرستين المدرسة الشفهية والمدرسة اليدوية.

 

وقد مكثت في تعليم الصم أو مع الصم أو من أجل الصم أكثر من عشر سنوات، صادقتهم وعلمتهم وعلموني، تداولت معهم الحديث فما وجدت مؤيداً للشفهية ولا وجدت رجلاً واحداً يقول نعم لا نريد الإشارة أو لا نريد التواصل اليدوي، بل الذي وجدته بإجماعهم أن المدرس إذا لم يستطع أن يعلمهم بالإشارة مقتوه، ولقد اندرج معهم أيضاً بعض ضعاف السمع، وكل دراساتي أثبتت ذلك، وأخرج برأي يتمثل بأن لا مجال للشفهية إلا مع ضعاف السمع، ولقد أحسنت الأمانة صنعاً حينما أوجدت الفصول الملحقة ببعض المدارس كمدرسة (المهلب بن أبي صفرة) حيث يتم تعليمهم بالطريقة الشفهية، ولقد نجحوا في هذه الفصول ووقفت على ذلك بنفسي، فحمداً لله على جميل صنع الأمانة.

 

كذلك لا أنسى أن أذكركم بأن الصم اجتمعوا في (إسبو) (بفنلندا) عام (1407هـ) وكان من أبرز توصياتهم أن الإشارة هي لغتهم الأولى.

 

ثالثاً: زمن الحاجة لهذه اللغة

يخطئ من يقول أن على المعلمين عدم تعليم الأصم بالإشارة في سنوات الدراسة الأولى، نحن نريد أكثر من ذلك، نريد أن يتعلم الصم لغة الإشارة منذ الولادة، السامع حينما يولد يتمتع بحنان أمه وبنغمات ندائها وأحاديثها وودها وعطفها، فماذا عن الأصم حينما يولد؟ إنه يبقى محروماً حسب نظريات أنصار الشفهية، محروماً من الحنان ومحروماً من العطف، أطالبكم وأطالب كل الصم وكل أولياء أمور الصم أن ينادوا الآباء والأمهات إذا تبين أن طفلهم أصم أو أن طفلتهم صماء أن يسارعوا إلى تعلم لغة الإشارة كي يحدثوا بها وليدهم، فذلك أدعى لحياة نفسية مستقرة، وأدعى إلى قوة شخصية هذا الوليد، وأدعى إلى قدرتنا نحن في معاهد الأمل على تعليمه بطريقة أفضل وأجمل وأقوى، فما بالكم بطفل بلا لغة، طفل تلاعبه أمه وتداعبه ولكن بلا لغة، وذلك شيء لا يتصور.

 

هل لغة الإشارة هي للصم فقط؟ لغة الإشارة ليست للصم فقط، لغة الإشارة هي للأم وللأب وللأخ وللأخت ولكل من يعيش أو يتعامل مع الصم، ويجب بل أعتبره أكثر من واجب تعلم الوالدين للغة الإشارة، وأعتبر ذلك من الرعاية التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فالأم مسؤولة ومسئوليتها أن تتعلم هذه اللغة، وأن تعلم أيضاً أطفالها غير الصم ليتعاونوا مع الوليد.

 

اللغة مصدر ثراء، ولا ثراء للطفل الأصم إلا بلغته، ونحن نعاني من أمية الصم رغم حصولهم على الشهادات، وما ذاك إلا لأنهم نمو بلا لغة، واللغة هي لغة الإشارة، لكنها لا بد أن تدعم بالمعاني، وهذا أمر يعرفه المختصون، ويجب أن نجتمع على كلمة سواء حيال تثقيف وتطوير لغة الإشارة وإثراءها بالمفردات حتى ينشئ وليدنا الأصم وقد أكتسب لغة يعيش بها وينفع بها أهله وبلده.

 

رابعاً: لغة الإشارة في المملكة

المملكة ليست متأخرة عن ركب الدول التي قطعت شوطاً بعيداً في هذا المجال، وإنما سرنا في نفس الطريق الذي سار فيه غيرنا، وسوف يوصلنا هذا الطريق بإذن الله إلى ما هو أفضل، وأبجدية الأصابع والأرقام الإشارية التي تبناها (الاتحاد العربي للصم) هي أول خطوة في الطريق الصحيح لإيجاد إشارات عربية متفق عليها لهذه الفئة، كما ساعدت (الأمانة العامة للتربية الخاصة) (الجمعية الخيرية) في المنطقة الشرقية على تبني قاموس لغة الإشارة، وكل ذلك في الطريق الصحيح.

 

لكن كيف يتعرف الأصم في المملكة على لغة الإشارة؟ يولد الوليد الأصم ثم يتعلم شيئاً من الكلمات مع أهله يفرضها عليهم بعد أن يشب ويبدأ في التعرف على من حوله، وهذه الكلمات التي يريد فرضها محدودة جداً ولا تعني شيئاً كما لا تدل على اللغة التي نقصدها، ولكنها شيء من اللغة يحملها إلى المدرسة أو المعهد ليتواصل بها مع زملائه، وكل من هؤلاء يأتي بنصيبه من المفردات، ثم تستمر معهم هذه الإشارات ست أو سبع سنوات في المرحلة الابتدائية، ويتكون لدى الجميع محصلة من الكلمات والمفردات قد تؤدي إلى بعض التفاهم فيما بينهم، لكنها لا توصلهم إلى التعلم الأكاديمي، ولا تسير بهم في الطريق الصحيح، ثم ينتقلون إلى المرحلة المتوسطة وبتعدد المدارس المتوسطة واختلاط الصم تزداد الثروة اللغوية للكلمات الإشارية، وبالتالي ينتقلون إلى المرحلة الثانوية وقد جمعوا أكثر من ذي قبل كلمات ومفردات، ثم ينتقلون إلى مراكز الترفيه والأندية ليصلب عودهم في مجال الإشارة، وليتعلموا مفردات أكثر، غير أني أقول إن كل ذلك ليس باللغة التي توصلهم إلى التعليم الجامعي والتعليم الأكاديمي الأفضل.

 

نحن بحاجة إلى تطور لهذه اللغة، ولا يطور هذه اللغة إلا رجال التربية مع الصم أنفسهم، يتعاون الفريقان فريق الصم وفريق السامعين لإيجاد هذه اللغة وتوفيرها وتطويرها ووضعها في نطاق التطوير والتطبيق العملي.

 

وهنا أطرح سؤالاً: هل نحن محتاجون إلى تطوير لغة الصم؟ وهل هذا التطوير بقصد أن يتعلم الصم معلوماتهم أو ما يريدون أن يكسبوه؟ لا... ليس هذا هو السبب الرئيسي لذلك وإنما هناك أسباب أخرى من أهمها أن الصم شريحة من شرائح المتجمع لهم حق علينا ولنا حق عليهم، نريد من الأصم إذا جاء إلى المستشفى أو المحكمة أو أي مركز من مراكز الترفيه أن يجد له وسيلة تفاهم متوفرة، كما نريد من وسائل الإعلام أن تقدم له ما يمكن أن يعرفه ويدركه بلغته الخاصة، وكل ذلك لا يتم إلا بوجود لغة إشارية تعلم وتدرس في المعاهد والكليات من أجل أن يوظف خريجوها في الأمن في المستشفيات في مراكز الترفيه في الإعلام، وتوفر لهم الوظائف حتى يقوموا على خدمة الأصم.

 

لكن ما هي الخطوات التي سلكناها في هذا السبيل؟ سبق أن ذكرت أن الجمعية[3] عملت على إيجاد قاموس عربي كما عملت معاهد متعددة على إيجاد مفردات أو كلمات على شكل كتيبات في القصيم وفي الخرج وفي جدة وفي الرياض، غير أن كل ذلك لا يكفي، كما أن القواميس ليست هي كل اللغة، إذا وجد القاموس بدأ تدوين اللغة أو بدأ تطوير اللغة، اللغة تحتاج إلى القاعدة كما تحتاج إلى الإثراء في المفردات لأساليب وكيفية الحديث عن الترجمة وغير ذلك.

 

خامساً: عناصر لغة الإشارة

عناصر لغة الإشارة ثلاثة:

1- أبجدية الأصابع.

2- الأرقام الإشارية.

3- الإشارة الوصفية.

 

لقد أبدع الاتحاد في إيجاد الأرقام الإشارية حيث فاقت كثيراً من الإشارات التي تدل على الأرقام مثيلاتها في العالم كله ومما يدعو إلى السرور أن تكون أذهاننا في العالم العربي وصلت إلى أفضل مما وصل إليه غيرنا، ولا غرو فالعرب من قديم اهتموا بالأرقام الإشارية، وأعتقد أن بعضكم قرأ عن ذلك، وقد وضح التنوخي هذا، وكثير من الناظمين لهم منظومات طويلة في معرفة الأرقام الإشارية، وهناك أحاديث وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بها استخدام للأرقام الإشارية[4].

 

• العدد واحد: يكون بعقد أو ثني الخنصر ، ويستعملونه في أماكن البيع والشراء.

• العدد (2): يكون بعقد البنصر مع الخنصر.

• العدد (3): يكون بعقد الوسطى مع الخنصر والبنصر.

• العدد (4): يكون بعقد البنصر مع الوسطى.

• العدد (6): يكون بعقد أو ثني البنصر فقط.

• العدد (7): يكون بعقد أو ثني البنصر ومدها حتى تلامس طرف الإبهام.

 

وبالانتقال إلى الأعداد الأكثر نجد أن:

• العدد (20): تكون بوضع طرف الإبهام بين السبابة والوسطى.

• العدد (30): بوضع بنان الإبهام على بنان السبابة.

• العدد (50): بثني طرف الإبهام إلى أسفل على شكل زاوية تامة.

• العدد (100): تشبه عقد العشرة ولكن باليد اليسرى هذا باليمنى وهذا باليسرى.

 

وهذا يدل على أن العرب اهتموا باللغة الإشارية كما قلت لكم من قبل.

 

سادساً: الاقتراحات والآراء

نصت توصيات المؤتمر العاشر للصم المنعقد في فنلندا أن لغة الإشارة هي اللغة الأولى للصم، وهي التي يصر عليها الصم، فليس لنا محيص ولا مفر من أن نلتزم بتطويرها، لا لأن المؤتمر العاشر فرض هذه التوصية ولكن لأن هذه التوصية اتفقت أيضاً مع رأي الصم هنا في المملكة، فكان لزاماً علينا أن ننطلق جماعات وأفراد لنحيي ولنطور ولندون هذه اللغة بقواميسها وبمفرداتها.

 

وأرى ريثما يتم الاتفاق على لغة إشارة عربية موحدة أن تكون هناك في ميدان الصم دراسات مسائية للغة الإشارة تكون انطلاقة لتعليم الراغبين في الإشارة من الآباء والأمهات والأخوات والإخوان، وأيضاً لتعليم الراغبين ممن لديهم نشاطات في مدارس التعليم العام، وتنشأ فصول مختلفة لها مدرسون دائمون في المساء لتعليم لغة الإشارة للراغبين، وأوصي هنا أن يكون التعليم بلغة الإشارة وأن يكون هناك حصص في المعاهد الابتدائية تعلم وتجمع الصم على إشارة واحدة وأن يكون لها حصة ولو واحدة في المنهج.

 

إلى هنا أشكركم لحسن استماعكم.

 

وشكراً للأستاذ (عبد الرحمن الفهيد)[5] الذي خدم ولا يزال يخدم الصم نحسبه والله حسيبه من أهل الخير وقد تفانى في مساعدة الصم، وندعو الله مخلصين أن يوفق الجميع لكل ما يحبه ويرضاه من أعمال الخير الظاهرة والباطنة.

 

الأستاذ: عبد الرحمن الخلف:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا (محمد) وعلى آله وصحبه أجمعين، نشكر المحاضر الأخ (عبد الله التركي) على هذه المحاضرة الجيدة والتي أجاد فيها وأفاد.

 

بالنسبة لمداخلتي أو تعليقي على الموضوع فهو يتعلق بعدة نقاط ألخصها فيما يلي:

أولاً: لغة الصم مرتبطة بالإشارة، وبعض الكتب تقول إن هناك أكثر من ثلاثة ملايين إشارة أو علامة أو حركة للصم، فكيف لنا أن نضع قاموساً يشتمل على ثلاثة ملايين حركة بحسب ما هو متعارف عليه في كل جهة أو في كل دولة عربية، إذ أن لغة الصم مرتبطة بالعرف، وإطلاق اللغة عليها - مع أن اللغة مكونة من حروف ومعاني - يحتاج إلى نوع من الدقة والتثبت إذا أردنا أن نطلق عليها لغة، ولا تختلف في نظري كثيراً عن طريقة برايل، وإن كانت طريقة برايل غالباً تتكون من حروف إلا أنها وسيلة للتفاهم وليست لغة هذا من جانب.

 

الجانب الآخر إن حواس المسافات وأعني بها النظر والسمع والشم، هذه الحواس المرتبطة بالمسافات من الصعب جداً أن نضع لها قاموساً.

 

ومن ناحية وضع منهج أو إشارة محلية أو إقليمية تقام من أجلها دورات تدريبية أو برنامج تعليمي، فهذا يحتاج إلى ضوابط، إذ أن الإشارة الوصفية الجسمية تختلف من إقليم لآخر ومن مدينة لأخرى وربما يفرضها الشخص الأصم بنفسه، ومهما وضعت له من مصطلحات أو رموز إشارية فسوف يرفضها إذا لم تكن مستمدة من بيئته وواقعه.

 

الأستاذ: التركي:

anamel-tasmaa

مدرسة أمل لبنان للصم وضعاف السمع

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 860 مشاهدة
نشرت فى 24 إبريل 2013 بواسطة anamel-tasmaa

ساحة النقاش

انامل تسمع

anamel-tasmaa
موقع يقوم بعرض ومناقشة كل ما يخص الاعاقة السمعية والتخاطب ----- مسئول الموقع / عبير بكري --- تحت اشراف / ناهد عبد المعطي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

732,807