بطالي معطل

قبل أن أبدأ في سردي أود من هذا المنبرأن أتوجه إلى والدتي بأسمى عبارات الامتنان والتقدير والفخر والاعتزاز،فلن أنسى أفضالها علي مهما حييت، ولن أكافئها مهما بذلت في حقها،فهي منذ وعيت وبدأت الإدراك لم أعلم لي في الدنيا سواها أما وأبا، فقد شاءت الأقدار أن يرحل والدي عن الدنيا وعمري لا يتجاوز السنة الواحدة، تغمده الله وجميع موتى المسلمين برحمته الواسعة، وأطال الله عمر الوالدة حتى ترى أحلامها قد تحققت في.

 

لقد كان يوم التخرج أو بالأحرى يوم تسلم شهادة الإجازة يوما لا ينسى، وإن كان تسلم الشهادة لا يرقى إلى مستوى تسلم الشهادات في الجامعات الحقيقية، الجامعات التي تستحق اسم الجامعة لِما لهذا الاسم من دلالات ورموز نحن في غنى عن مناقشتها حاليا، ما علينا فيوم تسلمي الشهادة يوم مشهود لا ينسى البتة ليس فرحا او ابتهاجا بتلك الورقة البالية الآن في درجي، ولولا تعهدي لها بين الفينة والأخرى لتآكلت مع مرور الأيام والأشهر والسنين، أعود بكم إلى يوم نيل الشهادة وتسلمها فقد كان ذلك اليوم هو يوم الجمعة 23 يوليوز من عام 1999، أصررت و صديق لي على انتظار تسلم الشهادة حتى قاربت الساعة الخامسة والنصف مساءاً، رغم أن إدارة الجامعة استطات إقناع الكل بعدم جدور انتظار وصول الشهادات،  لكن بالإصرار تسلمناها في آخر لحظات ذلك اليوم، ابتهجنا حينئذ بأن أصبحنا مجازين، خرجنا من الحرم الجامعي وعلى مقربة منه يقع القصر الملكي، أثارانتباهنا سيارات تدخل القصر وتخرج منه بسرعة وبوتيرة غير معتادة، لنعلم في المساء الخبر الذي صعق المغاربة يومئذ، وهو وفاة الملك الراحل الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته.

 

بالنسبة  لي كان اليوم لا كالأيام، امتزجت فيه فرحتي الشخصية بالتخرج مع حزن بليغ صبغ البلاد كلها بصبغة ملئها الأسى والتأثر، لتدور الأيام دورتها وبدورانها تعمل عملها بالنسيان حتى نسيت الحدثين معا، لأنها سنة الله في كونه مهما فرحت ومهما حزنت فالنسيان كفيل بطي كل الصفحات لتحل محلها صفحات أخرى، لكل صفحة خصوصياتها ولكل صفحة نصيبها من البهجة والسرور ونصيبها من الأسى والأحزان، توالت الأيام في دحرجتي مرة إلى الأمام ومرات أخرى إلى الوراء، فالإجازة في هذا الوطن شهادة لا تسمن ولا تغني من جوع، الإجازة كانت ولازالت غير ذات قيمة، الإجازة كانت ولازالت مجرد صك اعتذار، تقدمه الدولة لنا لتعتذرعن سنوات وسنوات قضيناها في وهم ما بين حلم حياة وواقع عنوانه الرسمي الإحتضار.

 

لتبدأ المعاناة، فلا القطاع العام احتضننا رغم ما اجتزناه من مباريات، وهي للآسف تبقى مباريات صورية ووهمية (كيكذبو بها على ولاد الشعب، ويدوزو دياولهم ومالين الفلوس اللي قاد يشري بلاصتو)، ولا القطاع الخاص رضي بنا و إن تنازلنا وقبلنا (الحريث)، فالقطاع الخاص يريد أناسا منكسرين، عمل فيهم الزمان عمله، كسرهم وجعلهم يرضون بالفتات، من غير هاته المؤهلات لن يستقطبك القطاع الخاص أبدا.

 

 لنعد إلى المباريات ما سمعت بمباراة إلا كنت سباقا إلى اجتيازها، والقاعدة المعتمدة في مباريات وطني أنه وإن حالفنك الحظ واجتزت المباراة الكتابية يوماً، فلا تغتر وإياك ثم إياك أن تدع للحلم سبيلا ليتسرب إلى مخيلتك أنك بمكانك أن تجتاز المباراة الشفوية، إلا إذا كان هناك خصاصاً في المناصب لم تشمله المحسوبية والزبونية والرشوة بالتغطية الشاملة كما ألفنا في هذا الوطن الحبيب، أتذكر أني كنت أواظب على أن أدفع ملفي طلبا لاجتياز مباراة خاصة بإحدى الوزارات، من بين شروط اجتياز المباراة الحصول على الإجاوة فمافوق، والاستدعاء يكون بعد انتقاء أولي وهنا مربط الفرس، صدمني جار لي يعمل هناك في الوزارة إياها قائلا (ماتصدعش راسك إلا ما عندكش 12مليون غا بلا ما تدفع البلايص محسوبين ومبيوعين) هذا في سنوات 2002 و 2003، أما الآن كم وصل ثمن كرسي الوظيفة  إياها فالله وحده أعلم.

 

 نسيت أن أذكر أنني كنت محظوظا في السنة الموالية لحصولي على الإجازة، إذ تم قبولي في السلك الثالث للإعداد لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الإداري والعلوم الإدارية، كنت الثامن عشر من بين ثلاثة وعشرين فرداً تم انتقاءهم لإتمام دراستهم العليا في هاته الشعبة، لم يكن ذلك محض صدفة بل وليد معايير صارمة اتبعها أساتذة الشعبة في الانتقاء تعتمد تنقيطا صارما يأخذ بعين الإعتبار عدة أمور، من بينها التنقيط في خمس مواد لها علاقة وطيدة بالشعبة المختارة ، وسبق لنا أن  درسناها من السنة الثانية إلى السنة الرابعة من الإجازة  ، 5 نقاط عن كل مادة حصلت فيها 12/20 فما فوق، 3 نقاط إن حصلت 10/20 أو 11/20 ، منها معدل بحث الإجازة 5 نقاط إذا كانت نقطة البحث  ممتازة، منها النجاح في الدورة الأولى  2 نقاط عن كل  سنة تمر من الدورة الأولى و0 نقطة في حالة مرورك في الدورة الاستدراكية، بالإضافة إلى معايير أخرى .......

 

كنت متحمساً لإتمام دراساتي العليا، غير آبه بظروفي المادية التي تحاول النيل من عزيمتي في إتمام مساري الدراسي حتى آخر رمق، كم كان نهمي لنيل العلم قوياً ولا يقاوم، كم حلمت بشهادة الدكتوراة بين أناملي أداعبها، لكن للآسف استيقظت من حلمي على واقع مرير، مفاده أن الدراسات العليا مكلفة وبلا منحة يصعب الاستمرار، غضضت بصري عن ظروفي المادية وخضت المعركة طوال السنة الدراسية دون تكاسل أو تراخ، حضرت كافة المحاضرات ولم أتغيب ولا حصة واحدة، شاركت بعروض في المواد الخمس في الشعبة وكنت متميزا، لكن جاءت العطلة الصيفية وضُرِب لنا موعد في بداية السنة المقبلة لاجتياز الاختبارات على ألا يخلفه أحد، ولكني أخلفته لظروف تحبط أكثر الناس تفاؤلا في هذا البلد، فمن ثلاثة وعشرين فردا تم انتقاءهم بالمعايير المحددة أعلاه، تعدى العدد الخمسين بمعايير أخرى معايير يجيد فنونها رؤوس الفساد في هذا الوطن، ( من تحت الطابلة وباك صاحبي وهذا ديالنا.......)وحدث ولا حرج عن مثل هذه المعايير فيك يا وطن بطالتي، من الطلبة من التحق بنا في الأيام الأخيرة قبيل العطلة الصيفية بشهر أو نيف، محظوظون من هذا البلد لم يحضروا إلا محاضرات تعد على رؤوس الأصابع، لم يعدوا ولا عرضا واحدا، ورغم أنف الجميع سينجحون لأنهم دخلوا من حيث يدخل المحظوظون في هذا الوطن، لأنهم يعرفون كيف تؤكل الكتف كما يقال، ونسبة الرسوب واردة لا مفر منها وستنال المنتقين الأوائل لا المحظوظين الأواخر، لم يكن أنذاك يراودني أي شك في مقدرتي على النجاح والتفوق في مساري الدراسي رغم العوائق، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان خلاف ما بيني وبين أحد أساتذة الشعبة عندما كنت ألقي عرضا أعددته في مادته، فنجم عن الخلاف أن طالبني وبعض الطلبة بإعداد تقارير عن القطاع العام ببعض الدول العربية، كان العراق  من نصيبي أنا  وصديق لي على أن تكون المعلومات حديثة معتمدة من السفارة العراقية، طرقنا أبواب السفارة بلا مجيب، ففي الفترة إياها  كانت العراق  محاصرة من طرف قوات التحالف ومنذ سنوات، فكيف لدولة محاصرة أن توصل إليك ثقافتها وعلومها، لم يعرنا حارس بوابة السفارة أي اهتمام أعدنا الكرة بلا فائدة، وعدنا أدراجنا بخفي حنين، لأتفاجأ بالأستاذ الدكتور مصرا على التقرير ومن معطيات معتمدة من السفارة، إصرار جعل  اليأس يدب في داخلي لأعلم أن نسبة الرسوب قد طالتني قبل اجتياز الإختبارات، عدت أدراجي يومها إلى البيت محبطا لأجد في البيت خبراً مفاده أن الحظ قد يبتسم لي بعيدا عن الدراسة وبعيدا عن الوطن ، استيقظ الحلم الذي طالما راودني فلطالما حلمت بالهجرة إلى أوربا بل كنت أرى جنة الدنيا هناك ماوراء البحار، ففي الصيف سيحضر ضيف إيطالي الجنسية مع زوج قريبة لي وأنه تم اخياري لأكون رفيقه في عطلته الصيفية بالمغرب، وأنه سيعمل بعد ذلك على مساعدتي للعبور إلى الضفة الأخرى، رميت وريقاتي ودفنتها وقررت أن أنتقم من الأستاذ الدكتور بأن أترك له الجمل بما حمل، وإن أراد هو تقريرا عن القطاع الخاص بدولة العراق، فليذهب وليحضره هو، مر الصيف وأنا أعيش حلم العبور يوما بيوم، ساعة بساعة، دقيقة بدقيقة، عاد الزائر إلى بلده وقد كنت له المرشد السياحي بامتياز، لأجد نفسي على أبواب اختبارات لم أستعد لها بالمرة، وتقريرا صفحاته بيضاء لم أسودها ولو بحرف واحد، وقطاع عمومي عراقي أجهل مؤسساته كل الجهل، فقررت عدم الذهاب لاجتياز الاختبارات فالحلم الجديد صبغ حياتي ولونها بألوانه الزاهية التي تخطف العقول والأبصار، فالحياة في الضفة الأخرى أزهى وأجمل وأحلى ......

 

لتمر الأيام ويتبخر الحلم كما تبخرت الأحلام، السابقة فالضيف الذي كنت له يوما مرشدا، ما إن عبر إلى ضفته حيث نشأ وترعرع، حتى سارع ورمى خلفه كل الذكريات، لأجد نفسي (مانا بديدي مانا بحب الملوك أو بالأحرى مانا بالحمار مانا بسبع فرنك).

 

مرت الأيام  وهاجس الهجرة لا يفارقني، وهذه المرة صوب ألمانيا لا إيطاليا، أشار علي بعض

 

(DAF

الأقارب المتواجدين بألمانيا أني لو حصلت على شهادة اللغة الألمانية (الداف

 

انغمست ثانية في حلمي الجديد القديم وواظبت على دروسي اللغة الألمانية،فرغم صعوبة اللغة الألمانية مقارنة مع الفرنسية والإنجليزية فقد تمكنت وأنا أسابق الزمن من نيل الشهادة في ظرف خمسة أشهر، باعتماد دروس مكثفة في المادة وإن كانت مكلفة، فالمهم نيل الشهادة فالعائلة رأت في أمرهجرتي إلى شمال البحر الأبيض المتوسط  مشروعا مربحا خاصة إن أسعفني الحظ وعبرت الضفة، فساهم القريب والبعيد في تكاليف الحصول على شهادة اللغة الألمانية وغُدِقت الأموال في سبيل ذلك، وما إن حصلت على شهادة (الداف) حتى تمكنت من الحصول على التسجيل بجامعة ألمانية بمساعدة أقاربي هناك، بقي علي الحصول على التأشيرة بالسفارة الألمانية، التأشيرة التي أصبحت من رابع المستحيلات تلك الأيام، إذ أصبحت الإجراءات جد صعبة  بعد استهداف أمريكا في حادثة البرجين، والمتهمون الرئيسيون كانوا طلبة مسلمين بألمانيا، وأصبح  من الإجراءات الأساسية المطلوبة لنيل التأشيرة أن تحصل على التسجيل قبل شهرين من تاريخ بدء الدراسة، وهذا ما لم تكن تمنحه أي جامعة ألمانية آنذاك، أضف إلى ذلك تعقيدات الضمانات التي أصبحت صعبة المنال، ليتبخر الحلم من جديد وفي رمشة عين وكأن الحظ أبى إلا الإستمرار في معاكستي.

 

على مضض تناسيت الأمر وعدت لواقع مر، شلت فيه حركات تفكيري، إذ لم أعد قادرا من جديد على العودة للدراسة فقد  تحجرت ذاكرتي وفقدت قدرتي على الاستيعاب كما كنت بالسابق، فكر مشتت مهما حملقت في الكتاب لا أستوعب منه، فقدت شهية المطالعة وفقدت شغفي بالقلم بالكتاب بكل ما له علاقة بالدراسة، كما أني صرت مثقلا بالديون ديون هجرة لم أجد لها الأجنحة التي بإمكانها أن  ترفرف بي من ضفة إلى ضفة،  لأجد نفسي أمارس حرفة كنت أمارسها في عطلي الصيفية لجمع مصاريف دراستي ، عدت إلى السلاليم ليست السلاليم الإدارية ولكن (سلالم الصباغة والشيتا والرولو والكاغيط الحرش ....) وحدث ولا حرج عن القطاع الخاص، قطاع غير منظم (كلشي غا العطاشة) حرفة غير مهيكلة لا تؤدى فيها لا واجبات ولا ضمانات، تركب المخاطر بلا تأمين يضمن لأهلك بعدك دريهمات تواسيهم في فقدانك لا قدر الله.

 

هناك دُفِـنْتُ مرغما إلى أن حرك الربيع العربي في وفي العديد من المجازين والمجازات شعلة النضال، ونادتنا الساحات لنملأها مطالبين بأبسط حقوق العيش الكريم، الحق في عمل يضمن لنا أبسط حقوق الإنسان، وهاهي الساحات تشهد على نضالاتنا، فمهما صدتنا قوات القمع سنظل نجهر بحقنا ونصيبنا من خيرات هذا البلد التي ينهبها الناهبون، ثم يقولون لنا ميزانية الدولة لا تكفي لتوظيفكم، تويظفكم سترهق ميزانية الدولة، أو لا يرهق ميزانية دولتنا الملايير التي تنهب هنا وهناك، جل المؤسسات العمومية طال أموالها النهب   

وليستمرالتعنت تعنت المسؤولين بنهجهم سياسة التجاهل والإقصاء كما هو معهود فيهم،  ولتستمر في ظل هذا التعنت المعاناة معاناة المجازين، وليبقى الحال على ما هو عليه حتى إشعار آخر، ولكم الله يا مجازي ومجازات المغرب.

المصدر: أخبارنا
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 80 مشاهدة
نشرت فى 21 يونيو 2011 بواسطة amin13

ساحة النقاش

بريس مجاز

amin13
موقع يعنى بالمجازين المعطلين بالمغرب وبمشاكلهم »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,748