أعزائنا المشاهدين أسعدتم مساء وأهلاً بكم ومرحبا في هذا اللقاء الجديد، التعبير الأدبي موضوع هذا اللقاء.
التعبير وسيلة يتخذها الإنسان ليعبر عن حاجاته ورغباته وأفكاره ومشاعره، وعن أي شيء آخر يريد التعبير عنه، فبكاء الطفل مثلاً نوع من أنواع التعبير عن حاجة ملحة، والإشارة بيده تعبير عن رغبته في اقتناء شيء محبب، وقد يعبر الإنسان عن الرفض برفع حاجبيه، وعن موافقته بخفض رأسه، وقد يعبر عن سخطه من تصرفات الأخريين حينما يحد النظر إليهم، قال الشاعر:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب وتقلينني لكن إياك لا أقلي
وقد يغلق المرء الباب بعنف معبراً عن غضبه، وقد يطلق بوق سيارته معبراً عن ضيقه من اختناق السير، وقد يحي سائق آخر، أو قد يحي سائق زميله بومضة من ضوء مركبته، كل هذا تعبير بالمعنى الواسع بالكلمة، هذا عن التعبير غير الفني، فماذا عن التعبير الفني تعد الفنون غير الأدبية كالرسم والموسيقا والنحت تعبيراً فنياً عن فكرة أو شعور يختلج في ذهن الفنان أو في نفسه، إن الرسم الكاريكاتوري مثلاً تعبير عن فكرة عميقة أو عن نقد سياسي، أو عن نقد اجتماعي، التعبير الكاريكاتوري، الرسم الكاريكاتوري تعبير عن فكرة عميقة أو نقد سياسي أو اجتماعي، حقاً لقد شطت بنا كلمة التعبير إلى أنواع كثيرة، من التعبير غير الفني والتعبير الفني، ولو كان موضوع هذا اللقاء ألوان التعبير الإنساني لامتد بنا الموضوع إلى تلك الرسوم التي تتخذ أدوات للتعبير عن بعض الحرف، فالحية التي تنفث سمها في كأس رمز لحرفة الطب، والعجلة المسننة رمز لحرفة الهندسة، والميزان رمز لحرفة المحاماة التي ينتظر من أصحابها إحقاق الحق والوزن بالقسط، ولو وسعنا الموضوع ليشمل غير الإنسان لوصلنا إلى إن الهرة حينما تتمسح بسيدة المنزل إنما تعبر شكرها وامتنانها، وقد تصهل الخيل ترحيباً بصاحبها، ولكن موضوع هذا اللقاء هو التعبير الأدبي، فما الأدب الذي جاء وصفاً وقيداً للتعبير ؟ إنه التعبير الفني الذي يتخذ الكلمة أداة، وكلمة الفني تعني أنه التعبير الذي يثير فينا بفضل خصائص صياغته انفعالات شعورية وصور خيالية واحساسات فنية، فما خصائص الصياغة ؟ فما خصائص صياغة التعبير الفني؟ إن الوقوف عند خصائص صياغة التعبير الأدبي هو الشيء المجدي في هذا اللقاء، الهدف إذاً من هذا اللقاء أن يعرف المشاهد طريقه إلى امتلاك الأسلوب الأدبي الذي يمكنه من التعبير عن أفكاره وعن مشاعره تعبيراً أدبياً مثيراً ممتعاً، هذا هو الهدف فما الوسيلة ؟ الوسيلة إلى هذا الهدف معرفة طبيعة الأدب أولاً، ومعرفة خصائص صياغته ثانياً، فالأدب..
يا أخوتنا المشاهدين مضمون وشكل، المضمون فكرة وعاطفة والشكل خيال وأسلوب، هذه عناصر الأدب وربما فهم المشاهد من هذه العناصر طبيعة الأدب، الأدب فكرة وعاطفة وخيال وأسلوب، أي صياغة لفظية.
فالمضمون شيء أساسي في الأدب، بل ربما كان المضمون هو العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان الأدب رفيعاً أو وضيعاً، إذا طالعت أثراً فنياً وشعرت بعدئذٍ أنه حرك مشاعرك العلية وتفكيرك المرتفع فأنت أمام فن رفيع، فإذا لم يحرك إلا المبتذلة من مشاعرك والتافه من تفكيرك فأنت أمام فن رخيص، وإذا لم يكن لديك ما تقول فلا غناء في القول.
وأما العاطفة فإن لم يكن الإحساس بها صحيحاً، والانفعال حقيقياً والمعانات واقعية، والتجربة صادقة، فلن تؤثر في أحد ولم يصدقك أحد.
تروي كتب الأدب أن أحد الأمراء، أمراء الكوفة وكان أريباً ؛ أي ذكياً، قال لأحد ندمائه وكان أديباً، ما شر ما يمتحن به الأديب ؟ قال النديم الأديب وهو يبتسم: فقدان الصدق الذي يجعل أدبه فاتراً فأطرق النديم لحظة ثم قال للأمير: ما شر ما يمتحن به الأمير؟ فقال الأمير: وقد ظهر على وجه العبوس ثناء الذين لا يحسنون الثناء يقولون فينا فلا يصدقهم أحد، ويقولون لنا فلا نصدقهم نحن، لأنهم يقولون ما لا يصدقون أنفسهم فيه.
هذا عن مضمون الأدبي فكرته وعاطفته، فماذا عن شكله ؟ أي أسلوبه، الحقيقة أن دراسة الأسلوب وتحليله إلى عناصره الأساسية والبحث عن مقوماته هو جوهر الدرس في هذا اللقاء.
فالأسلوب مستوياته: هناك الأسلوب الركيك، والأسلوب العلمي والأسلوب الأدبي.
ومقوماته: هناك الكلمات والأدوات والتراكيب، والتراكيب ينبغي أن تكون صحيحة ومتينة وتصويرية في الأدب.
وأما وسائل تقويمه، أو وسائل تقويته كلاهما صحيح، معرفة قواعد اللغة أولاً، والقراءة الأسلوبية ثانياً، وسوف آتي على شرح هذا المخطط بشكل تفصيلي.
مستويات الأسلوب.. أولاً الأسلوب الركيك:
قد يهبط الأسلوب عن المستوى المقبول، ويخرج من دائرة القبول، فلا يحسن الكاتب انتقاء الألفاظ، ولا يتقن استخدام الأدوات ويطرب التركيب فيغدو غامضاً أو معقداً أو مهلهل، وهذا هو الأسلوب الركيك ونحن نترفع عن ذكر شاهد له لأسباب تربوية.
ثانياً الأسلوب العلمي:
قد يحسن الكاتب انتقاء الألفاظ الدقيقة والمناسبة، ويتقن استعمال الأدوات على وجهها الصحيح، وتغدو تراكيبه واضحة متينة لا لبس فيها ولا تعقيد، وهذا هو الأسلوب العلمي.
يقول مصطفى صادق الرافعي كشاهد على الأسلوب العلمي:
حينما يكون الفقر قلة المال يفتقر أكثر الناس، وتنخذل القوة الإنسانية فيهم وتهلك المواهب، ولكن حين يكون الفقر فقر العمل الطيب يستطيع كل إنسان أن يغتني وتنبعث القوة الإنسانية فيه وتتفجر مواهبه وحين يكون الخوف خوفاً من نقص الحياة الدنيا وآلامها يقود هذا الخوف إلى مائة رذيلة ورذيلة، ولكن حين يكون الخوف خوف من نقص الحياة الآخرة وعذابها يصبح هذا الخوف أساساً للفضائل جميعاً، هذا عن الأسلوب العلمي.
ثالثاً الأسلوب الأدبي:
فتعريفه كما سيأتي: حينما تنتظم الكلمات كالعقد، ويكون لها جرس كالنغم، وتتعانق الجمل كباقة ورد منسقة، وتتهاد كحركات إيقاعية، يكون ساعة إذٍ الأسلوب أدبياً آثراً، مثال على الأسلوب الأدبي يقول عبد العزيز البشري متحدثاً عن السيد درويش:
فما إن لحن السيد درويش فكان المعنى شديداً إلا قو لحنه ودعم ركنه وشد للصنعة متنه فسمعت له مثل قعقعت النبال إذا استحر القتال أو مثل زئير الأساد إذا تحفذت للصيال، وإذا جنح الكلام إلى اللين كان لحن أرق من نسج الطيف وألطف من النسمة في سحرة الصيف.
هذا هو الأسلوب الأدبي، وبعد ذلك ننتقل إلى مقومات الأسلوب الكلمات والأدوات والتراكيب.
أولاً الكلمات:
الأدب فن جميل مادة الألفاظ، فالكلمات مادة الأدب وقوام الأسلوب، وحينما أقول الكلمات مادة الأسلوب أقصد أن عدد الكلمات التي يستطيع الكاتب أن يستخدمها في كتابته لا التي يعرف معناها إذا وجدها في نص، إن الكلمات الأولى التي يمتلك الكاتب استعمالها تنتمي إلى الذاكرة الإسترجاعية، بينما الكلمات الثانية التي يعرف الكاتب معناها إذا قرأها ولا يملك أن يستخدمها، أي لا يملكها تنتمي إلى الذاكرة التعرفية، ربما كانت هذه الفكرة ليست واضحة نحتاج إلى شاهد.
الأدب فن جميل يسمو بالنفس ويصقل الفكرة ويهذب الحواس ويعمر الوجدان ويرقى بكل أولئك إلى مستوى رفيع تتلمس فيه المثل وتستشرف فيه الحق والخير والجمال.
كلكم يعرف معنى هذا النص، ولكن من منكم يستخدم كلمة يسمو في النص، أو يصقل، أو يعمر، أو يرقى بكل أولئك، أو تستشرف كلمة يسمو هذه أقلام يستخدمها الطلاب، يصقل، يعمر، يرقى بكل أولئك، تتلمس فيه المثل، تستشرف وجوه الحق والخير والجمال، هذه الكلمات تعرفونها إذا قرأتموها، ولكن لا تستخدمونها في كتاباتكم إذاً لا تملكونها، إذاً عدد الكلمات التي يملكها الكاتب، أي يستعملها في كتابته لا التي يفهما إذا قرأ نصاً ما، وقد ثبت يا أخوتنا المشاهدين أن دقت الأسلوب وروعته ترجع إلى وفرة الكلمات التي بحوزة الكاتب، فالكاتب الذي يعرف مثلاً مفردات كثيرة تتعلق بالنظر، نظر رأى، شاهد، لمح لاح، حدج، حَمْلَقَ، بحلق، استشف، استشرف، شخص، رنا، نظر شذراً، الكاتب الذي يعرف كل هذه المفردات حول معنى النظر تراه قادراً على تخيل الكلمة الدقيقة المناسبة، للمعنى الدقيق المناسب، وهذا يقودنا إلى حقيقة ثانية وهي أن من مقومات الأسلوب الجيد معرفة الفروق الدقيقة بين الكلمات.
فلمح مثلاً تعني أنك نظرت إلى الشيء ثم أعرضت عنه، بينما الكلمة الثانية..
لاح تعني أن الشيء ظهر ثم اختفى، أما كلمة..
حدج تعني النظر مع المحبة وفي الحديث الشريف:
حَدِّثِ القـوْمَ مَا حَدَجـــــُوكَ بأبْصــَارِهِمْ.
وأما حملق يعني ظهر حملاق العين، باطن الجفن.
وأما بـــــحلق أي اتســـعت الحـــدقة.
وأما استشف أي حرك يديه ليمتحن رقة الثــوب.
وأما استشــرف أي تـــمطى ليـــــنظر.
وأما شخــص فتعـــني نظــر وهو خـائف.
وأما رنــــا تعنــي نــظر وهو مســرور.
وأما نظر شذراً فتعني أنه نظر إلى شيء محتقر، فاحتقره بعينيه ولو لم يتكلم بشفتيه.
إذاً معرفة الفروق الدقيقة بين الكلمات شيء أساسي في متانة الأسلوب ودقته، ألا ترى معي يا أخي المشاهد أن وفرة الألوان تعين الرسام على إظهار أدق الأشكال على لوحته، وأن اتساع المدرج الصوتي يعين على إظهار أدق الألحان، وأن وفرة الأدوات تعين على إظهار أدق الأعمال، كذلك وفرة الكلمات ومعرفة معانيها الدقيقة والفروق بينها وبين غيرها من الكلمات تعين على امتلاك الأسلوب الذي نطمح إليه، وشيء آخر في الأسلوب ألا وهو:
ثانياً الأدوات:
فلا بد من أن يكون عددها وافراً ومرة ثانية أقول أعني بالعدد الوافر تلك الأدوات التي يستخدمها الطالب في كتابته لا التي يتعرف إليها إذا قرأها، فمثل كلمة نعم وبلا، فنعم تعني شيء، وبلا تعني شيء فقوله تعالى: " ألست بربكم قالوا بلا ". أي أنت ربنا، ولو قالوا نعم لكفروا، لأن بلا تعني نفي النفي، ونفي النفي إثبات، أما نعم تعني إثبات النفي، وإثبات النفي نفي، فلو قال غير الله عز وجل، ألست بربكم وجب أن يكون الجواب نعم، أي لست ربنا، فهناك فرق دقيق بين نعم وبين بلا، أما الأداة لا هي حرف نفي، أما كلا حرف ردع، معظم المتكلمين يستخدمون كلمة كلا بدل لا، مع أن لا حرف نفي، وكلا حرف ردع، فإذا قلت لإنسان هل أنت جائع ؟ يقول لا، أما إذا قلت له هل أنت مذنب ؟ يقول كلا، لأن الجوع ليس ذنباً بينما الذنب يجب أن يردع، هل أنت جائع ؟ لا، هل أنت مذنب ؟ كلا، قط وأبداً قد تقول لم أفعل هذا قط، ولن أفعله أبداً فقط تستغرق الزمن الماضي، وأبداً تستغرق الزمن المستقبل، لا يجوز أن تقول لم أفعل هذا أبداً، ولن أفعل قط، تعملون أن لم تفيد نفي الماضي ولن تنفي المستقبل، فقط خاصة باستغراق الزمن الماضي، وأبداً متخصصة لاستغراق الزمن المستقبل أما حتى فقد تقول أكلت السمكة حتى رأسَها، أو حتى رأسِها، أو حتى رأسُها، حتى رأسَها حرف عطف، حتى رأسِها حرف جر، حتى رأسُها حرف ابتداء، فلحتى معاني دقيقة وفروق بين استعمالاتها المتعددة، إذاً إذا علم الكاتب هذه الأدوات وعرف الفروق الدقيق بينها فهذا شيء أساسي في أسلوبه، وشيء آخر في الأسلوب ألا وهو التركيب.
ثالثاً التركيب:
فالتركيب هو العلاقة اللغوية بين كلمتين أو أكثر، فالأصل في التركيب المسند والمسند إليه وأداة وفضلة، وقد يوصف التركيب بالصحة فإذا قلت استبدلت التأليف بالمطالعة؛ يعني إذا ترك الإنسان التأليف وطالع وقال استبدلت التأليف بالمطالعة فهذا تركيب مغلوط لأن الشيء المتروك يجب أن يتأخر ويقترن بالباء، لما في قوله تعالى: " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير " الشيء المتروك يتأخر ويقترن بالباء فالعبارة أو التركيب يوصف بالصحة وقد يكون مغلوطاً، ويوصف التركيب أيضاً بالقوة، ومعنى التركيب القوي أي أن الكلمات وضعت في مكانها الدقيق والمناسب، فقوله تعالى: " وما من دابة إلا على الله رزقها " فتنكير كلمة دابة تنكير شمول، أي شملت أنواع الدواب كلها وإضافة من الزائدة قبل دابة لاستغراق أفراد كل نوع إذاً التنكير له معنى وإضافة كلمة من لها معنى، أي الاستغراق لكل أفراد النوع، والنفي والاستثناء " ما " و " إلا " لقصر الرزق على الله تعالى، وليس على جهة سواه، وأما تقديم " على " على لفظ الجلالة لإفادة معنى الإلزام، أي أن الله سبحانه وتعالى ألزم نفسه برزق العباد، لاحظوا أن هذا التركيب متين جداً، فلو أردنا أن نعدل فيه، لو قلنا ـ وما الدواب إلا على الله رزقها ـ لم يكن هذا التركيب متيناً، لو قلنا ـ ما دابة في الأرض إلا على الله رزقها ـ ألغينا " من " لم يكن التركيب متيناً، لو قلنا ـ كل دابة في الأرض الله يرزقها ـ لم يكن التركيب متيناً، لو قلنا ـ ما من دابة إلا الله يرزقها ـ لم نستخدم " على " على وجه الإلزام لم يكن التركيب متيناً فمتانة التركيب تعني وضع الكلمة المناسبة في المكان المناسب.
شيء آخر في التركيب: يوصف التركيب أحياناً بأنه تصويري وذلك حينما يعدل عن التقريري أو التعبير المباشر إلى الصورة، كأن يقول كاتب الأدب ليس حلية بديعة ساكنة فوق الصدور ولكنه نور متحرق براق يفتح الأبصار ـ استخدم الكاتب الأسلوب التصويري، الأدب عصاً بيد الإنسانية بها تسير لا مرود تكحل بها عينيها ـ
المتنبي كما مر بكم وصف الحمى بأسلوب تصويري، هناك أسلوب تصويري، وهناك أسلوب تقريري، قال:
وزائرتي كأن بها حيـــاء فليست تزور إلا في الظــــلام
بذلت لها المطارف والحشاية فعافتها وبات في العظــــــام
أبنت الدهر عند كل بــنت فكيف وصلت أنت من الزحـــام
الشيء الأخير في الدرس وسائل تقوية الأسلوب...
أولاً: لا بد من معرفة جيدة باللغة العربية، متناً ونحواً وصرفاً ورسماً
(( يعني إملاء )) وبلاغة.
أما الشيء الثابت ما دام المرء يقرأ ما يقرأ وهو حينما يقرأ يتابع المعنى فقط فلن يرتقي أسلوبه إلى المستوى الذي يصبو إليه أبداً، إذاً لا بد من قراءة أخرى غير قراءة المعنى تلك القراءة الأسلوبية التي يسلط اهتمامه فيها على الكلمات فيختار كل كلمة جديدة أو فريدة أو مناسبة ويضع تحتها خطاً أو يسجلها بدفتر خاص، ثم يختار التراكيب المتينة والطريفة والمبتكرة فيشير إليها بخط من نوع آخر ويسجلها في حقل آخر بدفتره الخاص، ثم يبحث عن الأساليب التصويرية فيستقصيها وينتقيها ويصطفيها ولا بد من مراجعة هذه المختارات من الكلمات والتراكيب والأساليب التصويرية من حين إلى آخر وقبل الشروع في كتابة أي موضوع تعبيري حتى تنتقل هذه الكلمات وتلك العبارات وهاتيك الإشارات من الذاكرة التعرفية إلى الذاكرة الاسترجاعية، فالشيء الذي تملكه هو الشيء الذي تملك استعماله متى شئت دون الرجوع إليه، وفي نهاية هذا اللقاء أقر لكم نصاً لابن المقفع من كتابه الأدبي الكبير يجسد فيه بعض هذه المقومات، يقول ابن المقفع:
إني مخبرك عن صاحب لي، كان من أعظم الناس في عيني وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينيه فكان خارجاً عن سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد، وكان خارجاً عن سلطان الجهالة فلا يتكلم فيما لا يعلم ويماري فيما علم، وكان أكثر دهره صامت، فإذا تكلم بذ القائلين، وكان يرى ضعيف مستضعف فإذا جد الجد فهو الليث عادياً وكان لا يلوم أحداً فيما يكون العذر في مثله حتى يعلم ما اعتذاره، وكان لا يصحب إلا من يرجو عنده النصيحة
فعليكم بهذه الأخلاق إن أطقتم، وألا فأخذ القليل خير من ترك الكثير.
أعزائنا المشاهدين أرجو أن تكون قد أفدتم من هذا اللقاء، وأن يسهم هذا اللقاء في رفع مستوى أساليبكم وأشكر صبركم على كثرت الفكر وقلة الصور فليس بالإمكان أبدع مما كان وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ساحة النقاش