موقع الأستاذ عبد الفتاح أمير عباس أبو زيد

موقع لغوي أدبي تربوي قبمي

أنوار آية : كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا

كتب: د. علي بن عمر بادحدح30 يناير, 2012 - 7 ربيع الأول 1433هـ

 

الحمد لله يسمع من حمده، ويعطي من سأله، ويزيد من شكره، له الحمد كما يحب ويرضى على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وخاتم رسل الله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

سلام الله عليكم ورحمته- تعالى- وبركاته...

أنوار آية نبقى فيها اليوم مع الآية الثامنة والستين بعد المئة من سورة البقرة وهي قول الله -سبحانه وتعالى-: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [البقرة : 168].

 وأول ما نقف فيه مع هذه الآية قول الحق -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ} وهذا نداء، والنداء يشتمل في كل أنواعه على لفت النظر، واسترعاء الانتباه، والنداء للناس ذكر بعض أهل العلم من المفسرين عن علقمة ومجاهد- رحمهما الله- أنه ما جاء فيه {يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ} فهو مكي، وما جاء فيه {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ} فهو مدني، وهذا يصدق في الغالب، لكنه ليس مضطرداً فهذه الآية التي معنا من سورة البقرة، وسورة البقرة مدنية وفيها يا أيها الناس، والصواب أن الخطاب في هذا عام لكل الخلق مؤمنهم وكافرهم، فإذا تضمن الأمر بعد النداء أمراً من أوامر الإيمان أو الإسلام فهي للمؤمنين والمسلمين للتأكيد عليها، والتنبيه على ضرورة الحرص والالتزام والعمل بها وتكون لغير المسلمين دعوة لكي يكون أولاً منهم إسلامهم وإيمانهم، ويهتدوا بعد ذلك للهدي الذي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

 يا أيها الناس هذا الخطاب جاء -أيضاً- بعد أن ذكر الله -سبحانه وتعالى- في الآيات السابقة أنه الخالق للخلق، وجاء في هذه الآيات ما يشير أنه الواهب للرزق، والخلق والرزق من أعظم دلائل قدرة الله -عز وجل-.

 بالنسبة لنا- نحن معاشر البشر- فإن قدرة الله في الخلق، وإن نعمته في الرزق من أعظم ما يتصل بالإنسان، فإننا نعلم جميعاً أنه لا أحد له مدخل في خلق نفسه، وأن لا أحد إلى يوم الناس هذا يزعم أنه يستطيع أن يوجد حياة بمعنى أن يخلق حياً؛ بل قد تحدى الله الناس بذلك، كما في قوله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج : 73] والنعمة بالرزق -أيضاً- قضية واضحة لا يستطيع أحد إلى يوم الناس أن يدعي بأنه قادر على الرزق، فإن كل رزق الناس مربوط بهذه الأرض، ما تخرجه من الزروع والثمار، وما تأكله البهائم والحيوانات منها ما يكون بعد ذلك قوتاً ورزقاً للإنسان.

 إن الإنسان لن يأكل هذه المصنوعات، ولا هذه الأجهزة إنه سيأكل في آخر الأمر طعاماً وشراباً من النبات والحيوان، وذلك كله من رزق الله -سبحانه وتعالى- ولذا خاطب الله عز وجل دائماً بهذه المنة، وخاطب الله -جل وعلا- الخلق أجمعين ليدركوا أن لا رازق غيره -سبحانه وتعالى- فدعا أهل الكفر فقال:

{ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ } [العنكبوت : 17] وكان يدعو الناس إلى أن يطلبوا الرزق من غيره فلن يجدوا شيئا.

 فهنا يقول الحق -جل وعلا- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ} [البقرة : 168] والمقصود هنا واضح، فإن الأكل المقصود هو الأكل المعروف: وهو حصول أثر الرزق من القدرة على قوام هذه الحياة بالطعام والشراب، والله -جل وعلا- قال {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30].

 ونحن نعرف أن نعمة الرزق بأبسط صورها في الماء العذب الزلال الذي لو حُرم منه إنسان لدفع كل ما يملك من أموال الدنيا ليحصل على شربة ماء، وقد ذكر في ذلك قصة لا بأس أن أشير إليها وإن كانت قصة ليس مأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

أحد الملوك من السابقين كان قد اغتر بملكه، وعظمة ما عنده من الأموال وغير ذلك فأراد أحد الحكماء أن يبين له أن الأمر ليس على ما يدعي، فأعطي طعاماً وشراباً وسُقي من الماء، فطلب الحكيم أن يمنع عنه الماء حتى عطش عطشاً شديداً فقيل له: هل تدفع نصف ملكك بنصف كوب من الماء؟ فقال: نعم.

 ثم لما شرب الماء احتاج إلى الإخراج، فقيل له: لو حُبس عنك إخراج شربة الماء أتدفع نصف ملكك؟ فقال نعم. فقال الحكيم: نصف الملك بشربة ماء ونصفه الآخر بإخراجها فأي قيمة لهذا الملك!

 ليس لدى الإنسان أي قدرة على التحكم في الرزق كما نسمعه من الناس فلان سيقطع رزقي ونحو ذلك، الله -عز وجل- ينادي هنا بعد أن قرر في الآيات السابقة أنه الخالق -سبحانه وتعالى- للخلق ويبين أنه الواهب للرزق،، وإذا علمنا أنه الخالق وأنه الرازق فإن القلوب الحية والعقول الراشدة ستعلق أمرها ويقينها، وتضرعها وسؤالها بالله -عز وجل-.

 {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ} وليس كل ما في الأرض يؤكل مباشرة، فالذي يؤكل الثمار والزروع وكذا، لكن ما في الأرض سبب لكثير من الطعام، وسبب لكثير من الرزق، حتى ما فيها من المعادن والنفط وغيره هو في الأرض، هل أحد يدعي أنه صنع هذا النفط؟! غاية ما عند الناس أنهم يقولون تاريخ وجوده: أنه كانت هناك أشياء، ثم اندثرت تحت الأرض، ثم حصل كذا وبفعل الحرارة وضغط طبقات الأرض تحول إلى نفط هذا اكتشاف جيد، لكن القدرة هي قدرة الله -عز وجل-.

 كل ما في هذه  الأرض هو من قدرة الله -عز وجل- الهواء الذي نتنفسه أليس هو من الله -جل وعلا-؟ أليست قدرة الله وحكمته جعلت النبات يُخرج الأكسجين ونحن نخرج ثاني أكسيد الكربون، فكأن النبات هو الذي يعطينا سر الحياة، ولذلك يجد الناس الآن حماة البيئة -كما يقولون- يمنعون بعض الأشياء؛ لأنها تخالف نظام الطبيعة الذي خلقه الله -عز وجل- على صفة وهيئة تحقق للناس الحياة الطيبة والمعاش الصحيح.

 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة : 168] وهنا جوهر موضوعنا في هذه الآية الحلال ضد الحرام، والحلال أصله في اللغة: مأخوذ من حِلال العقدة عندما يكون عندنا حبل معقود حل الحبل أو حل العقدة فما معنى ذلك؟ انحلال عقدة التحرير يعني أن هناك حظر ومنع، فالحلال تزاح منه، وتزال منه هذه الحرمة، فيصبح حلالاً أو فيكون حلالاً، وهذا فيه عند أهل اللغة كلام كثير.

فيقولون: حل الرجل بالمكان. لماذا؟ لأنه حل رحله ونزل في هذا المكان، ويقولون :حل الدين؛ لأنه قد انقضت مدته، وانحلت عقدة هذه المدة، فجاء وقت الوفاء، وحلت العقوبة يعني: وجد ما يوجبها، ونحو هذا من المعاني المذكورة في لغة العرب.

{كلوا} أمر، وهذا الأمر لتذكر نعمة الله ولاستمرار الحياة وبقائها، لكنه جاء بضابط: كلوا من الحلال، ولا تأكلوا من الحرام.

 دلالات عظيمة في هذه الآية بعضها ذكرها العلماء على أنها قواعد (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ)  أيظهر هنا أن الحلال كثير أو أنه قليل في سياق الآية؟

 الظاهر هنا أنه كثير؛ لأنه {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} الذي سيكون غير حلال وغير طيب هو قليل، وهذا أصله من بداية خلق آدم -عليه السلام- لما خلقه الله في الجنة، قال له ولزوجه: كلوا ما في الجنة من نعيم، ولا تقربوا هذه الشجرة الابتداء بالحرام قليل، ولذلك المطعومات كثيرة جلها حلال إلا ما استثني بنص كحرمة أكل لحم الخنزير، أو نحو ذلك. والمشروبات كثيرة كم نشرب من أنواع الشراب؟! لا نستطيع أن نحصيها، لكن ما الشراب المحرم؟ شراب محدود كشرب الخمر ونحو ذلك.

 الأمر الثاني الذي تنتظمه دلالة هذه الآية قاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد النص بتحريمه؛ لأنه ما دام الحرام قليلاً من حرمه؟ حرمه الله -عز وجل- بنص جاء في القرآن أو بحديث بلغه النبي -صلى الله عليه وسلم- أما إذا ما لم يرد فيه نص من القرآن ولا نص من السنة ولا شيء يقاس عليه فهو حلال.

 والحمد لله اليوم تُستحدث أطعمة جديدة، أو أنواع من النبات ما كنا نعرفها من قبل أو ما كانت في أرضنا، وجيء بها إلينا ،وأصبحت تجبى ثمرات كل شيء إلى هذه البلاد، فالحمد لله على سعة الحلال.

ومن المعاني المهمة هنا الربط بين الحلال والطيب، وبين الحرمة والخبث؛ لأن الله قال (حَلَالًا طَيِّبًا)، فالحلال هنا أمران:

1) حلال في ذاته لأنه طيب.

2) حلال من جهة عدم تعلق حق الغير به.

 فهذا مال ورثته لم آخذه غصبة فهو حلال من جهة أنه ليس فيه عدوان على حق الغير.

والحرام في مقابل ذلك حرام، لأنه خبيث في نفسه يضر بالبدن، أو يضر بالعقل أو يضر بحياة الناس، وكل ما حرمه الله فهو خبيث لابد أن يكون ذلك يقيناً راسخاً عندنا.

 الربا خبيث ، لكن قد يظهر لبعض الناس أنه إذا أخذت قرضاً من هذا، ورضيت أن أرده بضعف أو بأضعاف على مدى معين. أين الضرر في ذلك؟ أنا رضيت واستفدت، وكسبت مكاسب، وأرجعت المال.

 نقول: دع عقلك، والتزم بالنص، ثم انظر- أيضاً- إلى الواقع فإنه يصدق ذلك، فإن مآل هذا الربا أن يكون المال دولة بين الأغنياء، وأن الناس كلهم يلتجئون إليه، وأنهم يصبحون بعد ذلك تحت رحمته وسطوته، كما نجد في دنيا الناس اليوم الميتة، ولحم الخنزير، وشرب الخمر، وتعاطي المخدرات كل هذه المحرمات يقيننا بأنها خبيثة: أي تضر بالبدن أو بالعقل أو بمعاش الناس في الجملة، ولقد ذكرت لكم- قبل ذلك- إحصاءات مهولة جداً تثبت فساد هذا العالم لبعده عن دين الإسلام، مليارات من الأرباح في تجارة المخدرات أرقام تشيب لها الرؤوس، ويتنافس مع هذا الكسب الخبيث، الكسب في الفسق والفجور والزنا والخنا فيما هو معروف بتجارة الرقيق الأبيض ونحو ذلك، إذاً هذا الحرام الخبيث.

 والزنا حرمه الله -عزوجل- لأنه أيضاً تقع به الأمراض، يحدث بسببه انحلال أو خفاء الأنساب، ويقع به كثير من المضار العامة، ولذلك بعض الناس الآن -للأسف الشديد- مع وجود هذه المغريات، وما معها من الشبهات، وما نسمعه أحياناً -والعياذ بالله- حتى من بعض من قد يكون مسلماً، يقول: هذه قضية شخصية امرأة أرادت أن تهب عرضها لمن شاءت -والعياذ بالله-.

 وهنا كان للرافعي الأديب مقالة لطيفة وجميلة جداً سماها الربيطة أدار فيها حوارا مع امرأة غير مسلمة، كانت تقول مثل هذا المنطق فعبر لها، أو مثل لها بمثال قال: أرأيت لو أن هناك حفرة في طريق الناس هل نتركها؟ ونقول: حفرة يراها الناس. أو أننا ينبغي أن نضع حلا، إما أن نردم الحفرة، وإما أن نضع سوراً وسياجاً، وإما أن نضع لوحات تنبيه وتحذير. أليس هذا الذي ترونه في كل مكان؟ أما نقول دعوا الناس، وكل يرى بنفسه ويعرف، إذاً لماذا لا نسمح بالمخدرات ولماذا لا نبيح المسكرات؟ دعونا -نحن المسلمين- نحرم الخمر، لكن لماذا يمنعون المخدرات في كل البلاد؟ أليست هناك حريات شخصية؟! أليس هذه قد عُرف ضررها؟.

ولذلك قلت لكم إن من فساد هذا العالم وخبثه، أن يأتينا إلى الدخان، ويقول: إنه سبب رئيس لمرض السرطان، ويقول: ننصحك بالامتناع عنه. فلماذا تصنعه؟ ولماذا تروجه؟ ولماذا تصنع له الدعايات؟.

 هذا مما يدلنا على أن هذا الأمر الخبيث خبيثٌ في نفسه، أو هو أصله حلال لكنه خبث لما وقع امتلاكه، أو الانتفاع به بمخالفة الشرع، بأن يكون مغصوباً أو أن يكون مسروقاً، أو غير ذلك من الأمور المعروفة في الحرمة.

 وللأسف قد نجد هذا النوع من الحرام في دنيا المسلمين أكثر مما نجد عند غيرهم، قد تجد من لا يشرب الخمر ويجتنب ذلك، لكنه يأكل أموال اليتامى، يأكل أموال الشركاء ، يأكل أموال الضعفاء، وإلا فلماذا نقول ونسمع عن هذا الذي يشيع بين الناس أن الأموال منتهبة، وأن الأراضي مغتصبة، وأن ذلك كذا وكذا لأن الناس لم ينضبطوا بهذا، وإذا لم ينضبطوا بالحلال والحرام فإن ذلك يسبب فسادا عظيماً جدا.

 ما المخالفة في ذلك؟ المخالفة التي ورد ذكر صور منها في التفسير: أن الكفار كانوا يحرمون بعض ما أحل الله، وكذلك هم يحلون بعض ما حرم الله، فكانوا يحرمون البحيرة والسائبة، ويقولون هذه حلال لأزواجنا، وهذه محرم على أزواجنا يفصلون في أمور، ويجعلون مرجعها إليهم لا إلى الله -سبحانه وتعالى- وكذلك يحلون ما حرم الله -سبحانه وتعالى-.

 وهنا مسألة مهمة: التحليل والتحريم حق خالص لله -عز وجل- ليس لأحد أن يحل حراماً، ولا أن يحرم حلالاً من عند نفسه مطلقاً، لا عالم، ولا هيئة كبار علماء، ولا مجمع فقهي، كل هؤلاء لا يحق لهم أن ينشئوا لنا حراماً جديداً أو حلالاً جديداً، إنما يبحثون فيما جاء من حرمة في القرآن أو السنة، وما يستنبط منهما، ولذا قال الله -سبحانه وتعالى- محذراً: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل : 116].

 والخطورة التي أراها أعظم في واقعنا المعاصر وفي دنيا المسلمين هي ارتكاب المحرمات مع إيجاد المسوغات والمبررات، كيف؟! نعم.. نتعامل بالربا لكننا نقول: إنه ليس بربا: إننا نسميه فوائد بنكية، إننا نسميه شهادات استثمار.

 يتعاملون -والعياذ بالله- مع الفسق أو الفجور أو كذا، وليس هو بزنا، وإنما هو حرية شخصية أو علاقات بريئة، الاختلاط بين رجال ونساء بدون حجاب -أيضاً- لا بأس به، إنه تعويد على الصداقة البريئة وغير ذلك، الخمور مشروبات روحية تغيرت الأسماء وتبدلت، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: يسمونها بغير اسمها، وهذا -وللأسف- أعظم خطراً من الحرام نفسه؛ لأن بعض الناس قد يكونون جهلة، ويتعاطى بعض الأمور المحرمة بهذه المغالطات في الأسماء، وللأسف أيضا بمغالطات أخرى تقدم في صور فتوى بالإباحة لأمور قد انعقد الإجماع على تحريمها لثبوتها بنصوص قطعية صريحة صحيحة في القرآن أو في سنة النبي- صلى الله عليه وسلم-، فهذا خطر عظيم، من المهم جداً أن ننتبه له، ولئن وسع الله دائرة الحلال، وامتن علينا بأن جعل لنا هذه الأرزاق، أفيكون أمر عملنا في دنيانا أن نجابه -والعياذ بالله- أو أن نحاد الله بارتكاب الحرام! والأكل من الحرام!.

 ولذلك ذكر ابن كثير هنا في تفسيره حديث لسعد بن أبي وقاص قال فيه سعد للنبي -صلى الله عليه وسلم- لما نزلت هذه الآية: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لسعد: (يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) ويصدّق هذا الحديث المشهور المحفوظ (...وذكر الرجل أشعث أغبر، يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب! ومطعمه حرام ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له)

 والحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به) ومما ذم الله به اليهود في القرآن بأنهم يأكلون السحت أي الحرام.

 وقد حذرنا الله -عز وجل- مما فعلته اليهود من التحايل على الحرام، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حرم الله على اليهود الشحوم من بعض الحيوانات قال -عليه الصلاة والسلام-: فأذابوها وجمدوها، ثم انتفعوا بها، وقالوا حرمت علينا وهي شحم سخنوها، فصارت زيتاً، فاستفادوا منها، وقالوا: لم نرتكب الحرام. وكم هي كثيرة صور التحايل اليوم التي يقع بها الناس في الحرام، ولذلك حذرنا الله -سبحانه وتعالى- من ذلك تحذيراً شديداً، وقص علينا في آيات القرآن ما يضيق المقام عن حصره.

 ثم قال -جل وعلا- {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} عجيب! لماذا ذُكرت خطوات الشيطان هنا؟

 لأن الشيطان متخصص في تزيين الحرام، وفي الترغيب فيه، وفي الوسوسة به، وفي إشاعته بين الناس، هذه مهمته التي قالها -عز وجل- في كتابه عن الشيطان {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء : 119].

 وكلمة إلى أخواتنا النساء ورد النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- باللعن للواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والمتفلجات بالحسن المغيرات لخلق الله ومع ذلك نرى النساء وما يصنعن من التغيرات التي ظهرت فيها دلالة هذا النص العظيم لماذا؟! قالوا للجمال!!.. سبحان الله!!

 ونحن نوقن أن كل شيء على أصل طبيعته وفطرته وخلقته هو الجمال، وما جُعل موصل إلى صورته فحسب، ولذلك نقول هنا: انتباه؛ لأن هذا من خطوات الشيطان هذه الألبسة والموضات التي شاعت بالذات في النساء تكشف العورات، وتكون على صورة تثير الغرائز وتقدم الإغراء والإغواء لماذا؟! حتى عندما ترون أيها الإخوة والأخوات إعلانات العطور هل هي إعلانات الرائحة؟ هل رأيتم إعلاناً يقول إن الرائحة زكية دائماً، لابد أن تكون الرائحة تجذب المرأة للرجل، أو الرجل للمرأة. أليس هذا الذي ترونه في الإعلانات؟

 إن المسألة واضحة في فعل الشيطان من خلال أبالسة وشياطين الإنس الذين يزينون الفاحشة، ويرغبون في المحرم، ولذا قال :{لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} لأن من يترك الحلال، ويدخل الحرام، فهو متبع لخطوات الشيطان.

 والخطوة هي ما بين سعي القدم، والقدم انتقال من مرحلة إلى مرحلة والأصل في اللغة أن هناك آثار للخطوات، وعادة ما يتبع الإنسان هذه الآثار لماذا؟! لو أن هناك آثار ستعلم أنها ستقودك إلى السجن، هل ستصير في إثرها؟.

 يتبع الناس الآثار لأنهم يريدون أن توصلهم إلى مصلحة أو منفعة تخصهم، أليس كذلك؟! لكنهم إذا اتبعوا خطوات الشيطان فذلك جحيم الحياة الدنيا، وعذاب الحياة الأخرى،  نسأل الله -عز وجل- السلامة.

ولذلك لا يجد مرتكب الحرام اللذة إلا مع منغصاتها في أصل هذا الحرام. سواء أكان ذلك بمنغصات نفسية فالذي -والعياذ بالله- يأكل الحرام لا يطمئن قلبه، ولا تسكن نفسه أبداً، من يرتكب الفاحشة يظل دائماً في هذا الأمر، أم بظلمات هذه المحرمات التي يضيق بها الصدر كما قال الله -عز وجل- : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه : 124] {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} والشيطان قد تحدثنا عنه من قبل في حلقة ماضية مع آية ماضية {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 169] {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة : 268] {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء : 60] {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} [المائدة : 91] هذه مهمته، فكيف نتبع آثاره.

 وكل مُعرض عن الحلال سوف يكون متبعا لخطوات الشيطان إذا ارتكب الحرام. وأخيراً نقول: متى ما يسرنا الحلال، فإننا نحارب بذلك الحرام. أتعرفون لماذا زاد الربا ولم فشا في حياة الناس؟ لأن القرض الحسن كاد أن ينعدم، والله عز وجل يقول :{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة : 245] مضاعفة وكثيرة.. متى فشا الزنا ؟يوم عقّدنا أمر الزواج بمهور غالية، وعادات باطلة، وغير ذلك. متى يفشو الحرام؟ إذا عسرنا طريق الحلال.

 وأما إذا يسرنا الحلال فالنفوس مفطورة على الحلال الطيب ترغب فيه، ولذا فإن الناشئ أو العامل في نشر الحلال هو مجاهد، وهو آمر بالمعروف وناه عن المنكر في الوقت نفسه، ولذا هذه دعوة للخلق أجمعين، وللمؤمنين خصوصاً {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الحلال الطيب، وأن يعيذنا من الحرام الخبيث، وأن يجعلنا ممن يدعون إلى الحلال، ويحذرون من الحرام، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يعيذنا من اتباع خطوات الشيطان، وأن يجعلنا على طريق الرحمن، وعلى هدي المصطفى العدنان -صلى الله عليه وسلم- والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

amer123123

اللهم احفظ المسلمين من شر وسوء المنافقين والخونة والعملاء والكافرين يارب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 95 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2013 بواسطة amer123123

ساحة النقاش

عبد الفتاح أمير عباس أبوذيد

amer123123
موقع لغوي تربوي وأدبي وقيمي الرؤية والرسالة والأهداف: رؤيتنا: الرؤية : الارتقاء بالمنظومة التعليمية والتربوية بما يؤسس لجيل مبدع منتمٍ لوطنه معتزاً بلغته فخوراً بدينه رسالتنا: السعي لتقديم خدمات تربوية وتعليمية ذات جودة عالية بتوظيف التقنية الحديثة ضمن بيئة جاذبة ومحفزة ودافعة للإبداع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها · إعداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

14,401,495