موقع الشيخ / عبدالله بن فهد الواكد

خطب جمعة - دروس - محاضرات - مقالات - شعر - قصص وروايات

 

 

خطبة جمعة

بعنوان

( وهم يستغفرون )

 

كتبها

عبدالله فهد الواكد

إمام وخطيب جامع الواكد بحائل

 

 

 

 

 

الخطبةُ الأُولَى

الحمدُ للهِ العزيزِ الغَفَّارِ ، الَّذِي شَرَعَ الإِسْتغفَاَرَ بِالليلِ النَّهَارِ وَبِالأَسْحَارِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ ، وصفيُّهُ وخليلُهُ ، وخيرتُهُ مِنْ خلقِهِ وأمينُهُ على وحيِهِ اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.

أمَّا بعدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فأُوصيكُمْ ونفسي بتقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ القائل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ  إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) الحشر

أيُّها المسلمونَ : إنَّ الإِسْتِغْفَارَ هُوَ خُلُقُ المُنِيبينَ ، وَسَجَيَّةُ المُؤْمِنينَ , وَسِمَةُ الصَّالِحِينَ , وَطَرِيقُ المُذْنِبينَ ، فَهُوَ كَالمِمْحَاةِ يُزِيلُ عَنِ الصَّحَائِفِ كَدَرَهَا ، وَيُعِيدُ إِلَيْهَا صَفَاءَهَا وَنَقَاءَهَا ، مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ رَفَعَهُ اللهُ , ومَنْ تمسَّكَ بهِ أَسْعدَهُ اللهُ , فَمُدَاوَمَةُ الإِسْتِغْفَارِ صِفَةٌ حَمِيدَةٌ ، وَخُلَّةٌ مَجِيدَةٌ ، تَمْحُوا الذُّنُوبَ ، وَتُقَرِّبُ العَبْدَ مِنْ عَلاَّمِ الغُيُوبِ ، فَقَدْ أَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى المُسْتَغْفِرِينَ فَقَالَ ( وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) ، فاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ العَفُوِّ والغَفُورِ لِيَغْفِرَ الذُّنُوبَ وَالسَّيِّئَاتِ ، وَيَعْفُوَ عَمَّنْ اجْتَرحهَا مِنَ الخَطَّائِينَ وَالمُذْنِبِينَ ، فَالعَبْدُ بِطَبْعِهِ خَطَّاءٌ ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَكَمَا أَنَّ العَبدَ بِحَاجَةٍ إِلَى تَنْظِيفِ ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ بِالمَاءِ وَالمُنَظِّفَاتِ ، فَكَذَلِكَ هُوَ بِحَاجَةٍ إِلَى تَنْظِيفِ رُوحِهِ وَعَمَلِهِ بِالإِسْتِغْفَارِ ، 

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : إِنَّ هَذِهِ العِبَادَةَ العَظِيمَةَ الإِسْتِغْفَارَ ، يُحِبُّهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيُحِبُّ المُسْتَغْفِرِينَ ، وَيُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْهَا فِي كُلِّ حِينٍ

قَالَ تَعَالَى ( أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (74) المائدة ،

وقال تعالى ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ  وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )(33) الأنفال ،

وقال تعالى ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا  وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) )  آل عمران ،

وقال تعالى ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا)(110) النساء

فَالإِسْتِغْفَارُ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ ، تُحَقِّقُ فِي نَفْسِ العَبْدِ عَظَمَةَ اللهِ وَالحَاجَةَ إِلَى اللهِ وَالإِيمانَ بِاللهِ وَحُسْنَ الظَّنِّ باللهِ ، فَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ ، وَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ تَعَالَى ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ ) رواه مسلم.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كُنَّا نَعُدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ يَقُولُ ((رَبِّ اغفرْ لِي وَ تُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ))، وَفِي لَفْظٍ: (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))) رَوَاهُ أَهلُ السُنَنِ وَصحَحَهُ الألْبانِي ،  وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً " . رواه البخاري .

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  رَضِيَ اللهُ عَنهُ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللهُ تَعَالَى : يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا ابْنَ آَدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَتُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .

رَوَاهُ الترمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحُ ، وَحسَّنَهُ الأَلْباَنِي .

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ : وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ ، فَقَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي «وهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِي .

فَالْزَمُوا الإِسْتِغْفَارَ يَا عِبَادَ اللهِ ، فَإِنَّهُ يَمْحُوا الذُّنُوبَ ، وَيَجْلِبُ الرِّزْقَ وَالغَيْثَ وَالذُّرِّيَّةَ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ المُسْتَغْفِرِينَ

قَالَ تَعَالَى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)   ) نوح

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ ، أَحْمِدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ ، وَأُثْنِي عَلَيْهِ ثَنَاءَ المُخْبِتِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَالمَيِنَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَخُلَفَائِهِ الغُرِّ المَيَامِين ، وَصَحَابَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ ،

أَيُّها المُسْلِمُونَ : اتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلَ  ( يَاأَيُّهَا الذينَ آمنُوا اتقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )

وَاعْلَمُوا أَنَّ لِكُلِّ أَمْرٍ ذُرْوَةً وَسَيِّداً ، وَذُرْوَةُ الإِسْتِغْفَارِ وَسَيِّدُهُ وَسَنَامُهُ مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ » وَقَدْ إشْتَمَلَ هَذاَ الدُّعَاءُ وَالإِسْتِغْفَارُ عَلَى العُبُودِيَّةِ الخَالِصَةِ للهِ وَالإِعْتِرَافِ بِقُدْرَةِ اللهِ المُهَيْمِنَةِ وَالتَّذَلُّلِ للهِ وَرَدِّ الفَضْلَ وَالنِّعْمَةَ للهِ وَإِضَافَةِ الذَّنْبِ إِلَى العَبْدِ المُسْتَغْفِرِ ، وَالرَّغْبَةِ فِي الْمَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

 وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ

قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)) الاحزاب

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين

 

 

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 59 مشاهدة
نشرت فى 5 يناير 2020 بواسطة alwakid

ساحة النقاش

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عبدالله بن فهد الواكد

alwakid
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل - المملكة العربية السعودية »

عدد زيارات الموقع

64,248