اشترى رجل دابة، فوجد بها عيوباً كثيرة، فحضر إلى القاضي يشكو البائع فقال: أيها القاضي، إني بحكمك راض، اشتريت من هذا الغريم دابة، ادعى فيها الصحة والسلامة، فوجدت بها عيوباً، أعقبتني ندامة. فقال القاضي ما عيوبها؟
فقال: كلها عيوب وذنوب، وهي أنحس مركوب، إن ركبتها رفست، وإن سقتها رقدت، وإن نزلت عنها شردت، حدباء جرباء، لا تقوم حتى تحمل على الخشب، ولا تنام حتى تكبل بالسلب، إن قربت من الجرار كسرتها، وإن دنت من الصغار رفستهم، وإن دار حولـَها أهل الدار كدمتهم، تمشي في سنة أقل من مسافة يوم، الويل لراكبها إن وثب عليه القوم، متى حملتها لا تنهض، تقرض حبلها، وتجفل من ظلها، ولا تعرف منزل أهلها، حرونة ملعونة مجنونة، تقلع الوتد، وتمرض الجسد، وتفتت الكبد، ولا تركن إلى أحد، واقعة الصدر، محلولة الظهر، عمشاء العينين، قصيرة الرجلين، مقلـَّعة الأضراس. كثيرة النعاس. مشيها قليل، وجسمها نحيل، وراكبها بين الأعزاء ذليل، تجفل من الهوى، وتعثر بالنوى، تحشر صاحبها في كل ضيق. وتنقطع به في الطريق، وتعض ركبة الرفيق. فإن قبلها فأكرم جانبه ولا تحوجني أن أضاربه. فضحك القاضي وحكم برَدّها. تقول العرب في ترتيب سِمَنِ النَّاقَة: إذا سَمِنَتْ قَلِيلاً قِيلَ: أمَخَّتْ وأنْقَتْ.
فإذا زَادَ سِمَنُها قِيلَ: مُلِّحَتْ
فإذا غَطَّاهَا اللَّحْمُ والشَّحْمُ قِيلَ: دَرِمَ عَظْمُهَا دَرَماً
فإذا كانَ فِيهَا سِمَنٌ ولَيْسَتْ بِتِلْكَ السَّمِينَةِ فَهِيَ طَعُوم
فإذا كَثُرَ شَحْمُها ولَحْمُهَا فَهِيَ مُكْدَنَة
فإذا سَمِنَتْ فَهِي نَاوِية
فإذا امْتَلأَتْ سِمَناً فَهِي مسْتَوْكِيَة
فإذا بَلَغَتْ غَايَةَ السِّمَنِ فَهِيَ مُتَوَعِّنَةٌ وَنَهِيَّة.
المتنبي:
لأيّ صُـــــرُوفِ الدّهــــْرِ فيهِ نُعاتـــِبُ
وَأيّ رَزايــــــــاهُ بـــــــوِتْرٍ نُطالـــــــِبُ
مَضَى مَنْ فَقَدْنــا صَبرَنـــــا عند فَقْدِهِ
وقد كانَ يُعطي الصّبرَ والصّبرُ عـــــازِبُ
يَزُورُ الأعــــادي في سَمــــَاءِ عَجَاجَــــةٍ
أسِنّتُهُ فــــــــي جانِبَيْها الكَواكـــــــِبُ
فتَسْفـــــــرُ عَنــهُ والسّيوفُ كــــــأنّما
مَضارِبُهــــــا مِمـــّا انْفَلَلْنَ ضرائِــــــبُ
طَلَعْنَ شُمُوســـــاً والغُمُودُ مَشــــــارِقٌ
لَهُنّ وهامـــــــاتُ الرّجــــــــالِ مَغارِبُ
مَصائِـــــــبُ شَتّى جُمّعَتْ في مُصيبــَةٍ
ولـــــــــم يَكفِها حتى قَفَتْها مَصائِــبُ
رَثَى ابنَ أبينا غيرُ ذي رَحـــِمٍ لـــــــــــَهُ
فَباعَــــــــــدَنَا عَنْهُ ونَحْنُ الأقــــــارِبُ
وَعـــــَرّضَ أنــّا شامِتــــــُونَ بمَوتِــــــهِ
وإلاّ فَزارَتْ عــــــــارضَيْهِ القَواضِـــــبُ
ساحة النقاش