أظهرت دراسة جديدة نُشرت في النسخة الرقمية من العدد الأخير بمجلة «ذا لانسيت» أن ارتفاع ضغط الدم لدى الشباب في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم يمكن أن يُؤدي إلى تضرر السلامة البنيوية لخلاياهم الدماغية قبل بلوغهم سن الأربعين. ويشير الباحثون الذين أجروا الدراسة إلى أن الارتفاع المتكرر لمستويات ضغط الدم يُحتم على الأطباء سرعة التدخل من أجل وقف إصابة الشباب بارتفاع ضغط الدم ووقايتهم منه، أو مراقبته على الأقل حتى لا يصل تأثيره إلى خلايا الدماغ.
وقام علماء أعصاب من جامعة كاليفورنيا بإجراء دراسة أشركوا فيها 579 شخصاً من الراشدين الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و63 سنة، وقاسوا مستوى ضغط كل واحد منهم وأجروا له فحص الدماغ، مع التركيز على قياس حجم المادة الرمادية بلخلاياها العصبية وزوائدها الطويلة (عصبونات ومحاوير) التي تعد أبرز مكونات وحدة المعالجة المركزية للدماغ. كما قاسوا العناصر المكونة للمادة البيضاء، وهي تلك الكوابل السميكة من أنسجة الدماغ المغلفة بالدهون، والتي تعمل على تسريع الإشارات الكهربائية داخل شتى مناطق الدماغ.
ووجد الباحثون أن حجم المادة الرمادية وسلامة المادة البيضاء يتقلصان مع التقدم في العمر. لكنهم وجدوا في الوقت نفسه أنهما يتراجعان أيضاً لدى الشباب الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وهي مؤشرات تبين تزايُد قابلية تعرض خلاياهم الدماغية للتلف وإصابتها بالشيخوخة المبكرة. وأفاد الباحثون أن ارتفاع ضغط الدم في أي مرحلة عمرية يُرادف انكماش الرمادية وتضرر سلامة المادة البيضاء. وهذا يعني أن سلامة دماغ شخص بالغ من العمر 40 سنة يعاني من ارتفاع ضغط الدم تُصبح مماثلة لسلامة دماغ شخص لديه مستوى ضغط دم عادي يكبره بمعدل 7,2 سنوات. كما سجلوا أن دماغ الشخص الذي يعاني من الارتفاع المتكرر أو المزمن لضغط الدم في مرحلة شبابه يجعل دماغه يشيخ مبكراً بما لا يقل عن ثلاث سنوات قبل شيخوخة دماغ الأشخاص الذين لديهم مستويات ضغط دم طبيعية.
وفي سياق ذي صلة، أصبح من البديهي في أوساط الأطباء والعلماء والباحثين أن الشخص المصاب بأحد أمراض القلب يكون معرضاً بشكل كبير للإصابة بالخرف، الناتج بدوره عن انكماش المادة الرمادية وتلف بعض أجزاء الدماغ. وتُبين أحدث الدراسة أن ارتفاع ضغط الدم ينبغي أن يُصنف ضمن الأمراض المقلقة، ويُدرج في خانة الأمراض الخطيرة نظراً لآثاره السلبية جداً على الصحة العامة للجسم، وعلى رأسها تسببه في تآكل الدماغ.
وتشير المجلة أيضاً إلى أن حماية الشباب والراشدين الصغار من الآثار السيئة لارتفاع ضغط الدم تُعد مشروطة بالتدخل المبكر للأطباء، وإدارتهم لارتفاع مستوى ضغط الدم، واتخاذهم تدابير استراتيجية وقائية تحول دون تسلل هذا المرض إلى أجسام الشباب وحتى لا تشيخ أدمغتهم قبل الأوان. وأوصى الباحثون كذلك باتخاذ خطوات موازية لوقاية الشباب من مخاطر التعرض المبكر لجلطات القلب والسكتات الدماغية عبر حثهم على كيفية الحفاظ على استقرار مستويات ضغط الدم. كما قالوا إن مراقبة ضغط الدم لا يعني المتقدمين في السن فقط دون غيرهم كما يعتقد السواد الأعظم من الناس، بل يهم أيضاً الشباب. وبالتالي وجب عليهم الحرص على الاهتمام بضغط دمهم وعدم القيام بما من شأنه أن يرفعه.
ساحة النقاش