كثيرة هي الأشياء التي تغيرت، أو اختفت من حياتنا، ومع التقدم التقني وثورة الاتصالات والتقنيات، ذهبت نكهة هذه الأشياء التي كانت جزءاً أساسياً من حياتنا، وارتبطت بنا وارتبطنا بها وجداناً ، وبدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً، حتى كدنا نستغني عنها.. لا أدري لماذا ينتابني الشعور بالحزن كلما ارتفعنا في سلم التقانة والتقدم، ربما لأن عالم الحواسيب «الكومبيوترات»، قد أبعدنا عن قيم وعادات وأخلاق وعلاقات إنسانية، وبالتأكيد ليست التقدم أو التطور والاختراعات السبب الأساسي.. أحقد أحياناً على جهاز الهاتف النقال وهو يقتحم علينا خصوصيتنا، ويزيد المسافات بين قلوبنا، فأصبحت الرسائل «المسجات» بلا إحساس!.. أليس مستفزاً أن تتلقى رسالة معايدة من أخ أو صديق أو قريب ولا تبعد عنه كثيراً، ربما يسكن في الحي نفسه، أو في المبنى نفسه!

 

أليس مستفزاً أن تذهب لتعايد صديقاً أو أخاً ولا تكاد تصل وتجلس في بيته، وتنهمر عليك الاتصالات لتنشغل بها عنه، وتمضي الزيارة التي هي في الأصل على عجل، كتأدية واجب ورفع عتب!.. من أجمل الهدايا التي تلقيتها في حياتي، قلم خط من صديق عزيز، وأعده أغلى هدية، ولا أنسى ذلك الإحساس بالفخر الذي ما زال يلازمني إلى اليوم، وبقيت ليلتها حتى الصباح أخط به بمداد المحبة للقلم.. يبني عالماً، يهزم جيشاً، يرفع جيلاً، يخفض أمماً، يرفع أخرى، يهدم بنياناً، يرسم أملاً، يطيح حدوداً، يبني سدوداً ويهدم أسواراً.. مجهز لجيوش الكلام، يخدم الإرادة ولا يَملُّ استزادة، يسكت واقفاً، وينطق سائراً، على أرض بياضها مظلم، وسوادها يضيء، وكأنه يقبل بِساط سلطان، أو يفتح نوّار بستان «نوا» الزهر الأبيض، إنه القلم كما يقول ابن المعتز.. ويصف علي بن عبيد القلم وصفاً لا يقل روعة عن وصف ابن المعتز: أصمٌّ يسمع النجوى، أعيا من باقل، وأبلغُ من سحبان بن وائل يجهل الشاهد، ويخبر الغائب، ويجعل الكتب بين الإخوان ألسناً ناطقة، وأعيناً لاحظة، وربما ضمّنها من ودائع القلوب مالا تبوح به الألسن عند المشاهدة.

 

◆ حمد بن خليفة أبو شهاب:

هـل أنـت مثلــي محــب أيهــا القلـم

تشــدو وتبكــي كما أبكـــي وتبتســم

إن قلــت لا قلـب لي يهــوى ولابصــر

يــرى الجمــال ولا ســـمع يعــي وفــم

فكيف شاطرت من هاموا بمن شغفوا

حبـا وكيـــف مــع العشــاق تنســجم

وكيـف تعلـــم نجواهـــم ومـا نطقــوا

وتســتجيب لشـــكواهم وقد كتمـــوا

وتظهــر الخــافي المخبـــوء من نفــس

وترســـم الحــب تبيانــاً كمــا رسـموا

منــي عليـــك ســـــلام اللــه يا قلــم

فاســلم فإن بــك الإنســـان محتـــرم

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 87 مشاهدة
نشرت فى 7 نوفمبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,578