محمد يونس (أبوظبي) - في هذه الأيام المباركة يتكثف الطواف حول الكعبة باعتباره أحد أركان الحج والعمرة ، غير أن القراءة المتأنية لهذه الشعيرة الإسلامية، تجعلنا نكتشف أن الطواف ليس فقط ركنا من أركان الحج ، وإنما هو قانون كوني، يشمل جميع الموجودات في هذا الكون بدءا من الذرة وحتى أكبر الأجرام السماوية.
وإذا كان المسلم يؤدي في الحج الفريضة التي يكتمل بها أركان الدين، الركن الخامس في العقيدة الإسلامية لمن استطاع إليه سبيلا –الذي يعتبر فريضة العمر وتمام الأمر، فإن الحاج أثناء الطواف يتوحد مع جميع الموجودات في عبادة الخالق.
فالمسلمون يطوفون حول الكعبة عكس اتجاه عقارب الساعة وهو في نفس الاتجاه الذي تطوف فيه الأجرام السماوية فالحاج أو المعتمر يطوف حول الكعبة من اليمن إلى اليسار أي تكون الكعبة على يسار أثناء الطواف.
وفي هذه الأيام يستعد الحجاج للقيام بطواف الإفاضة حيث يؤديه الحاج عند إفاضته من منى الى مكة، وهذا الطواف فرض في الحج أو ركن من أركانه، لقوله تعالى» وليطوفوا بالبيت العتيق» سورة الحج: 30 ومن واجبات الحج أيضا طواف الوداع لختام مناسك الحج، ويقوم به الحاج إذا عزم على السفر من مكة.
وعدد أشواط الطواف سبعة أشواط يجب فيها التايمن أي سير الطائف عن يمين الكعبى فيجعل البيت على يساره، وهذا هو الاتجاه الذي تدور به الأرض حول نفسها وكذلك حول الشمس، وأيضا غالبية الكواكب الأخرى، فالكون مبنى على الطواف.
ولكل كوكب مدار محدد وثابت الخواص يتحرك فيه، فتتحرك الكواكب حول الشمس في اتجاه واحد وفي مستوى متقارب، فجميع الكواكب والكويكبات تتحرك تقريبا حول الشمس في اتجاه واحد وفي نفس المستوى تقريبا، عدى بعض الاستثناءات مما يؤكد نشأتها من سحابة واحدة كانت تدور حول نفسها.
ويشير الدكتور محمد صالح النواوي في دراسة له بعنوان»الفلك» الى أن المجموعة الشمسية تتكون من تسعة كواكب، و61 قمرا، تدور كل مجموعة منها حول أحد الكواكب، وأعداد كبيرة من المذنبات ثم الكويكبات، بالإضافة إلى أعداد هائلة من الشهب والنيازك.
وتدور أغلب الكواكب حول الشمس وكذلك حول نفسها في اتجاه واحد عكس اتجاه عقارب الساعة، وتسمى هذه الحركة حركة تقدمية، و مدار أغلب الكواكب، قريبة من الشكل الدائري عدى كوكبي عطارد وبلوتو.
كما تدور غالبية أعضاء المجموعة الشمسية من مذنبات وشهب وكويكبات ومادة ما بين الكواكب، حول الشمس في اتجاه حركة الكواكب مما يدل على أنها نشأت جميعا وتحركت بطريقة واحدة.
وتدور أيضا كل مجموعة من الأقمار حول نفسها وحول الكوكب التابعة له، والظاهرة نفسها تنطبق على النجوم والنظم الأكبر فلا يوجد شيء ساكن في الكون بل كل يسبح على طرقته التي سخرها الله عليها وألزمه بها.
وتدور الشمس حول نفسها كما تفعل الكواكب. وهذا الاتجاه نفسه- عكس اتجاه عقارب الساعة- هو ما يتبعه الحاج أو المعتمر في طوافه حيث يطوف من اليمين إلى اليسار جاعلا الكعبة على يساره. فسبحان خالق الأكوان منزل القرآن.
أسرار أخرى
ليس هذا هو السر والوحيد الذي يتكشف للقلوب المؤمنة في طوافها حول الكعبة، وإنما هناك أسرار وفتوحات أخرى ينعم الله بها على عباده الحجاج والمعتمرين في البيت المعمور، فيشير الدكتور محروث رضوان الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر إلى جوانب من أسرار الحج ، فيقول إن من أهم بركات الحج المبرور والعمرة وأسرارهما أنهما يبعدان الفقر والذنوب عن الإنسان.
كما ان للحج أسرارا عظيمة أخرى ينبغي للحاج ان يلتفت إليها أثناء أداء فريضة الحج، فأول مناسك الحج: الإحرام وما هو إلا تجرد من شهوات النفس ومنعها عن كل ما سوى الله عز وجل، وتفرغها للتفكير في جلاله.
والتلبية: شهادة على النفس بهذا التجرد والتزام بالطاعة لله والامتثال له.
وهناك قانون كوني آخر في الطواف تتشابه فيها طواف الكائنات من الذرة الى النجوم والكواكب، وهو أن الأصغر يدور حول الأكبر، فالإلكترونات تدور حول النواة، والأقمار تدور حول الكواكب، والكواكب تدور حول النجوم، وهكذا في أحوال الناس فعادة يقترب الصغير من الكبير وربما يدور حوله، وإذا كانت لديه حاجة فإنه يقف على بابه، وهذا المعني يتجسد في الطواف حول الكعبة، فالمسلم يفعل مثل ذلك في الطواف حيث يتجه إلى بيت الله الحرام، ويقف عند باب الملتزم، ويتجه إلى الله داعيا ليغفر ذنوبه، ويرى حجر سيدنا إسماعيل فيتذكر صبره على الطاعة، حينما استجاب لأمر به وحينما كان يرفع مع أبيه القواعد من البيت ويتذكر الحجر الأسود الذي قبله، ونتذكر مقام إبراهيم، كل ذلك يجعنا داعين لعل الله يغفر لنا ولعله يقربنا من ساحته.
ساحة النقاش