أحمد مراد
يعد الإمام الشافعي أحد أئمة الفقه الإسلامي الأربعة، وواحداً من الذين جددوا شباب الإسلام في القرون الأولى للهجرة، أفنى عمره كله في خدمة الإسلام الحنيف وبيان أحكامه للناس، والى جانب كونه واحداً من أعلام الفقه عُرف ايضاً بالشعر والبلاغة والفصاحة.
وتقول الدكتورة إلهام شاهين استاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إن الإمام الشافعي هو أبوعبد الله محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، هاجر والده من مكة الى غزة بحثاً عن الرزق، وهناك ولد الشافعي عام 150 هجرية، وبعد ولادته بمدة قصيرة مات والده، فنشأ الشافعي يتيماً فقيراً، أما والدته، فكانت يمانية من قبيلة أسد وهي قبيلة عربية، لكنها ليست قرشية.
فصاحته
أشارت إلى أنه لما بلغ الشافعي عامين قررت والدته العودة به إلى مكة حتى لايضيع نسبه، لكي ينشأ على ما ينشأ عليه أقرانه، فأتم حفظ القرآن الكريم وعمره سبع سنين، ولحق بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحةI1، ولقد كان لهذه الملازمة أثر في فصاحته وبلاغة ما يكتب، ولفتت هذه البراعة معاصريه من العلماء حتى أن الاصمعي، وهو من أئمة اللغة قال ذات مرة: «صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس»، كما بلغ من اجتهاده في طلب العلم أن أجازه شيخه مسلم بن خالد الزنجي بالفتية، وهو صبي صغير.
مواقف
قالت الدكتورة إلهام :حفظ الشافعي وهو في الثالثة عشرة من عمره كتاب الموطأ للامام مالك، ثم رحلت به والدته إلى المدينة ليتلقى العلم عند الامام مالك، ولازم الشافعي الإمام مالك ست عشرة سنة حتى توفي الامام مالك عام 179 هجرية، وبعد وفاة الإمام مالك سافر الشافعي الى نجران والياً عليها، ورغم عدالته فقد وشى البعض به الى الخليفة هارون الرشيد، فتم استدعاؤه الى دار الخلافة سنة 184هجرية، وهناك دافع عن موقفه بحجة دامغة، وظهر للخليفة براءة الشافعي، ما نسب إليه وأطلق سراحه.
ولفتت إلى أنه أثناء وجوده في بغداد اتصل بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ ابي حنيفة، وقرأ كتبه، وتعرف إلى علم اهل الرأي ثم عاد إلى مكة، وأقام فيها تسع سنوات لينشر مذهبه من خلال حلقات العلم، وتتلمذ عليه في هذه الفترة الامام أحمد بن حنبل، ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة 195 هجرية، وكان له بها مجلس علم يحضره العلماء، ويقصده الطلاب من كل مكان، مكث الشافعي سنتين في بغداد ألف خلالهما كتابه «الرسالة» ثم عاد الى مكة ومكث بها فترة قصيرة وغادرها بعد ذلك الى بغداد سنة 198هجرية، وأقام في بغداد فترة قصيرة، ثم غادر بغداد إلى مصر سنة 199 هجرية.
وفي مصر، بدأ الشافعي بإلقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص فمال إليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيراً من اتباع الامامين ابي حنيفة ومالك، وبقي في مصر خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم، وفي مصر وضع الشافعي مذهبه الجديد وهو الأحكام والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق.
وتتابع، إلى جانب كونه واحداً من أئمة الفقه الإسلامي كان الشافعي شاعراً ايضاً، حيث كان فصيح اللسان بليغ الحجة في لغة العرب وقال أحمد بن حنبل عنه: كان الشافعي من أفصح الناس، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحاً، وما مس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة، ويعتبر معظم شعر الشافعي من شعر التأمل، كما كان مشهوراً بتواضعه وخضوعه للحق وتشهد له بذلك دروسه وتعامله مع أقرانه وتلاميذه.
علو قدره
كما أن العلماء من أهل الفقه والاصول والحديث واللغة اتفقوا على أمانة الشافعي وعدالته وزهده وورعه وتقواه وعلو قدره، وكان مع جلالته في العلم مناظرا حسن المناظرة، أميناً طالباً للحق لا يبغي صيتاً ولا شهرة حتى أنه قال: «ماناظرت احداً إلا ولم أبال يبين الله الحق على لسانه أو لساني»، وقد سئل أحمد بن حنبل: أي رجل كان الشافعي؟
قال: «كان الشافعي كالشمس للنهار والعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو عنهما من عوض».
وكان الإمام الشافعي رحمه الله فقيهاً، موفور العقل، صحيح النظر والتفكر، عابداً ذاكراً، وكان رحمه الله محباً للعلم حتى أنه قال: «طلب العلم أفضل من صلاة التطوع» ومع ذلك روى عنه الربيع بن سليمان تلميذه أنه كان يحيي الليل بالصلاة إلى أن مات رحمه الله، وكان يختم في كل ليلة ختمة.
وظل الإمام الشافعي في مصر، ولم يغادرها يلقي دروسه ويحيط به تلامذته حتى لقي ربه في 30 رجب عام 204 هجرية.
ساحة النقاش