غالبا ما تتهم الأم العاملة بالتقصير تجاه أبنائها ودراستهم أو حتى الاهتمام بهم، هذا عدا عن شعورها بالذنب الذي يلاحقها باستمرار، غير أنه في حالات كثيرة تثبت المرأة التي تخرج يوميا من بيتها إلى الوظيفة، أنها قد تكون أكثر قدرة على تنظيم وقتها والعناية بأسرتها، إذ إنها وبسبب التزاماتها على أكثر من صعيد تعي جيدا قيمة كل ساعة في جدول مواعيدها، وهي بالتالي تقدر كيفية الاستفادة منها للقيام بواجباتها كأم وزوجة وسيدة منتجة.

نسرين درزي - مع اختلاف ظروف الحياة لم تعد صورة الأم تقتصر على كونها تهتم بشؤون البيت والطهي والتنظيف وتدريس الأبناء، وإنما أضيفت إليها مهام كثيرة أخرى. أقلها أنها باتت تسعى إلى زيادة مدخول أسرتها عبر ارتباطها بالوظيفة مثلها مثل الرجل، وحتى وإن لم تكن الحاجة المادية هي غاية الزوجة من العمل، فإن الانخراط في أجواء المجتمع وتسجيل دورها في مكان ما، يحقق لها بلا شك قدرا من الرضا عن النفس، وأكثر من ذلك تجد نفسها بشكل أو بآخر من ضمن قافلة الحياة العصرية التي تطلع يوميا على خط سيرها وتشترك فيه.

أكثر إيجابية

 

إنه النمط الاجتماعي الذي لا يمكن لأحد من خلاله أن ينكر على المرأة أهمية دورها في مساندة الرجل لجهة تطوير مستوى المعيشة وتوفير احتياجات الأبناء التي تكبر معهم كلما كبروا، ولأنه من غير المقبول تعميم القاعدة والحكم على المرأة العاملة بأنها أم مقصرة، ولا على غير العاملة بأنها أم مثالية، فإن الاستثناءات موجودة دائما. والحكم الفيصل تسجله كل حالة اجتماعية على حده.

 

تتحدث ريما الباشا التي تعمل في أحد المراكز التجارية، عن مشاعرها تجاه أسرتها، موضحة أنها باتت أكثر إيجابية في التعامل مع زوجها وأبنائها، بعدما نجحت في الحصول على وظيفة. وتقول إن الحاجة المادية هي التي دفعتها للبحث عن عمل، بعدما كان خيارها البقاء في البيت للاهتمام بتربية الأبناء.

وتذكر ريما أنه مع الوقت باتت مسؤوليات الحياة تتضخم، ولم يعد راتب زوجها يكفي لتغطية كل النفقات المطلوبة، وهنا كان عليها أن تحسم الأمر وتتعود على نمط جديد للحياة فيه المزيد من الالتزامات، وما كانت تفعله من واجبات منزلية في أي وقت يناسبها، بات محصورا في ساعات معينة، الأمر الذي أزعجها في البداية وجعلها تقع تحت ضغط كبير، ولاسيما أنه لم يسبق لها أن ارتبطت بدوام عمل من قبل. وتوضح ريما أن اضطرارها إلى الاستمرار في العمل، كان الدافع الوحيد لتحملها مشقة التوفيق بين البيت والوظيفة، ودليلها إلى ذلك كان الاستعانة بتجارب نساء أخريات سجلن نجاحات ما بين مسؤوليات الأسرة ومتطلبات جهة العمل.

وتذكر عائشة المير التي تشرف على قسم شوون الموظفين في شركة، خاصة أنها منذ تخرجها من الجامعة قبل 7 سنوات، وهي تعمل في المكان نفسه إلى أن ترقت فيه، وعلى الرغم من زواجها، فقد كان الاتفاق بينها وبين زوجها أن تستمر في الخروج إلى الوظيفة تحقيقا لذاتها. وتقول إن المردود المادي ليس هو كل ما تطمح إليه من وراء عملها، وإنما دورها في المجتمع يمنحها ثقة بالنفس تقويها على مواجهة الحياة.

وتشير عائشة، وهي أم لولدين أنها بالرغم من تغيبها عن البيت من الصباح وحتى الرابعة عصرا، غير أنها لا تشعر بأي تقصير تجاه أسرتها، فهي وإن كانت تنشغل عنهم لفترة من اليوم، حيث يتزامن وجود زوجها في عمله ووولديها في المدرسة، الا أنها تكرس كل الفترة المسائية لهم. والأمر لا يبدو بهذه السهولة كما توضح، لأنها تعود متعبة من العمل، لكنها على مدى ساعات اليوم تفكر بمتطلبات الأسرة، وتدرك جيدا واجباتها كأم وزوجة، لذا تحاول قدر المستطاع ألا تهمل أي جانب يستحق منها الانتباه.

وتؤكد أن ضغوط الحياة عموما تشعرها أحيانا كثيرة بالتعب والإحباط، لكنها تفضل ألف مرة الإرهاق من العمل عن الملل من المكوث في البيت.

روتين

من هذا المنطلق تروي أميرة عبدالله حالة الاستياء التي تعيشها منذ سنوات لعدم قدرتها على إيجاد وظيفة بسببب مؤهلاتها العلمية المتواضعة، وتقول وهي أم لـ3 بنات وولد، إنها تصارع يوميا مرور الوقت بانتظار أن يعود زوجها من عمله وأبناؤها من المدرسة، ومن شدة الملل الذي يسيطر على حياتها، لا تستطيع الاستيقاظ قبل الساعة 12 ظهرا، وأول ما تفعله هو الدخول إلى المطبخ لتحضير القهوة واحتسائها مع مشاهدة أحد المسلسلات التلفزيونية. وتذكر أميرة أنه بعد ذلك بساعة تقريبا يراودها هم التفكير بما يمكن أن تحضره لأسرتها من طعام، مشيرة إلى أنها كثيرا ما تتأخر عن تجهيز المائدة، ما يشعرها بمزيد من الإحباط، إذ إنها لا تجد مبررا لذلك غير أنها تعمل داخل البيت ببطء شديد بسبب الروتين القاتل. وتضيف أنه بالرغم من وقت الفراغ المتسع لديها، فهي تؤجل دائما الخروج من البيت خلال الفترة الصباحية لشراء الاحتياجات المنزلية أو دفع الفواتير وما شابه، ومع كل يوم جديد يتكرر السيناريو نفسه وتجد أنها لم تحقق شيئا مميزا يخدم أفراد أسرتها، أو يشعرهم بالفرح حينما يعودون إلى البيت.

وتتمنى فتحية العزاوي لو كانت تستطيع الخروج إلى الوظيفة كباقي النساء ممن تغبطهن على الاستقلالية المادية التي ينعمن بها. وتذكر أن زوجها يعارض بشدة عملها تحت أي ظرف، معتبرا أن لا حاجة لها إلى ذلك، وأن دورها الأساسي هو الاهتمام بالبيت.

وتعتبر فتحية أن الراحة التي تنشدها المرأة في بداية حياتها الزوجية تتحول لاحقا إلى عبء، لأن تكرار النمط اليومي يؤخر أي إنسان عن التطور. ويجعله مجرد شخص يستمتع بفراغ بدلا من أن يريحه يكون السبب المباشر لشعوره بالتعب. وترى أنه مع وجود المربيات، ومن يهتم بشؤون التنظيف، بات من اليسير على الأم الالتزام بوظيفة طالما أنها قادرة على القيام بدورها الأساسي كما يجب. وتقول فتحية، وهي أم لبنت وولدين أنها تراقب الكثير من النساء العاملات، وتجد أن نسبة كبيرة منهن لا تتأخر أبدا عن تأدية واجبها. فهن يطهين ويدرسن ويقمن بالمشتريات ويجدن حتى الوقت لاصطحاب أبنائهن إلى النوادي ومراكز النشاطات الرياضية. وهذا ما يعجبها في الأمر، خصوصا أنها تطلع من جاراتها الموظفات على الفعاليات المناسبة للأطفال، في حين أنها بعيدة عن أي مظاهر اجتماعية محفزة لأبنائها.

وتورد الاستشارية النفسية دولي حبال، أنه من الخطأ تعميم الحكم على المرأة أو الرجل. ومن غير المقبول اجتماعيا أن يتهم أحدهما بالتقصير ما لم يثبت أنه ليس أهلا لإتمام واجباته الأسرية أو التوفيق بين ضرورات العمل والالتزامات البيتية تجاه الشريك أو الأبناء. وتقول دولي حبال إن المرأة الناجحة عموما، قد تكون عاملة وقد تكون سيدة منزل لا تخرج من بيتها إلا للضرورة، فالأولى تجد نفسها مضطرة لأن تعمل جاهدة على تنظيم وقتها بما يخدم طموحاتها المهنية من جهة، وارتباطها البديهي برعاية شؤون أسرتها من جهة أخرى، في حين أن الثانية، قد تستفيد من متسع الوقت بحوزتها، وتحوله إلى طاقة إيجابية لتثقيف نفسها وإنجاز كل ما له علاقة بشؤون البيت واحتياجات الزوج والأبناء.

وتؤكد أن هنالك الكثير من النمازج المشرفة للأم العاملة التي تجدول يومها بما لا يحتمل مضيعة الوقت أبدا. فتراها تحضر الطعام باكرا قبل ذهابها إلى الوظيفة، وهي في دوام عملها نشيطة وتتابع من وراء مكتبها كل الالتزامات الأسرية التي يمكن أن تقضيها عبر الهاتف من مواعيد واستفسارات وسواها، وما إن تعود الى البيت حتى ترتدي ملابس الأمومة وتتجه إلى أجواء التدريس والرعايا والحنان مستغلة كل دقيقة من الفترة المسائية لإنجاز أكبر قدر من الأولويات. وتوضح دولي حبال أن ما يساعد المرأة العاملة على التوفيق بين بيتها وأسرتها، هو الإرادة الصلبة والوعي الكافي لدورها الأساسي. فهي تلقائيا تتحول إلى شخص يملؤه الإصرار على النجاح وعدم التقصير في أي من الخيارات التي ترضيه.

وتعتبر الاستشارية النفسية أنه لا يمكن المقارنة بين امرأة عاملة وأخرى لأن ما تقدر واحدة على تحمله والنجاح فيه، قد يعصى على الأخرى. في حين أن معيار التوفيق بين أكثر من مسؤولية هو من سمات النساء اللاتي يتميزن عن الرجال بتحمل مهام عدة في الوقت نفسه.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 137 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,278,560