هل يملك ابنك اليافع أو ابنتك المراهقة هاتفاً ذكياً؟ ستكون إجابتك على الأرجح: نعم. وهل أنت مطمئن أيها الأب: أيتها الأم على ما يرسله أبناؤكما وما يستقبلونه من رسائل نصية وتغريدات؟ الجواب هنا سيكون حتماً: لا. لقد أصبح صعباً على الآباء منع أبنائهم من التواصل الاجتماعي أو الافتراضي عبر منتدى أو موقع إلكتروني، فكل ممنوع مرغوب فيه في مرحلة اليفاعة والمراهقة. ما السبيل إذن لحماية الأبناء من الوقوع ضحايا التنمر الإلكتروني، والتحرش الافتراضي؟ وما هي أفضل الطرق لإبعادهم عن التراسل والتواصل مع رفقاء السوء والمتطفلين من مستخدمي المواقع الإلكترونية والاجتماعية؟ هذا ما يحاول خبراء وعلماء تواصل اجتماعي من عيادات «مايوكلينيك» الأميركية الإجابة عنه.
بالنسبة للكثير من اليافعين، أصبح التراسل مع الآخرين عبر الأجهزة الشخصية الذكية من طرق التواصل الأساسية التي يستخدمونها. وبحكم طبيعة هذه المرحلة التي يطغى عليها الاندفاع والفضول وقلة النضج، يكون اليافعون والمراهقون عرضة للوقوع في بعض المشاكل، لا سيما إن كانوا يفتقرون إلى المهارات الأساسية والمناعة الأخلاقية الكافية. ما يحتم على الآباء بذل الجهود الكفيلة لدفع شبح مخاطر التراسل الافتراضي عن أبنائهم.
محظورات غرفة النوم
يجب أن يكون التراسل مع الأصدقاء إلى غاية ساعات متأخرة من الليل، أو إلى الصباح من المحظورات على اليافع والمراهقة. وعندما يلقي الأبوان للأبناء الحبل على الغارب، فإن الواحد منهم يقول «تصبح على خير» في الساعة التاسعة مساءً، ويغلق باب غرفة النوم ويظل يتراسل اجتماعياً ويتواصل افتراضياً إلى منتصف الليل أو إلى الفجر! ولا يختلف الأمر كثيراً لدى من يبقون أجهزتهم الذكية مفتوحة خلال نومهم، ومن يستأنفون التراسل كلما استيقظوا أو سمعوا رنات رسائل واردة أو تغريدات جديدة، لا سيما إن كانت من النوع العاطفي أو الموتر للأعصاب، وتكون النتيجة والحال هذه أن يجدوا صعوبة بالغة في الاستيقاظ صباحاً. وفي حال تمكنوا من الاستيقاظ، فإنهم يواصلون نومهم في حصة الدراسة أو في حافلة النقل المدرسي، ويكون الثمن طبعاً هو تحصيلهم الدراسي. ووفق العديد من الدراسات التي عقبت انتشار عادة إدمان التواصل الاجتماعي والتراسل الافتراضي، فإن معظم من يواصلون التراسل الاجتماعي بكثافة في الليل يصابون بالأرق ويجدون صعوبة في النوم، وينامون أكثر في النهار، وتصل جودة النوم لديهم إلى الحضيض. ومن أجل هذا كله، وجب على الآباء أن يتسموا بالصرامة مع أبنائهم، وألا يسمحوا لهم باستخدام هواتفهم الذكية ما بعد الساعة العاشرة مساءً، خصوصاً خلال أيام الدراسة، مع إمكانية استثناء أحد يومي نهاية الأسبوع فقط في التأخر في النوم. وحتى يكون الأمر قابلاً للتنفيذ والتحقيق، يتعين على الآباء أن يحتفظوا بهواتف أبنائهم خارج غرف نومهم.
يُنصح الآباء بأن يُطلعوا أبناءهم في سن مبكرة من يفاعتهم أن هناك أشياء يجب أن يرفضوها ويعرضوا عن التجاوب عنها باعتبارها تمس صحتهم النفسية والعقلية والعاطفية، وألا يجدوا حرجاً في مناقشة الأمر معهم. فتلقي اليافع صورة تحوي إيحاءات جنسية، أو تنم عن تحرش أو تمييز عنصري أو ديني يعني إيقاف العلاقة فوراً بالشخص الذي بعثها. ونظراً لكون جميع الآباء يعلمون يقيناً أن الابن لا يمكن أن يسلم من تلقي رسائل غير لائقة عبر أي من الوسائط المتعددة، فإنه يجدر بهم أن يوعوا أبناءهم بالحذر من هذه الرسائل لأنها تكون في الغالب واردة من متحرشين جنسياً، أو مجرمين افتراضيين، أو أشخاص سيئي الخلق من أصحاب القناعات الهدامة. كما يجب على الآباء أن يزرعوا في نفوس أبنائهم أنهم أصبحوا يتحملون كامل المسؤولية في كل ما يبعثونه أو يرسلونه للآخرين، وألا يتسرعوا في إعادة إرسال أية رسالة نصية أو صوتية أو بصرية إلى الآخرين إلا إذا كان محتواها محترماً وأخلاقياً، وألا يستسهلوا إعادة إرسال النكات التي تُشتم منها رائحة التمييز العنصري أو الديني أو الثقافي.
وفي السياق نفسه، يجب أن يُرشد الآباء أبناءهم بألا يبعثوا إلى من يتراسلون معهم أية صور فيها خصوصية لتفادي سوء استخدامها من قبل أصحاب النيات السيئة. فقد تؤدي صورة خصوصية لأي شخص- حتى ولو كانت ملتقطة خلال فترة يفاعته ومراهقته وشبابه- إلى التسبب له في إحراج كبير مع أصدقائه وأفراد عائلته، بل وحتى مع زملائه في العمل فيما بعد، وقد يكون لها تبعات سلبية بعيدة المدى على حياته الشخصية والمهنية. ومن ثم وجب نُصح الأبناء بعدم إرسال أي رسالة إلا إن كانت مفيدة وبناءة، وخالية من أي تجريح أو تشهير أو تمييز. ويجب على اليافعين والمراهقين أن يدركوا أن حيازتهم صوراً خليعة أو ذات محتوى عنصري هي جريمة يعاقب عليها القانون في الكثير من الأماكن. فلا يستبعدَن أي يافع أن وجود صورة غير لائقة في هاتفه الذكي قد تقع بطريقة أو بأخرى في أيدي الشرطة أو المدرسين أو غيرهم، ويكون لها تأثير سلبي على سجله الخاص بحسن السيرة والسلوك.
التنمر الافتراضي
لا يختلف التنمر الافتراضي من حيث آثاره عن التنمر الواقعي، بل قد يكون أسوأ في الكثير من الأحيان. فالمتنمرون الافتراضيون يكونون في الغالب أكثر وقاحة وجسارة، ولا يكشفون عن هوياتهم الحقيقية، بل يستعملون في الغالب هويات منتحلة. وهم مجرمون بكل المقاييس، شغلهم الشاغل على الإنترنت هو بعث نصوص بذيئة للضحايا المستهدفين، ورسائل محملة بالتحرش الجنسي أو الإغراء أو التهديد عبر المواقع الاجتماعية، والإلكترونية، والمدونات. ويمكن للتنمر الافتراضي أن يجعل اليافع يشعر على الدوام بانعدام الأمان، ما قد يجعله أضعف حتى في مواجهة التنمر الواقعي في المدرسة أو الشارع. كما قد يجعله ذلك يتغيب عن المدرسة، أو يميل إلى العزلة والانطواء، أو يصاب بالكآبة، أو حتى يفكر بالانتحار. فيجب على الآباء إذن أن يعرفوا أبناءهم بالآثار المدمرة للتنمر الافتراضي، وأن يبنوا معهم علاقة مصارحة ومكاشفة منذ الصغر، ويشجعوهم على اللجوء إليهم عند التعرض لأي مشكلة. وأن يصارحوهم كلما تعرضوا للتحرش أو التنمر عبر التراسل. كما ينبغي على الآباء أن يعودوا أبناءهم على رفض استقبال الرسائل الغريبة، وتلك الواردة من أشخاص مجهولين، وعدم الرد عليها إطلاقاً. ويتعين على الآباء أيضاً أن يحثوا أبناءهم على عدم الإسهام في نشر الإشاعات أو الرسائل الفاحشة ورديئة المحتوى، وأن يتعاملوا مع أية رسالة ترد إليهم بحس المسؤولية والحكم السديد، وأن يفكروا في العواقب المحتملة لإعادة إرسالها قبل الإقدام على ذلك.
خطر أثناء القيادة
إن إمساك الجهاز الذكي المحمول في يد واحدة والتراسل به في أثناء السياقة يعد ممارسة غير آمنة في جميع الظروف والأحوال، سواء كان ما يسوقه المراهق دراجة هوائية أو نارية أو سيارة، أو حتى الزلاجة ودراجة الرجل، وبصرف النظر عن مكان السياقة. وتُشير بعض الدراسات إلى أن التراسل النصي أو الاجتماعي خلال السياقة يُضاعف مخاطر الوقوع في حادثة بمعدل 20 مرة. والأدهى من ذلك أن التراسل يكون أخطر على الفتيان والفتيات نظراً لأنهم يميلون إلى مواصلة التراسل حتى لو ساءت ظروف الطريق أو السياقة أكثر من الراشدين الكبار. ولذلك، يتعين على الآباء أن يتحدثوا إلى أبنائهم بشأن عواقب التراسل أثناء السياقة، والتي قد تصل إلى التسبب للشخص وهو في ريعان يفاعته وبدايات شبابه في الإصابة بعاهة مستديمة، هذا إن لم تُرديه ميتاً. وينبغي على الآباء أن يضعوا لأبنائهم قواعد واضحة تتعلق بالسياقة والتراسل، ويبينوا لهم النتيجة المباشرة لكل مخالفة لإحدى هذه القواعد. كما يتعين عليهم أن يشرحوا لهم أن استخدام الهاتف أثناء السياقة هو أمر غير مسموح به بتاتاً وفي ظل أي ظرف، وأن الابن سيُحرم من استخدام الهاتف أو وسيلة النقل التي يقودها في حال خالف أياً من القواعد المنصوص عليها من قبل أبويه، بالإضافة إلى قوانين السير التي تعتبر إمساك الهاتف المحمول بأحد اليدين خلال السياقة مخالفة تستوجب غرامات. ولمساعدة الابن على مقاومة إغراء الرد على تغريدات أصدقائه ومراسلاتهم أثناء السياقة، يمكن نصحه بإبعاد الهاتف عنه وعدم جعله في متناول يده، أو إقناعه بتعطيل التطبيقات الذكية التي يكون فيها التراسل الاجتماعي والافتراضي جزءاً من معدات السيارة أو الدراجة ووظائفها إلى أن يصل إلى وجهته.
بين الامتياز والحق
الأصل في العلاقة بين الأب وابنه والأم وابنتها أن تكون مبنية على الحب والثقة المتبادلة والصراحة التامة. وإذا تخلى أحد الأبوين أو كلاهما عن دوره في توعية الابن والبنت بمنافع ومخاطر التراسل الاجتماعي الافتراضي، فإن ذلك يعني أن الأبناء يُرمَوْن للسباحة في بحر وهو لا يجيدون السباحة، أو يجدفون بقارب خشبي يمكن لأول موجة قوية أن تغرقه.
ومن هذا المنطلق، وجب على كل أب حصيف وأم لبيبة تخصيص وقت أكبر للتواصل مع الأبناء عند وصولهم مرحلة اليفاعة، وأن يتفقوا معهم على السماح لهم بالاطلاع على محتوى هواتفهم الذكية من حين لآخر من أجل الاطمئنان عليهم بحب، ودون أن يعني ذلك انتهاكاً لخصوصيتهم، فهم لا يزالون قاصرين في منتهى المطاف-طبعاً دون إخبارهم بأنهم قُصر! وفي حال رفض الابن ذلك، فعلى الأب إخباره بأن امتلاكه هاتفاً ذكياً هو امتياز وليس حقاً مشروعاً، وأنه يمكن أن يُحرم من هذا الامتياز في حال لم يلتزم بقواعد استخدامه، وفي حال أبان عن افتقاره لحس المسؤولية.
هشام أحناش
ساحة النقاش