أحمد مراد

لم يتجاوز عمر الإمام مسلم في الدنيا سبعة وخمسين عاما، لكن أثره تجاوز مئات القرون، وسيستمر إلى مئات القرون المقبلة، بعد أن رحل وترك خلفه كنوزا فقهية وعلمية مازال المسلمون يفتشون عن أسرارها حتى يومنا هذا، ويكفي أنه إذا أراد أحد أن يبحث عن صحة أي حديث نبوي يتجه على الفور إلى صحيح مسلم.

وتقول الدكتور إلهام شاهين أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إن الإمام مسلم هو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري، وسمي القشيري نسبة لقبيلة “قشير” وهي قبيلة عربية كانت معروفة في القرون الأولى للهجرة النبوية، كما سمي النيسابوري نسبة إلى مدينة نيسابور التي ولد بها، وهي مدينة كانت مشهورة في إقليم خراسان،، وقد كانت هذه المدينة من أحسن مدن الإقليم، وأشتهر أبناؤها بالعلم والثقافة والتفقه في علوم الدين.

حلقات العلم

 

وتشير إلى أن الإمام مسلم ولد عام 206هـ/ 821م ونشأ في بيت تقوى وصلاح وعلم، فقد كان والده حجاج بن مسلم القشيري أحد محبي العلم وأحد علماء مدينة نيسابور، وكان يعشق حضور حلقات العلماء، وفي هذا الوسط تربى الإمام مسلم وترعرع على حب العلم وشغف بالتفقه في علوم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وفي ظل هذا الجو الإيماني الرائع بدأ الإمام مسلم رحلته في طلب العلم مبكرا، فلم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره حين بدأ دراسة السنة النبوية، وفي هذا الأمر قال عنه الإمام الذهبي: “أول سماعه للأحاديث النبوية كان في سنة ثماني عشرة من يحيى بن يحيى التميمي”.

 

وتضيف الدكتورة إلهام. عبر مشوار طويل مع طلب العلم ودراسة السنة النبوية تتلمذ الإمام مسلم على أيدي كثير من العلماء والفقهاء والاتقياء كان أبرزهم الإمام البخاري، ومنه ورث علوم السنة النبوية حتى صار واحدا من أعلام الباحثين في السنة، وقد نشأت علاقة وطيدة بين الأستاذ وتلميذه، وهو الأمر الذي جعل الإمام مسلم يقول للإمام البخاري ذات مرة “دعني أُقبِّلْ رجليك يا أستاذ الأُسْتَاذِينَ، وسيِّد المحدثين، وطبيب الحديث في علله”.

وتتابع، على نهج أستاذه الإمام البخاري سار الإمام مسلم في اهتمامه بجمع الأحاديث، فألف كتاب “الصحيح” الذي يعد من أبرز وأهم كتب السنة النبوية، وفي هذا الكتاب حذا حذو البخاري في نقل الأحاديث المجمع عليها، وحذف المتكرر منها، وجمع الطرق والأسانيد، وبوَّبه على أبواب الفقه وتراجمه، وقد استغرق الإمام مسلم في تأليف هذا الكتاب خمسة عشر عاما متواصلة، ومع ذلك لم يستوعب هذا الكتاب الأحاديث الصحيحة كلها، واستدرك الناس عليه وعلى البخاري في ذلك، وفي هذا يقول الإمام مسلم: “صنَّفت هذا الصحيح من ثلاثمئة ألف حديث مسموعة”. وكان الإمام مسلم لا يأخذ إلا عن الثقات الصادقين الأمناء أهل الاستقامة، وكان لا يقبل حديثا ممن كان يغتاب الناس.

فروع الثقافة

وذكرت أنه إلى جانب كتاب “الصحيح” وضع الإمام مسلم عشرات المؤلفات في العديد من فروع الثقافة والعلوم الإسلامية، ومن هذه الكتب ما وُجد، ومنها ما فُقد، ومن هذه المؤلفات: كتاب التمييز، وكتاب العلل، وكتاب الوُحْدَان، وكتاب الأفراد، وكتاب الأَقْران، و كتاب سؤالات أحمد بن حنبل، و كتاب عمرو بن شعيب، وكتاب الانتفاع بأُهُبِ السِّباع، وكتاب مشايخ مالك، وكتاب مشايخ الثوري، وكتاب مشايخ شعبة، وكتاب من ليس له إلا راوٍ واحد، وكتاب المخضرمين، وكتاب أولاد الصحابة، وكتاب أوهام المحدثين، وكتاب الطبقات وكتاب أفراد الشاميين.

وعن تلاميذ الإمام مسلم أشارت الهام إلى أن العديد من علماء الإسلام المعروفين والأئمة والحفاظ تلقوا العلم على يد الإمام مسلم ومن أبرزهم على الإمام الترمذي صاحب كتاب “السنن”.

المصدر: الاتحاد

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,307,409