الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، “سورة الأحزاب، الآية 21”.

لقد تعهد الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم بالرعاية والتربية؛ ليكون الأسوة الحسنة للبشرية جمعاء في كافة المجالات، وما زالت شخصيته وسيرته عليه الصلاة والسلام، تحظى بالدراسات المستفيضة في كافة الجوانب من المسلمين وغيرهم، وما قول المفكر البريطاني “برنارد شو” عنا ببعيد عندما قال: “إن مشاكل العالم اليوم بحاجة إلى رجل مثل محمد يحلها وهو يشرب فنجاناً من القهوة”، ولذلك فإننا نجزم بأن اتباعه صلى الله عليه وسلم سبيل نجاة الأمة ورقيّها، كما قال عليه الصلاة والسلام: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه«أخرجه مالك في الموطأ».

 

ومن الجدير بالذكر أن وسائل الإعلام المختلفة قد تناقلت خلال الأسبوع الماضي موضوع الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث إن ذلك العمل يُعد جريمة كبرى وتطاولاً على الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام والمسلمين، ويثير الضغائن والفتن والكراهية بين الشعوب، كما أنه يدل على ما يضمره أولئك من حقد دفين على الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم والمسلمين عامة.

 

رسالة الإسلام

لقد درج أعداء الإسلام على التشكيك في نبي الإسلام، والطعن في رسالته صلى الله عليه وسلم، لأنهم يريدون القضاء على الرسالة الإسلامية، والنيل من صاحبها عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، “سورة الصف، الآية 8 - 9”.

ومن المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف يحترم جميع الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - ويعرف فضلهم، كما ويدعو المسلمين للإيمان بهم جميعاً لقوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)، “سورة البقرة، الآية 285”، وقد سبق لنا أن نددنا بالأفلام التي عُرضت قبل سنوات في أوروبا، والتي تسيء إلى سيدنا عيسى - عليه الصلاة والسلام - وأمه مريم البتول، حيث إن أي إساءة لأي رسول تُعتبر إساءة لجميع الأنبياء والمرسلين.

إن المقصود من تلك الحملات هو تشويه صورة الرسول الكريم لدى الناس، وأن الواجب على الأمة التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، وكذلك نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، تعريف الآخرين برسالة الإسلام السمحة من خلال وسائل الإعلام المختلفة.

نصرة الرسول

إن قائمة المُتطاولين على رسولنا الكريم ،صلى الله عليه وسلم قديماً وحديثاً طويلة، مليئة بالمجرمين المستهزئين، ولكن يجب علينا أن نعلم بأن المصير المحتوم ينتظر كل طاعن ومستهزئ، ومهما تقاعَسَ المُسلمون عن نُصْرَةِ نَبِيِّهم صلى الله عليه وسلم، فالكون كله سينتصرُ لحبيبنا ورسولنا محمد، صلى الله عليه وسلم كما قال ربنا سبحانه وتعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، “سورة الحجر، الآية 95”.

إن هذا العمل الإجرامي يثير حالة من الغضب الشعبي والرسمي في العالمين العربي والإسلامي، نتيجة لهذا الفعل المسيء للإسلام والمسلمين في كافة أرجاء المعمورة، كما أنه يأتي امتداداً للرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، التي حدثت في الدنمارك قبل سنوات، حيث عبرت الأمة عن مدى حبها للنبي صلى الله عليه وسلم فرأينا الشجب والاستنكار لذلك، فديننا الإسلامي يوجب علينا حبّ رسولنا صلى الله عليه وسلم:

أليس هو النبي الذي رفع الله ذكره،؟ كما في قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)، “سورة الشرح، الآية 4”.

أليس هو الذي قرن الله طاعته بطاعته، فقال: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)، “سورة النساء، الآية 80”.

أليس هو الذي قرن الله محبته بالسير على هديه؟، فقال: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ)، “سورة آل عمران، الآية 31”.

أليس هو الذي سيندم العصاة على مخالفته؟، كما في قوله تعالى: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا)، “سورة الأحزاب، الآية 66”.

أليس هو الذي أمر الله المؤمنين بالصلاة والسلام عليه؟، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، “سورة الأحزاب، الآية 56”.

لقد صور أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله حال العالم قبل بعثته صلى الله عليه وسلم تصويراً صادقاً حكيماً، حيث كانت عبادة الأصنام منتشرة، كما كان الظلم واقعاً ملموساً بين الناس، وكانت الحروب تنشب على أتفه الأسباب، وفارس والروم كانتا تعيثان في الأرض فساداً، والناس كالحيتان في البحر يفتك أقواهم بأضعفهم، ذكر ذلك - رحمه الله - في قصيدته المشهورة “ نهج البردة” فقال:

أتيتَ والناس فوضى لا تمرّ بهم

إلا على صنم قد هام في صنم

والأرض مملوءة جوراً، مسخرّة

لكل طاغية في الخلق مُحتكم

نور التوحيد

وخلال تلك الظلمات التي سادت الإنسانية، جاءت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ... من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات القهر إلى نور العدل، فالرسول عليه الصلاة والسلام جاء رحمة للعالمين، وكما قال ربعي بن عامر رضي الله عنه-: “إن الله قد ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل وسماحة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”.

الافتراء على الإسلام

إن هذا العمل يأتي امتداداً لما قامت به إحدى الدول قبل سنوات عندما كرمت صاحب رواية آيات شيطانية سلمان رشدي، حيث تضمنت الرواية افتراءات وأكاذيب حول الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما تلفظ به بابا الفاتيكان ضد الإسلام، ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، والقرآن الكريم، عندما قال: بأن القرآن الكريم يحث المسلمين على القتال وأن الإسلام قد انتشر بالسيف، ولكنه يتناسى ويتغافل عن سماحة الإسلام وعدله، وأن الإسلام لم ينتشر بالسيف لأنه لو انتشر بالسيف لزال الإسلام يوم أن زال السيف، فمن الثابت تاريخياً وواقعياً، أن المسلمين لم يلجأوا في يوم من الأيام إلى إكراه أحد إلى الدخول في الإسلام، وإنما كانوا إذا فتحوا بلداً من البلاد عرضوا على أهله الإسلام، فإن دخلوا فيه عن اقتناع فيها، ونعمت، وإن أبوا إلا البقاء على دينهم وعقيدتهم، تركوهم وشأنهم، وعاملوهم بالمعاملة العادلة التي قررتها شريعة الإسلام، كما قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، “سورة البقرة، الآية 256”، ولكن ليس معنى حرية العقيدة الدينية أن يفعل الإنسان ما يؤذي مشاعر الآخرين الذين يخالفونه في العقيدة، أو أن يعتدي على مقدساتهم الدينية، أو أن يستهزئ بطقوسهم الدينية، وها نحن اليوم نرى دولاً كانت الشمس لا تغيب عن ملكها، فلما زال سيفها زالت، وانحصر ملكها، أما الإسلام والحمد لله فإنه يزداد انتشاراً في كل يوم، ونرى يومياً الآلاف يدخلون في هذا الدين الحنيف في كافة أرجاء المعمورة.

إننا ندعو المجتمع الدولي إلي ضرورة إصدار قانون يجرم الإساءة إلى الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ونطالب بضرورة الوقوف جنباً إلى جنب للتصدي لهذه الهجمة التي تمس المليار ونصف المليار من المسلمين، وتهدف إلى بث الفتن والضغائن بين الشعوب.

الدكتور يوسف جمعة سلامة

خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 117 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,278,571