صورة البنت عن نفسها تتأثر بنوع علاقتها بأمها

إن وجود صورة إيجابية عن الجسد من الأشياء التي تلعب دوراً أساسياً في تعزيز تقدير البنت لذاتها خلال فترة تنشئتها. ولذلك كان من واجب كل أم أن تعرف كيف تساعد ابنتها على الشعور بالرضى عما هو عليه جسمها، وتقديره وتكوين صورة إيجابية عن نفسها. فالبنات بشكل خاص يواجهن ضغوطاً كبيرة فيما يتعلق بجمالهن ومدى جاذبية أجسادهن. فهن نشأن في وسط استهلاكي يعج بالإعلانات التي لا يظهر فيها غير الحسناوات ذوات القد الممشوق والبطن المشدود والوجه المنحوت. ما يزيد من الضغط عليهن ويُقلل حجم رضاهن عن أجسادهن وجمالهن. فيكن والحال هذه في أمس الحاجة إلى من يرفع معنوياتهن ويمدح جمالهن وكمال أجسادهن، ولعل أول من يناط به هذا الدور هو أم البنت نفسها، فطريقة تعاملها مع جسدها هي يؤثرعلى البنت، ومدى تواصلها الشفاف معها يُسهم في رسم صورتها الذاتية عن جسدها سلباً أو إيجاباً.

إن الحفاظ على صورة إيجابية عن الجسد غالباً ما يكون أمراً في غاية الصعوبة بالنسبة للبنات في مرحلة المراهقة. ومن أكثر الأشياء التي تضر بصورة البنت على مستوى نظرها إلى جسدها ما يلي:

◆ زيادة الوزن وبعض التغيرات المتزامنة مع مرحلة البلوغ.

 

ضغط صديقاتها وقريناتها وكثرة حديثهن عن الجمال النمطي المقولب.

 

الصور الإعلامية والإعلانية التي تقدم صورة مثالية لجسد الأنثى.

◆ وجود أم قلقة بشدة بشأن وزن جسدها أو وزن ابنتها، أو تبدي استياء من مظهرها.

ويقول خبراء علم النفس الاجتماعي من عيادات «مايوكلينيك» الأميركية إن البنت التي لا تجد جسدها يصل إلى درجة المثالية التي تتخيلها تكبر وفي نفسها شعور بالسخط والنقص، وأحياناً النقمة على جسدها حتى إن كانت جميلة وغير بدينة أو زائدة في الوزن. وفي حال لازمتها هذه الصورة الذهنية لمدة طويلة، فإنها تعرض نفسها لمخاطر الإصابة بمشاكل نفسية شتى من قبيل ضعف تقدير الذات والكآبة واضطرابات الأكل. وقد تؤدي الصورة الذهنية السيئة للبنت عن جسدها أحياناً إلى انقطاع شهيتها للأكل أو اتباعها حمية غذائية صارمة أو زيادة وزنها أو إنقاصه، ما يُؤثر سلباً على نظرها لجسدها وعلى تقديرها لذاتها.

وتشير بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين عدم رضى البنت عن جسدها وعرضتها لإدمان التدخين. كما تفيد أن بعض البنات يلجأن إلى التدخين اعتقاداً منهن أن ذلك سيساعدهن على إنقاص أوزانهن. وإذا سكنت الصورة السلبية ذهن البنت لمدة طويلة، فإنها تُصبح أقل اعتزازاً بشخصيتها وأقل ثقة بنفسها، خصوصاً عند تعاملها مع الرجال، ما قد يسبب لها مشاكل مستقبلاً على مستوى التعامل مع زوجها وشريك حياتها، هذا على افتراض أنها نجحت أصلاً في الارتباط، إذ إن تأثير الصورة السلبية حول الجسد لدى بعض البنات قد ينتهي ببعضهن وحيدات بسبب تشكيكهن في قدرتهن على الزواج ونفورهن من الارتباط. وقد تقود الصورة السيئة للبنت حول جسدها إلى تفكيرها بحاجتها إلى الخضوع لجراحة تجميلية.

الحديث عن الجسد

يجب ألا تجد الأم أي حرج في الحديث مع ابنتها عن جسدها، فذلك يساعدها لا محالة على النظر إلى شكل جسمها على نحو أفضل. وينصح الخبراء كل أم لديها ابنة مراهقة بالتركيز في النقاش على الجوانب الآتية:

◆ شرح آثار البلوغ والعوامل الوراثية على جسم الفتاة. فتأكدي أن ابنتك تعي أن زيادة وزنها هو مظهر طبيعي من مظاهر نمو جسمها، خصوصاً عند البلوغ. واشرحي لها أن شكل جسدها يتأثر كثيراً بالجينات الوراثية، ومن ثم فإنها ليست مسؤولة كلياً عن شكل جسدها.

◆ التحدث عن الرسائل الإعلامية. فالبرامج التلفزيونية والأفلام وأشرطة الفيديو الموسيقية والمواقع الإلكترونية والمجلات، وحتى بعض لعب الأطفال تبعث إلى ابنتك رسالةً مفادها أن هناك نوعاً من الجمال وشكل الجسم هو المقبول دون غيره. فناقشي هذه الأمور مع ابنتك لتري كيفية تعاملها مع الرسائل الإعلامية والإعلانية والترفيهية. وشجعيها دوماً على أن تناقش معك ما تسمعه وتراه، وكل القضايا التي قد تستشكل عليها، أو لا تجد لها إجابات مقنعة أو شافية.

◆ مناقشة الصورة الذاتية. فاحرصي أن تتحدثي مع ابنتك حول صورتها الذاتية عن جسدها، وأكدي لها أنه ليس لجسم الإنسان شكل واحد موحد، وليس هناك معيار ثابت لقياس الجمال. واسأليها عما تحبه في نفسها وجسدها، واشرحي لها بدورك ما تحبينه أنت في جسدها وشخصيتها. فتعبيرك لها عن مدى فخرك بها وتقبلك واحترامك لجسدها يعينها على بناء تقديرها لذاتها وثقتها بنفسها.

◆ استعمال لغة إيجابية. فبدلاً من استعمال كلمات «بدينة» و»رشيقة» مع ابنتك، شجعيها على التركيز على الأكل الصحي أو اتباع حمية معتدلة، أو ممارسة نشاط رياضي يومي. وعليك أيضاً أن تنبهي أفراد أسرتك وأقاربك على عدم استخدام ألقاب مؤذية أو نكات تهكمية تحمل في طياتها سخرية من شكل جسم البنات البدينات أو ذوات الشعر المجعد أو النظارات كثيفة السمك.

استراتيجيات تحفيزية

بالإضافة إلى تحدثك مع ابنتك حول أهمية رسم صورة إيجابية عن جسمها، يمكنك القيام بخطوات من قبيل:

◆ التعاون مع طبيب العائلة. إذ يمكن لطبيب العائلة أن يساعد ابنتك على وضع أهداف واقعية لمؤشر الكتلة الجسمية والوزن بناءً على تاريخ وزنها وصحتها منذ الصغر. ومن شأن الطبيب أيضاً أن يعينك على اكتشاف العلامات المبكرة لعلة ما في ابنتك كاضطراب الأكل خلال إجراء أي فحوص روتينية.

◆ ساعديها على تبني عادات غذائية صحية. وذلك عبر إعداد وجبات وأطباق خفيفة وافرة بالمغذيات وقليلة السعرات، لكن احرصي في الوقت نفسه على أن تتيحي لابنتك حرية اتخاذ قراراتها الغذائية، واختيار ما تأكل بنفسها دون حجر أو وصاية بدافع الحرص على مصلحتها.

◆ ابعث رسائل مضادة للرسائل الإعلامية. فقد لا تكونين قادرة على تحصين ابنتك من سيول الصور الإعلامية التي تخترق بصرها وذهنها كل يوم عبر ترويج صورة نموذجية منمطة عن جسد المرأة. لكنك تستطيعين أن تُعرفيها على نساء شهيرات وناجحات عالمياً بفضل إنجازاتهن، وليس بفضل جمالهن أو شكل أجسامهن. كما يمكنك أن تعرضي عليها قراءة كتب أو مشاهدة أفلام عن النساء الملهمات.

◆ تشجيع بيئة مدرسية إيجابية. وذلك عبر حرصك على دعم السياسات واللوائح المدرسية الرامية إلى وقف جميع أشكال التمييز بسبب الشكل أو الجنس، وكافة أنواع التحرش والتنمر والتنابز بالألقاب. ولا تنسي طبعاً دعم جهود إدارة المدرسة وجمعية آباء وأولياء الأمور في تحسين الوجبات المقدمة للتلاميذ والطلبة.

◆ الثناء على الإنجازات. ساعدي ابنتك على تثمين ما تقوم به عوضاً عن الحديث عن الشكل الذي تبدو عليه. فاغتنمي كل الفرص التي تصادفك للثناء على جهودها واستعراض مهاراتها وإنجازاتها.

◆ التشجيع على النشاط الرياضي. وذلك من خلال المشاركة في الفعاليات الرياضية والأنشطة البدنية، وخصوصاً منها تلك التي لا تتطلب وزناً أو شكلاً معيناً. وتيقني أن هذا سيساعدها على زيادة تقدير ذاتها، وتعزيز صورتها الإيجابية عن بدنها.

◆ تقديم القدوة. فحاولي أن تكوني قدوة لابنتك. وذكريها بأنك تمارسين رياضتك المفضلة وتتبعين نظاماً غذائياً صحياً من أجل أن تتمتعي بصحة جيدة، وليس من أجل أن تحسني مظهرك أو تحصلي على قد ما أو شكل معين. وفكري ملياً في كل ما تقرئينه وتشاهدينه وتشترينه، وانتبهي جيداً إلى الرسائل التي تمررها المنتجات التي تختارين استهلاكها.

◆ استشارة اختصاصي. فعلى الرغم من كون هذه الاجتهادات قد تنفع بعض الأمهات وتساعد بناتهن على تحسين صورتهن الذهنية الذاتية حول أجسامهن. فإن بعض الأمهات لا ينجحن في ذلك.

وفي حال لازمت الصور السلبية ابنتك لوقت طويل دون أن تُفلحي في تغييرها، فرتبي زيارة مع اختصاصي. فبإمكانه تزويدك بالأدوات التي تحتاجها ابنتك لمواجهة الضغط المجتمعي الذي تكابده بسبب شكلها، ويجعلها تقدر جسدها وتعتز بنفسها أكثر من أي وقت مضى.

هشام أحناش

عن موقع «mayoclinic.com»

المصدر: الاتحاد

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,278,684