أظهرت دراسة جديدة أن الطفل الذي يتلقى دروس الموسيقى في بضع سنوات، ويستفيد من تدريبات موسيقية منهجية، يسهم في نمو دماغه بشكل ملموس وتحسن وظائفه الذهنية على نحو ملحوظ مقارنةً بالأطفال الذين لم يتلقوا دروساً في الموسيقى. وتضيف الدراسة أن الآثار الإيجابية للموسيقى على دماغ الطفل تمتد وتتواصل حتى بعد قضاء الطفل فترات طويلة منقطعاً عن ممارسة الموسيقى في صفوفه الدراسية التالية واختياره تخصصات علمية وإنسانية بعيدة عن الموسيقى والفن.
وتُشير هذه الدراسة إلى أنه حتى بعد مرور سنوات عديدة، يُلاحظ لدى الراشدين الذين تلقوا دروساً في الموسيقى لمدة سنتين أو ثلاث سنوات في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أن أدمغتهم تكون أقوى استجابةً للأصوات وتمييزاً لها بالمقارنة مع أولئك الذين لم يستفيدوا من أية دروس موسيقية في الصغر. وتوصل الباحثون إلى هذه النتيجة بعد إجرائهم دراسة مقارنة شملت 30 طالباً ممن سبق لهم الاستفادة بانتظام من دروس في الموسيقى، و15 راشداً من الفئة العمرية ذاتها ومعدلات الذكاء نفسها، لكن ممن لم يسبق لهم حضور دروس في الموسيقى إبان طفولتهم.
ويبدأ صدى الدروس المبكرة في الموسيقى في التلاشي التدريجي مع كبر الطفل ومرور سنوات عديدة تنأى به عن الذكريات السالفة لحصص العزف على البيانو أو الكمان أو السكسفون أو البوق (آلة نفخ نحاسية) أو غيره. بيْد أن قوة أثر تلك الدروس تبقى موجودة ومتحققة في الشخص بصرف النظر عما إذا كان استفاد سنتين أو ثماني سنوات من دروس في الموسيقى.
وتدل الاستجابة العصبية العالية للأصوات في المختبر على أن الأمر نفسه يحدث في الواقع اليومي المعيش. وكانت دراسة سابقة ربطت بين بعض أنواع إشارات الدماغ المسجلة لدى أولئك الذين يتلقون تداريب في الموسيقى، وارتفاع مستوى تصور الصوت ودرجة استيعابه ومعالجته من جهة، والمهارات التواصلية القائمة على ملكات سمعية أفضل ووظائف تنفيذية أحسن من جهة ثانية.
وتشمل هذه الأخيرة -الوظيفة التنفيذية- مهارات التعلم الأساسية كالانتباه والتنظيم والذاكرة قصيرة المدى والقدرة على التحليل المنطقي. ولذلك فإن تعزيز هذه المهارات لدى الطفل منذ نعومة أظافره يزوده بطرق تسعفه في سرعة اكتساب المعارف والمعلومات الأكاديمية التي يتلقاها في مساره الدراسي، وتجعله يتميز عن أقرانه في سرعة تحصيلها حتى بعد مرور سنوات عدة.
وتشير الدراسة أيضاً إلى أن التدريب الموسيقي المنهجي لا يذهب سُدى أبداً، فهو يفيد شخصية الإنسان ليس في مرحلة طفولته فقط، بل يلعب دوراً مهماً في تشكيل ذائقته الصوتية والسمعية وزيادة ذكائه السمعي. ولهذا فإن تلقي الطفل حصصاً في الموسيقى يعود بنفع عميم ومستدام على وظائفه الذهنية، حتى عندما يكون عدد ساعات هذه الدروس محدوداً وقليلاً.
ساحة النقاش