عمرو أبوالفضل
أوضح الدكتور محمد متولي منصور الأستاذ بجامعة الأزهر أن الإمام العياشي أحد الرحالة العرب والمسلمين، وكان فقيها وعالما واديبا، جمع بين التدريس والإفتاء، ثم تفرغ للتأليف، فكتب وصفا دقيقا لمشاهداته خلال رحلاته إلى بلاد العالم الاسلامى في القرن الحادي عشر الهجري، وأنارت مؤلفاته طريق الباحثين في الفقه والتفسير، كما تناولت تفصيل الحياة الثقافية والاجتماعية، خلال تلك الفترة.
وقال إن الإمام العياشي هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن يوسف بن موسى العياشي، وولد في شهر شعبان سنة 1037هـ-1627م، وكنيته أبو سالم وقيل أبو حمزة، ولقب بـ«عفيف الدين»، وينتمى لقبيلة عياش التي تتاخم أرضها الصحراء من أحواز سجلماس جنوب غرب المغرب، وتوفي في عام 1090هـ.
وأضاف، نشأ الإمام العياشي في بيت علم وصلاح، فأبوه من العلماء الذين أسسوا الزاوية العياشية في سنة 1044هـ، لتكون مركزاً من مراكز التربية والعلم، ووجهه أبوه منذ الصغر إلى طلب العلم وحفظ القرآن الكريم ودراسة اللغة العربية والفقه والتفسير والأدب والتاريخ وتعلم القراءات والحديث على يد أخيه عبدالكريم العياشي، ورحل إلى درعة وتلقى عن شيخها محمد بن ناصر الدرعي، وانتقل إلى فاس للأخذ عن علماء القرويين، ودرس على يد كبار علماء عصره كأبي بكر بن يوسف الكتاني، وعبدالقادر الفاسي، وأبي بكر السكتاني، وأبي العباس الأبار وغيرهم، واضطرته الظروف، التى سادت المغرب في النصف الأول من القرن 17م، إلى الرحيل إلى المشرق طلبا للعلم.
حلقات التدريس
وأشار الدكتور محمد متولي إلى أن رحلة الإمام العياشي الأولى في سنة 1059 هـ-1649م، إلى الحجاز للحج، ولم يتصل بكثير من مشايخ الدين والعلماء، وفي طريق عودته تعرف على العلامة أبي بكر بن يوسف السكتاني، بمصر ورجع معه إلى المغرب ولازمه وأخذ منه القراءات وقرأ عليه بعض الشمائل للترمذي وأجازه في سائر مروياته.
وأضاف، لما تضلع الإمام العياشي في العلم جلس للتدريس وتصدر الحلقات بمسجد الزاوية العياشية، وفي سنة 1064هـ-1653م، اراد مواصلة تحصيله العلمي والسفر الى المدينة المنورة والأخذ عن كبار العلماء والأدباء والمتصوفة والمحدثين والفقهاء، وجلب نسخة من شرح شهاب الدين الخفاجي على كتاب«الشفاء»، للقاضي عياض، الذي كان مهتما بالعلم والعلماء، ومكث هناك سنوات عدة وجاور بالمدينة المنورة والحرم الشريف وأخذ العلم عن جماعة من الشيوخ والعلماء منهم زين العابدين الطبري وعبدالله باقشير، وعلي بن الجمال، وعبدالعزيز الزمزمي وإبراهيم الكردي وحسين العجمي، وعيسى الثعالبي، ونال من هؤلاء جميعا الإجازات وكتب عن بعضهم الأسانيد، وزار القدس والخليل فى نهاية رحلته، ولما عاد الى المغرب غلبه الحنين الى الجو العلمي السائد بمكة المكرمة، وخرج اليها في عام 1072هـ-1661م، وأقام بها نحو عامين، وامضى وقته في الاتصال بكبار الفقهاء والمتصوفة وجاور وحج مرتين واعتمر مرات عدة، وجلس للتدريس في المدينة المنورة، وأجاز كثيرا من العلماء، وناظر وتباحث في الفقه، وعند عودته استصحب معه كثيرا من الكتب والمؤلفات.
التدريس والإفتاء
وذكر الدكتور محمد متولي منصور الأستاذ بجامعة الأزهر أن العياشي أخذ عن مشاهير علماء الأزهر والقدس، واتصل بعلماء طرابلس والقيروان ووهران وتلمسان، واسند إليه كرسي التدريس بالمدينة المنورة، وعقب عودته أسند له كرسي التدريس والإفتاء بفاس، ثم تفرغ للتأليف بالزاوية العياشية، وخلف مؤلفات فريدة في الفقه والتفسير والفلسفة والتاريخ واللغة بعضها لازال محفوظا في الزاوية العياشية منها «إظهار المنة على المبشرين بالجنة»، و«تحفة الأخلاء بأسانيد الأجلاء»، و«تنبيه ذوي الهمم العالية على الزهد في الدنيا الفانية».
وقال إن الدارسين والباحثين اعتبروا كتابه «ماء الموائد»عن رحلته الى المشرق، التي تعرف بالرحلة العياشية، من أشهر المؤلفات في الرحلات، فقد رسم فيه الحياة بكل تجلياتها في القرن الحادي عشر الهجري والانطباع الذي خلفته الديار المقدسة والمدن التي زارها والأهمية التي رأى أنها تستحقها، وتسجيل ما شاهده وما كابده في أسفاره، واحتفى بهذه الرحلة الشرق والغرب نظرا لما يحتويه الكتاب من أخبار واثار ومواقف ونصوص ورسائل واجازات وخطب وتراجم وغيرها من المصادر العلمية القيمة، فقد حرص العياشي على تدوين الاحداث والوقائع ووصف الطرق والزوايا وعادات وتقاليد السكان وأزياءهم وأطعمتهم واحتفالاتهم، ومعاملاتهم وطرق استشفائهم ورصد بدقة الخصائص الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتحدث باستفاضة عن الرجال والعلماء والصلحاء والمعارك والكتب والخزائن والمكتبات والبيوع والمعاملات، وعني بالبيان والأشعار.
تبحر في العلوم
كما أشار إلى بروز موسوعته وفكر الإمام العياشي وتبحر معارفه في العلوم الشرعية من خلال مناقشته العديد من القضايا والنوازل الدينية الدقيقة التي عرضت له في اسفاره خاصة الى المدينة والقدس والرملة وغزة والخليل، وضمن كتابه تفصيل حياته الفكرية والعلمية وتجربته الشخصية كعالم رحالة، وعبر الرحلة تميز اسلوبه بالفصاحة والجزالة والامانة في العرض.
ساحة النقاش